الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
باب زكاة الحيوان
إِنَّمَا تَجِبُ مِنْهُ في النَّعَمِ -وَهِيَ: الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ- لَا الْخَيْلُ وَالرَّقِيقُ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ
===
(كتاب الزكاة)
هي لغة: النمو والبركة، يقال: زكا الزرع: إذا نما، ويطلق على المدح؛ كقوله تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} ، وعلى التطهير؛ كقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} أي: طهرها عن الأدناس، وفي الشرع: اسم لقدر من مال مخصوص، يُصرف لطائفة مخصوصة، على أوصاف مخصوصة، وسمي بذلك؛ لأن المال ينمو ببركة إخراجه، ويُطهِّر مُخرجَه من الإثم، ويَمدحه حين يشهد له بصحة الإيمان.
والأصل في وجوبها قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} ، ومن السنة: حديث: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ"(1)، وغير ذلك مما يأتي مُفرَّقا.
(باب زكاة الحيوان)
بدأ به؛ اقتداء بكتاب الصديق الذي كتبه لأنس رضي الله عنهما، وقد أخرجه البخاري بطوله مُفرَّقا (2).
(إنما تجب منه في النعم، وهي: الإبل والبقر) الأهلية (والغنم) أما وجوبها في هذه الثلاثة .. فمجمع عليه، وأما عدم الوجوب فيما عداها .. فعلى الأصل (لا الخيل والرقيق) إذا لم تكن للتجارة (3)؛ لحديث:"لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ في عَبْدهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ" متفق عليه (4)، (والمتولد من غنم وظباء) لأنها لا تُسمّى غنمًا، وإنما
(1) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
قال الإِمام الدميري رحمه الله تعالى في "النجم الوهاج"(3/ 132): (رواه البخاري مقطعًا في عشرة مواضع، وأبو داوود "1567 " بكماله).
(3)
وأوجبها أبو حنيفة في إناث الخيل. اهـ هامش (أ).
(4)
صحيح البخاري (1464)، صحيح مسلم (982) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَلَا شَيْءَ في الإِبِلِ حَتَّى تبلُغَ خَمْسًا، فَفِيهَا: شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ: شَاتَانِ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ: ثَلَاثٌ، وَعِشْرِينَ: أَرْبَعٌ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ: بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلسِتٍّ وَثَلَاثِينَ: بِنْتُ لَبُونٍ، وَلسِتٍّ وَأَرْبَعِينَ: حِقَّةٌ، وَإِحْدَى وَسِتِّينَ: جَذَعَةٌ، وَسِتٍّ وَسَبْعِينَ: بِنْتَا لَبُونٍ، وَإِحْدَى وَتسْعِينَ: حِقَّتَانِ، وَمِئَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ: ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ في كُلِّ أَرْبَعِينَ: بِنْتُ لَبُونٍ، وَكُلِّ خَمْسِينَ: حِقَّة. وَبِنْتُ الْمَخَاضِ: لَهَا سَنَةٌ،
===
وجب الجزاء فيه على المحرم؛ تغليظًا، والزكاةُ مبنية على التخفيف.
(ولا شيء في الإبل حتى تبلغ خمسًا) لحديث: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ (1) مِنَ الإبِلِ صَدَقَة" متفق عليه (2).
(ففيها شاة، وفي عشر شاتان، وخمس عشرة ثلاث، وعشرين أربع، وخمس وعشرين بنت مخاض، وست وثلاثين بنت لبون، وست وأربعين حقة، وإحدى وستين جذعة، وست وسبعين بنتا لبون، وإحدى وتسعين حقتان، ومئة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وكل خمسين حقة) لكتاب الصديق رضي الله عنه في ذلك.
وقوله: (ثم في كل أربعين
…
) إلى آخره قد يقتضي أن استقامة الحساب بذلك إنما يكون فيما بعد مئة وإحدى وعشرين، ولشى كذلك، بل يتغير الواجب بزيادة تسع، ثم بزيادة عشر؛ ففي مئة وثلاثين بنتا لبون وحقة، وفي مئة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مئة وخمسين ثلاث حقاق، وهكذا أبدًا، ولو أخرج بنتي لبون عن الحقة في ستة وأربعين، أو أخرج حقتين، أو بنتي لبون بدلًا عن الجذعة في إحدى وستين .. جاز على الصحيح في "زيادة الروضة"(3) لأنهما يجزئان عما زاد.
(وبنت المخاض: لها سنة) ودخلت في الثانية؛ لأن أمها آن لها أن تحمل مرة
(1) والذود من الإبل: ما بين الثلاثين إلى العشر، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، قاله الجوهري [2/ 411]. اهـ هامش (أ).
(2)
صحيح البخاري (1405)، صحيح مسلم (979) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
روضة الطالبين (2/ 164).
واللَّبُونِ: سَنَتَانِ، وَالْحِقَّةُ: ثَلَاثٌ، وَالْجَذَعَةُ: أَرْبَع. وَالشَّاةُ الْوَاجبَةُ: جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَة -وَقِيلَ: سِتةُ أَشْهُرٍ- أَوْ: ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ، وَقِيلَ: سَنَةٌ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ،
===
أخرى، فتصير ماخضًا؛ أي: حاملًا؛ كما قاله الجوهري (1).
(واللبون: سنتان) وطعنت في الثالثة، سميت بذلك؛ لأن أمها قد آن لها أن تضع ثانيًا، ويصير لها لبن.
(والحقة: ثلاث) وطعنت في الرابعة، سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن تُركَب وتَحمل، وأن يَطرُقها الفحلُ، ويقال: للذكر حِقّ؛ لأنه استحق أن يَطرُق.
(والجذعة: أربع) وطعنت في الخامسة، سميت بذلك؛ لأنها تُجذع مُقدَّم أسنانها؛ أي: تسُقطها، وقيل: لتكامل أسنانها.
وهذا آخر أسنان الزكاة، وهو نهاية الحسن من حيث الدَّرُّ والنسلُ.
(والشاة الواجبة) فيما دون خمس وعشرين (جذعة ضأن لها سنة، وقيل: ستة أشهر (وقيل: إن المتولد بين شاتين يُجذع لستة أشهر إلى سبعة، وبين هَرِمين لثمانية.
(أو ثنية معز لها سنتان، وقيل: سنة) ووجه عدم إجزاء ما دون هذين السِّنَّين الإجماع، وغلط من قال: يجزئ هنا ما ينطلق عليه اسمُ شاة؛ كما قاله الدارمي.
(والأصح: أنه مخير بينهما) أي: بين الضأن والمعز.
(ولا يتعين غالب غنم البلد) لحديث: "في كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ"(2)، والشاة تطلق على الضأن والمعز.
نعم؛ لا يجوز الانتقال عن غنم البلد إلى غنم بلد آخر إلا إذا كان مساويًا لها في القيمة، أو أعلى منها، فإذا كان بمكة .. فشاة مكية، أو ببغداد .. فبغدادية ضأنية أو ماعزة، والثاني: يتعين غالب غنم البلد؛ كالكفارة، والثالث: يتعين نوع غنم
(1) الصحاح (3/ 928).
(2)
أخرجه البخاري (1454) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وَأَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَكَذَا بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ .. فَأبْنُ لَبُونٍ،
===
المُزكِّي، وقيل: يجوز من غير غنم البلد مطلقًا، قال في "شرح المهذب": وهو قوي دليلًا شاذّ نقلًا (1).
(وأنه يجزئ الذكر) أي: الجذع من الضأن، والثنيّ من المعز؛ كالأضحية؛ لصدق اسم الشاة عليه؛ فإن (الهاء) فيه ليست للتأنيث، والثاني: لا؛ كالشاة المخرجة من أربعين من الغنم، وقيل: إن تمحضت إبلُه ذكورًا .. جاز، وإلا .. فلا.
(وكذا بعير الزكاة عن دون خمس وعشرين) وإن نقصت قيمته عن قيمة الشاة؛ لأنه يجزئ عن خمس وعشرين، فعما دونها أولى، والثاني: لا يجزئ عن خمس إن نقصت قيمتُه عن قيمة شاة، ولا عن عشر إن نقصت عن قيمة شاتين وهكذا، نظرًا إلى أن الشاة أصل، والبعيرَ بدل عنها، والثالث: لا يجزئ في العشر إلا حيوانان: شاتان، أو بعيران، أو شاة وبعير، ولا في الخمسة عشر إلا ثلاثة، ولا في العشرين إلا أربعة.
وقوله: (بعير الزكاة) من زياداته على "المحرر"(2) واحترز به: عمّا لا يجزئ فيها، فلو كان ابن سنة إلا يومًا .. لم يُجْزِ، كما قاله في "الدقائق"(3).
قال في "شرح المهذب": ولا بدّ أن يكون أنثى (4)؛ أي: فلا يجزئ ابن اللبون هنا وإن أجزأ هناك في حالة (فإن عدم بنت المخاض) بأن لم تكن في إبله حالة الإخراج (فابن لبون) وإن نقصت قيمته عنها؛ للنص فيه (5).
ولا يكلف شراء بنت مخاض وإن قدر عليها، بخلاف الكفارة؛ لأن الزكاة مبنية على التخفيف، بخلافها.
(1) المجموع (5/ 350).
(2)
المحرر (ص 90).
(3)
دقائق المنهاج (ص 53).
(4)
المجموع (5/ 348).
(5)
أخرجه البخاري (1448) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وَالْمَعِيبَةُ كَمَعْدُومَةٍ. وَلَا يُكَلَّفُ كَرِيمَةً لكِنْ تَمْنَعُ ابْنَ لَبُونٍ في الأَصَحِّ. وَيُؤْخَذُ الْحِقُّ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، لَا عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ في الأَصَحِّ
===
والمغصوبة والمرهونة كالمعدومة؛ كما في "شرح المهذب" عن الدارمي وغيره (1).
ويجزئ الخنثى من أولاد اللبون على الأصحِّ، ولا يجزئ الخنثى من أولاد المخاض قطعًا.
ولو عدم بنت المخاض وعنده ابن لبون وبنت لبون؛ فإن أخرج ابن اللبون .. جاز، وإن أخرج بنت اللبون من غير جبران .. جاز، فإن أراد أخذ الجبران .. لم يجز في الأصحِّ؛ لاستغنائه عنه، ولو فقد ابن اللبون مع بنت المخاض .. اشترى ما شاء منهما، وقيل: يتعين شراء بنت المخاض؛ لأن استواءهما في العلم كاستوائهما في الوجود.
(والمعيبة كمعدومة) لأنها غير مجزئة؛ فيجوز إخراج ابن اللبون مع وجودها.
(ولا يكلف كريمةً) أي: إذا كانت إبلُه مهازيلَ، وعنده بنت مخاض كريمةٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ" متفق عليه (2).
(لكن تمنع) الكريمة (ابن لبون في الأصح) لوجود بنت مخاض مجزئة في ماله، والثاني: لا تمنع؛ لأنه لا يلزمه إخراجُها، فهي كالمعدومة.
(ويؤخذ الحق عن بنت مخاض) عند فقدها؛ لأنه أولى من ابن اللبون، (لا عن بنت لبون في الأصح) بخلاف ابن اللبون حيث أجزأ عن بنت المخاض؛ لورود النص ثَمَّ، وليس هذا في معناه؛ لأن زيادة سنّ ابن اللبون علي بنت المخاض زيادةٌ توجب اختصاصه بقوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع.
والتفاوت بين بنت اللبون والحِقّ لا يوجب اختصاص الحِقّ بهذه القوة، بل هي موجودة فيهما جميعًا، والثاني: يؤخذ؛ قياسًا على أخذ ابن اللبون عن بنت المخاض.
(1) المجموع (5/ 355).
(2)
صحيح البخاري (1458)، صحيح مسلم (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وَلَوِ اتّفَقَ فَرْضَانِ كَمِئَتَيْ بَعِيرٍ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، بَلْ هُنَّ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِنْ وُجِدَ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا .. أُخِذَ، وَإِلَّا .. فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ -وَقِيلَ: يَجِبُ الأَغْبَطُ لِلْفُقَرَاءِ- وإِنْ وَجَدَهُمَا .. فَالصَّحِيحُ: تَعَيُّنُ الأَغْبَطِ،
===
(ولو اتفق فرضان كمئتي بعير .. فالمذهب: أنه لا يتعين أربع حقاق، بل هنّ، أو خمس بنات لبون) لقوله عليه الصلاة والسلام: "فَإِذَا كَانَتْ مِئَتينِ .. فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَيُّ السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ .. أُخِذَتْ" رواه أبو داوود (1).
وفي قول: تتعين الحقاق؛ لأن تغيير الواجب بالسنّ أكثر من تغييره بالعدد، فكان الاعتبار بالسن أولى، ألا ترى أن الشارع ترقى في نُصُبها إلى منتهى الكمال في الأسنان، وهي الجذعة، ثم عدل بعد ذلك إلى زيادة العدد، فأشعر ذلك بزيادة الرغبة فيه، والطريق الثاني: القطع بالأول، وتأويل الثاني على ما إذا لم توجد الحقاق.
(فإن وجد بماله أحدهما أخذ) وإن كان المفقود أغبط، وأمكن تحصيله؛ للحديث السالف، (وإلا) أي: وإن لم يوجد مسألة واحد منهما، أو وجدا مَعيبين (فله تحصيل ما شاء) من النوعين، فإنه إذا حصل أحدهما .. صار واجدًا له دون الآخر، فيجزئه.
(وقيل: يجب الأغبط) أي: تحصيله (للفقراء)(2) لأن استواءهما في العدم كاستوائهما في الوجود، وعند وجودهما يجب إخراج الأغبط؛ كما سيأتي.
(وإن وجدهما) بصفة الإجزاء (فالصحيح: تعين الأغبط) لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} ، وَالثَّاني -خرجه ابن سُرَيج-: أن المالك بالخيار؛ كما يتخير في الجبران بين الشاة والدراهم، وعند فقد الواجب بين الصعود والنزول، لكن يستحب له إخراج الأغبط إلا أن يكون ولي يتيم ونحوه، فيراعي حظَّه.
والمراد بـ (الأغبط): ما كان فيه مصلحة للفقراء؛ إما لزيادة القيمة، أو لغير ذلك؛ كاحتياجهم إلى الحِقاق؛ لحرث أو حمل ونحوهما؛ كاتبه عليه الرافعي في أثناء الفصل (3).
(1) سنن أبي داوود (1570) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
عبارة (ب) و (د): (وقيل: يجب تحصيل الأغبط للفقراء) وكلُّه من المتن.
(3)
الشرح الكبير (2/ 487).
وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ إِنْ دَلَّسَ أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي، وَإِلَّا .. فَيُجْزِئُ. وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ. وَمَنْ لَزِمَهُ: بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ .. دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتينِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَما. أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا .. دَفَعَ بنْتَ مَخَاضٍ مَعَ شَاتينِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَما، أَوْ حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتينِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا
===
(ولا يجزئ غيره) أي: غير الأغبط (إن دلس) المالك، بأن أخفى الأغبط (أو قصر الساعي) بأن أخذه مع العلم، أو أخذه بلا اجتهاد ونظرٍ في أن الأغبط ماذا؟
(وإلا .. فيجزئ) عن الزكاة، ويحسب منها؛ للمشقة الحاصلة في الردّ، والثاني: يجزئ مطلقًا؛ لأنه يجزئ عند الانفراد فكذا عند الاجتماع، والثالث: لا يجزئ مطلقًا؛ لأنه ظَهَرَ أن المأخوذ غير المأمور به.
(والأصح: وجوب قدر التفاوت) أي: إذا قلنا: إنه يجزئ .. فيجب التفاوت بينه وبين قيمة الأغبط؛ لأنه لم يدفع الفرض بكماله، فوجب جبر نقصه؛ فإذا كانت قيمة الحقاق أربع مئة، وقيمةُ بنات اللبون أربعَ مئة وخمسين، وأخذ الحقاق .. فالتفاوت خمسون، والثاني: لا يجب، بل يستحب؛ لأن المُخرَج محسوب عن الزكاة، فلا يجب معه شيء آخر؛ كما إذا أدّى اجتهادُ الساعي إلى أخذ القيمة؛ بأن كان حنفيًّا، فإنه لا يجب شيء.
(ويجوز إخراجه دراهم) لما في إخراج الشِّقْص من ضرر المشاركة، والمراد: نقد البلد دراهم كان أو دنانير، (وقيل: يتعين تحصيل شقص به) أي: بالتفاوت، لأن العدول في الزكاة إلى غير جنس الواجب ممتنع عندنا، فعلى هذا: يجب أن يشتري به من جنس الأغبط؛ لأنه الأصل، وقيل: من جنس المُخرَج؛ لئلا يتبعض الواجب، فلو كان التفاوت يسيرًا لا يحصل به شِقْص .. دفع النقد؛ للضرورة.
(ومن لزمه بنت مخاض فعدمها، وعنده بنت لبون .. دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا، أو) لزمه (بنت لبون فعدمها .. دفع بنت مخاض مع شاتين، أو عشرين درهمًا، أو حقة وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا) هكذا رواه البخاري عن أنس في كتاب
وَالْخِيَارُ في الشَّاتينِ وَالدَّرَاهِمِ: لِدَافِعِهَا، وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ: لِلْمَالِكِ في الأَصَحِّ إِلَّا أَنْ تكُونَ إِبلُهُ مَعِيبَةً. وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ،
===
أبي بكر رضي الله عنهما (1).
ومحل جواز دفع بنت اللبون عن بنت المخاض إذا عدمها وأخذ الجبران: ما إذا لم يكن عنده ابن لبون، فإن كان عنده .. امتنع ذلك على الأصحِّ.
وقوله: (فعدمها) أي: في ماله وإن أمكنه تحصيلها، واحترز بذلك: عما إذا وجدها .. فإن النزول ممتنع، وكذا الصعود إلا ألا يطلب جبرانًا؛ لأنه خَيْر، وصفة هذه الشاة صفةُ الشاة المخرجة فيما دون خمس وعشرين من الإبل في جميع ما سبق، والمراد بالدراهم: النُّقْرَةُ الخالصة.
(والخيار في الشاتين والدراهم لدافعها) سواء كان المالك أو الساعي؛ لحديث أبي بكر في ذلك.
(وفي الصعود والنزول للمالك في الأصح) لأنهما شُرعا تخفيفًا عليه حتى لا يُكلَّف الشراء، فناسب تخييره، والثاني: إن الاختيار إلى الساعي، ونص عليه في "الأم"(2)؛ ليأخذ ما هو الأحظّ للفقراء.
ومحل الخلاف: فيما إذا دفع المالك غير الأغبط، فإن دفعه .. لزم الساعي قبولُه قطعًا.
(إلا أن تكون إبله معيبة) فلا يفوض إلى خيرته، بل إلى الساعي، وقضية كلامه: أنه لا خيرة للمالك حينئذ مطلقًا، وليس كذلك، بل له الخيرة في النزول، وفي الصعود إذا لم يأخذ جبرانًا، وإنما الممتنع الصعود مع طلب الجبران؛ لأن الجبران المذكور للتفاوت بين السنين السليمين، ومعلوم أن التفاوت بين المعيبين دون ذلك، فقد تزيد قيمة الجبران المأخوذ على المعيب المدفوع.
(وله صعود درجتين، وأخذ جبرانين) كما لو وجب عليه بنت لبون فصعد إلى
(1) صحيح البخاري (1453).
(2)
الأم (3/ 19).
وَنزولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ بشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجةٍ في الأَصَحِّ. وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ جُبْرَانٍ مَعَ ثنَيّةٍ بَدَلَ جَذَعة عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: الْجَوَازُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَتُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ لِجُبْرَانَيْنِ
===
الجذعة عند فقد بنت اللبون والحقة.
(ونزول درجتين مع جبرانين) كما إذا أعطى بدل الحقة بنت مخاض؛ لأن ذلك في معنى ما ثبت في الحديث (1)(بشرط تعذر درجة في الأصح) فلا يصعد عن بنت المخاض إلى الحقة، أو ينزل عن الحقة إلى بنت المخاض إلا عند تعذر بنت اللبون؛ لإمكان الاستغناء عن الجبران الزائد، فأشبه ما لو صعد أو نزل مع إمكان أداء الواجب، والثاني: يجوز؛ لأن الموجود الأقرب ليس واجبَه، فوجوده كعدمه.
نعم؛ لو سعد ورضي بجبران واحد .. جاز قطعًا، وحكمُ الصعود والنزول بثلاث درجات كدرجتين على ما مرّ؛ مثل: أن يعطي عن جذعة بنت مخاض، أو عكسه.
(ولا يجوز أخذ جبران مع ثنية) وهي التي لها خمس سنين وطعنت في السادسة (بدل جذعة) عند عدمها (على أحسن الوجهين) لأنها ليست من أسنان الزكاة، فأشبه ما لو أخرج عن بنت المخاض فصيلًا، وهو: ما له دون سنة، فإن أخرج الثنية ولم يطلب جبرانا .. جاز؛ لأنه زاد خيرًا.
(قلت: الأصح عند الجمهور: الجواز، والله أعلم) لأنها أعلى منها بعام، فجاز؛ كالجذعة مع الحقة.
(ولا تجزئ شاة وعشرة دراهم) عن جبران واحد؛ لأن الخبر يقتضي التخيير بين شاتين وعشرين درهمًا، فلا تثبت خيرة ثالثة؛ كما لا تجوز في الكفارة الواحدة أن يطعم خمسة، ويكسوَ خمسة، ولو كان المالك هو الآخذ، ورضي بالتبعيض .. جاز، فإنه حقُّه، وله إسقاطه أصلًا.
(وتجزئ شاتان وعشرون لجبرانين) كما يجوز إطعام عشرة مساكين في كفارة يمين، وكسوة عشرة في أخرى.
(1) أخرجه البخاري (1453) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.