الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ [في صلاة النّفل]
صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْم لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً: فَمِنْهُ: الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ؛ وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ،
===
(باب)
(صلاةُ النفل قسمان) النفل لغة: الزيادة، واصطلاحًا: ما عدا الفرائضَ، سُمِّي بذلك؛ لزيادته على ما فرضه الله تعالى (قسمٌ لا يُسن جماعةً) لمواظبته عليه السلام على فعله فرادى وإن كانت الجماعةُ فيه جائزةً من غير كراهةٍ؛ لاقتداء ابن عباس بالنبي صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونةَ في التهجد، متفق عليه (1).
و(جماعة) منصوب على التمييز منقول من المفعول الذي لم يسمّ فاعلُه، لا على الحال، وإلّا .. كان معناه نفي السنة عنه حال كونه في جماعة، وليس كذلك، قاله الإسنوي.
(فمنه: الرواتب مع الفرائض) الرواتب هي التابعةُ للفرائض على المشهور، وقيل: إنها المؤقَّتة بوقت مخصوصٍ؛ فالعيد والضحى والتراويح راتبةٌ على الثاني، لا الأول، والحكمةُ في مشروعية الرواتب: تكميلُ ما نَقَصَ من الفرائض.
(وهي: ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر، وكذا بعدها وبعد المغرب والعشاء) لحديث ابن عمر: (صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين بعد الجمعة)(2) متفق عليه (3)، وفي بعض طرقه: (وحدثتني أختي حفصةُ أن النبي
(1) صحيح البخاري (183)، صحيح مسلم (763) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
في (ب): (قبل الصبح).
(3)
صحيح البخاري (1172)، صحيح مسلم (729).
وَقِيلَ: لَا رَاتِبَةَ لِلْعِشَاءِ، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقِيلَ: وَأَرْبَع بَعْدَهَا، وَقِيلَ: وَأَرْبَع قَبْلَ الْعَصْرِ. وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ. وَقِيلَ: رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. قُلْتُ: هُمَا سُنَّة عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" الأَمْرُ بِهِمَا،
===
صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر) (1).
(وقيل: لا راتبة للعشاء) لجواز كون الركعتين بعدها من صلاة الليل (2).
(وقيل: أربعٌ قبل الظهر) لأنه عليه السلام كان لا يَدعها، رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها (3).
(وقيل: وأربعٌ بعدها) لقوله عليه السلام: "مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا .. حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ" رواه الترمذي والحاكم، وصححاه (4).
(وقيل: وأربعٌ قبل العصر) للاتباع، كما رواه الترمذي وحسنه (5).
(والجميع سنة) راتبة قطعًا؛ لورود ذلك في الأخبار، (وإنما الخلاف في الراتب المؤكَّد) فقيل: الجميع راتب مؤكد، لظاهر ما مرّ من الأدلة، وقيل: المؤكد هو العشرة المذكورة أولًا فقط، للمواظبة عليها، (وقيل: ركعتان خفيفتان قبل المغرب) لما سيأتي، (قلت: هما سنة على الصحيح، ففي "صحيح البخاري" الأمرُ بهما) ولفظ رواية "البخاري" عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه
(1) أخرجه البخاري (1173).
(2)
روى ابن منده أن عمار بن ياسر صلى ستّ ركعات بعد المغرب، وقال: رأيت حبيبي صلى الله عليه وسلم فعلها ثم قال: من صلّى بعد المغرب ستّ ركعات .. غفرت له ذنوبه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحر، قال ابن منده: غريب، تفرد به صالح بن قطن، قال ابن الملقن: ولا أعلم حالَه، وأمّا ابن الجوزي: فذكره في "علله" من الطريق المذكور ثم قال: وفيه مجاهيل، قاله في "العجالة" اهـ هامش (أ).
(3)
صحيح البخاري (1182).
(4)
سنن الترمذي (428)، المستدرك (1/ 312)، وأخرجه أبو داوود (1263) عن أم حبيبة رضي الله عنها.
(5)
سنن الترمذي (430)، وأخرجه ابن حبان (2453)، وأبو داوود (1271) عن ابن عمر رضى الله عنهما.
وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَع، وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْه: الْوِتْرُ،
===
وسلم قال: ("صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ" -قال في الثالثة: - "لِمَنْ شَاءَ" كراهة أن يتخذها الناسُ سنة)(1).
والمراد بالسنة في الحديث: الشريعة اللازمة، نحو:(مضت السنة في كل أربعين جمعة) لا الاستحباب، فإنه ثابت بأول الحديث.
وفي "الصحيحين" من حديث أنس رضي الله عنه: (أن كبار الصحابة كانوا يبتدرون السواري لهما إذا أذن المغرب)(2)، وفي رواية لمسلم:(حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد، فيحسب أن الصلاة قد صُليت من كثرة من يصليهما)(3)، والثاني: أنهما ليسا بسنة لقول ابن عمر: (ما رأيت أحدًا يصلي الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
وأجيب عنه: بأنه نافٍ وغيرُه مُثبت، خصوصًا أن من أَثبت أكثر عددًا ممن نفى، ومحلّ استحبابها بعد دخول الوقت وقبل الشروع في الإقامة، وإذا قلنا: باستحبابهما .. فليستا من المؤكدة؛ كما قاله الرافعي، بخلاف ما يقتضيه إيرادُ المصنف (5).
(وبعدَ الجمعة أربعٌ) للأمر بذلك في "مسلم"(6)، (وقبلها ما قبل الظهر، والله أعلم) فإن أراد الأكمل .. صلّى أربعًا، أو أدناه .. فركعتين؛ لأحاديث في ذلك خاصة وعامة (7).
(ومنه) أي: من القسم الذي لا يسنّ جماعة (الوتر) لما سيأتي، وليس
(1) صحيح البخاري (1183).
(2)
صحيح البخاري (503)، صحيح مسلم (837).
(3)
صحيح مسلم (837) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4)
أخرجه أبو داوود (1284).
(5)
الشرح الكبير (2/ 117).
(6)
صحيح مسلم (881) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
أما الخاصة .. فمنها: ما أخرجه ابن ماجه (1114) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وأما العامة .. فمنها: ما أخرجه البخاري (624)، ومسلم (838) عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.
وَأَقَلُّهُ: رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ: إِحْدَي عَشْرَةَ، وَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ وَهُوَ أَفْضَلُ،
===
بواجب؛ لحديث: (هل عليّ غيرُها؟ قال: "لَا")(1)، وقال ابن المنذر:(لا أعلم أحدًا وافق أبا حنيفة على وجوبه حتى صاحبيه)(2).
وقضية كلام المصنف: أنه قسيم للرواتب، لكن جزم في "الشرحين" و"الروضة" في مواضع بأنه قسم منها (3).
(وأقله: ركعةٌ) لحديث: "الوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ" رواه مسلم (4)، وفي "الكفاية" عن أبي الطيب: أنه يكره الإيتار بركعة (5)، (وأكثره: إحدى عشْرةَ) لقول عائشة رضي الله عنها: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) متفق عليه (6)، (وقيل: ثلاثَ عشرةَ) وصححه الرافعي في "شرح المسند"(7)؛ لحديث أم سلمة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة، فلما كَبِرَ وضعف .. أوتر بسبع) حسنه الترمذي، وقال الحاكم: إنه على شرطهما (8).
(ولمن زاد على ركعة الفصلُ) لما رواه ابن حبان: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر بالتسليم)(9)، (وهو أفضل) لأن أحاديثَه اكثرُ، كما قاله في "شرح المهذب"(10)، ولأنه أكثر عملًا؛ إذ يزيد بالسلام، ثم بالتكبير والنية وغيرهما، قال في "شرح المهذب": (وإذا أوتر بإحدى عشرة فما دونها ..
(1) أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11) عن طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه.
(2)
الأوسط (5/ 167 - 168).
(3)
الشرح الكبير (2/ 116)، روضة الطالبين (1/ 327).
(4)
صحيح مسلم (752) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
كفاية النبيه (3/ 321).
(6)
صحيح البخاري (1147)، صحيح مسلم (738).
(7)
شرح مسند الشافعي (2/ 87).
(8)
سنن الترمذي (457)، الحاكم (1/ 306).
(9)
صحيح ابن حبان (2435)، وأخرجه أحمد (2/ 76) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(10)
المجموع (4/ 18).
وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ، أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الأَخِيرَتَيْنِ. وَوَقْته بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقِيلَ: شَرْطُ الإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ: سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ
===
فالأفضلُ: أن يسلم من كل ركعتين) (1) لما في "الصحيحين": (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين (2) كل ركعتين، ويوتر بواحدة) (3).
بل الوصل فيما إذا أوتر بثلاث مكروه؛ كما جزم به ابن خيران في "اللطيف"، وقيل: الوصل أفضل؛ خروجًا من خلاف أبي حنيفة؛ فإنه لا يصحح الفصل.
(والوصلُ) أي: ولمن زاد على ركعة الوصل أيضًا (بتشهدٍ، أو تشهدين في) الركعتين (الأخيرتين) لثبوت كل منهما في "مسلم" عن فعله صلى الله عليه وسلم (4).
وأفهم منعَ أكثر من تشهدين في الوصل، وهو الأصحُّ؛ إذ لم يرد، ومنعَ كون التشهدين في غير الأخيرتين، حتى لو أوتر بإحدى عشرة، وتشهد في التاسعة والحادية عشر .. بطل، وهو قضية كلام الرافعي وغيره؛ إذ لم يرد.
ويندب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى: (سبح)، وفي الثانية:(قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة:(قل هو الله أحد) و (المعوذتين) لحديث حسن فيه (5).
(ووقته: بين صلاة العشاء وطلوع الفجر) بالإجماع، ووقته المختار: إلى نصف الليل، والباقي وقتُ جواز، قاله المَحاملي، وسيأتي ما يخالفه، (وقيل: شرط الإيتارِ بركعةٍ: سبقُ نفلٍ بعد العشاء) بناءً على أن الوتر يوتر النفل قبله، والأصحُّ: أنه لا يشترط، بل يكفي كونه وترًا لما قبله فرضًا كان أو سنة.
(1) المجموع (4/ 17).
(2)
في (ب): (من).
(3)
صحيح البخاري (994)، صحيح مسلم (736/ 122) عن عائشة رضي الله عنها، واللفظ لمسلم.
(4)
صحيح مسلم (737، 746) عن عائشة رضي الله عنها.
(5)
أخرجه الحاكم (1/ 305)، وابن حبان (2432)، أبو داوود (1423)، والترمذي (463) عن عائشة رضي الله عنها.
وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ .. لَمْ يُعِدْهُ، وَقِيلَ: يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ ثم يُعِيدُهُ. وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ: كُلَّ السَّنَةِ،
===
(ويسن جعلُه آخرَ صلاةِ الليل) لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا آخِرَ صلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا" متفق عليه (1)، فإن كان له تهجد .. أخّر الوتر إلى أن يتهجد، وإلّا .. أوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها، كذا أطلقاه في "الروضة" و"أصلها"(2).
وقال في "شرح المهذب": إذا لم يكن له تهجدٌ ووثق باستيقاظه آخر الليل .. استحب تأخيره؛ ليفعله في آخر الليل؛ لأحاديثَ صحيحةٍ فيه (3).
(فإن أَوتر ثم تهجد .. لم يُعده) لحديث: "لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ" رواه أبو داوود وصححه ابن حبان (4)، (وقيل: يَشفَعه بركعة) أي: يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعًا، ثم يتهجد ما شاء، (تم يُعيده) ليقع الوتر آخر صلاته، وكان ابن عمر وغيره يفعلون ذلك (5)، ويسمى هذا: نقض الوتر، وذكر في "الإحياء": أنه صح النهي عن نقض الوتر (6).
(ويُندب القنوتُ آخرَ وتره في النصف الثاني من رمضان) كذا رواه الترمذي عن علي، وأبو داوود عن أبي بن كعب (7)، (وقيل: كلَّ السنة) لإطلاق حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر -أي: في قنوت الوتر- اللهم؛ اهدني فيمن هديت
…
) إلى آخر ما تقدم في قنوت الصبح، كذا رواه أصحابـ "السنن" الأربع بإسناد على شرط
(1) صحيح البخاري (998)، صحيح مسلم (751) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
الشرح الكبير (2/ 125)، روضة الطالبين (1/ 329).
(3)
منها: ما أخرجه مسلم (755) عن جابر رضي الله عنه، المجموع (4/ 19).
(4)
سنن أبي داوود (1439)، صحيح ابن حبان (2449)، وأخرجه الترمذي (470) عن طلق بن علي رضي الله عنه.
(5)
أخرجه أحمد (2/ 135)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 36).
(6)
إحياء علوم الدين (1/ 342).
(7)
سنن الترمذي (464)، سنن أبي داوود (1428).
وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ، وَيَقُولُ قَبْلَهُ: (اللَّهُمَّ؛ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ
…
) إِلَى آخِرِهِ
===
الصحيح (1)، وهذا الوجه اختاره في "التحقيق"، وقال في "شرح المهذب": إنه قوي (2).
(وهو كقنوت الصبح) في لفظه ومحله والجهر به واقتضاء السجود بتركه ورفع اليدين وغيره، (ويقول قبله: اللهم؛ إنا نستعينك ونستغفرك
…
إلى آخره) أي: (ونَستهديك، ونؤمن بك، ونَتوكل عليك، ونُثني عليك الخيرَ كلَّه، نَشكرك ولا نَكفرك، ونَخلع ونَترك من يَفجرك، اللهم؛ إيّاك نعبد، ولك نُصلّي ونَسجد، وإليك نَسعى ونَحفد، نَرجو رحمتك ونَخشى عذابك، إنّ عذابك الجدّ بالكفار مُلحق)، هذا ما ذكره في "المحرّر"، ورواه البيهقي بنحوه (3)، وذكر مثله في "الشرح" ثم قال: وزاد فيه أبو الطيب وغيره: (اللهم؛ عَذِّب كفرةَ أهل الكتاب الذين يَصدُّون عن سبيلك، ويُكذِّبون رسلك، ويُقاتلون أولياءك، اللهم؛ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأَصلح ذاتَ بينهم، وأَلِّف بين قلوبِهم، واجعل في قلوبهم الإيمانَ والحكمةَ، وثَبِّتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يُوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم، إله الحق؛ واجعلنا منهم)(4).
قال في "الروضة": (وينبغي أن يقول: اللهم؛ عَذِّب الكفرةَ؛ للحاجة إلى التعميم في زماننا)(5)، وأشار بذلك إلى إدخال التتار، فإنهم كانوا قد استولوا على كثير من أقاليم المسلمين.
(1) سنن أبي داوود (1425)، سنن الترمذي (464)، سنن النسائي (3/ 248)، سنن ابن ماجه (1178).
(2)
التحقيق (ص 226)، المجموع (4/ 21).
(3)
المحرر (ص 48)، سنن البيهقي (2/ 210) عن خالد بن أبي عمران رضي الله عنه.
(4)
الشرح الكبير (2/ 128)، ووقع في النسخة (ب): (وأوزعهم أن يشكروا نعمتك وأن يوفوا
…
).
(5)
روضة الطالبين (1/ 331).
قُلْتُ: الأَصَحُّ: بَعْدَهُ، وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تندَبُ فِي الْوِتْرِ عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُ: الضُّحَى، وَأَقَلُّهُ: رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهُ: ثِنْتَا عَشْرَةَ
===
(قلت: الأصح) أنه يقول ذلك (بعدَه) قال في "الروضة": (لأن قنوت الصبح ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر)(1)، فكان تقديمه أولى، ومحل الجمع بينهما: إذا كان منفردًا أو إمامًا لمحصورين رضوا بالتطويل بهما، وإلَّا .. اقتصر على قنوت الصبح، قاله في "شرح المهذب" في (صفة الصلاة)(2).
(وأنّ الجماعةَ تُندب في الوتر عقب التراويح جماعةً، والله أعلم) لنقل الخلف ذلك عن السلف.
نعم؛ لو كان له تهجد .. لم يوتر معهم، بل يؤخّره إلى ما بعد التهجد، ذكره في "شرح المهذب"(3)، وأفهم كلام المصنف: أنه لا تسُنّ الجماعةُ في وتر غير رمضان، وهو كذلك كسائر السنن، وأفهم أيضًا: عدم استحباب الجماعة في الوتر إذا صلّى التراويح في غير جماعة، وليس كذلك؛ بل استحبابها فيه دائرٌ مع استحبابها في التراويح؛ كما اقتضاه كلام الرافعي (4)، لا مع فعلها فيها.
(ومنه) أي: ومن القسم الذي لا يسن جماعةً: (الضحى، وأقلّه (5): ركعتان) لحديث أبي هريرة: (أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أُوتر قبل أن أنام) متفق عليه (6).
(وأكثره: ثنتا عشرة) ركعة؛ لقوله عليه السلام لأبي ذر: "إِنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً .. بَنَى الله لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" رواه البيهقي، وقال: في إسناده نظر (7)، وضعفه في "شرح المهذب"(8).
(1) روضة الطالبين (1/ 331).
(2)
المجموع (3/ 461).
(3)
المجموع (4/ 21).
(4)
الشرح الكبير (2/ 132)، وفي (ب) و (د):(كما قاله الرافعي) وكذلك كان في (أ) ثم صحح.
(5)
في (د): (وأقلها)، وكذلك (وأكثره) التي تأتي بعد قليل.
(6)
صحيح البخاري (1981)، صحيح مسلم (721).
(7)
سنن البيهقي (3/ 48).
(8)
المجموع (4/ 41).
وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ،
===
وما جزم به المصنف تبع فيه "المحرّر"، وجزم [به] في "الشرح الصغير"، والمصنف في "الروضة" أيضًا، ونقله الرافعي في "الشرح الكبير" عن الروياني (1).
وقال في "شرح المهذب": وأكثره: ثمان ركعات، قاله الأكثرون، وقال الروياني والرافعي ثنتا عشرة ركعة، وذكر في "التحقيق" نحوَه، قال في "المهمات": وقد ظهر لك بذلك أن المذكور في "الروضة" و"المنهاج" ضعيفٌ مخالفٌ لما عليه الأكثرون انتهى (2).
(و) منه (تحيةُ المسجد) وهي (ركعتان) لحديث: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ .. فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ" متفق عليه (3)، وقضية الحديث: تقييد الاستحباب بمن أراد الجلوس، وبه صرح الشيخ نصر المقدسي في "المقصود".
ويستثنى من إطلاق المصنف مسائل: منها: ما لو دخل وقد أقيمت الصلاة، أو قربت إقامتُها، أو بعد فراغ الخطيب من خطبة الجمعة، وما لو دخل الخطيب وقد حانت الخطبةُ على الأصحِّ، وفي "الروضة" عن المَحاملي وأقره: كراهةُ التحية إذا دخل والإمام في مكتوبة، أو دخل المسجد الحرام فإنه يبدأ بالطواف (4)، ومنها: عند خوف فوت سنة راتبة؛ كما قاله في "الرونق"، ويؤيده ما ذكره في "الروضة" في (الحج) أنه يؤخر طواف القدوم إذا خشي فوت سنة مؤكدة، وكلام المصنف يقتضي منع الزيادة على ركعتين، لكن في "شرح المهذب" عن الأصحاب: أنه يجوز فعل التحية مئة ركعة بتسليمة (5)
واعلم: أن التحيات أربعٌ: تحية المسجد بالصلاة، والبيت بالطواف، والحرم بالإحرام، ومنى بالرمي.
(1) المحرر (ص 49)، روضة الطالبين (1/ 332)، الشرح الكبير (2/ 130).
(2)
المجموع (4/ 41)، التحقيق (ص 228)، المهمات (3/ 270).
(3)
صحيح البخاري (1163)، صحيح مسلم (714) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
(4)
روضة الطالبين (1/ 333).
(5)
روضة الطالبين (3/ 76)، المجموع (4/ 56).
وَتَحْصُلُ بِفَرْض أَوْ نَفْلٍ آخَرَ، لَا رَكْعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْجِنَازَةُ، وَسَجْدَةُ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ، وَتتَكرَّرُ بِتكرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الأَصحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ. وَلَوْ فَاتَ النَّفْلُ الْمُؤَقَّتُ .. نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الأَظْهَرِ
===
(وتحصل بفرضٍ أو نفلٍ آخر) وإن لم ينوها معه؛ لحصول المقصود، وهو أنه لم ينتهك حرمةَ المسجد بالجلوس فيه من غير صلاة، (لا ركعةٍ) أي: لا تحصل التحية بركعة (على الصحيح) للحديث المارّ (1)، والثاني: تحصل؛ لحصول الإكرام.
(قلت: وكذا الجنازةُ، وسجدةُ تلاوةٍ وشكرٍ) لا تحصل التحية بها على الصحيح؛ لما ذكرناه في الركعة، (وتتكرر بتكرر الدخولِ على قربٍ في الأصح، والله أعلم) لتجدد السبب، والثاني: لا؛ للمشقة، فإن طال الفصلُ .. تكررت قطعًا؛ لزوال المشقة.
(ويدخل وقتُ الرواتب) التي (قبل الفرض بدخول وقتِ الفرضِ، و) التي (بعده بفعله، ويخرج النوعان) أي: الذي قبل الفرض وبعده (بخروج وقتِ الفرضِ) لأنهما تابعان له.
نعم؛ يخرج وقت الاختيار للراتبة المقدمة بفعل الفرض، ويبقى وقت الجواز.
(ولو فات النفلُ المؤقتُ .. نُدب قضاؤُه في الأظهر) للاتباع، فإنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، متفق عليه (2)، وقضى ركعتي الفجر لما نام في الوادي إلى أن طلعت الشمس، رواه أبو داوود (3)، وروى أيضًا بإسناد حسن:"مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ .. فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهُ"(4)، والثاني: لا يقضى؛ كغير المؤقت، والثالث: إن لم يتبع غيره؛ كالعيد والضحى .. قضي؛ لمشابهته للفرائض في الاستقلال، وإن تبع؛ كالرواتب .. فلا.
(1) في (ص 315).
(2)
صحيح البخاري (1233)، صحيح مسلم (834) عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهم.
(3)
سنن أبي داوود (437)، وأخرجه مسلم (681) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
(4)
سنن أبي داوود (1431)، وأخرجه الترمذي (465) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وَقِسْم يُسَنُّ جَمَاعَة كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً، لَكِنِ الأَصَحُّ: تَفْضيلُ الرَّاتِبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تسُنُّ فِي التَّرَاوِيحِ. وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ،
===
وخرج بـ (المؤقت): ما شرع لسبب عارض؛ ككسوف وتحية، فإنه لا مدخل للقضاء فيه.
نعم؛ لو اعتاد تهجدًا ثم فات .. ندب قضاؤه، وكذا إفساد صلاة التطوع غير المؤقت.
(وقسم يُسن جماعةً كالعيد والكسوفِ والاستسقاءِ) لما يأتي في أبوابها، (وهو أفضل مما لا يُسن جماعة) لتأكد أمرها بمشروعية الجماعة فيها، (لكن الأصح: تفضيل الراتبة على التراويح) لمواظبته عليه السلام عليها، دون التراويح، والثاني: أن التراويح أفضلُ؛ قياسًا على العيد ونحوه مما تستحب فيه الجماعة.
(وأن الجماعة تُسن في التراويح) لفعله صلى الله عليه وسلم، ونقل ابن الصباغ إجماع الصحابة على ذلك (1)، وإنما صلاها عليه السلام بعد ذلك فرادى؛ لخشية الافتراض؛ أي: لخشية توهمه، وقد زال ذلك المعنى، والثاني: أن الانفراد فيها أفضل؛ كسائر النوافل، والثالث: إن كان حافظًا للقرآن آمنًا من الكسل، ولم تختل الجماعة بتخلفه .. فانفراده أفضل، وإلّا .. فالجماعة، وزاد في "البحر" في هذه الشروط على هذا الوجه: أن يصلي في بيته أطول من صلاة الإمام (2)، وعبارة غيره: أن يقرأ في بيته أكثرَ، وهذه المسألة أصل الأولى، فلو قدمها .. كان أولى.
(ولا حصرَ للنفل المطلق) أي: لا حصر لعدده، ولا لعدد ركعات النافلة الواحدة منه؛ لقوله عليه السلام لأبي ذر:"الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فاسْتكثِرْ أَوْ أَقِلَّ" رواه ابن حبان في "صحيحه"(3)، فإن نوى ركعةً أو أكثر .. جاز، وإن لم ينو شيئًا .. صح، وصلّى ما شاء على الأصحِّ.
(1) أخرجه البخاري (924، 2010)، ومسلم (761).
(2)
بحر المذهب (2/ 379).
(3)
صحيح ابن حبان (361).
فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ .. فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: مَنْعُهُ فِي كُل رَكْعَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وإِذَا نَوَى عَدَدًا .. فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تغيِيرِ النّيَّةِ قَبْلَهُمَا، وَإِلَّا .. فَتبطُلُ. فَلَوْ نَوَى رَكْعَتينِ فَقَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزيَادَةِ إِنْ شَاءَ. قُلْتُ: نَفْلُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ،
===
(فإن أحرم بأكثرَ من ركعة .. فله التشهد في كل ركعتين) كما في الفرائض الرباعية، وكذا في كل ثلاث وكل أربع؛ كما قاله في "التحقيق" و"شرح المهذب"(1)، وفي وجه: لا يزيد على تشهدين، وقواه في "شرح المهذب"(2)، واختاره السبكي، ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين إن كان العدد شفعًا، وإن كان وترًا .. لم يجز بينهما أكثر من ركعة.
(وفي كل ركعةٍ) لأن له أن يصلّي ركعة ويتحلل عنها، وإذا جاز له ذلك .. جاز له القيامُ إلى أخرى، (قلت: الصحيح: منعه في كل ركعة، والله أعلم) لأنا لا نجد في الفرائض صلاةً على هذه الصورة، وإذا صلّى بتشهد واحد .. قرأ السورة في الركعات كلّها، وإن صلّى بتشهدين .. ففي القراءة فيما بعد التشهد الأول القولان في الفرائض.
(وإذا نوى عددًا .. فله أن يزيد ويَنقُص بشرط تغييرِ النيةِ قبلَهما) أي: قبل الزيادة والنقصان؛ لأنه لا حصر للنفل المطلق كما مرّ، وكذا إذا نوى ركعةً .. فله أن يزيد بهذا الشرط، (وإلّا) أي: وإن لم يغير النية قبلهما ( .. فتبطل) الصلاة بذلك؛ لأن الذي أحدثه لم تشمله نيته.
(فلو نوى ركعتين فقام إلى ثالثةٍ سهوًا .. فالأصح: أنه يَقعُد ثم يقوم للزيادة إن شاء) الزيادة، ثم يسجد للسهو في آخر صلاته، لأن القيام على وجه السهو لا يعتد به؛ كما لو قام القاصر سهوًا ثم نوى الإتمام .. فإنه يلزمه القعودُ وإن كان فيه أيضًا وجهٌ شاذٌ، والثاني: لا يحتاج إلى القعود؛ لأن القيام في النافلة ليس بشرط.
(قلت: نفل الليل) المطلق (أفضلُ) من النفل المطلق بالنهار، لحديث:"أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ صَلَاةُ اللَّيْلِ"، وحديث: "إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا
(1) التحقيق (ص 230)، المجموع (4/ 55).
(2)
المجموع (4/ 55).
وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ آخِرُهُ، وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ويُسَنُّ التَّهَجُّدُ
===
رجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله تَعَالَى خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ" رواهما مسلم (1)، ولأن الليل محلُّ الغفلة.
(وأوسطُه أفضلُ) من طرفيه إذا قسمه أثلاثًا؛ لأن الغفلة فيه أكثرُ، وأفضل منه: السدسُ الرابع والخامس؛ كما قاله في "الروضة" وغيرها، لما في "الصحيحين":"أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى الله تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُودَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ"(2)، والمعنى فيه مع مراعاة ما سبق من الغفلة: أن النوم المتقدم فيه على التهجد أكثرُ مما سبق، فيكون أنشط له.
(ثم آخرُه) أفضل من الثلث الأول، ومن النصف الأول أيضًا؛ لأن الله تعالى حَثَّ على الاستغفار بالأسحار، فقل:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} ، وقال:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ، فهو محلُّ الرحمة والمغفرة، ولهذا قال تعالى:{إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، وسببه: أن أهل المعاصي تنتهي معصيتُهم غالبًا قبل السحر.
(و) الأفضل (أن يُسلِّم من كل ركعتين) ليلًا كان أو نهارًا؛ لحديث: "صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى" متفق عليه (3)، وفي "السنن" الأربعة:"صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى" وصححه ابن حبان وغيره، وقال البيهقي: إن البخاري سئل عنه فصححه (4).
(ويُسن التهجد) بالإجماع، واستنبط أبو الوليد النيسابوري من قوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} أن المتهجد يشفع في أهل بيته، والتهجد لغة: رفع النوم بالتكلف، وفي الاصطلاح: صلاة التطوع في الليل بعد النوم، قاله القاضي
(1) الأول برقم (1163) عن أبي هريرة رضي الله عنه، والثاني برقم (757/ 167) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2)
روضة الطالبين (1/ 338)، صحيح البخاري (1131)، صحيح مسلم (1159/ 189) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(3)
صحيح البخاري (472)، صحيح مسلم (749) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
سنن أبي داوود (1295)، سنن الترمذي (597)، سنن النسائي (3/ 227)، سنن ابن ماجه (1322)، صحيح ابن حبان (2482)، سنن اليهقي (2/ 487) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا، وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بقِيَامٍ، وَتَرْكُ تَهَجُّدٍ أعْتَادَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
الحسين (1)، وقال الماوردي: هو من الأضداد، يقال: تهجد: إذا سهر، وتهجد: إذا نام (2).
(ويكره قيام كل الليل دائمًا) لأنه مضرٌّ للعين، ولسائر البدن، وقد قال عليه السلام لعبد الله بن عمرو بن العاص: "صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا
…
" إلى آخر الحديث، متفق عليه (3).
وهذا فيمن يجد به مشقةً يخاف منها محذورًا، وإلّا .. فيستحب، لاسيما المتلذذ بمناجاة ربه، ومن يشق عليه ولا يخاف منه محذورًا .. لم يكره له، ورِفقه بنفسه أولى، قاله المحب الطبري.
وخرج بقوله: (دائمًا) ما لو أحيا بعض الليالي، كالعشر الأخير من رمضان، وليلتي العيد .. فإنه لا يكره بل يندب؛ للاتباع (4).
(وتخصيصُ ليلةِ الجمعةِ بقيام) للنهي عنه، كما أخرجه مسلم (5)، (وتركُ تهجدٍ اعتاده، والله أعلِم) لقوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمرو بن العاص: "لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَان يَقُومُ اللَّيْلَ ثمَّ تَرَكَهُ" متفق عليه (6).
* * *
(1) التعليقة (2/ 979).
(2)
الحاوي الكبير (2/ 363).
(3)
صحيح البخاري (1975)، صحيح مسلم (1159/ 182).
(4)
أما إحياء العشر الأخير .. فأخرجه البخاري (2024)، ومسلم (1174) عن عائشة رضي الله عنها، وأما إحياء ليلتي العيد .. فأخرجه ابن ماجه (1782) عن أبي أمامة رضي الله عنه، وانظر "البدر المنير"(5/ 37 - 41).
(5)
صحيح مسلم (1144/ 148) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
صحيح البخاري (1152)، صحيح مسلم (1159/ 185).