الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الوضوء
فَرْضُهُ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا: نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ، أَوِ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إِلَى طُهْرٍ، أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ.
===
(باب الوضوء)
هو بضم الواو: اسمُ الفعل، وبالفتح: اسمُ الماء الذي يُتوضَّأ به، وأصله: من الوضاءة، وهي النظافةُ والنضارةُ والضياءُ من ظلمة الذنوبِ، وهو في الشرع: أفعالٌ مخصوصةٌ، مُفتتحةٌ بالنية (1).
وكان فَرضُه مع فرضِ الصلاةِ؛ كما رواه ابن ماجه (2).
واختلفوا في خصوصيته بهذه الأمة.
(فرضُه) أي: أركانه (ستةٌ: أحدها: نيةُ رفعِ حدثٍ) لحديث: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"(3)، والمراد: رفعُ حكمِه، وإلّا. . فالحدثُ إذا وقع. . لا يَرتفع.
(أو استباحةِ) شيءٍ (مفتقرٍ) صحته (إلى طهرٍ) كالصلاة، ومسّ المصحف؛ لأن رفعَ الحدثِ إنما يُطلَب لهذه الأشياءِ، فإذا نواها. . فقد نوى غايةَ القصدِ.
ولو قال: (إلى وضوء). . لكان أولى؛ لأن القراءةَ، والمكثَ في المسجد مفتقران إلى طهير، وهو الغسل، مع أنه لا يصح الوضوء بنية استباحتِهما.
وأجيب: بأن ذلك خرج بقوله: (استباحة) لأن نيةَ استباحةِ القراءةِ، والمكثِ تحصيلٌ للحاصل.
(أو أداءِ فرضِ الوضوءِ) قياسًا على الصلاةِ، وقضيته: أنه لا بُدَّ من التَّعرُّض للأمرين، وليس كذلك، بل يكفي أداء الوضوء بإسقاط لفظة:(فرض)، وفرض الوضوء بإسقاط لفظة (أداء)، بل صَحَّح في "شرح المهذب"، و"التحقيق" إجزاءَ
(1) حقيقة النية: قصد الشيء مقرونًا بفعله. زيادة من (ب) وقد صححت.
(2)
سنن ابن ماجه (462)، وأخرجه الحاكم (3/ 217)، وأحمد (4/ 161) عن زيد بن حارثة رضي الله عنه، ولفظ ابن ماجه:"عَلَّمَنِي جِبْرَائِيلُ الْوُضُوءَ، وَأَمَرَني أَنْ أَنْضحَ تَحْتَ ثَوْبِي".
(3)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ. . كَفَاهُ نِيَّةُ الاسْتِبَاحَةِ دُونَ الرَّفْعِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا. وَمَنْ نَوَى تَبَرُّدًا مَعَ نِيَّةٍ مُعْتبَرَةٍ. . جَازَ فِي الصَّحِيحِ، أَوْ مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ كَقِرَاءَةٍ. . فَلَا فِي الأَصَحِّ. وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: يَكْفِي بِسُنَّةٍ قَبْلَهُ.
===
نيةِ الوضوءِ فقط (1).
(ومن دام حدثُه؛ كمستحاضةٍ. . كفاه نيةُ الاستباحةِ) المارّة (دون الرفعِ على الصحيح فيهما).
أما الاكتفاءُ بنية الاستباحةِ. . فقياسًا على التيمّمِ، وأما عدمُ الاكتفاءِ برفع الحدثِ. . فلبقاء الحدثِ.
ومقابله: الصحيح في الأولى: أنه لا بدّ من الجمع للاستباحة والرفع معًا، وفي الثانية: يجوز الاقتصارُ على أيهما شاء؛ لأن نيةَ رفع الحدثِ تتضمن الاستباحةَ، ولو نوى أداء الوضوء. . صحّ أيضًا.
وقد يوهم كلامُ المصنفِ أنه تكفيه نيةُ الاستباحةِ، وأنه يستبيح ما شاء وليس كذلك، بل حكم نيته: حكم المتيمّم حرفًا بحرف، وهو إن نوى استباحةَ الفرضِ. . استباحَه، وإلَّا. . فلا، على المذهب.
(ومن نوى تبرُّدًا مع نيةٍ معتبرةٍ) كما مرّ (. . جاز في الصحيح) لحصول ذلك وإن لم ينوه؛ كما لو نوى بصلاته الفرضَ وتحيةَ المسجد، والثاني: المنع للتشريك بين قربة وغيرها.
(أو) نوى بوضوئه (ما يُندب له وضوءٌ؛ كقراءةٍ. . فلا) يصح (في الأصح) لأنه مباحٌ مع الحدث، فلا يتضمن قصدُه قصدَ رفع الحدث، والثاني: يصح؛ لأن قصدَه أن يكون ذلك الفعلُ على أكملِ الأحوالِ، وإنما يكون كذلك إذا ارتفع الحدثُ.
أما لو نوى ما لا يندب له الوضوء؛ كدخول السوق. . لم يَصحَّ جزمًا.
(ويجب قرنها بأول) ما يغسل من (الوجه) لتقترن بأول الفرض كالصلاة، (وقيل: يكفي) قرنها (بسنة قبلَه) لاقترانها بجزء من الوضوء، والأصحُّ: المنع؛ إذ المقصود من العبادة أركانها، والسنن توابعُ.
(1) المجموع (1/ 390)، التحقيق (ص 54).
وَلَهُ تفرِيقُهَا عَلَى أَعْضَائِهِ فِي الأَصَحِّ. الثَّانِي: غَسْلُ وَجْهِهِ، وَهُوَ: مَا بَيْنَ مَنَابتِ رَأْسِهِ غَالِبًا وَمُنْتَهَى لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَمِنْهُ مَوْضِعُ الْغَمَمِ، وَكَذَا التَّحْذِيفُ فِي الأَصحِّ، لَا النَّزعَتَانِ، وَهُمَا: بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ.
===
ومحل الخلاف: إذا غربت قبل غسل الوجه، فإن بقيت إلى غسله. . جاز، بل هو الأفضل ليثاب على السنن السابقة.
(وله تفريقها) أي: النية (على أعضائه في الأصح) بأن ينوي عند كلِّ عضوٍ رفعَ الحدثِ عنه؛ كما يجوز تفريقُ أفعالِه، والثاني: لا؛ كالصلاة.
(الثاني: غسلُ وجهه) أي: انغساله بالإجماع؛ للآية، (وهو: ما بين مَنابت) شعر (رأسه غالبًا ومنتهى لَحييه) أي: آخرهما، هذا حدُّه طولًا، (و) عرضُه:(ما بين أذنيه) لأن الوجه: ما تقع به المواجهةُ، والمواجهةُ تقع بذلك.
واحترز بقوله: (غالبًا) عن الصلع، وقال الإمام: لا حاجةَ إلى هذا القيدِ؛ لأن مَنبتَ الشيءِ: ما صلح لنباته فيه، وغيرَ مَنبتِه: ما لا يصلح، فالناصيةُ: مَنبتٌ وإن انحسر عنها الشعرُ لعارض، والجبهةُ: ليست مَنبتًا وإن نبت عليها الشعرُ لعارض.
ولا بدّ مع ما ذكره مِنْ غَسل ما يتحقق به استيعابُ الوجهِ، وهو جزءٌ من الرأس والرقبةِ، وما تحت الذقن؛ كما في "زيادة الروضة" عن الأصحاب (1).
(فمنه موضع الغَمَمِ) وهو الشعر النابتُ على الجبهة؛ لحصول المواجهة به، والغَمَمُ: مأخوذٌ من غمّ الشيءَ إذا ستره، ومنه غمّ الهلال.
(وكذا التحذيفُ في الأصح) لمحاذاته بياض الوجه، وسمي بذلك؛ لأن النساءَ وغيرَهن من الأشراف يَحذفون الشعرَ عنه ليتسع الوجهُ.
وضابطُه: أن يَضع طرفَ خيطٍ على رأس الأذن، والطرفَ الثانِيَ على أعلى الجبهةِ، ويفرض هذا الخيط مستقيمًا، فما نزل عنه إلى جانب الوجهِ فهو موضعُ التحذيف، كذا قاله الإمام، وجزم به في "الدقائق"(2).
(لا النزعتان، وهما: بياضان يَكتنفان الناصيةَ) فليستا من الوجه؛ لأنهما
(1) روضة الطالبين (1/ 52).
(2)
نهاية المطلب (1/ 69)، دقائق المنهاج (ص 34).
قُلْتُ: صَحَّحَ الْجُمْهُورُ: أَنَّ مَوْضِعَ التَّحْذِيفِ مِنَ الرَّأْسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّ هُدْبٍ وَحَاجِبٍ وَعِذَارٍ وَشَارِبٍ وَخَدٍّ وَعَنْفَقَةٍ شَعْرًا وَبَشَرًا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ بَاطِنُ عَنْفقَةٍ كَثِيفَةٍ. وَاللِّحْيَةُ إِنْ خَفَّتْ. . كَهُدْبٍ، وَإِلَّا. . فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَجِبُ غَسْلُ خَارِجٍ عَنِ الْوَجْهِ. الثَّالِثُ: غَسْلُ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ، فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ. . وَجَبَ مَا بَقِيَ، أَوْ مِنْ مِرْفَقِهِ. . فَرَأْسُ عَظْمِ الْعَضُدِ
===
في حد تدوير الرأسِ.
(قلت: صَحَّح الجمهورُ: أن موضعَ التحذيفِ من الرأس، والله أعلم) لاتصال الشعر به، فلا يصير وجهًا بفعل بعض الناسِ.
(ويَجب غَسلُ كلِّ هُدْبٍ، وحاجبٍ، وعِذارٍ، وشاربٍ، وخَدٍّ، وعَنْفقةٍ؛ شعرًا وبشرًا) أما الشعر: فقياسًا عَلى السلعةَ على محلّ الفرض، وأما البشرة: فلندرة كثافةِ شعورِ هذه، (وقيل: لا يجب) غسل (باطن عَنْفقةٍ كَثيفةٍ) كاللحية، والأصح: الوجوب؛ لأن كثافتَها نادرةٌ.
(واللحيةُ) من الرجل (إن خفتْ. . كهُدْبٍ) فيما مرّ، (وإلَّا) أي: وإن لم تَخِفَّ بل كَثُفَتْ (. . فليَغسل ظاهرَها) ولا يجب غسلُ باطنها؛ لما فيه من المشقة، والأصح: أن الخفيفةَ: ما ترى بشرتها في مجلس التخاطب، والكثيفةَ: ما لا ترى، ولو خَفَّ بعضٌ، وكَثُفَ بعضٌ. . فلكلٍّ حكمُه، إلَّا ألّا يتميز، فيجب غَسلُ الجميع.
(وفي قول: لا يَجب غَسلُ خارجٍ عن) حَدِّ (الوجه) لخروجه عن محلِّ الفرضِ؛ كالذؤابة من الرأس، والأصح: الوجوبُ؛ لحصول المواجهةِ به.
(الثالث: غَسلُ يديه) بالإجماع (مع مرفقيه) للآية.
و(إلى) فيها بمعنى (مع) كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي: مع أموالِكم، وقوله:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي: مع الله، كذا قاله الرافعي وغيرُه، واعترضه في "المهمات" بما فيه طولٌ (1).
(فإن قُطعَ بعضُه) أي: بعضُ الواجب (. . وجب) غَسلُ (ما بقي) لأن الميسورَ لا يَسقُط بالمعسور، (أو من مِرفقه. . فرأسُ) أي: فيجب غَسل رأسِ (عظمِ العضدِ
(1) الشرح الكبير (1/ 111)، المهمات (2/ 145 - 155).
عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ فَوْقَهُ. . نُدِبَ غَسْلُ بَاقِي عَضُدِهِ. الرَّابعُ: مُسَمَّى مَسْحٍ لِبَشَرَةِ رَأْسِهِ، أَوْ شَعْرٍ فِي حَدِّهِ. وَالأَصَحُّ: جَوَازُ غَسْلِهِ، وَوَضْعِ الْيَدِ بِلَا مَدٍّ. الْخَامِسُ: غَسْلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ.
===
على المشهور) هذا مُفرَّع على أن المِرفقَ اسم لمجموع العظمين، وهو الراجح.
ومقابله: مُفرَّع على أنه طرفُ عظمِ الساعدِ فقط، ووجوبُ غَسلِ رأسِ العضدِ بالتبعية.
(أو فوقَه) أي: قطع من فوق المرفقِ (. . نُدِبَ غَسل باقي عضده) كما لو كان سليمًا؛ لتطويل التحجيلِ.
(الرابع: مسمى مسحٍ لبشرةِ رأسِه، أو شعرٍ في حَدِّه) أي: حدّ الرأس ولو قدر رأس إبرة من البشرة، أو بعض شعرة؛ لقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} .
والمراد: البعضُ؛ لأنه يَصدُق إذا مسح بعضَ رأسِه أن يقال: مسح رأسَه؛ كما يقال: قَبَّلتُ رأسَ اليتيم وإن لم يُقبل منه إلا بعضَه.
وأفهم: أن كلًّا من الشعر والبشر أصل؛ فإنه خير بينهما وهو الأصحُّ، بخلاف ما لو غسل بشرةَ الوجهِ وترك شعرَه. . فإنه لا يجزئ على الصحيح في "شرح المهذب"(1).
والفرق: أن الوجه: ما تقع به المواجهةُ، وهي إنما تقع بالشعر لا بالبشرة.
والرأس: اسمٌ لما رأس وعلا، وكلّ من الشعر والبشرِ عالٍ.
(والأصح: جوازُ غسلِه) لأنه مسحٌ وزيادةٌ، والثاني: لا؛ لأنه لا يُسمَّى مسحًا.
(ووضعِ اليد بلا مدٍّ) لأن المقصودَ وصولُ البللِ، وقد وصل، والثاني: لا؛ لأنه لا يُسمَّى مسحًا.
(الخامس: غسل رجليه مع كعبيه) لما سبق في المِرفق.
والكعبان: هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مَفصِل الساق والقدم.
(1) المجموع (1/ 437 - 438).
السَّادِسُ: تَرْتِيبُهُ هكَذَا، فَلَوِ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ. . فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ تقدِيرُ تَرْتيبٍ بأَنْ غَطَسَ وَمَكُثَ. . صَحَّ، وَإِلَّا. . فَلَا. قُلْتُ: الأَصَحُّ: الصِّحَّةُ بِلَا مُكْثٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَسُنَنُهُ: السِّوَاكُ عَرْضًا بِكُلِّ خَشِنٍ،
===
(السادس: ترتيبه هكذا) للاتباع (1)، وقَدَّم الوجهَ؛ لشرفه، ثم اليدين؛ لبروزهما والعملِ بهما غالبًا، ثم الرأسَ؛ لشرفه.
(فلو اغتسل محدثٌ) حدثًا أصغر فقط (. . فالأصح: أنه إن أمكن تقديرُ ترتيبٍ؛ بأن غَطَسَ ومَكَثَ. . صح) لحصول الترتيبِ والحالةُ ما ذكر، والثاني: لا يصح؛ لأن الترتيب تقديري لا تحقيقي.
(وإلّا. . فلا) لفقدان الترتيب، (قلت: الأصح: الصحة بلا مُكث، والله أعلم) قال في "شرح المهذب":(لأنه يقدر الترتيب في لحظاتٍ لطيفةٍ) انتهى (2).
واعترض: بأن ذلك خلافُ الفرض؛ إذ الفرضُ أنه لا يمكن تقديرُ ترتيبٍ.
(وسننه: السواك) لحديث: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي. . لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ" علقه البخاري (3)، (عرضًا) أي: عرضَ الأسنان في طول الفم؛ لحديث: "إِذَا اسْتكْتُمْ. . فَاسْتَاكُوا عَرْضًا"(4)، وقد قيل: إن الشيطان يستاك طولًا.
نعم؛ اللسانُ يستاك فيه طولًا؛ كما ذكره الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة"، واستشهد له بحديث في "سنن أبي داوود"(5).
(بكل خشن) لحصول المقصود.
نعم؛ يكره بالْمِبرد، وبعود الريحانِ الذي يؤذي، ويحرم بما فيه سمّ من العيدان، قاله في "الخصال".
(1) أخرجه البخاري (159)، ومسلم (226) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(2)
المجموع (1/ 509).
(3)
في الصيام، باب: السواك الرطب واليابس للصائم، وأخرجه الحاكم (1/ 146)، وابن خزيمة (140) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه أبو داوود في "مراسيله"(5) عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى.
(5)
إحكام الأحكام (ص 124)، سنن أبي داوود (49) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
إِلَّا إِصْبَعَهُ فِي الأَصَحِّ، ويُسَنُّ لِلصَّلَاةِ
===
والأفضل: الأراك؛ تأسيًا به صلى الله عليه وسلم؛ كما أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1).
(إلَّا إصبعَه في الأصح) لأنها لا تسمى سواكًا، هذا إذا كانت متصلةً، فإن انفصلت -وقلنا بطهارتها-. . اتجه الإجزاءُ وإن كان دفنُها على الفور واجبًا، قاله الإسنوي، والثاني: يجزئ، واختاره في "شرح المهذب" لحصول المقصود (2).
واحترز بـ (إصبعه): عن إصبعِ غيرِه الخشنةِ؛ فإنها تجزئ قطعًا، قاله في "الدقائق"(3).
(ويسن للصلاة) وإن لم يكن الفمُ متغيرًا؛ لحديث: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي. . لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ" متفق عليه (4).
وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا سِوَاكٍ" رواه الحميدي بإسنادٍ كلُّ رجالِه ثقاتٌ (5).
قال ابن الملقن: (وإذا ضُمَّ إلى هذا قولُه صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ. . ." (6) الحديث. . كانت صلاةُ الجماعةِ بسواكٍ بألفٍ وثمانِ مئةٍ وتسعين، ويتضاعف ذلك بالفضل في القراءة، والخشوعِ، وكمالِ الطهارة وغيرِ ذلك من الأمور المطلوبةِ في الصلاة؛ مما لا يُحصيه إلّا الله تعالى.
وإذا ضُمَّ إلى ذلك روايةُ أبي داوود: "الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا. . بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً" صححه ابن حبان، والحاكمُ (7). . زادتِ المضاعفةُ، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَنْ يشاء.
(1) صحيح ابن حبان (7069) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2)
المجموع (1/ 348).
(3)
دقائق المنهاج (ص 34).
(4)
صحيح البخاري (887)، صحيح مسلم (252) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
انظر "البدر المنير"(2/ 14 - 18).
(6)
أخرجه البخاري (645)، ومسلم (650) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(7)
سنن أبي داوود (560)، صحيح ابن حبان (1749)، المستدرك (1/ 208) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وَتَغَيُّرِ الْفَمِ، وَلَا يُكْرَهُ إِلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ
===
ثم الحديثُ المذكور دالٌّ على أن السواك أفضلُ من صلاة الجماعةِ؛ لأن الفضلَ الواردَ فيه أكثرُ من فضلها، وفيه وقفةٌ) انتهى (1).
وما ذكره؛ من التضاعف في الجماعة إلى ألفٍ وثمانِ مئةٍ وتسعين. . لا يصحّ؛ لأن الذي ورد في الحديث: "رَكْعَتَانِ بِالسِّوَاكِ أَفْضَلُ"، فكان ينبغي أن يقول: ركعتان في جماعةٍ بسواكٍ بألفٍ وثمانِ مئةٍ وتسعين ركعةً.
نعم؛ يصح ما ذكره على رواية: "صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً" لكنه لم يثبت (2).
(وتغيرِ الفم) بكل ما يُغيره؛ من نومٍ أو غيرِه؛ لحديث: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ" علقه البخاري (3).
وأورد على المصنف: أنه إن أراد أنه لا يُسن السواكُ إلَّا في هذه المواضع. . فليس كذلك، بل هو سنة في كلِّ حالٍ، إلَّا ما سيجيء، وإن أراد أنه لا يتأكد إلَّا في هذه المواضع. . فليس كذلك أيضًا، بل يتأكد لقراءة القرآن، واصفرار الأسنان وإن لم يتغير الفمُ، ولدخول البيتِ، والاستيقاظِ من النوم.
(ولا يُكره إلَّا للصائم بعد الزوالِ) لحديث: "لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" متفق عليه (4).
وجه الدلالة: أنه أثر عبادةٍ مشهود له بالطيب، فكره إزالته؛ كدم الشهيدِ، كذا قاله الرافعي وغيرُه (5).
واعترض: بأن قضيةَ هذا القياسِ تحريمُ إزالتِه لا كراهتُه.
قال الإسنوي: فلو قيل: فكان بقاؤه راجحًا على تركِه؛ كدم الشهيد. . لسلم من
(1) عجالة المحتاج (1/ 100).
(2)
أخرجها البيهقي (1/ 38) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
في الصيام، باب: السواك الرطب واليابس للصائم، وأخرجه ابن خزيمة (135)، وابن حبان (1067) عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
البخاري (1894)، مسلم (1151) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
الشرح الكبير (1/ 120).
وَالتَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ، فَإِنْ تَرَكَ. . فَفِي أَثْنَائِهِ. وَغَسْلُ كَفَّيْهِ،
===
ذلك، وإنما لم يحرم؛ كإزالة دم الشهيد؛ لأن في إزالة دمِ الشهيدِ تفويتَ فضيلةٍ على الشهيد، لم يأذن فيها، فليس إزالةُ دمِ الشهيد نظيرَ مسألتِنا.
ونظيرُ إزالةِ دمِ الشهيدِ: أن يُسوّك إنسانٌ شخصًا صائمًا بغير إذنه، ولا شك في تحريمه؛ كما قاله الإسنوي.
ونظيرُ مسألةِ السواكِ من الشهيد: أن يزيل الشهيدُ الدمَ عن نفسه في مرضٍ يغلب على ظنِّه الموتُ فيه بسبب القتالِ.
فتفويتُ المكلَّف الفضيلةَ على نفسه جائزٌ، وتفويتُ غيرِه لها عليه لا يجوز، إلَّا بإذنه.
وإنما اختصت الكراهةُ بما بعد الزوالِ؛ لأن التغير بعدَ الزوالِ يكون غالبًا؛ لخلو المعدة بسبب الصومِ، وأما في غير هذه الحالةِ. . فإنه من أثر الطعامِ.
وفي قول: أنه لا يكره مطلقًا، وقال في "شرح المهذب": إنه المختار (1)، وعلى الأصحِّ: تزول الكراهةُ بالغروب على الأصحِّ.
ويُندب السواكُ باليد اليمنى؛ كما صرح به في "شرح مسلم" في (باب الاستطابة)، واقتضاه كلام "الأذكار" أو صريحه في (باب اللباس)(2).
(والتسمية أوله) أي: أولَ الوضوءِ؛ لأخبارٍ واردةٍ في ذلك (3)، قال الرافعي:(ويقول: بسم الله قاصدًا التيمنَ والتبركَ)(4)، وقال في "شرح المهذب":(الأكمل: أن يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(5).
(فإن ترك) سهوًا، أو عمدًا (. . ففي أثنائه) تداركًا لما فات.
(وغسل كفيه) إلى الكوعين اتباعًا، قال الإمام: وهذا الاستحباب ليس لأجل
(1) المجموع (1/ 341).
(2)
شرح صحيح مسلم (3/ 160)، الأذكار (ص 61).
(3)
منها: ما أخرجه النسائي (1/ 61)، والدارقطني (1/ 74)، والبيهقي (1/ 44) عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم.
(4)
الشرح الكبير (1/ 121).
(5)
المجموع (1/ 407).
فَإِنْ لَمْ يَتيَقَّنْ طُهْرَهُمَا. . كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا. وَالْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ، ثُمَّ الأَصَحُّ: يُمَضْمِضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا، وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرُ الصَّائِمِ.
===
الحدثِ، بل لتوقع الخبث وإن بعد (1).
(فإن لم يتيقن طهرَهما. . كرِهَ غمسُهما في الإناء) إذا كان يسع دون القلتين (قبل غَسلهما) لحديث: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ. . فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" متفق عليه (2)، والحكمة في ذلك: توهمُ النجاسة، وقضيتُه: زوالُ الكراهةِ بالغسل مرةً، والذي في "زوائد الروضة" عن البويطي والأصحابِ: أنها لا تزول إلَّا بالغَسل ثلاثًا؛ لرواية مسلم: "حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا"(3).
(والمضمضمة والاستنشاق) للاتباع (4)، ولا يجبان؛ لحديث:"لَا تتَمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ" حسنه الترمذي، وصححه الحاكم (5).
(والأظهرُ: أن فصلهما أفضلُ) من الجمع؛ لحديث فيه، لم يضعفه أبو داوود (6)، (ثم الأصح) على قول الفصلِ (يُمضمض بغَرفةٍ ثلاثًا، ثم يَستنشِق بأخرى ثلاثًا) لئلا ينتقل إلى عضو إلّا بعد كمال ما قبله، والثاني: ست غرفات يَتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث؛ لأنه أنظف ولكنه أضعف.
(ويبالغ فيهما غير الصائم) لحديث لَقِيط بن صَبِرَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ
(1) نهاية المطلب (1/ 64 - 65).
(2)
صحيح البخاري (162)، صحيح مسلم (278) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
روضة الطالبين (1/ 58).
(4)
أخرجه مسلم (832) عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه.
(5)
سنن الترمذي (302)، المستدرك (1/ 241 - 242)، وأخرجه أبو داوود (857)، وابن ماجه (460) عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه.
(6)
سنن أبي داوود (139) عن كعب بن عمرو رضي الله عنه.
قُلْتُ: الأَظْهَرُ: تفضِيلُ الْجَمْعِ بِثَلَاثِ غُرَفٍ، يُمَضْمِضُ مِنْ كُلٍّ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَتثلِيثُ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ.
===
تكُونَ صَائِمًا"، صححه الترمذي وغيرُه (1).
وفي روايةٍ صحيحةٍ كما قال ابن القطان: "إِذَا تَوَضَّأْتَ. . فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا"(2)، والمعنى فيه: مخافةُ وصولِ الماءِ إلى البطن والدماغِ.
والمبالغة في المضمضة: أن يبلغ الماء إلى أصل الحنك ووجهي الأسنان، ويمر الإصبع عليها.
والمبالغة في الاستنشاق: أن يَصعد ماءُ الاستنشاق بنفسه إلى الخيشومِ، مع إدخال الإصبعِ اليسرى، وإزالةِ ما هناك من أذى.
(قلت: الأظهر: تفضيلُ الجمع بثلاثِ غُرَفٍ، يُمضمض من كلٍّ ثم يَستنشِق، والله أعلم) لصحة الأحاديث الصريحة في ذلك.
ولم يثبت في الفصل شيءٌ؛ كما قاله ابن الصلاح، والمصنفُ في "شرح المهذب"(3).
قال الشيخ عز الدين: وقُدمت المضمضةُ على الاستنشاق؛ لشرف منافعِ الفمِ؛ فإنه مَدخلُ الطعام والشرابِ اللذين بهما قوامُ الحياة، وهو محلُّ الأذكار الواجبةِ والمندوبةِ، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر.
(وتثليث الغَسل) بالإجماع (والمسح) لأنه عليه الصلاة والسلام مسح رأسه ثلاثًا، رواه أبو داوود (4)، (ويأخذُ الشاكُّ باليقين) للأصل؛ كما لو شك في عدد الركعات.
(1) سنن الترمذي (788)، وأخرجه ابن خزيمة (151)، وابن حبان (1054)، وأبو داوود (143)، وابن ماجه (407)، والنسائي (1/ 66).
(2)
أخرجها البيهقي (1/ 76)، وأحمد (4/ 33) عن لقيط بن صبرة رضي الله عنه.
(3)
المجموع (1/ 421 - 422).
(4)
سنن أبي داوود (107) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ ثُمَّ أُذُنَيْهِ، فَإِنْ عَسُرَ رَفْعُ الْعِمَامَةِ. . كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا. وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ وَأَصَابِعِهِ.
===
(ومسحُ كلِّ رأسِه) لأنه أكثر ما ورد في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم، وللخروج من الخلاف، (ثم أذنيه) بماءٍ جديدٍ للاتباع؛ كما رواه الحاكم، وصححه البيهقي (1).
(فإن عَسُرَ رفعُ العِمامة) ونحوِها؛ كالقلنسوة والخمار عن الرأس (. . كمَّلَ بالمسح عليها) للاتباع؛ كما أخرجه مسلم (2).
وقوله: (كمل) يفهم أنه لا يكفي الاقتصار على العمامة، وادعيا القطعَ بذلك (3).
واعترض: بأن في "البحر" عن محمد بن نصر المروزي أنه يجوز الاقتصار على العمامة (4)، وفي "البخاري" أنه عليه الصلاة والسلام مسح على عمامته وخفيه (5).
(وتخليل اللحية الكثة) بالأصابع؛ للاتباع؛ كما صححه الترمذي وغيرُه (6)، والعارض كاللحية.
وهذا في لحية الرجل، أما المرأة والخنثى: فيجب فيهما التخليل، واستثنى صاحبُ "التتمة" في (كتاب الحج) المحرمَ، فقال: لا يُخلِّل لحيتَه؛ لأنه يؤدي إلى تساقط شعرِها.
(و) تخليلُ (أصابعِه) لحديث لَقيط بن صَبِرة المار، وشمل أصابعَ اليدين والرجلين، وبه صرح في "الدقائق"، ونقله الرافعي عن ابن كجّ (7)، والتخليلُ في اليدين بالتشبيك.
(1) المستدرك (1/ 151)، سنن البيهقي (1/ 65) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(2)
صحيح مسلم (81/ 274) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(3)
الشرح الكبير (1/ 128)، روضة الطالبين (1/ 61).
(4)
بحر المذهب (1/ 113).
(5)
صحيح البخاري (205) عن عمرو بن أمية رضي الله عنه.
(6)
سنن الترمذي (31)، وأخرجه ابن حبان (1081)، والحاكم (1/ 149) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(7)
دقائق المنهاج (ص 35)، الشرح الكبير (1/ 131).
وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى. وَإِطَالَةُ غُرَّتهِ وَتَحْجِيلِهِ. وَالْمُوَالَاةُ، وَأَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ
===
ويستحب في الرجلين: أن يخلل بخنصر اليد اليسرى من أسافلِ الأصابعِ مبتدئًا بخنصر الرجلِ اليمنى، ومختتمًا بخنصر اليسرى، كذا في "الشرح"، و"الروضة"(1)، وقيل: اليمنى واليسرى في ذلك سواءٌ، ورجحه في "شرح المهذب"، واختاره في "التحقيق"(2).
(وتقديم اليمنى) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله (3)، والحكمة فيه: أن اليمين مأخوذةٌ من اليمن، وهو حصولُ الخير.
والشمال تسمى الشؤمى، قاله القفال في "محاسن الشريعة".
ويستثنى الخدان والأذنان، فيغسلان معًا، فإن كان أقطع أو به علة تمنعه من ذلك. . قدم اليمين، والكفان كالأذنين على الأصحِّ.
(وإطالةُ غُرَّتِه وتَحجيلِه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ. . فَلْيَفْعَلْ"(4).
والغرة: غسل مقدمات الرأس وصفحة العنق مع الوجه، والتحجيل: غسل بعض العضدين مع الذراعين، وبعض الساقين مع الرجلين، وغايته: استيعاب العضد والساق.
(والموالاةُ) للخروج من خلافِ مَنْ أوجبها، وهي: التتابع بحيث لا يحصل بين العضوين تفرقةٌ كثيرةٌ، بحيث لا يَجِفّ المغسول قبل شروعه في العضو الثاني، مع اعتدال الهواء، ومزاج الشخص، والاعتبار: بآخر غسلةٍ مِنْ آخر مغسول.
(وأوجبها القديم) لأنه عبادة يُبطلها الحدث، فأبطلها التفريق الكثير؛ كالصلاة، وهو منقوض بالطواف، وأيضًا الصلاة يُبطلها التفريق اليسير عامدًا، ولا يُبطل الوضوءَ إجماعًا، وشرط الوجوب على القديم: إذا كان التفريق بلا عذر،
(1) الشرح الكبير (1/ 130)، روضة الطالبين (1/ 61).
(2)
المجموع (1/ 486 - 487)، التحقيق (ص 65).
(3)
أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268) عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
أخرجه البخاري (136)، ومسلم (246) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَتَرْكُ الاسْتِعَانَةِ وَالنَّفْضِ، وَكَذَا التَّنْشِيفُ فِي الأَصَحِّ. وَيَقُولُ بَعْدَهُ:(أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ؛ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ). وَحَذَفْتُ دُعَاءَ الأَعْضَاءِ؛ إِذْ لَا أَصْلَ لَهُ.
===
وإن كان بعذر. . لم يضر.
(وترك الاستعانة) لأنها نوع من التنعم والتكبر، وذلك لا يليق بحال المتعبد، والأجر على قدر النصب، والمراد: الاستعانة بالصبّ عليه لغير عذر، وهي خلاف الأولى، وقيل: تكره.
فإن كان عذر؛ كمرض خفيف. . فلا تكون خلافَ الأولى، فإن كان به مرضٌ شديدٌ، أو أقطع. . لزمه الاستعانة ولو بأجرة.
أما الاستعانة بمن يغسل الأعضاء بلا عذر ترفعًا. . فهذا مكروه قطعًا، وأما الاستعانة في إحضار الماء والإناء والدلو. . فمباحةٌ، ولا تكون خلافَ الأولى.
(والنفض) لأنه كالتبري من العبادة، (وكذا التنشيفُ في الأصح) لأنه أثر عبادة، فكان تركه أولى، والثاني: إنه مكروه؛ كإزالة الخلوف، والثالث: إنه مباح، واختاره في "شرح المهذب" إذ لا دليل على المنع، ولا على الندب (1).
(ويقول بعده: "أشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم؛ اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهِّرين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا أنت، أستغفرك وأتوبُ إليك") لأحاديث صحيحة في الحث على ذلك (2).
(وحذفتُ دعاءَ الأعضاء؛ إذ لا أصلَ له) في كتب الحديث وإن عدّه في "المحرّر" من السنن (3).
* * *
(1) المجموع (1/ 519، 522).
(2)
منها: ما أخرجه مسلم (234)، والترمذي (55) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والحاكم (1/ 564) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
المحرر (ص 13).