الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: الأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ .. حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَحَلَّ بهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ.
فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]
إِذَا عَادَ إِلَى مِنىً .. بَاتَ بِهَا لَيْلَتَيِ التَّشرِيقِ، وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْجَمَرَاتِ
===
وهذا ما صححه في "الشرح الصغير"، والثاني: لا يحلّ؛ أما في المباشرة وعقد النكاح .. فلتعلقهما بالنساء، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ .. فَقَدْ حَلَّ لَكْمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ"، رواه النسائي بإسناد جيد؛ كما قال المصنف (1)، وأما في الصيد .. فلقوله تعالى:{تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} والإحرام باق.
(قلت: الأظهر: لا يحلّ عقد النكاح) والمباشرة فيما دون الفرج (والله أعلم) للحديث المار، وهذا ما نسبه في "الشرح الكبير" إلى تصحيح الأكثرين، وقال: إن قولهم أوفق لظاهر النصّ في "المختصر"، ونقله في "الروضة" و"شرح المهذب" عن الأكثرين (2).
(وإذا فعل الثالثَ .. حصل التحلّل الثاني، وحلّ به باقي المحرمات) بالإجماع، ويجب عليه الإتيانُ بما بقي من أعمال الحجّ، وهو الرمي والمبيت، قالوا: مع أنه غير محرم؛ كما يسلم التسليمة الثانية وإن كان قد خرج من الصلاة بالأولى.
وهذا كلّه في الحجّ، أما العمرة .. فليس لها إلا تحلّل واحد؛ لأن الحجّ يطول زمنُه، وتكثر أعماله، فأبيح بعضُ محرماته في وقت، وبعضها في وقت آخر، بخلاف العمرة.
* * *
(فصل: إذا عاد إلى منىً .. بات بها ليلتي التشريق، ورمى كلَّ يوم إلى الجمرات
(1) سنن النسائي (5/ 277)، وأخرجه ابن ماجه (3041) عن ابن عباس رضي الله عنهما، المجموع (8/ 163).
(2)
الشرح الكبير (3/ 430)، روضة الطالبين (3/ 104)، المجموع (8/ 164).
الثَّلَاثِ كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ.
===
الثلاث كلَّ جمرة سبعَ حصيات) للاتباع (1)، والرمي واجب قطعًا، وكذا المبيت على الأظهر في "زيادة الروضة"(2)، والمعتبر في وجوب هذا المبيت: معظمُ الليل على الأظهر، والأكملُ: جميعه، والثاني: أن المعتبر كونُه حاضرًا بها عند طلوع الفجر، وهذا فيمن لا عذر له، أما المعذور؛ كأهل سقاية العباس، ورِعاء الإبل .. فلهم إذا رموا جمرةَ العقبة يوم النحر .. أن ينفروا، ويَدَعوا المبيت بمنىً، قالا: وللصنفين جميعًا أن يَدَعوا رمي يوم، ويَقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمي ذلك اليوم، وليس لهم أن يَدَعوا رمي يومين متواليين، فإن أقام الرِّعاء إلى الغروب .. لم يجز لهم أن يخرجوا حتى يبيتوا، بخلاف أهل السقاية فإنهم يجوز لهم الخروجُ وإن أقاموا إلى الغروب؛ لتعهّدها، بخلاف الرعي فإنه لا يكون ليلًا (3).
وفي معنى أهل السقاية: من ضاع مالُه، أو خاف على نفسه، أو كان به مرض يشقّ معه المبيتُ، أو له مريض يحتاج إلى تعهده، أو يطلب آبقًا.
وأيام التشريق هي: الأيام المعدودات، وهي ثلاثةٌ بعد يوم النحر، سميت بذلك؛ لإشراق نهارها بنور الشمس، ولياليها بنور القمر، وقيل: لأن الناس يُشرِّقون اللحمَ فيها في الشمس.
وأما المعلومات .. فهي العشرُ الأولُ من ذي الحجة (4).
(1) أخرجه أبو داوود (1973) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
روضة الطالبين (3/ 105).
(3)
روضة الطالبين (3/ 105 - 106)، الشرح الكبير (3/ 434).
(4)
فوائد: الأولى: روي من حديث أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: "تُغْفَرُ بكُلِّ حَصَاةٍ رَمَاهَا كَبيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ الْمُوجبَاتِ"، ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما -أن رجَلًا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن رمي الجَمار ما لنا فيه؟ فقال:"تَجدُ ذَلِكَ عِنْدَ رَبِّكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ"، الثانية: يستحب التبرك بالصلاة في مسجد الخيف بمنىً، فقَد روي: أنه صلّى في مكانه سبعون نبيًّا منهم موسى صلى الله عليه وسلم، وأن فيه قبرَ سبعين نبيًّا صلوات الله وسلامه عليهم، ويقال: إن مُصلّى نبينا صلى الله عليه وسلم عند الأحجار أمام المنارة، الثالثة: الجمرات الثلاث بفتح (الجيم)، وهي معروفة: الأولى: تلي مسجدَ الخيف، وهي أولاهن من جهة عرفات، وثانيها: الوسطى، وهي بمنىً، وثالثها: جهةَ العقبة، وليست من منىً، كذا قاله الأصحاب، واستُغرب. "العجالة"[2/ 627 - 628]. اهـ هامش (أ)، حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الطبراني في =
فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَأَرَادَ النَّفْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ .. جَازَ وَسَقَطَ مَيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمْيُ يَوْمِهَا، فَإنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ .. وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمْيُ الْغَدِ.
===
(فإذا رمى اليوم الثاني فأراد النّفْرَ قبل غروب الشمس .. جاز، وسقط مبيت الليلة الثالتة، ورميُ يومها) ولا دم عليه؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} لكن التأخير أفضلُ لا سيما للإمام؛ كما قاله في "شرح المهذب"(1) للاتباع إلا لعذر؛ كغلاء ونحوه.
ومحل جواز التعجيل: إذا كان بات الليلتين قبله، وإلا .. لم يجز التعجيلُ إن كان قد ترك مبيتهما بغير عذر، وإنما جوز ذلك للرِّعاء وأهل السقاية؛ للعذر، وجوز لعامة الناس أن ينفروا؛ لأنهم أتوا بمُعْظم المبيت والرمي، ومن لا عذر له .. لم يأت بالمُعْظم، فلم يجز له النفرُ (2)، كذا نقله الروياني عن الأصحاب، وحكاه عنه في "شرح المهذب" وأقره (3).
(فإن لم يَنفِر حتى غربت .. وجب مبيتُها، ورميُ الغد) لما في "الموطأ" عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: (من غربت به الشمسُ من أوسط أيام التشريق وهو بمنىً .. فلا يَنفِر حتى يرمي الجمارَ من الغد)(4).
وإذا ارتحل فغربت الشمس قبل أن ينفصل عن منىً .. كان له أن ينفر؛ كيلا يحتاج إلى الحطّ بعد التَّرْحال، وكذا لو غربت وهو في شغل الارتحال، أو نفر قبل
= "الأحاديث الطوال"(61)، والأزرقي في "أخبار مكة"(2/ 6)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه الطبراني في "الكبير"(12/ 306)، و"الأوسط"(4159)، وعبد الرزاق في "مصنفه"(8830) بنحوه، وصلاة سبعين نبيًّا في مكان مسجد الخيف أخرجه الطبراني في "الكبير"(11/ 358)، والضياء في "المختارة"(309) عن ابن عباس رضي الله عنهما، ووجود قبر سبعين نبيًّا في مسجد الخيف أخرجه الطبراني في "الكبير"(12/ 316) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وما قيل في مصلّى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عند الأحجار .. أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(3490)، والأزرقي في "أخبار مكة"(2/ 167) عن خالد بن مضرس رحمه الله تعالى.
(1)
المجموع (8/ 180).
(2)
كذا في (أ)، وعبارة غيرها:(ومن لا عذر له، ولم يأت بالمعظم .. لم يجز له النفر).
(3)
المجموع (8/ 179).
(4)
الموطأ (1/ 407).
وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ، وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِهَا، وَقيِلَ: يَبْقَى إِلَى الْفَجْرِ،
===
الغروب، ثم عاد لحاجة على الأصح في "زيادة الروضة"(1).
فلو تبرع في هذه الحالة بالمبيت .. لم يلزمه الرمي في الغد؛ كما في "زيادة الروضة" عن النصّ (2)، وإذا أوجبنا المبيت فتركه .. نظر؛ إن ترك مبيتَ مزدلفةَ وحدها .. أراق دمًا، وإن ترك مبيت الليالي الثلاث .. فكذلك على الأظهر، وإن ترك ليلةً منها .. فالأظهر: وجوب مدّ، وقيل: درهم، وقيل: ثلث دم.
وإن ترك ليلتين .. فعلى هذا القياس، وإن ترك الليالي الأربع .. فالأظهر: وجوب دمين: دمٍ لليلة مزدلفة، ودمٍ لليالي منى، والثاني: دم للكلّ.
والتارك ناسيًا كالعامد في إيجاب الدم، كذا نقله في "شرح المهذب" عن الدارمي وغيره (3).
وينبغي لمن نفر من منىً أن ينزل بالمُحَصَّب، ويصلي به الظهر والعصر، والمغرب والعشاءَ، ويَرقُد رَقدةً، ويذهب إلى البيت لطواف الوداع؛ للاتباع (4).
(ويدخل رميُ) كلّ يوم من أيام (التشريق بزوال الشمس) ذلك اليوم؛ للاتباع (5)، ويستحب تعجيله بعد الزوال قبل فعل الظهر؛ كما قاله في "شرح المهذب"(6).
(ويخرج) الرمي (بغروبها) من كلّ يوم؛ لعدم وروده في الليل، (وقيل: يبقى إلى الفجر) كالوقوف بعرفة.
ومحل هذا الوجه: في غير اليوم الثالث، أما الثالث .. فيخرج وقتُ رميه بغروب شمسه قطعًا، وما رجحه يخالف ما صححاه في "الشرح"، و"الروضة" في الكلام على الرمي من بقاء وقت الرمي في جميع الأيام إلى انقضاء أيام التشريق (7)، وجمع ابن
(1) روضة الطالبين (3/ 107).
(2)
روضة الطالبين (3/ 107).
(3)
المجموع (8/ 177 - 178).
(4)
أخرجه البخاري (1756) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5)
أخرجه مسلم (1299/ 314) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(6)
المجموع (8/ 169).
(7)
الشرح الكبير (3/ 437)، روضة الطالبين (3/ 107).
وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبع وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَتَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ، وَكَوْنُ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا، وَأَنْ يُسَمَّى رَمْيًا، فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ
===
الرفعة بينهما: بأن يحمل ذلك على وقت الجواز، وهذا على وقت الاختيار، قال: وحينئذ فيكون للرمي ثلاثةُ أوقات: فضيلة، واختيار، وجواز. انتهى.
وفي حمل كلامه هنا على وقت الاختيار نظرٌ؛ لأنه لم يقل أحد: إن وقت الاختيار يبقى إلى آخر الليلة التي بعد اليوم؛ كما ذكره الأَذْرَعي.
(ويشترط: رميُ السبع واحدةً واحدةً) للاتباع؛ كما رواه مسلم (1).
والمراد: سبع دفعات، فلو رمى حصاتين أو السبع في دفعة واحدة .. حسبت له حصاة واحدة، ولو رمى واحدة بيمينه وأخرى بيساره .. فكرميهما بيد واحدة.
وقضية كلامه: أنه لو رمى بحصاة واحدة سبعَ مرات .. لم يكف، وهو وجه رجحه الإمام والغزالي، وقال ابن الصلاح: إنه الأقوى، لكن الأصح عند الشيخين: الجوازُ، هذا إذا رمى به في ذلك اليوم إلى تلك الجمرة، قال الإمام: فإن تعدد الشخص، أو الجمرة، أو الوقت .. لم يمتنع اتفاقًا (2).
(وترتيب الجمرات) بأن يبدأ بالجمرة التي تلي مسجدَ الخيف، وهي أولاهن من جهة عرفات، ثم يرمي الوسطى، ثم جمرة العقبة؛ للاتباع؛ كما رواه البخاري (3).
فلو بدأ بجمرة العقبة، ثم الوسطى، ثم التي تلي المسجد .. اعتدّ له بالتي تلي المسجدَ.
(وكون المَرميِّ حجرًا) للاتباع (4)، فلا يجزئ اللؤلؤ، وما ليس بحجر من طبقات الأرض؛ كالنُّورة، والمطبوعات؛ كالنقدين، ويكفي بحجر الحديد على الأصح، وكذا بالفَيْرُوزج والياقوت والعَقيق والزَّبَرْجد والبلَّور؛ لأنها أحجار.
(وأن يُسمّى رميًا، فلا يكفي الوضع) على الصحيح، ولا الدفع بالرجل،
(1) صحيح مسلم (1296) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2)
نهاية المطلب (4/ 322)، الوسيط (2/ 668)، الشرح الكبير (3/ 439)، روضة الطالبين (3/ 114).
(3)
صحيح البخاري (1751) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه النسائي (5/ 268) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَرْمِيَ بقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ. وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى، وَلَا كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنِ الْجَمْرَةِ. وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّمْيِ .. اسْتَنَابَ
===
ولا الرمي عن القوس؛ لأنه خلافُ المأثور، قال الإسنوي: واشتراط الرمي غيرُ محتاج إليه؛ لأنه قد علم من قوله: (يشترط رمي السبع واحدة واحدة)، قال المنكت:(وكأنه ذكره؛ لئلا يتوهم أن ذاك سيق لبيان التعدد لا للكيفية، فنصّ عليه احتياطًا، ويشترط أيضًا: قصدُ المَرْمى؛ فلو رمى في الهواء فوقع في المَرْمى .. لم يكف)(1).
(والسنة: أن يرمي بقدر حصى الخذف) لقوله عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ" رواه مسلم (2)، ورمى به عليه السلام.
والخذف: الرمي بالحصى من بين الإصبعين، قال الشافعي: وهو أصغر من الأَنْمُلة طولًا وعرضًا، قدر حبة البَاقِلَاء، قال الرافعي: ويرميه على هيئة الخذف، وصحح المصنف في "زيادة الروضة"، و"شرح المهذب" وغيرهما: أنه يرميه على غير هيئة الخذف، قال: وبه قطع الجمهور (3).
(ولا يشترط بقاء الحجر في المَرْمى) فلا يضرّ تدحرجه بعد الوقوع فيه؛ لحصول الرمي.
نعم؛ لو شك في وقوعه فيه .. لم يجز على الجديد.
(ولا كون الرامي خارجًا عن الجمرة) فلو وقف في بعضها ورمى إلى الجانب الآخر .. صحّ؛ لحصول اسم الرمي.
(ومن عجز عن الرمي) لمرض أو حبس ( .. استناب) ولو بأجرة؛ خشيةَ فواته؛ لضيق وقته.
ويشترط: كونُ النائب رمى عن نفسه، وإلا .. فرميه عنه دون المستنيب كأصل الحج، وألّا يرجى زوالُ السبب إلى آخر وقت الرمي.
(1) السراج (2/ 314).
(2)
صحيح مسلم (1282) عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما.
(3)
الأم (3/ 560)، الشرح الكبير (3/ 438)، روضة الطالبين (3/ 113)، المجموع (8/ 138).
وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ .. تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الأيَّامِ فِي الأَظْهَرِ وَلَا دَمَ، وَإِلَّا .. فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْمَذْهَبُ: تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ
===
(وإذا ترك رمي يوم) عمدًا أو سهوًا ( .. تداركه في باقي الأيام في الأظهر) لأنه عليه السلام جوّز ذلك للرِّعاء (1)، فلو كانت بقيةُ الأيام غيرَ صالحة للرمي .. لم يفترق الحال فيها بين المعذور وغيره؛ كما في الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والثاني: لا؛ كما لا يتداركه بعد أيام التشريق، وإذا قلنا بالتدارك، فتدارك .. فالأظهر أنه أداء، وقول ابن الرفعة: إن الإمام والرافعي صححا خلافه سهوٌ؛ كما نبه عليه السبكي، والمذهب: أن رمي يوم النحر كغيره في كونه يتدارك أداءً على الأظهر.
(ولا دم) مع التدارك، سواء جعلناه أدأء أم قضاء؛ لحصول الانجبار بالمأتي به.
(وإلا) أي: وإن لم يتداركه ( .. فعليه دم) لتركه نسكًا، وقد قال ابن عباس:(من ترك نسكًا .. فعليه دم)(2).
(والمذهب: تكميل الدم في ثلاث حصيات) لوقوع اسم الجمع عليها، ولا تلزمه زيادةٌ عليه لو زاد في الترك على الثلاث، حتى لو ترك رمي يوم النحر وأيام التشريق .. كفاه دمٌ واحد على أصح الأقوال؛ لاتحاد جنس الرمي، فأشبه حلق الرأس.
وفي الحصاة والحصاتين الأقوال الآتية في الشعرة والشعرتين، وأصحها: لزوم مدّ.
والطريق الثاني: أن الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث، فلا يكمل الدم في بعضها، بل إن ترك جمرة أو جمرتين .. ففيها الأقوال الثلاثة في الشعرة والشعرتين.
والطريق الثالث: أن الدم يكمل بجمرة واحدة؛ كما يكمل بجمرة العقبة في يوم النحر، ولم يكمل بأقل منها.
واعلم: أن الطريقة الأولى الصحيحة ليست في "الشرح الكبير"، ولا في "الروضة"؛ لأن الرافعي أسقطها نسيانًا؛ لأنه قال: إن الإمام جمع في المسألة طرقًا
(1) أخرجه أبو داوود (1976)، والترمذي (954)، وابن ماجه (3036) عن عاصم بن عدي رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مالك (4/ 419)، والبيهقي (5/ 175).
وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ .. طَافَ لِلْوَدَاعِ، وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ،
===
فذكر ثنتين منها، ولمّا لم يجد المصنفُ في "الروضة" إلا طريقين .. قال: فيه طريقان (1).
(وإذا أراد الخروجَ من مكة) بعد قضاء النسك، وجميع أشغاله ( .. طاف للوداع) طواف كاملًا بركعتيه؛ لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا، كما قاله الرافعي (2)، وفي "الصحيحين" عن ابن عباس أنه قال:(أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض)(3).
وسواء أكان حاجًّا أم لا، وسواء أكان آفاقيًّا يقصد الرجوعَ إلى وطنه أم مكيًّا يسافر لحاجة، ثم يعود على الأصح في "أصل الروضة"(4)، وسواء أقصد سفرًا طويلًا أم قصيرًا على الصحيح في "شرح المهذب"، وقيل: يختص بالسفر الطويل، وهو المذكور في "الشرح"، و"الروضة"(5).
نعم؛ يستثنى على ما في "شرح المهذب": المعتمر يخرج للتنعيم، فإنه لا وداع عليه عند الشافعي، ونقله في "البيان" عن "المعتمد" لأبي نصر البَنْدَنيجي (6).
وقوله: (من مكة): يفهم أن الحاجّ إذا أراد الانصرافَ من منىً .. لا يؤمر به، وليس كذلك؛ كما جزم به في "شرح المهذب".
نعم؛ لو كان قد طاف للوداع في يوم النحر عقب طواف الإفاضة .. ففي جواز الانصراف من منىً خلافٌ حكاه في "البيان" عن المتأخرين، قال في "شرح المهذب": والصحيح، وهو مقتضى كلام الأصحاب: أنه لا يسقط عنه أيضًا (7).
(ولا يمكث بعده) لحديث ابن عباس المارّ، فإن مكث لغير حاجة، أو لحاجة
(1) الشرح الكبير (3/ 444)، روضة الطالبين (3/ 111).
(2)
الشرح الكبير (3/ 446).
(3)
صحيح البخاري (1755)، صحيح مسلم (1328).
(4)
الشرح الكبير (3/ 446).
(5)
المجموع (8/ 187)، الشرح الكبير (3/ 446)، روضة الطالبين (3/ 117).
(6)
البيان (4/ 368).
(7)
البيان (4/ 366)، المجموع (8/ 186).
وَهُوَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَفِي قَوْلٍ: سُنَّةٌ لَا يُجْبَرُ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ، فَخَرَجَ بِلَا وَدَاعٍ فَعَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصرِ .. سَقَطَ الدَّمُ، أَوْ بَعْدَهَا .. فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ
===
لا تتعلق بالسفر؛ كالزيارة، والعيادة، وقضاء الدين .. فعليه إعادته، وإن اشتغل بركعتي الطواف، وأسباب الخروج؛ كشراء الزاد، وشدّ الرحل .. لم يضرّ، قال في "زيادة الروضة": وكذا لو أقيمت الصلاة فصلاها معهم (1).
(وهو واجب) للأمر الوارد في حديث ابن عباس المارّ (2)(يُجبر تركُه بدم) وجوبًا كسائر الواجبات، (وفي قول: سنة لا يُجبر) لأنه لو كان واجبًا .. لوجب على الحائض جبره؛ لأن الواجب لا فرق في فدائه بين المعذور وغيره؛ بدليل الرمي إذا تركه ناسيًا، ولا خلاف في المجبر كما في "الشرح"، و"الروضة"، وإنما الخلاف في كونه واجبًا أو مستحبًا، خلافًا لما توهمه عبارة "الكتاب"(3).
(فإن أوجبناه، فخرج بلا وداع فعاد قبل مسافة القصر) من مكة، وقيل: من الحرم، وطاف ( .. سقط الدم) كما لو جاوز الميقات غيرَ محرم ثم عاد إليه، ويجب عليه العودُ عند المُكْنة على المذهب.
(أو بعدها .. فلا على الصحيح) لاستقراره بالسفر الطويل، ووقوع الطواف بعد العود حقًّا للخروج الثاني، كذا علّله الرافعي (4)، وهو ماش على ما تقدم عن "الشرح"، و"الروضة" من أن الخروج إلى دون مسافة القصر لا يقتضي وداعًا، وأما على ما تقدم عن "شرح المهذب" .. فينبغي ألا يسقط، والثاني: يسقط، كما لو عاد قبلها، ولا يجب العودُ في هذه الحالة؛ للمشقة.
وقوله: (أو بعدها): يفهم أن بلوغها ليس كذلك، والذي في "شرح المهذب": أن بلوغها كمجاوزتها، وهو قول الشافعي، والأصحاب (5).
(1) روضة الطالبين (3/ 117).
(2)
في (ص 693).
(3)
الشرح الكبير (3/ 447)، روضة الطالبين (3/ 116).
(4)
الشرح الكبير (3/ 447).
(5)
المجموع (8/ 185).
وَلِلْحَائِضِ النَّفْرُ بلَا وَدَاعٍ. وَيُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ، وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ.
===
(وللحائض النفر بلا وداع) لحديث ابن عباس المارّ (1).
نعم؛ لو طهرت قبل مفارقة بنيان مكة .. لزمها العودُ لتطوف، ولو طهرت بعد مسافة القصر .. لم يلزمها، وإن طهرت بينهما .. فالنصّ: أنه لا يلزمها العود، والنصّ: أن المقصر بالترك يلزمه العودُ، والمذهب: تقرير النصين.
والفرق: أنه مأذون للحائض في الانصراف، بخلافه، والنفساء كالحائض؛ كما قاله في "شرح المهذب"، وألحق بعضهم بهما المعذور؛ كالخائف من ظالم، أو فوت رفقة، أو معسر ونحو ذلك (2).
(ويسن شرب ماءِ زمزمَ) لـ"أَنَّهَا مُبَارَكَةٌ، طَعَامُ طُعْمٍ" كما رواه مسلم، زاد أبو داوود الطَّيالِسي في "مسنده":"وَشِفَاءُ سُقْمٍ"(3).
ويستحب: أن يشربه لمطلوباته من الدنيا والآخرة؛ لصحة حديث: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ"(4)، قال ابن الملقن: ويروى: أن مياه الأرض تُرفَع قبل يوم القيامة غيرَ زمزم (5).
(وزيارةُ قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الحج) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ زَارَ قَبْرِي .. وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي" رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(6).
(1) في (ص 693).
(2)
المجموع (8/ 185 - 186).
(3)
صحيح مسلم (2473)، مسند الطيالسي (457) عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(4)
أخرجه الحاكم (1/ 473)، وابن ماجه (3062)، والدارقطني (2/ 289)، والبيهقي (5/ 148)، وأحمد (3/ 357) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وانظر تعليق شيخنا الشيخ محمد عوامة على الحديث في "مصنف ابن أبي شيبة"(14340).
(5)
عجالة المحتاج (2/ 635)، والأثر أخرجه الأزرقي في "أخبار مكة"(2/ 55) عن الضحاك بن مزاحم رحمه الله تعالى.
(6)
أورد الحديث الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(4/ 1638 - 1641) وعزاه لابن خزيمة، ثم ذكر طرق الحديث، ثم قال:(طرق هذا الحديث كلُّها ضعيفة، لكن صححه من حديث ابن عمر أبو علي ابن السكن في إيراده إيّاه في أثناء "السنن الصحاح" له، وعبد الحق في "الأحكام" في سكوته عنه، والشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين باعتبار مجموع الطرق). وانظر "لسان الميزان" =