الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال التقي السبكي رحمه الله تعالى: (صاحب النووي، وأعظِمْ بتلك الصحبة رتبةً عليَّةً)(1).
- الإمام الفقيه، علاء الدين، أبو الحسن، علي بن أيوب بن منصور المقدسي (ت 748 هـ). قال الإمام السخاوي رحمه الله تعالى - بعد أن عدَّه من تلامذته -:(نسخ "المنهاج" بخطه، وحرره ضبطًا وإتقانًا)(2).
- الشيخ الإمام، زين الدين، أبو الفرج، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي (ت 749 هـ).
ذكره الإمام السخاوي رحمه الله تعالى في جملة تلاميذه (3).
وصفه وملبسه
كان عديم الميرة (4) والرفاهية والتنعيم، مع التقوى والقناعة والورع، والمراقبة لله في السر والعلانية، وتَرْكِ رعونات النفس؛ من ثياب حسنة، ومأكل طيب، وتجمل في هيئة، بل طعامه جلف الخبز بأيسر إدام، ولباسه ثوب خام وسختيانية لطيفة.
ووصفه بأنه كان أسمرَ، كثَّ اللحية، ربعة مهيبًا، قليل الضحك، عديم اللعب، بل هو جِدٌّ صِرْفٌ، يقول الحق وإن كان مرًّا، لا يخاف في الله لومة لائم، عليه هيبة وسكينة، وكان لا يتعاطى لَغَط الفقهاء وعياطهم في البحث، بل يتكلم بتؤدة وسمت ووقار (5).
بعض مناقبه
حاز الإمام النووي رضي الله عنه صفات عزَّ نظيرها في نظرائه، وقلَّ مثيلها في
(1) طبقات الشافعية الكبرى (9/ 307).
(2)
حياة الإمام النووي (ص 43).
(3)
حياة الإمام النووي (ص 42).
(4)
أي: الطعام.
(5)
تاريخ الإسلام (50/ 256). واعلم: أن قول الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: (عليه شبختانية
…
) تصحيف من بعض النساخ لـ (سختيانية) كما أفاده شيخنا العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى في أحد دروسه على مقدمة ابن الصلاح، وذكر أن الشبختانية لا معنى لها، وأن السختيانية: هي قلنسوة من جلد الماعز المدبوغ، والله أعلم بالصواب.
أمثاله، فلقد بلغ من الزهد والورع والتقوى الغاية القصوى، إلى جانب رسوخ قدمه في العلم، وعلوِّ كعبه في التحقيق، ومع هذا وذاك فإنه رضي الله عنه كان آية في التواضع وحسن الخلق، ولعل الحديث في هذا الشأن يحتاج إلى مؤلَّف ضخم ليفيَ بالغرض، ولله در الإمام الذهبي رحمه الله تعالى حيث قال:(وذِكْرُ مناقبه يطول)(1).
قال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى: (كان رفيقًا بي، شفيقًا عليَّ، لا يمكِّن أحدًا من خدمته غيري، على جهد مني في طلب ذلك منه، مع مراقبته لي في حركاتي وسكناتي، ولطفه بي في جميع ذلك، وتواضعه معي في جميع الحالات، وتأديبه لي في كل شيء حتى الخطرات، وأعجز عن حصر ذلك).
فإذا كان هذا الأدب الجمُّ من الإمام مع تلميذه .. فماذا كانت حاله مع أشياخه ومعلميه؟ !
قال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى أيضًا: عند ذكره للشيخ أبي حفص، عمر بن أسعد الربعي:(وكان شيخنا - أي: الإمام النووي - كثير الأدب معه، حتى كنا في الحلقة بين يديه، فقام منها، وملأ إبريقًا، وحمله بين يديه إلى الطهارة رضي الله عنهما، ورضي عنّا بهم)(2).
وكان إذا ذكر الصالحين .. ذكرهم بتعظيم وتوقير، وذكر مناقبهم وكراماتهم.
هذا عن أدبه وتواضعه، أما الحديث عن زهده رضي الله عنه .. فهو الذي لا يكاد يصدِّقه أحد لولا أن الذين نقلوه هم من أصدق الناس لهجة، وأكثرهم تحرِّيًا وتثبتًا، فمن ذا الذي يقوى على ما صنعه الإمام الذي كان لا يأكل من فاكهة دمشق، وهي جنة الله في الأرض؟ !
كان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلَّا شربة واحدة عند السحر، وكان لا يشرب الماء المبرَّد، وكان لا يأكل فاكهة دمشق.
قال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى: (فسألته عن ذلك؟ فقال: دمشق كثيرة الأوقاف وأملاكِ مَنْ هو تحت الحجْر شرعًا، والتصرفُ لهم لا يجوز إلَّا على وجه
(1) تاريخ الإسلام (50/ 256).
(2)
تحفة الطالبين (ص 6).
الغبطة
…
فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك؟ ! ) (1).
وقال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى: (قال لي شيخنا أبو المفاخر، محمد بن عبد القادر الأنصاري رضي الله عنه: لو أدرك القشيريُّ صاحبُ "الرسالة" شيخَكم وشيخَه - أي: الكمال المغربي - .. لَمَا قدَّم عليهما في ذكره لمشايخها أحدًا؛ لِمَا جُمع فيهما من العلم والعمل، والزهد والورع، والنطق بالحكم، وغير ذلك)(2).
وقال العلامة ابن دقماق رحمه الله تعالى: (إنه كان يأكل من خبز يبعثه له أبوه من "نوى" يخبزونه له، ويشترون له ما يكفيه جمعةً فيأكله، ولا يأكل معه سوى لون واحد؛ إما دبس، وإما خلّ، وإما زيت، وأما اللحم .. ففي كل شهر مرة، ولا يكاد يجمع بين لونين من إدام أبدًا)(3).
وقال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى: (رأيت رجلًا من أصحابه قشَّر له خيارة؛ ليطعمه إياها، فامتنع عن أكلها، وقال: أخشى أن ترطب جسمي، وتجلب النوم)(4).
وقد كان أثر زهده وورعه وصلاحه واضحًا، فقد ذكر تلميذه العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى عنه حكاية فقال:(ذكر لي شيخنا العارف، القدوة المُسَلِّك، ولي الدين، أبو الحسن علي، المقيم بجامع بيت لهيا خارج دمشق "ت 685 هـ" قال: كنتُ مريضًا بمرض يسمى "النقرس" في رجلي، فعادني الشيخ محيي الدين - قدس الله روحه العزيز - فلما جلس عندي .. شرع يتكلم في الصبر، قال: فكلما تكلم .. جعل الألم يذهب قليلًا قليلًا، فلم يزل يتكلم فيه حتى زال جميع الألم، وكأنْ لم يكن قط، قال: وكنت قبل ذلك لم أنم الليل كلَّه من الألم، فعرفت أن زوال الألم من بركته رضي الله عنه (5).
ولقد نذر الإمام النووي رضي الله عنه حياته لله، فأعرض عن حطام الدنيا وزخرفها، قال الإمام السخاوي رحمه الله تعالى: (ولم يتزوج قط فيما علمت؛
(1) تحفة الطالبين (ص 10).
(2)
تحفة الطالبين (ص 4).
(3)
حياة الإمام النووي (ص 54).
(4)
تحفة الطالبين (ص 10).
(5)
تحفة الطالبين (ص 10).