المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائِز لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَالْمَرِيضُ آكَدُ. - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنائِز لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَالْمَرِيضُ آكَدُ.

‌كتاب الجنائِز

لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَالْمَرِيضُ آكَدُ. ويضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الأَيْمَنِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ،

===

(كتاب الجنائز)

الجنائز بفتح الجيم لا غير: جمع جنازة بالفتح والكسر، وقيل: بالفتح: اسم للميت، وبالكسر: اسم للنعش حال كون الميت فيه، وقيل: عكسه.

واشتقاقها من جَنَزَ: إذا ستر، وكان من حقّ هذا الباب أن يذكر بين (الوصايا) و (الفرائض)، وإنما ذكر هنا؛ لأن أهمّ ما يفعل بالميت الصلاة، فذكر في العبادات.

(ليكثر ذكر الموت) ندبًا؛ لقوله عليه السلام: "أَكْثِرُوا مِنْ ذِكر هَاذِمِ اللَّذَّاتِ"(1) يعني: الموت، ولأنه أزجر له عن المعاصي، وأحضّ على فعل الطاعات.

(ويستعد بالتوبة وردِّ المظالم) لأنه قد يأتيه بغتة، وقضيته: أن هذا مستحب؛ لأنه عطفه على مستحب، وهو ما نقله ابن الملقن عن تصريح صاحب "البيان" وأقره (2)، لكن الإسنوي وغيره قالوا: إن ذلك حتم، وهو واضح؛ لأن التوبة مما تجب منه واجبةٌ على الفور، وكذلك ردّ المظالم الممكن ردّها، وعطف (رد المظالم) على (التوبة) من عطف الخاص على العام، (والمريض آكد) بذلك؛ لخطره.

(ويضجع المحتضر) وهو من حضره الموت ولم يمت (لجنبه الأيمن إلى القبلة على الصحيح) كما يوضع في اللحد؛ لأنه أبلغ في الاستقبال، والثاني: يلقى على

(1) هاذم -بالذال المعجمة- كما ذكره السهيلي في "الروض" في الكلام على غزوة أحد [5/ 315]، ومعناه: القاطع. قاله المجوهري [5/ 1662]، وأما -بالمهملة- فمعناه: المزيل للشيء من أصله. اهـ هامش (أ)، والحديث أخرجه ابن حبان (2992)، والحاكم (4/ 321)، والترمذي (2307)، والنسائي (4/ 4)، وابن ماجه (4258) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

عجالة المحتاج (1/ 411).

ص: 433

فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَانٍ وَنَحْوهِ .. أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ بِلَا إِلْحَاحٍ، ويُقْرَأُ عِنْدَهُ (يس)، وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى

===

قفاه، ورجلاه إلى القبلة، قال في "شرح المهذب": وعليه العمل، ويرفع رأسه قليلًا؛ ليصير وجهه إلى القبلة (1).

(فإن تعذر لضيق مكان ونحوه .. ألقي على قفاه ووجهُهُ وأخمصاه إلى القبلة) لأنه الممكن، (ويلقن) المحتضر (الشهادة) لظاهر قوله عليه السلام:"لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لَا إِلهَ إلَّا الله" رواه مسلم (2).

وتعبيره (بالشهادة) يشعر: بأنه لا يلقن: (محمد رسول الله)، وهو ما نقله في "زيادة الروضة" عن الجمهور (3)، وقيل: يلقن الشهادتين، واستحسن بعضهم: أن يلقن الشهادتين أولًا، ثم يقتصر بعد ذلك على: لا إله إلا الله.

(بلا إلحاح) لئلا يضجر (ويقرأ عنده "يس") للأمر به؛ كما أخرجه أبو داوود، وصححه ابن حبان (4)، وقيل: يقرأ (سورة الرعد)(5).

(وليحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى ففي "الصحيحين": (أنا عند ظنِّ عبدي

(1) المجموع (5/ 105).

(2)

صحيح مسلم (916) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

روضة الطالبين (2/ 97).

(4)

صحيح ابن حبان (3002)، سنن أبي داوود (3121) وأخرجه الحاكم (1/ 565)، والنسائي في "الكبرى"(10846، 10848)، وابن ماجه (1448)، وأحمد (5/ 26) عن معقل بن يسار رضي الله عنه، قال ابن علان في "الفتوحات الربانية" (4/ 120): (قال الحافظ -ابن حجر-: ووجدت لحديث معقل شاهدًا عن صفوان بن عمرو عن المشيخة أنهم حضروا غُضَيف بن الحارث حين اشتد سَوْقه، فقال: هل فيكم أحد يقرأ "يس"؟ قال: فقرأها صالح بن شرَيح، فلما بلغ أربعين أية منها .. قبض، فكان المشيخة يقولون: إذا قرئت عند الموت .. خفف عنه بها، هذا موقوف حسن الإسناد، وغضيف بمعجمتين وفاء مصغر: صحابي عند الجمهور، والمشيخة الذين نقل عنهم لم يُسَمَّوْا، لكنهم بين صحابي وتابعي كبير، ومثله لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع.

وأخرج ابن أبي شيبة [10957] من طريق أبي الشعثاء جابر بن زيد، وهو من ثقات التابعين أنه يقرأ عند الميت "سورة الرعد"، وسنده صحيح. اهـ كلام الحافظ)، وهذا الشاهد أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(4/ 105).

(5)

انظر التعليق السابق.

ص: 434

فَإِذَا مَاتَ .. غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ، وَوضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ، وَوضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوهِ، وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ، وَوجِّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ،

===

بي) (1)، فيظن أن الله يرحمه ويغفر له، ويرجو ذلك.

(فإذا مات .. غُمِّض) ندبًا؛ للاتباع؛ كما أخرجه مسلم (2)، ولئلا يقبح منظره ويساء به الظن، (وشدّ لحياه بعصابة) عريضة، ويربطها فوق رأسه؛ صيانة لفمه عن الهوام.

(ولينت مفاصلُه) بردّ الساعد إلى العضد ومدّه، وردّ الساق إلى الفخذ، والفخذ إلى البطن، ومدّهما وتليين أصابعه؛ ليكون الغسل أسهل، فإن البدن بعد مفارقة الروح تبقى فيه حرارة، فإن لينت المفاصل في تلك الحالة .. لانت، وإلّا .. لم يمكن تليينها بعد ذلك.

(وستر جميع بدنه بثوب) احترامًا له، وقد سُجّي صلى الله عليه وسلم حين مات، بثوبِ حِبَرَةٍ، متفق عليه (3)، وهذا في غير المحرم، أما هو .. فيستر منه ما يجب تكفينه، (خفيف) لئلا يتسارع إليه الفساد.

(ووضع على بطنه شيء ثقيل) من سيف أو مرآة ونحوهما، فإن لم يكن .. فطين رطب؛ لئلا ينتفخ، قال في "الذخائر": وقدّره بعضهم بعشرين درهمًا.

(ووضع على سرير ونحوه) لئلا تصيبه نداوة الأرض، ولا يوضع على فراش؛ لئلا يَحمى فيتغير.

(ونزعت ثيابه) التي مات فيها؛ لئلا يَحمى الجسد فيتغير، وقيدها في "الوسيط" بـ (المدفئة)(4)، (ووجه إلى القبلة كمحتضر) لأنها أشرف الجهات.

(ويتولى ذلك) أي: جميع ما تقدم (أرفق محارمه) لوفور شفقته.

(1) صحيح البخاري (7405)، صحيح مسلم (2675) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

صحيح مسلم (920) عن أم سلمة رضي الله عنها.

(3)

صحيح البخاري (1242)، صحيح مسلم (942) عن عائشة رضي الله عنها.

(4)

الوسيط (2/ 362).

ص: 435

وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إِذَا تيُقِّنَ مَوْتُهُ. وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ .. فُرُوض كِفَايَةٍ. وَأَقَلُّ الْغُسْلِ: تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إِزَالَةِ النَّجَسِ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الأَصَحِّ، فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: وجُوبُ غَسْلِ الْغَرِيقِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأَكْمَلُ: وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ، وَيُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ

===

(ويبادر بغسله إذا تيقن موته) لقوله عليه السلام: "لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ"(1)، فإن شك في موته أخّر وجوبًا إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره.

(وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .. فروض كفاية) بالإجماع، هذا إذا كان الميت مسلمًا حلالًا، فإن كان كافرًا أو محرمًا .. فيأتي ذكره.

(وأقل الغسل تعميم بدنه) بالماء كغسل الحي من الجنابة (بعد إزالة النجس) إن كان عليه؛ لما سبق في غسل الجنابة، وما ذكره هنا مخالف لما صححه في (باب الغسل) من الاكتفاء بالغسلة الواحدة للحدث والنجس، وقد قدمنا ما فيه.

(ولا تجب نية الغاسل في الأصح، فيكفي غرقه أو غسل كافر) إذ المقصود من هذا الغسل النظافة، وهي حاصلة وإن لم ينو، والثاني: يجب؛ كغسل الجنابة.

(قلت: الأصح المنصوص (2): وجوب غسل الغريق، والله أعلم) لأنا مأمورون بغسله، فلا يسقط عنا إلا بفعله.

(والأكمل: وضعه بموضع خال مستور) لا يدخله غير الغاسل ومن يعينه ووليه؛ لأن الحي يحرص على ذلك، وقد يكون فيه ما لا يحب أن يطلع عليه غيره (على لوح) لئلا يصيبه الرشاش.

(ويغسل في قميص) لأنه عليه السلام غسل فيه، كما صححه الحاكم (3)، ولأنه أستر له، فإن اتسع كمّ القميص .. أدخل يده منه، وإلا .. فتق رؤوس الدخاريص

(1) أخرجه أبو داوود (3159) عن الحصين بن وَحْوَح رضي الله عنه.

(2)

في (د): (قلت: الصحيح المنصوص)، وقد صحح.

(3)

المستدرك (1/ 354)، وأخرجه ابن ماجه (1466) عن بُرَيدة بن الحصيب رضي الله عنه، وابن حبان (6627، 6628)، وأبو داوود (3141)، وأحمد (6/ 267) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 436

بِمَاءٍ بَارِدٍ، وَيُجْلِسُهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إِلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إِمْرَارًا بَلِيغًا لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ، ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ ويغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْءَتَيْهِ، ثمَّ يَلُفُّ أُخْرَى، وَيُدْخِلُ إِصْبَعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ، وَيُزِيلُ مَا فِي مِنْخَرَيْهِ مِنْ أَذَىً، وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتة بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ

===

وأدخل يده منها، (بماء بارد) لأنه يشد البدن، والمسخن يرخيه، إلا أن يحتاج إلى المسخن؛ لكثرة وسخ، أو شدة برد.

(ويجلسه) الغاسل (على المغتسل)(1) برفق (مائلًا إلى ورائه) لئلا يحبس اعتداله ما قد يخرج منه (ويضع يمينه على كتفه، وإبهامه في نقرة قفاه) لئلا يتمايل رأسه.

(ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى) لئلا يسقط (ويمر يساره على بطنه إمرارًا بليغًا) في التكرار، لا في شدة الإجهاد، بحيث لا يؤدي إلى هتك الميت؛ لأن احترامه واجب، قاله الماوردي (2)(ليخرج ما فيه) من الفضلات؛ خشيةً من خروجه بعد الغسل.

(ثم يضجعه لقفاه ويغسل بيساره وعليها خرقة سوءتيه) كما يستنجي الحي بعد قضاء حاجته (ثم يلف أخرى) بعد إلقاء الأولى، (ويدخل إصبعه فمه ويمرها على أسنانه) بماء، وهو كالسواك في حق الحي، (ويزيل ما في منخريه من أذى) بإدخال طرف إصبعه في أنفه بشيء من الماء (ويوضِّئه كالحي) بمضمضة واستنشاق وتثليث؛ لحديث أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نغسل ابنته فقال:"اغْسِلْنَهَا ثلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الأَخِيرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوضُوءِ مِنْهَا"(3).

(ثم يغسل رأسه ثم لحيته بسدر ونحوه) كالخطمي؛ للحديث المذكور

(1) كلمة (الغاسل) في النسخة (د) من المتن.

(2)

الحاوي الكبير (3/ 170).

(3)

أخرجه البخاري (1253، 1255)، ومسلم (939).

ص: 437

ويسَرِّحُهُمَا بِمِشْطٍ وَاسِعِ الأَسْنَانِ بِرِفْقٍ، وَيَرُدُّ الْمُنْتَتف إِلَيْهِ. وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ ثُمَّ الأَيْسَرَ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظهْرَ إِلَى الْقَدَم، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الأَيْسَرَ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ. وَتستَحَبُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ثمَّ يُصَبّ مَاءٌ قَرَاحٌ مِنْ فَرْقِهِ إِلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، وَأَنْ يُجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلُ كَافُورٍ

===

(ويسرحهما بمشط واسع الأسنان برفق) ليقل الانتتاف، أو لا ينتف شيء (ويرد المنتتف إليه) ويضعه في كفنه، ويدفن معه؛ إكرامًا له.

(ويغسل شقه الأيمن) المقبل من عنقه إلى آخره (ثم الأيسر) كذلك؛ لحديث أم عطية المارّ.

(ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا، والظهر إلى القدم، ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك) أما البُداءة بالأيمن .. فلحديث أم عطية المار، وأما الشقين اللذين يليان الوجه .. فلشرفهما.

(فهذه غسلة، وتستحب ثانية .. وثالثة) كغسل الجنابة؛ فإن لم ينق .. زاد، وسنّ الإيتار، (وأن يستعان في الأولى بسدر أو خطمي، ثم يصب ماء قراح) أي: خالص (من فرقه إلى قدمه بعد زوال السدر).

اعلم: أن في كلام المصنف تقديمًا وتأخيرًا، وكان ينبغي أن يقول: ثم يصبّ ماء قَراح من فَرْقه إلى قدمه بعد زوال السدر، فهذه غسلة، ويستحب ثانية وثالثة كذلك؛ لأنه يندب غسله بماء وسدر لإزالة الوسخ، ثم بالماء القَراح، ثم يفعل كذلك؛ أي: بالمختلط، ثم بالقَراح ثانية وثالثة، ولا يسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر على الصحيح، ولا بالغسلة المزيلة للسدر في الأصحِّ؛ لأن الماء إذا أصاب المحل .. اختلط بما عليه من السدر وتغيّر به، فعلى هذا: لا يحسبان من الفرض، بل يفعله بعد ذلك بالماء الخالص ثلاث مرات: الأولى: لأداء الفرض، والثانية والثالثة: طلبا للتثليث، وحينئذ فيكون المجموع تسع غسلات.

(وأن يجعل في كل غسلة) من الثلاث التي بالماء الخالص (قليل كافور) لأنه يقوي البدن، وينفر الهوام من رائحته، والأخيرة آكد؛ لحديث أم عطية

ص: 438

وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ .. وَجَبَ إِزَالَته فَقَطْ، وَقِيلَ: مَعَ الْغُسْلِ إِنْ خَرَجَ مِنَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ: الوضُوءِ. ويغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ، وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ وَزَوْجَته، وَهِيَ زَوْجَهَا،

===

المار (1)، وإنما قيد بالقليل؛ لئلّا يغير الماء فتزول طهوريتُه.

(ولو خرج بعده) أي: بعد الغسل (نجس) من الفرج وغيره ( .. وجب إزالته فقط) لأن الفرض قد سقط بما وجد، والتنظيف يحصل بإزالة ما حدث، (وقيل: مع الغسل إن خرج من الفرج) لأنه ينقض الطهر، وطهر الميت غسل جميعه، (وقيل: الوضوء) كالحي، فلو خرج من غير الفرج .. لم يجب غير إزالته قطعًا، وأطلق الجمهور الخلاف، ومحله: قبل التكفين، أما بعده .. فتكفي إزالة النجس قطعًا؛ كما قاله في "شرح المهذب" و"زيادة الروضة"(2).

(ويغسل الرجل الرجل، والمرأة المرأة) إلحاقًا لكل جنس بجنسه (ويغسل أمته) ولو مدبرة ومكاتبة وأم ولد كالزوجة وأولى؛ لملكه الرقبة والبُضْع جميعًا.

نعم؛ إن كانت مزوجة أو معتدة .. لم يغسلها (3)، قال في "زيادة الروضة": والمستبرأة كالمعتدة (4)، وفيه بحث (5).

(وزوجته) لأن عليًّا غسل فاطمة رضي الله عنهما (6)(وهي زوجها) بالإجماع؛ كما حكاه ابن المنذر (7).

نعم؛ الرجعية لا يغسلها ولا تغسله، وقد يفهم: أن الأمة لا تغسل السيد، وهو كذلك؛ لأنها تنتقل إلى الورثة.

(1) في (ص 493).

(2)

المجموع (5/ 136)، روضة الطالبين (2/ 102 - 103).

(3)

هنا في غير (أ) زيادة، وهي:(لأنه لا يحلّ له النظر إليها، ولا الخلوة بها)، وهي مشطوبة في (أ).

(4)

روضة الطالبين (2/ 104).

(5)

قال الإسنوي: وهو غير مستقيم، لأنه إن ملكها بالسبي .. فالأصحُّ: جواز الاستمتاع بها إلا الوطء، فالغسل أولى بالجواز، وإن ملكها بغيره .. لم يحرم عليه الخلوة بها ولمسها، والنظر إليها بلا شهوة، فالغسل كذلك. اهـ هامش (أ).

(6)

أخرجه الدارقطني (2/ 79)، والبيهقي (3/ 396) عن أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها.

(7)

الإجماع (ص 50).

ص: 439

وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَا مَسَّ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ .. يُمِّمَ فِي الأَصحِّ. وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ: أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَبِهَا: قَرَابَاتُهَا، وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الأَصحِّ،

===

(ويلفان) أي: السيد وأحد الزوجين (خرقة) ندبًا (ولا مسّ) حفظًا للطهارة؛ فإن خالف .. قال القاضي: صح غسله وإن نقضنا طهر الممسوس، وأقرّاه (1).

(فإن لم يحضر إلا أجنبي) والميت امرأة (أو أجنبية) والميت رجلًا ( .. يمّم) الميت (في الأصح) تنزيلًا لفقد الغاسل منزلة فقد الماء؛ لما في الغسل من النظر المحرم، وهذا إذا كان الميت كبيرًا واضحًا، فإن كان صغيرًا لا يشتهى مثله .. غسله الفريقان، وكذا الخنثى على المعتمد في "شرح المهذب"(2)، والثاني: يغسل في ثيابه بلف خرقة على اليد، وغضّ الطرف ما أمكن، فإن اضطر إلى النظر .. عُذِرَ؛ للضرورة، وحكاه الماوردي عن النص، كما نقله في "الروضة"(3).

(وأولى الرجال به) أي: بغسل الرجل (أولاهم بالصلاة) عليه؛ كما سيأتي بيانه، وهل تقدم الزوجة عليهم؛ قال في "زيادة الروضة":(فيه ثلاثة أوجه: أصحها: يقدم رجال العصبات، ثم الرجال الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء المحارم، والثاني: يقدم الرجال الأقارب، ثم الزوجة، ثم الرجال الأجانب، ثم النساء المحارم، والثالث: تقدم الزوجة على الجميع) انتهى (4).

وذكر القاضي والبغوي: أن الخال هنا أولى من ابن العم؛ لمحرميته (5)، ولا مدخل لتقديم الوالي هنا وإن قيل به في الصلاة.

(وبها) أي: الأولى بغسل المرأة (قراباتها) من النساء؛ لأنهن أشفق من غيرهن (ويقدمن على زوج في الأصح) لأن الإناث بالإناث أليق، والثاني: يقدم هو؛ لزيادة ما ينظره.

(1) الشرح الكبير (2/ 404)، روضة الطالبين (2/ 104).

(2)

المجموع (5/ 121).

(3)

روضة الطالبين (2/ 105).

(4)

روضة الطالبين (2/ 106).

(5)

التهذيب (2/ 413).

ص: 440

وَأَوْلَاهُنَّ: ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، ثمَّ الأَجْنَبيَّةُ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ. قُلْتُ: إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالأَجْنَبِيِّ، وَالَلّهُ أَعْلَمُ. وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ الزَّوْجُ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يُقَرَّبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا، وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ، وَتُطَيَّبُ الْمُعْتَدَّةُ فِي الأَصَحِّ، وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إِبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: كَرَاهَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

(وأولاهن ذات محرمية) وهي كلّ امرأة لو كانت رجلًا .. لم يحلّ له نكاحُها بسبب القرابة؛ لأنهن أشدّ في الشفقة، وإن استوت اثنتان في المحرمية .. فالتي في محلّ العصوبة أولى؛ كالعمة مع الخالة.

(ثم الأجنبية) لأنها أوسع نظرًا من الرجل، ويقدم عليها ذات الولاء، كما نص عليه، وجزم به في "شرح المهذب"(1).

(ثم رجال القرابة؛ كترتيب صلاتهم) لأنهم أشفق عليها، (قلت: إلا ابن العم ونحوه) وهو كلّ قريب ليس بمحرم (فكالأجنبي، والله أعلم) أي: لا حقّ له في الغسل؛ لأنه لا يحلّ له النظر إليها، ولا الخلوة بها.

(ويقدم عليهم) أي: على رجال القرابة (الزوج في الأصح) لأنه ينظر إلى ما لا ينظرون إليه، والثاني: يقدمون عليه؛ لانتهاء النكاح بالموت، وسبب المحرمية يدوم، وجميع ما تقدم مشروط بالإسلام، وألّا يكون قاتلًا.

(ولا يقرب المحرم طيبًا) ولا يطرح الكافور في ماءِ غَسله (ولا يؤخذ شعره وظفره) لأنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا؛ كما ثبت في "الصحيحين"(2).

(وتطيب المعتدة) المحِدَّة (في الأصح) لزوال المعنى، وهو التفجع على الزوج، وميلها إلى الأزواج أو ميلهم إليها، والثاني: لا؛ كالمحرمة.

(والجديد: أنه لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره وشعر إبطه وعانته وشاربه) لأنه لم يرد فيه نهي.

(قلت: الأظهر: كراهته، والله أعلم) لأنه لم يثبت فيه شيء، فهو محدث،

(1) المجموع (5/ 116).

(2)

صحيح البخاري (1265)، صحيح مسلم (1206) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 441