الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بخِلَافِ النَّذْر وَالْقَضَاءِ.
فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]
مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ .. فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إِثْمَ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ .. لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الْجَدِيدِ،
===
من غير اعتراض عليه أن محل القولين: فيما إذا بان أنه منه قبل الأكل، فأما بعده؛ فإن قلنا هناك: لا يجب الإمساك .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان، أصحُّهما: الوجوب (1).
(وإمساك بقية اليوم من خواصِّ رمضانَ، بخلاف النذر والقضاء) لانتفاء شرف الوقت؛ كما لا كفارة فيها، كذا جزما به، ونقل في "شرح المهذب" اتفاق الأصحاب عليه، قال الإسنوي: لكن نصَّ في "البويطي" على الإمساك في الجميع (2).
* * *
(فصل: من فاته شيء من رمضان، فمات قبل إمكان القضاء) بأن استمرَّ مرضه أو سفره المباح إلى موته ( .. فلا تدارك له) بالفدية، ولا بالقضاء عنه (ولا إثم) لأنه فرضٌ لم يتمكن منه إلي الموت، فسقط حكمه؛ كالحج، هذا إذا كان الفوات بعذر، أما غير المعذور، وهو المُتعدِّي بالفطر .. فإنه يأثم، ويتدارك عنه بالفدية، صرَّح به الرافعي في (باب النذر) في نذر صوم الدهر، وجعله أصلًا، وقاس عليه (3)، وأشار إليه هنا بتمثيله بالمريض والمسافر (4).
(وإن مات بعد التمكن .. لم يَصُم عنه وليه) أي: لا يصح صومُه عنه (في الجديد) لأن الصوم عبادة بدنية لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك بعد الموت؛
(1) كفاية النبيه (6/ 257)، روضة الطالبين (2/ 372).
(2)
الشرح الكبير (3/ 222)، روضة الطالبين (2/ 371)، المجموع (6/ 340)، المهمات (4/ 106).
(3)
الشرح الكبير (12/ 380).
(4)
الشرح الكبير (3/ 223).
بَلْ يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْم مُدُّ طَعَامٍ، وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ، وَالْوَليُّ: كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى الْمُخْتَارِ،
===
كالصلاة، ولا فرق في هذا القسم بين فواته بعذر أو بغيره.
(بل يُخرَج من تركته لكلِّ يوم مدُّ طعام) من غالب قوت بلده؛ لحديث فيه رواه الترمذي، لكن قال: إن الأصحَّ: وقفه على ابن عمر، ورواه البيهقي عن فتوى عائشة وابن عباس رضي الله عنهم (1)، ونقله الماوردي عن إجماع الصحابة (2).
والقديم: أنه لا يتعين الإطعام، بل يجوز أيضًا للولي أن يصوم عنه، بل يُستحبُّ له ذلك؛ كما قاله في "شرح مسلم" لحديث:"مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ .. صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" متفق عليه (3).
ونقل البَنْدَنيجي أنَّ الشافعي نصَّ عليه في "الأمالي" أيضًا، فقال: إن صحَّ الحديث .. قلت به، و"الأمالي" من كتبه الجديدة.
واستثنى بعضهم من إطلاق الخلاف: ما إذا مات مرتدًا، فإنه يتعين الإطعام، ولا يجوز الصوم.
(وكذا النذر والكفارة) بأنواعها فيجييء فيهما القولان في رمضان؛ لعموم الأدلة المارة، وقيَّد في "الحاوي الصغير" الكفارة بكفارة القتل (4)، واستغرب.
(قلت: القديم هنا أظهر) من جهة الدليل؛ للحديث السابق وغيره من الأحاديث الصحيحة، قال السبكي بعد كلام بسطه: ويتعيَّن أن يكون هو المفتي به.
(والولي: كلّ قريب على المختار) لأن الوليَّ مشتقٌ من الولْي -بإسكان اللام- وهو: القرب، فيحمل عليه ما لم يدلّ دليل على خلافه، واختاره أيضًا ابن الصلاح، وصاحب "الذخائر"، وجزم به القاضي أبو الطيب في "تعليقه".
وقيل: المراد به: الوارث، وبه جزم الماوردي في آخر (كتاب الوصايا)، وقال
(1) سنن الترمذي (718)، سنن البيهقي (4/ 254).
(2)
الحاوي الكبير (3/ 313).
(3)
صحيح البخاري (1952)، صحيح مسلم (1147) عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
الحاوي الصغير (ص 229).
وَلَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِاِذْنِ الْوَليِّ .. صَحَّ، لَا مُسْتَقِلًّا فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوِ اعْتِكَافٌ .. لَمْ يُفْعَلْ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الاعْتِكَافِ قَوْلٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الْمُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِلْكِبَرِ. وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسَيْهِمَا .. وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ،
===
الرافعي: إنه الأشبه (1)، وقيل: العاصب، وقيل: من له ولاية المال.
(ولو صام أجنبيٌّ) على هذا القول (بإذن الولي .. صحّ) بأجرة ودونها؛ كالحج (لا مستقلًا في الأصح) لأنه لم يرد، والثاني: يصح؛ كما يوفي دينه بغير إذنه.
(ولو مات وعليه صلاة، أو اعتكاف .. لم يُفعل عنه، ولا فديةَ) لعدم ورودها، (وفي الاعتكاف قولٌ) في "البويطي": أنه يعتكف عنه وليه، وفي رواية: يطعم عنه وليه، قال البغوي: ولا يبعد تخريج هذا في الصلاة، فيطعم عن كلّ صلاة مُدًّا (2)(والله أعلم).
وإذا قلنا: بالإطعام في الاعتكاف .. فقال الجويني: يقابل كلّ يوم وليلة بمدّ، واستشكله الإمام: بأن كلَّ لحظة عبادة تامة؛ فإن قيس على الصوم .. فالليل خارج عن الاعتبار (3).
(والأظهر: وجوب المدّ على من أفطر للكبر) لكونه شيخًا هرمًا تلحقه مشقةٌ شديدةٌ، روي ذلك عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم، فيجب عن كلّ يوم مدٌّ إذا كان موسرًا، والثاني: المنع؛ لأنه أفطر لأجل نفسه بعذر، فأشبه المسافر والمريض إذا ماتا قبل انقضاء السفر والمرض.
وفرق الأول: بأن الشيخ لا يتوقع زوال عذره، بخلافهما، وفي معنى الكبير: المريض الذي لا يُرجى برؤه.
(وأما الحامل والمرضع؛ فإن أفطرتا خوفًا على نفسيهما) من حصول ضرر بالصوم؛ كالضرر الحاصل للمريض ( .. وجب القضاءُ بلا فدية) كالمريض،
(1) الحاوي الكبير (10/ 199)، الشرح الكبير (3/ 237).
(2)
التهذيب (3/ 182).
(3)
نهاية المطلب (4/ 122 - 123).
أَوْ عَلَى الْوَلَدِ .. لَزِمَتْهُمَا الْفِدْيَةُ فِي الأَظْهَرِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَي هَلَاكٍ،
===
وسواء تضرر الولدُ معهما أم لا.
(أو على الولد .. لزمتهما الفدية في الأظهر) مع القضاء (1)؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قال ابن عباس: (إنها منسوخة إلا في حقّ الحامل والمرضع عند الخوف، فإنهما يفطران ويفديان عن كلّ يوم طعامَ مسكين) رواه البيهقي (2)، والثاني: لا يلزمهما؛ كالمسافر والمريض، لأن فطرهما لعذر، والثالث: يجب على المرضع دون الحامل، لأن فطرها لمعنى فيها؛ كالمريض.
وتعبيره بـ (الولد) أحسن من تعبير "التنبيه" بولديهما (3)؛ لأن المتبرعة كالأم وإن لم تتعين، ذكره في "زيادة الروضة"، وكذا صحح فيها: أن المستأجرة لو خافت على الولد المستأجرة لإرضاعه .. أفطرت، ووجبت الفدية، وهل تجب الفدية عليها أم على المستأجِر؟ فيه احتمالان للقاضي؛ كدم التمتع، قال في "شرح المهذب": ولعل الأصحَّ: أنها عليها، بخلاف دم التمتع، فإنه على المستأجِر في الأصحِّ؛ لأن الأول من تتمة إيصال المنفعة الواجبة، بخلاف دم التمتع، فإنه من تمام الحج الواجب عليه (4).
ويستثنى من كلام المصنف: المتحيرة إذا أفطرت للإرضاع، لا فدية عليها على الصحيح للشكّ، ذكره في "زيادة الروضة"، و"شرح المهذب" في (باب الحيض)(5).
(والأصح: أنه يُلحَق بالمرضع) في إيجاب الفدية مع القضاء (مَنْ أفطر لإنقاذ مُشرف على هلاك) بغرق وغيره، من آدمي معصوم، أو حيوان محترم بجامع الإفطار بسبب الغير، فلو أفطر لتخليص ماله .. فلا فدية عليه؛ كما صرح به القفال؛ لأنه لم
(1) في المطبوع من "المنهاج"(ص 184): (لزمهما القضاء، وكذا الفدية في الأظهر).
(2)
سنن البيهقي (4/ 230).
(3)
التنبيه (ص 46).
(4)
روضة الطالبين (2/ 383)، المجموع (6/ 268).
(5)
روضة الطالبين (1/ 160)، المجموع (2/ 447).
لَا الْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إِمْكَانِهِ حَتَّي دَخَلَ رَمَضَانٌ آخَرُ .. لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ، وَالأَصَحُّ: تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ،
===
يرتفق به إلا شخص واحد، بخلاف الحيوان المحترم؛ فإنه يرتفق به شخصان، والثاني: لا يلتحق بها؛ لأن إيجاب الفدية مع القضاء بعيد عن القياس، والتعويل في حقّ المرضع والحامل على التوقيف، والفطر في هذه الحالة واجب إذا لم يمكن تخليصه إلا به.
(لا المتعدِّي بفطر رمضانَ بغير جماع) فإنه لا يلتحق في وجوب الفدية بالحامل على الأصحِّ؛ لأنه لم يرد فيه توقيف، والأصل: عدمه، وأيضًا حيث وجبت الفديةُ إنما وجبت جابرةً لما وقع من الخلل، وحرمته أعظم من أن تجبرها الفدية، وصحح في "شرح المهذب" القطع به (1)، والثاني: تلزمه الفدية؛ لأنها واجبة على الحامل والمرضع مع العذر، فهو أولى منهما، وقرَّب الإمام الخلاف من الخلاف في تعمد ترك الأبعاض، هل يقتضي سجود السهو؟ لكن الصحيح: أنه يسجد (2).
(ومن أخَّر قضاءَ رمضان مع إمكانه حتى دخل رمضان آخر .. لزمه مع القضاء لكلّ يوم مدّ) لأن ستة من الصحابة رضي الله عنهم قالوا بذلك (3)، ولا يعرف لهم مخالف؛ كما قاله الماوردي (4).
والمراد بالإمكان: عدم العذر؛ فإذا كان مسافرًا أو مريضًا .. فلا فدية عليه بهذا التأخير؛ لأن تأخير الأداء بهذا العذر جائز، فتأخير القضاء أولى.
(والأصح: تكرره بتكرر السنين) لأن الحقوق المالية لا تتداخل، والثاني: لا تتكرر؛ كالحدود.
ومحل الخلاف: إذا لم يكن أخرج الفدية؛ فإن أخرجها، ثم لم يقض حتى دخل رمضان آخر .. وجبت ثانيًا بلا خلاف، وهكذا حكم العام الثالث فصاعدًا، ذكره
(1) المجموع (3/ 318).
(2)
نهاية المطلب (4/ 44).
(3)
انظر "سنن الدارقطني"(2/ 196)، و"سنن البيهقي"(4/ 253).
(4)
الحاوي الكبير (3/ 312).
وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إِمْكَانِهِ فَمَاتَ .. أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ: مُدٌّ لِلْفَوَاتِ وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ. وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَجِنْسُهَا: جِنْسُ الْفِطْرَةِ.
===
البغوي والخوارزمي وغيرهما (1)، قال الإسنوي: وهو واضح؛ لأن الحدود بعد إقامتها تقتضي التكرار عند الفعل ثانيًا بلا خلاف، مع أنها أخفّ مما نحن فيه؛ بدليل أنه يكفي العدد منها حَدٌّ واحد قطعًا.
(وأنه لو أخر القضاءَ مع إمكانه فمات .. أُخرج من تركته لكلّ يوم مدّان: مُدٌّ للفوات ومُدٌّ للتأخير) لأن كلًّا منهما موجبٌ عند الانفراد، فكذلك عند الاجتماع، والثاني: يكفي مُدٌّ واحد؛ لأن الصوم قد فات، والفوات يقتضي مدًّا واحدًا؛ كالشيخ الهرم.
ومحل الخلاف: إذا قلنا بالجديد، فإن قلنا: بالقديم، وهو صوم الولي وصام .. وجبت فدية واحدة للتأخير.
(ومَصرِف الفدية: للفقراء والمساكين) دون غيرهما من الأصناف الثمانية؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} والفقير أسوأ حالًا منه.
(وله صرف أمداد إلى شخص واحد) بخلاف المدّ الواحد؛ فإنه لا يجوز صرفه إلى شخصين؛ لأن كلَّ مُدٍّ بمثابة كفارة تامة، ويفارق زكاةَ الفطر، فإنه يجوز صرف صاع إلى مئة مسكين مثلًا، وجزاء الصيد فيه احتمالان للقفال في "فتاويه" أحدهما: إلحاقه بالفدية، فلا ينقص كلّ مسكين عن مدّ، والثاني: أنه يجوز النقص؛ لأن الغرامة قد تكون أقلّ منه.
(وجنسُها: جنس الفطرة) على ما سبق بيانه بما فيه من خلاف ووفاق، ويعتبر في المدّ الذي نوجبه هنا وفي الكفارات: أن يكون فاضلًا عن قوته؛ كزكاة الفطر، قاله القفال في "فتاويه".
* * *
(1) التهذيب (3/ 180).