المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كتاب الحج) ===   (كتاب الحج) هو لغة: القصد؛ كما قاله الجوهري (1)، وقال - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌ ‌(كتاب الحج) ===   (كتاب الحج) هو لغة: القصد؛ كما قاله الجوهري (1)، وقال

(كتاب الحج)

===

(كتاب الحج)

هو لغة: القصد؛ كما قاله الجوهري (1)، وقال الخليل: كثرة القصد إلى من يُعَظَّم (2)، وشرعًا: قصد الكعبة للنسك الآتي بيانُه.

والأصل فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع.

قال القاضي الحسين: والحج من الشرائع القديمة؛ روي أن آدم عليه السلام لما حجَّ .. قال له جبريل: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة (3).

وفي "شرح التعجيز" لمؤلفه: أن أول من حجَّ آدمُ عليه السلام (4)، وأنه حجَّ أربعين سنة من الهند ماشيًا (5)، وقيل: ما من نبي إلَّا حجَّه (6)، وقال أبو إسحاق: لم يبعث الله نبيًّا بعد إبراهيم إلا وقد حجَّ البيتَ (7).

وحكى بعضُ مَنْ ألف في المناسك وجهين في أنه هل كان واجبا على الشرائع قبلنا؟ وادَّعى أن الصحيح: أنه لم يجب إلا على هذه الأمة، واستغرب.

(1) الصحاح (1/ 267).

(2)

العين (9/ 3).

(3)

أخرجه البيهقي بنحوه في "الشعب"(3700) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وانظر "أخبار مكة" للأزرقي (1/ 12 - 22)، أورد المؤلف رحمه الله تعالى فيه بأسانيده آثارَ حجّ وطواف الملائكة قبل آدم عليه السلام.

(4)

أخرجه الأزرقي بنحوه في "أخبار مكة"(1/ 21) عن محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى، وأبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1565) عن محمد بن كعب رحمه الله تعالى.

(5)

أخرجه البيهقي في "الشعب"(3701، 3702) عن أنس وابن عباس رضي الله عنهم.

(6)

أخرجه البيهقي في "الشعب"(3713)، و"السنن"(5/ 177) عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى، وفيهما استثناء هود وصالح عليهما السلام.

(7)

أخرجه الأزرقي (1/ 48) عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى.

ص: 613

هُوَ فَرْضٌ، وَكَذَا الْعُمْرَةُ فِي الأَظْهَرِ

===

والأحاديث في فضل الحج، وعِظم شأنه، وتمحيصه الذنوبَ .. أكثرُ من أن تُحصر (1).

قال القاضي الحسين هنا: وهو أفضل العبادات؛ لأنه يشتمل على المال والبدن (2).

(هو فرض) أي: مفروض بالإجماع، وفُرِضَ سنة خمس، كما جزم به الرافعي في الكلام على أن الحج على التراخي (3)، وقيل: سنة ست، وصححه الشيخان في (كتاب السير)(4)، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، وقيل: قبل الهجرة.

(وكذا العمرة في الأظهر) لما رواه أصحاب "السنن الأربعة" عن أبي رَزين

(1) منها: ما في "صحيح ابن حبان"[1887] من حديث ابن عمر مرفوعًا: "إِنَّ لِلْحَاجِّ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ أَنَّ رَاحِلَتَهُ لَا تَخْطُو خُطوَةً إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بهَا حَسَنَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بهَا خَطِيئَة، فَإذَا وَقَفَ بعَرَفَةَ .. فَإِنَّ الله تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: اُنْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِيَ شُعْثًا غُبْرًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ، وَرَمْلِ عَالِجٍ، وَإِذَا رَمَى الْجمَارَ لَا يَدْري أَحَدٌ مَا لَهُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ .. فَلَهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطت مِنْ رَأْسِهِ نُورَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ .. خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أمُّهُ".

ورواه الأزرقي في "تاريخ مكة"[2/ 5 - 6] من حديث أنس بزيادة، وقال: "لَا تَضَعُ نَاقَتُكَ خُفًّا، وَلَا تَرْفَعُهُ إِلَّا كَتَبَ الله لَكُمْ حَسَنَةً، وَمَحَا عَنْكُمْ سَيِّئَةً، وَأَمَّا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ .. فَعِتقُ رَقَبَةٍ - وزاد في الوقوف -: أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ، ولِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ، وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجمَارَ .. فَيُغْفرُ لَكَ بكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا كَبيرَةٌ منَ الْكَبَائِر الْمُوبِقَاتِ، وَأمَّا نحْرُكَ .. فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ - وقال في الطوافَ -: وَيَأْتِي مَلَكٌ فَيَضَعُ كَفَّيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ وَيَقُولُ لَكَ: اعْمَلْ لِمَا قَدْ بَقِيَ .. فَقَدْ غُفِرَ مَا مَضى.

وعنِ ابن مسعود رفعه: "مَنْ جَاءَ حَاجًّا يُرِيدُ وَجْهَ الله تَعَالَى .. فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَشَفَعَ فِيمَنْ دَعَا لَهُ"، ذكره المنذري في "جزئه".

وفيه عن جابر رفعه: "مَنْ قَضَى نُسُكَهُ وَسَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ .. غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ مِنْ ذنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ".

وفيه أيضًا عن عائشة رضي الله عنها رفعته: "إِذَا خَرَجَ الْحَاجُّ مِنْ بَيْتِهِ .. كَانَ فِي حِرْزِ الله، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِي نُسُكَهُ .. يُغفرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وَمَا تأَخَّرَ، وَإِنْفَاقُ الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ يَعْدِلُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ الْفٍ فِيمَا سِوَاهُ". اهـ هامش (أ).

(2)

بلغ مقابلة على خط مؤلفه، عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).

(3)

الشرح الكبير (3/ 295).

(4)

الشرح الكبير (3/ 340)، روضة الطالبين (2/ 206).

ص: 614

وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: الإِسْلَامُ، فَلِلْوَليِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَالْمَجْنُونِ،

===

العُقَيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظَّعن، قال:"حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ" صححه الترمذي وابن حبان والحاكم (1).

قال الإمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجودَ منه، ولا أصحّ.

والثاني: أنها سنة؛ لحديث جابر رضي الله عنه: أنه عليه السلام سئل عن العمرة أواجبة أم لا؟ قال: "لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح (2).

قال المصنف: ولا تغترَّ بكلام الترمذي في هذا، فقد اتفق الحفاظ على ضعفه، قال: والمحفوظ كما قاله البيهقي: وقفه على جابر (3).

(وشرطُ صحته) أي: صحة ما ذكر من الحج والعمرة (الإسلام) فلا يصحّ من الكافر، ولا للكافر أصليًّا كان، أو مرتدًا؛ لعدم أهليته للعبادة.

(فللولي) أي: ولي المال (أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز) لما رواه مسلم عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي رَكْبًا بالروحاء، فرفعت امرأةٌ إليه صبيًّا، وقالت: يا رسول الله؛ هل لهذا حجّ؟ قال: "نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ"، وفي "سنن أبي داود":(فأخذت بعَضُده، وأخرجته من محِفَّتها)(4)، ومعلوم أن من يؤخذ بعَضُده، ويخرج من المِحفَّة يكون صغيرًا جدًّا.

(والمجنون) قياسًا على الصبي.

وأفهم: أنه لا يجوز لغير الولي الإحرام عنه؛ كالأم والأخ ونحوهما، وهو الصحيح، وأجابوا عما يوهمه الحديث المذكورُ من جواز إحرام الأم عنه: باحتمال أنها كانت وصية.

(1) صحيح ابن حبان (3991)، المستدرك (1/ 481)، سنن أبي داوود (1810)، سنن الترمذي (930)، سنن النسائي (5/ 117)، سنن ابن ماجة (2906)، مسند أحمد (4/ 11).

(2)

سنن الترمذي (931).

(3)

المجموع (7/ 6)، سنن البيهقي (4/ 349).

(4)

صحيح مسلم (1336)، سنن أبي داوود (1736).

ص: 615

وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ. وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الإِسْلَامِ بِالْمُبَاشَرَةِ إِذَا بَاشَرَهُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ، فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ

===

نعم؛ لو أذن الولي لمن يحرم عنه .. جاز على الأصحِّ في "زيادة الروضة".

ولا يشترط كونُ الولي حلالًا، ولا أن يكون حجّ عن نفسه، ولا حضور الصبي، ومواجهته بالإحرام على الأصحِّ.

قال في "شرح المهذب": وكيفية الإحرام عن الصبي؛ كما قاله الأصحاب: أن ينوي جعله محرمًا" (1)، وحيث صار الصبي محرمًا فما أمكن صدوره منه لا يكفي فيه فعلُ الولي، بل لا بدّ من استصحابه معه، فيطوف به، ويسعى، ويأتي بالرَّمَل على الجديد، ويُحضره المواقفَ كلَّها.

والتقييد بـ (غير المميز) يفهم: أنه لا يجوز له الإحرام عن المميز، وهو ما نقل تصحيحَه في "شرح مسلم" عن الأصحاب (2)، وقال الأَذْرَعي: إنه الصحيح الذي اقتضى كلام الجمهور، ونص الشافعي الجزم به، لكنّ الأصح في "أصل الروضة": أنه يصحّ إحرامه عنه (3).

وتقييد المصنف بـ (الصبي)، و (المجنون) يُفهم: أنه لا يصحّ الإحرام عن المغمى عليه، وهو كذلك.

(وإنما تصح مباشرتُه من المسلم المُميِّز) كسائر العبادات البدنية، ويشترط: إذن الولي للصبي، فإن لم يأذن له واستقلّ بالإحرام .. لم يصحّ على الأصحِّ؛ لأنه يفتقر إلى المال، وهو محجور عليه فيه.

(وإنما يقع عن حَجَّة الإسلام) وعمرته (بالمباشرة إذا باشره المكلَّفُ الحرُّ، فيجزئ حجُّ الفقير) كما لو تكلَّف المريض حضورَ الجمعة، أو الغني خطرَ الطريق، وحج.

والمراد: المكلف من حيثُ الجملةُ لا المكلف بالحج، (دون الصبي والعبد) بالإجماع.

(1) المجموع (7/ 22).

(2)

شرح صحيح مسلم (9/ 100).

(3)

روضة الطالبين (3/ 120).

ص: 616

وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالاسْتِطَاعَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ: - أَحَدُهُمَا: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ، وَمُؤْنَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ .. لَمْ تشتَرَطْ نَفَقَةُ الإِيَابِ،

===

نعم؛ لو بلغ، أو عَتَقَ قبل الوقوف بعرفة، أو قبل فراقها في وقت الوقوف .. أجزأهما عن حجة الإسلام؛ لإدراكهما معظمَ العبادة، كمن أدرك الركوع.

نعم؛ لو كان سعى عقب طواف القدوم .. لزمه إعادتُه على الأصحِّ؛ لوقوعه في حال النقصان، وإن كَمَلَا بعد الوقوف وعادا إليه في وقته .. أجزأهما، وإلا .. فلا على الأصحِّ.

ووقوع العتق والبلوغ في أثناء العمرة على هذا التفصيل أيضًا، والطواف فيها كالوقوف في الحجِّ.

(وشرط وجوبه: الإسلامُ، والتكليف، والحرية، والاستطاعة) بالإجماع.

نعم؛ المرتد يجب عليه وإن كان كافرًا؛ لالتزامه إياه بالإسلام، وفائدة الوجوب عليه: أنه لو استطاع في ردته وتمكن، ثم تلف المالُ في الردة، أو بعد الإسلام وقبل التمكن، ثم استفاد مالًا آخر ومات قبل التمكن .. فإنه يُقضى عنه من تركته.

وإذا اجتمعت هذه الشروط .. وجب مرة على التراخي؛ خلافا للأئمة الثلاثة.

(وهي نوعان: أحدهما: استطاعةُ مباشرةٍ، ولها شروط: أحدها: وجود الزَّاد وأوعيتِه) حتى السُّفْرة؛ كما قاله القاضي الحسين، (ومؤنةِ ذهابه وإيابه) لما روي: أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا سئل عن (السبيل) المذكور في الآية، قال:"الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، قال في "شرح المهذب": لكنه حديث ضعيف وإن حسَّنه الترمذي وصححه الحاكم (1).

(وقيل: إن لم يكن له ببلده أهلٌ وعشيرة .. لم تشترط نفقةُ الإياب) لأن البلاد كلَّها بالنسبة إليه سواء، والصحيح: الأول؛ لما في الغربة من الوحشة.

(1) المجموع (7/ 41)، المستدرك (1/ 442)، سنن الترمذي (813) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 617

فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ .. لَمْ يُكَلَّفِ الْحَجَّ، وَإِنْ قَصُرَ وَهُوَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ .. كُلِّفَ

===

والأهل: كلّ من تلزمه نفقتُه؛ كالزوجة، والقريبِ، والعشيرةُ: الأقارب من قبل الأب أو الأم.

ولو قال المصنف: (أهل أو عشيرة) كما في "الروضة"(1) .. لكان أولى؛ لأن وجود أحدهما كافٍ في الجزم باشتراط نفقة الإياب؛ خلافًا لما تقتضيه عبارة "الكتاب"، و"أصله"(2).

ولو قال: (لم تشُترط مؤنةُ الإياب) .. لكان أحسن؛ ليتناول الراحلة ونحوَها.

(فلو كان يكسب ما يفي بزاده) وغيره من المؤن (وسفرُه طويل .. لم يكلَّف الحجّ) لأنه قد ينقطع عن الكسب لعارض، وبتقدير ألَّا ينقطع .. فالجمعُ بين تعب السفر والكسب مشقةٌ عظيمة.

(وإن قصُر) بأن كان على دون مرحلتين من مكة (وهو يكسب في يوم كفاية أيام .. كُلِّف) لانتفاء المشقة.

قال المنكت: (ولم أرَ من ضبطها، ويتبادر إلى الفهم: أن أقلَّها ثلاثة، واستنبط الإسنوي من تعليل الرافعي - عدم اللزوم فيما إذا كان يكسب كلَّ يوم ما يكفي ذلك اليومَ خاصة .. بأنه ينقطع عن كسبه في أيام الحجّ، فيتضرر - أنها ستة، وهي أيام الحجّ من الثامن إلى آخر الثالث عشر)(3).

ولو كان يقدر أن يَكْسِب في الحضر ما يُقدَّر أن يكفيه لذلك وللحج .. فهل يجب عليه الاكتسابُ؟ قال الإسنوي: لم يُصرِّحوا به، غير أنَّا نقول: إن كان على دون مسافة القصر .. وجب؛ لأنهم إذا أوجبوا عليه مع وقوعه في السفر .. ففي الحضر أولى، وإن كان طويلًا .. فيتجه أيضًا الوجوب؛ لانتفاء المحذورات السابقة. انتهى، وفيه نظر.

(1) روضة الطالبين (3/ 5).

(2)

المحرر (ص 120).

(3)

السراج (2/ 243).

ص: 618

الثَّانِي: وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ، فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ .. اشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ، وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الآخَرِ

===

(الثاني: وجودُ الراحلة) ببيع أو استئجار (لمن بينه وبين مكة مرحلتان) للحديث المار (1)، وسواء قدر على المشي أم لا.

ومراد الفقهاء بـ (الراحلة): كلّ ما يركب من الإبل، ذكرًا كان أو أنثى، قال المحب الطبري: وفي معنى (الراحلة): كلّ حَمُولة اعتيد الحملُ عليها في طريقه؛ من بِرْذَوْن، أو بغل، أو حمار.

(فإن لحقه بالراحلة مشقةٌ شديدة .. اشترط وجودُ محمِل) دفعًا للضرر، وضابط هذه المشقة؛ كما نقله في "الكفاية" عن الجويني: أن يلحقه من المشقة بين المَحِمل والراحلة ما يلحقه بين المشي والركوب (2).

ولو شقّ عليه ركوب المَحمِل .. اعتبر في حقه الكَنِيسة؛ كما نقلاه عن "الشامل"، وأقرّاه (3).

والمَحمِل: هو الخشبة التي يركب فيها، والكنيسة: أعوادٌ مرتفعة في جوانب المَحمِل يكون عليها ستر دافع للحرّ والبرد.

ومحلّ التقييد: في الرجل، أما المرأة .. فيشترط المَحمِل في حقها مطلقًا؛ لأنه أسترُ لها؛ كذا نقلاه في "الشرح"، و"الروضة"، و"شرح المهذب" عن المَحاملي وغيره من العراقيين، وأقرَّاه (4).

(واشتُرط شريك يَجلس في الشقّ الآخر) وإن قدر على المَحمِل بتمامه، وعلّله في "الوسيط" بأن بذل الزيادة خسرانٌ لا مقابل له (5)، قال في "المهمات": (ومقتضى هذا التعليل: أن ما يحتاج إليه في سفره؛ من الزاد وغيره يقوم مقام الشريك، وكذا

(1) في (ص 617).

(2)

كفاية النبيه (7/ 38).

(3)

الشرح الكبير (3/ 283)، روضة الطالبين (3/ 4).

(4)

الشرح الكبير (3/ 284)، روضة الطالبين (3/ 4)، المجموع (7/ 44).

(5)

الوسيط (2/ 583).

ص: 619

وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ .. يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، فَإِنْ ضَعُفَ .. فَكَالْبَعِيدِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ، وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ،

===

الأمتعة المُستأجِرُ على حملها، وكلام كثير من المختصرات يقتضي تعيِّنَ الشريك، وليس توجيهه ببعيد) (1).

(ومن بينه وبينها دون مرحلتين، وهو قوي على المشي .. يلزمه الحجّ، فإن ضعف .. فكالبعيد) للمشقة على الضعيف دون القوي.

وخرج بـ (المشي): الحَبْوُ؛ فإنه لا يلزمه وإن أمكن على الأصحِّ.

(ويشترط: كون الزاد والراحلة) اللائقين (فاضلين عن دينه) حالًّا كان أو مؤجلًا، أما الحالّ .. فلأن وجوبه ناجز، والحجَّ متراخ، ولو رضي صاحب الحقّ بالتأخير .. لم يجب أيضًا؛ لأن المنية قد تخترمه، فتبقى ذمته مرتهنة، وأما المؤجل .. فلأنه قد يحلّ بالموت، أو بانقضاء الأجل، ولا يجد ما يقضي به الدين لو صَرف ما معه إلى الحج.

وشمل إطلاقه دين الله؛ كالنذر، والكفارة، ودين الآدمي، ويؤخذ من اشتراط كونهما فاضلين عن دينه: اشتراطُ كونهما فاضلين عن دَسْت ثوب يليق به؛ إذ ذلك مقدم على الدين.

(ومؤنة من عليه نفقتهم مدّةَ ذهابه وإيابه) لئلا يضيَّعوا.

(والأصح: اشتراط كونه فاضلًا عن مسكنه، وعبدٍ يَحتاج إليه لخدمته) لزمانته، ومنصبه؛ ، كما يبقيان في الكفارة، وعلى هذا: لو كان معه نقا يريد صرفه إليهما .. مُكِّن منه، والثاني: لا يشترط، بل يباعان، ونصَّ عليه في "الأم"(2)؛ لأن الاستطاعة مفسرة في الخبر بالزاد والراحلة، وهذا واجد لهما.

والفرق بين الحج والكفارة: أن العتق في الكفارة له بدلٌ معدول إليه، بخلاف الحجّ.

(1) المهمات (4/ 207).

(2)

الأم (3/ 290).

ص: 620

وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتهِ إِلَيْهِمَا. الثَّالِثُ: أَمْنُ الطَّرِيقِ،

===

ومحلّ الخلاف: إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته، وكانت سكنى مثله، والعبد يليق به، فأما إذا أمكن بيع بعض الدار، ووَفَى ثمنُه بمؤنة الحج، أو كانا نفيسين لا يليقان بمثله، ولو أبدلهما .. لوَفَى التفاوتُ بمؤنة الحج .. فإنه يلزمه ذلك.

وقضية إطلاق المصنف وغيره: أنه لا فرق في اعتبار المسكن، والخادم بين المرأة المكفية بإسكان الزوج وإخدامه، وبين غيرها.

وسببه: أن الزوجيّة قد تنقطع فتحتاج إليهما، وكذلك المسكن للمُتفقِّهة الذين يسكنون بيوتَ المدارس، والصوفيةِ المعتادين الرُّبُطَ والخوانق، وفيه نظر؛ لأنه غير محتاج إليهما الآن، وتتوقع الحاجة في المستقبل، فأشبه رأسَ مال التجارة، ويمكن أن يقال هذا أيضًا في المزوجة.

واقتصاره على هذه الشروط يوهم أن الحاجة إلى النكاح، وحاجةَ الفقيه إلى كتبه لا يمنعان الوجوبَ، وهو في التزويج كذلك على الأصحِّ في "الروضة"، وأما الكتب .. فلا، بل الصواب كما قاله في "شرح المهذب": أنها تبُقَّى له، إلا أن يكون له من كلّ كتاب نسختان (1)، وذكر ابن الأستاذ في "شرح الوسيط" أن خَيْلَ الجندي وسلاحَه ككتب الفقيه.

(وأنه يلزمه صرفُ مال تجارته إليهما) أي: للزاد والراحلة؛ كما يلزمه صرفه في دَينه، ويخالف المسكن والخادم، فإنه يحتاج إليهما في الحال، وما نحن فيه يتخذ ذخيرةً للمستقبل، والثاني: لا؛ لئلا يلتحق بالمساكين، ويجري الخلاف في الأملاك التي ينفق من رَيْعها.

وقضية إطلاقه: أنه لا فرق بين أن يكون له كسبٌ أم لا، قال الإسنوي: وفيه بعد.

(الثالث: أمنُ الطريق) في كلّ مكان بحسب ما يليق به؛ لأن خوفه ينفي استطاعة السبيل، والمراد بالأمن: الأمن العام، فلو كان الخوف في حَقّه وحده .. قضى من

(1) روضة الطالبين (3/ 7)، المجموع (7/ 46).

ص: 621

فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ سِوَاهُ .. لَمْ يَجِبِ الْحَجُّ. وَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ إِنْ غَلَبَتِ السَّلَامَةُ،

===

تركته؛ كما نقله البُلْقيني عن النصّ، وجزم في "الكفاية" بأنه إذا كان الخوف في حقّ الواحد، والنفر القليل .. لم يمنع الوجوب (1)، ولا بدّ من اشتراط رُفْقة تخرج معه وقت العادة إن احتاج إليها.

(فلو خاف على نفسه، أو ماله) وإن قلَّ (سَبُعًا، أو عدوًّا، أو رَصَديًّا) وهو الذي يَرقُب الناس في الطريق؛ لأخذ شيء منهم، مسلما كان أو كافرًا، (ولا طريق سواه .. لم يجب الحج) لحصول الضرر.

ومحل ما ذكره في الرصدي: إذا كان الحاجّ هو الباذل؛ فإن بذل الإمام، أو نائبه .. وجب الحجّ؛ كذا نقله المحبُّ الطبري في "شرح التنبيه" عن "التجربة النظامية"، وقضيته: أن الأجنبي ليس كذلك، قال في "المهمات": وهو القياس؛ لما فيه من المنَّة (2).

(والأظهر: وجوب ركوب البحر إن غلبت السلامةُ) كما يجب السير في البرّ حينئذ؛ فإن غلب الهلاك .. حرم الركوب قطعًا، وإن استوى الأمران .. لم يجب، ويحرم على الصحيح في "زيادة الروضة"، و"شرح المهذب"(3)، والثاني: لا يجب مطلقًا؛ لما فيه من الخوف والخطر، والثالث: يجب مطلقًا؛ لإطلاق الأدلة هذا كلّه إذا لم يكن في البرّ طريق، فإن كان .. لزمه الحج قطعًا.

نعم؛ لو امتنع سلوك البرّ لعارض، كجدبٍ، وعَطشٍ .. فجزم الجُوْريُّ بأنه لا يجب ركوب البحر، بل ينتظر زوالَ العارض، قالا: وليست الأنهار العظيمةُ؛ كجَيْحون في حكم البحر على الصحيح؛ لأن المقام فيها لا يطول، والخطر فيها لا يعظم، كذا أطلقاه (4).

(1) كفاية النبيه (7/ 44).

(2)

المهمات (4/ 217).

(3)

روضة الطالبين (3/ 9)، المجموع (7/ 52).

(4)

الشرح الكبير (3/ 290)، روضة الطالبين (3/ 9).

ص: 622

وَأَنَّهُ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ. وَيُشْتَرَطُ: وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَعَلَفِ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ

===

وقال الأَذْرَعي: كان التصوير فيما إذا كان يقطعها عرضًا، أما لو كان السيرُ فيهما طولًا .. فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر، ولو كان البحر مغرقًا أو كان قد اغتَلَم وهاج .. حرم ركوبه لكلّ سفر.

(وأنه تلزمه أجرة البَذْرَقة) لأنها أُهْبَة من أُهَب الطريق مأخوذة بحقّ، فكانت كأجرة الدليل إذا لم يعرفوا الطريقَ إلا به.

والبَذْرَقة: بذال معجمة ومهملة: الخُفارة: لفظةٌ عجميَّة معرَّبة، والمراد: أنه إذا وجد من يأخذ أجرة المثل ويُخفره؛ بحيث يأمن معه في غالب الظنّ .. وجب استئجاره على الأصحِّ، والثاني: لا يجب؛ لأنه خُسران لدفع الظلم، فأشبه التسليم إلى الظالم، وما رجحه تبع فيه "المحرر"، وقالا في "الشرح" و"الروضة": إنه أظهر عند الإمام، لكن حكى في "الكفاية" الثاني عن النص، قال: وبه قال سائر العراقيين، والقاضي الحسين، وقال في "المهمات": إن به الفتوى (1).

وقضية كلام الكتاب: أن الخلاف قولان، وليس كذلك، بل هو وجهان؛ كما في "الشرحين"، و"الروضة"، و"شرح المهذب"(2).

(ويشترط: وجود الماء والزاد في المواضع المعتادِ حملُه منها بثمن المثل، وهو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان) حتى لو كان عام جَدْب، وخلا بعض المنازل عن أهلها، أو انقطعت المياه .. لم يلزمه الحجّ؛ لعظم المؤنة في حمله، وكذا لو وجدهما بأكثر من ثمن المثل؛ لما فيه من الإجحاف.

(وعلفِ الدابة في كلّ مرحلةٍ) لأن المؤنة تعظم في حمله أيضًا، قال في "شرح

(1) المحرر (ص 121)، الشرح الكبير (3/ 292)، روضة الطالبين (3/ 10)، كفاية النبيه (7/ 47)، المهمات (4/ 218).

(2)

الشرح الكبير (3/ 292)، روضة الطالبين (3/ 10)، المجموع (7/ 50).

ص: 623

وَفِي الْمَرْأَةِ: أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ أَوْ نِسْوَةٌ وثِقَاتٌ،

===

المهذب": وينبغي اعتبار العادة، كالماء (1)، قال الأَذْرَعي وغيره: وهو متعين، وإلا .. لمَا لزم آفاقيًّا الحجُّ أصلًا.

(وفي المرأة: أن يخرج معها زوج، أو محرم) بنسب أو غيره (أو نسوةٌ ثقات) لأن سفرها وحدها حرام وإن كانت في قافلة؛ كما صرحا به الأحاديث الصحيحة؛ لخوف استمالتها وخديعتها، وفي الصحيح: اعتبار الزوج أو المَحرم (2)، وأما النسوة الثقات .. فلأنهن إذا كثرن انقطعت الأطماعُ عنهنّ، بخلاف غير الثقات.

وظاهر كلامه: اشتراط ثلاث نسوة غيرها، قال الإسنوي:(وهو بعيد لا معنى له، بل المتجه: الاكتفاء باجتماع أقل الجمع، وهو ثلاث، وأيُّ معنى لاشتراط الأربعة بخصوصها، وأيُّ دليل يدل عليه؟ ! )(3) وقال الأَذْرَعي: قضية كلام الأكثرين: الاكتفاءُ بالمرأتين؛ لأنهن يصرن ثلاثًا، واعتبار النسوة شرط للوجوب، أما الجواز .. فيجوز لها الخروج لأداء الحجّ مع المرأة الثقة على الصحيح في شرحي "المهذب" و"مسلم"(4)، وعبارة "شرح مسلم":(فلو وجدت امرأة واحدة ثقة .. لم يلزمها، لكن يجوز لها الخروج معها، هذا هو الصحيح). انتهى (5).

وهذا كلّه في حجّ الفرض؛ أما النفل .. فليس لها الخروج له، ولا لغيره من الأسفار مع النساء الخلَّص على الأصحِّ المنصوص.

قال الإسنوي: ولا شكّ أن لها الهجرة من بلاد الكفر وحدها، ولا يشترط في سفر المرأة مع المرأة ملازمتها إياها، بل لو مشت قدام القافلة أو بعدها بعيدةً .. فإنه يكفي؛ كما نقله في "شرح المهذب" عن الشيخ أبي حامد وأقره (6).

وأورد على المصنف عبد المرأة، فإنه يكفي في الوجوب خروجه معها، كما صرح

(1) المجموع (7/ 43).

(2)

أخرجه البخاري (1197)، ومسلم (1338/ 415) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

المهمات (4/ 213).

(4)

المجموع (7/ 55)، شرح صحيح مسلم (9/ 104).

(5)

شرح صحيح مسلم (9/ 104).

(6)

المهمات (4/ 215).

ص: 624

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لإِحْدَاهُنَّ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَّا بِهَا. الرَّابِعُ: أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ

===

به المرعشي في "ترتيب الأقسام"، وابن أبي الصيف في "نكته"، مع كونه ليس محرمًا لها بدليل انتقاض الوضوء بمسه، لكنه كالمحرم في النظر إليها، والخلوة بها.

وتقييده النسوة بالثقات قد يقتضي اشتراطَ بلوغهن؛ لأن الصبي ليس بثقة؛ كما صرحوا به في مواضع، وهل ذلك شرط أيضًا في المحرم والزوج أم يجري فيه الخلاف في الاكتفاء بالمميز في مساكنة المعتدة؟ قال الإسنوي: فيه نظر، ويشترط في الخنثى المشكل: وجود محرم من الرجال أو النساء، لا الأجنبيات (1).

(والأصح: أنه لا يشترط وجودُ محرم لإحداهن) لما تقدم من انقطاع الأطماع عنهن عند كثرتهن، والثاني: يشترط؛ لأنه قد ينوبهن أمر فيستعنَّ به، والزوج على هذا كالمحرم؛ كما صرح به في "شرح المهذب"(2).

(وأنه يلزمها أجرةُ المحرم إذا لم يخرج إلا بها) إذا كانت أجرةَ المثل؛ كأجرة البَذْرَقة، وأولى باللزوم؛ لأن الداعي إلى التزام هذه المؤنة معنىً فيها فأشبه مؤنةَ المَحْمِل المحتاج إليه، والثاني: المنع، وأجرة الزوج كالمحرم؛ كما صرَّح به في "الحاوي الصغير"(3)، وفي أجرة النسوة نظرٌ للإسنوي (4)، فلو امتنع المحرم من الخروج بالأجرة .. لم يُجبَر جزمًا، وكذا الزوج.

نعم؛ لو كان قد أفسد حجّها ووجب عليه الإحجاج بها .. لزمه ذلك بلا أجرة (5)، قاله الأذرعي، وكذا لو كان عبدُها محرمًا لها .. فلها إجبارُه قطعًا.

(الرابع: أن يثبت على الراحلة) أو المَحْمِل ونحوه (بلا مشقة شديدة) فإن لم يثبت أصلًا، أو كان يثبت، ولكن بمشقة شديدة؛ لكبر أو مرض .. فقد انتفت استطاعة المباشرة.

(1) المهمات (4/ 213 - 214).

(2)

المجموع (7/ 55).

(3)

الحاوي الصغير (ص 237).

(4)

المهمات (4/ 214).

(5)

عبارة غير (أ): (لو كان قد أفسد حجّها .. وجب عليه الإحجاج بها، ولزمه ذلك بلا أجرة).

ص: 625

وَعَلَى الأَعْمَى الْحَجُّ إِنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَهُوَ كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ. وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ، لكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهِ، بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ. - النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ .. وَجَبَ الإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ

===

(وعلى الأعمى الحجُّ إن وجد قائدًا) مع ما سبق؛ لاستطاعته حينئذ (وهو) أي: القائد (كالمَحرم في حقِّ المرأة) فيأتي فيه ما سبق، ويشترط في مقطوع اليدين والرجلين مع ما سبق: وجودُ مُعِين له.

(والمحجور عليه بسفه كغيره) في وجوب الحجّ؛ لأنه مكلّف (لكن لا يُدفَع المال إليه) لئلا يُبذِّره (بل يَخرُج معه الولي) إن شاء؛ لينفق عليه في الطريق بالمعروف، ويكون قوَّامًا عليه، (أو يَنصِب شخصًا له) ثقةً ينوب عنه ولو بأجرة مثله إن لم يجد متبرعًا كافيًا.

وأهمل من الشروط خامسًا، وهو: أن يبقى من الزمان بعد وجود الشروط السابقة ما يتمكن فيه من السَّيْر لأدائه على العادة، حتى لو احتاج بعد اليسار إلى أن يقطع في كلّ يوم، أو في بعض الأيام أكثرَ من مرحلة .. لم يجب الحجّ؛ كما نقله الرافعي عن الأئمة (1)، لكن قال ابن الصلاح: إن ذلك شرط لاستقراره في ذمته؛ ليجب قضاؤه من تركته لو مات، وليس شرطًا لأصل وجوب الحجّ؛ فإنه وجب بمجرد الاستطاعة؛ كما تجب الصلاةُ بأول الوقت، ويستقرّ بالإمكان (2)، وردّه عليه في "زيادة الروضة"، وقال: إن الصواب: ما قاله الرافعي (3).

(النوع التاني: استطاعةُ تحصيله بغيره، فمن مات وفي ذمته حجّ) أي: حجة الإسلام أو غيرها، وكذا العمرة ( .. وجب الإحجاج عنه من تركته) لأن امرأة قالت: يا رسول الله؛ إن أمي ماتت ولم تحجّ قطّ أفأحج عنها؟ قال: "حُجِّي عَنْهَا" رواه مسلم (4)، وفي

(1) الشرح الكبير (3/ 294).

(2)

الوسيط (2/ 587).

(3)

روضة الطالبين (3/ 12).

(4)

صحيح مسلم (1149) عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

ص: 626

وَالْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ إِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ .. لَزِمَهُ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنِ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفسِهِ،

===

"البخاري" مثلُه (في النذر)(1).

وقوله: (من تركته) ليس في "المحرر"، ولا بُدَّ منه؛ فإنه إذا لم يخلف تركة .. لا يجب على الوارث، ولا في بيت المال.

ولا بدّ من التمكن من الأداء بعد الوجوب، فلو أخر بعد الوجوب فمات أو جُنَّ، أو تلف ماله قبل تمام حجّ الناس .. لم يُقضَ من تركته على الأصحِّ.

واستثني من إطلاقه: ما لو لزمه الحجّ، ثم ارتد، ومات مرتدًا .. فإنه لا يقضى من تركته على الصحيح، أو الصواب؛ لأنه لو صحّ .. لوقع عنه، وقد يقال: خرج ذلك بقوله: (من تركته)؛ لأن المرتد [إذا مات على الردّة] .. لا تركة له (2).

(والمعضوبُ العاجز عن الحجّ بنفسه) حالًّا أو مآلًا؛ لزَمَنٍ أو كِبَرٍ أو غيرهما (إن وجد أجرةَ مَنْ يحجّ عنه بأجرة المثل .. لزمه) لأنه مستطيع بغيره؛ لأن الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون ببذل الأموال وطاعة الرجال، ولهذا يقال لمن لا يُحسن البناء: فلان يستطيع بناء داره، وإذا صدق أنه مستطيع .. وجب عليه؛ للآية.

وفي "الصحيحين" من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن امرأة من خَثْعَم قالت: يا رسول الله؛ إن فريضةَ الله على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؛ قال: "نَعَمْ"، وذلك في حجّة الوداع (3).

ويستثنى: المعضوب إذا كان بمكة، أو بينه وبينها دون مسافة القصر .. فإنه لا يجوز له الاستنابةُ؛ لأن المشقة لا تكثر، حكاه في "شرح المهذب" عن المتولي، وأقرَّه (4).

(ويشترط كونها) أي: الأجرة (فاضلةً عن الحاجات المذكورة فيمن حجَّ بنفسه،

(1) صحيح البخاري (1852) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).

(3)

صحيح البخاري (1513)، صحيح مسلم (1334).

(4)

المجموع (7/ 66).

ص: 627

لكِنْ لَا تُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا. وَلَوْ بَذَلَ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلأُجْرَةِ .. لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ .. وَجَبَ قَبُولُهُ،

===

لكن لا تشترط نفقةُ العيال ذهابًا وإيابًا) لأنه إذا لم يفارق أهلَه .. يمكنه تحصيلُ نفقتهم، ونفقتُه كنفقتهم، كما حكاه ابن الرفعة عن البَنْدَنيجي (1).

ويشترط: أن تكون فاضلة عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار.

ولو عبّر المصنف بـ (المؤنة) بدل (النفقة) .. لكان أشمل.

(ولو بذل) أي: أعطى (ولدُه، أو أجنبي مالًا للأجرة .. لم يجب قبولُه في الأصح) للمنة، والثاني: يجب، لحصول الاستطاعة، والخلاف في الأجنبي مترتب على الابن وأولى بألا يجب، قاله في "البيان"(2).

والأبُ كالابن أو كالأجنبي؟ فيه احتمالان للإمام، ورجح الرافعي منهما الأولَ (3).

ولو استأجر المطيع إنسانًا للحج عن المطاع المعضوب، وكان المطيع ولدًا .. لزم المطاع الحجّ؛ كما نقله في "شرح المهذب" عن تصحيح المتولي، وأقره (4)، وكلام "الكتاب" قد يُفهم خلافَه.

(ولو بذل الولدُ الطاعة) بنفسه ( .. وجب قبوله) وهو إذنه له في الحجّ؛ لحصول الاستطاعة، وسواء أكان الولد ذكرًا أم أنثى، من أولاد الصلب أم غيرهم، وهذا إذا كان الولد راكبًا؛ فإن كان ماشيًا .. لم يجب قبوله على الأصحِّ في "زيادة الروضة"، و"شرح المهذب"(5)؛ لأن مشي ولدِه يشقّ عليه.

وحكمُ التعويل على الكسب أو السؤال حكمُ المشي؛ كما ذكره في "الحاوي الصغير"(6)، وليس في "الشرحين"، و"الروضة" تصريحٌ بما قاله، وإنما رجّحا

(1) كفاية النبيه (7/ 54).

(2)

البيان (4/ 45).

(3)

نهاية المطلب (4/ 137)، الشرح الكبير (3/ 307).

(4)

المجموع (7/ 67).

(5)

روضة الطالبين (3/ 17)، المجموع (7/ 65).

(6)

الحاوي الصغير (ص 236).

ص: 628

وَكَذَا الأَجْنَبِيُّ فِي الأَصَحِّ.

===

عدمَ الوجوب فيهما إذا انضمّا إلى المشي (1).

(وكذا الأجنبيُّ في الأصح) لحصول الاستطاعة؛ كالولد، والثاني: لا؛ لكون الولد بَضْعَة منه، فنفسه كنفسه، بخلاف غيره، والأخ في ذلك كالأجنبي، وكذا الأب على الأصحِّ.

وشرط الباذل: أن يكون موثوقًا به، مؤديًا لفرضه، وألا يكون معضوبًا.

وكلامه قد يُفهم عدَم وجوب سؤال الابن إذا تَوسَّم الأبُ فيه الطاعةَ، والأصحُّ المنصوص: اللزوم.

* * *

(1) الشرح الكبير (3/ 307)، روضة الطالبين (3/ 17).

ص: 629