الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ [سجودُ السَّهْو]
سُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. فَالأَوَّلُ: إِنْ كَانَ رُكْنًا .. وَجَبَ تَدَارُكُهُ، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ لِزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ، أَوْ بَعْضًا؛ وَهُوَ: الْقُنُوتُ، أَوْ قِيَامُهُ، أَوِ التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، أَوْ قُعُودُهُ، وَكَذَا
===
(باب)
أي: هذا بابٌ.
(سجود السهو سنةٌ) أما طلب فعله .. فللأحاديث الآتية فيه، وأما عدم وجوبه .. فلأنه لم يَنُب عن الفرض، بل شُرع لترك غير واجب، والبدل إما كالمبدل أو أخفّ.
(عند ترك مأمورٍ به، أو فعل منهيٍّ عنه) في الصلاة بشرطه الآتي، لا لغير الصلاة من العبادات، ولا لكلّ مأمور به ومنهي عنه فيها على الإطلاق، وأهمل سببًا ثالثًا وهو: إيقاع بعض الفرض مع التردد في وجوبه؛ كما إذا شكّ هل صلّى ثلاثًا أم أربعًا؟ فإنه يقوم للرابعة ويسجد، قاله الإسنوي وغيرُه (1)، وفيه نظر.
وقضية إطلاقه: أنه لا فرق في مشروعية السجود بين فرض الصلاة ونفلِها، وهو كذلك، وفي قول: لا يشرع في النفل.
(فالأول) من السببين، وهو ترك مأمور به (إن كان ركنًا .. وجب تداركُه) ولا يغني عنه السجودُ؛ لأن حقيقة الصلاة لا توجد بدونه، (وقد يُشرع السجودُ؛ لزيادةٍ حصلت بتدارك ركنٍ كما سبق في الترتيب) وهو الركن الثالثَ عشرَ من أركان الصلاة، وذلك من قوله: (وإن سها .. فما بعد المتروك لغوٌ
…
) إلى آخر المسألة، ففي تلك الصور كلِّها إذا تدارك .. سجد للسهو، كما مرّ، ومراده بما سبق: بيانُ الزيادة لا السجود، فإنه لم يذكره هناك.
(أو بعضًا) أي: وإن كان المتروك من المأمور به بعضاَّ (وهو: القنوت) أو كلمة منه، كما قاله المحب الطبري، (أو قيامُه، أو التشهدُ الأولُ، أو قعودُه، وكذا
(1) المهمات (3/ 206).
الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فِي الأَظْهَرِ .. سَجَدَ، وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَ عَمْدًا .. فَلَا. قُلْتُ: وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم فيه) أي: في التشهد الأول (في الأظهر .. سجد) في الكل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام (ترك التشهد الأول ناسيًا، فسجد قبل أن يُسلم) متفق عليه (1)، وقيس الباقي عليه، ولأن هذه الأمورَ من الشعائر الظاهرةِ المخصوصةِ بالصلاة.
واحترز بالمخصوصة عن تكبيرات العيد، فإنه لا يسجد لها؛ لأنها تشُرع في غير الصلاة، ويستثنى: قنوت النازلة، فلا يشرع السجود له على الأصحِّ.
والخلاف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول مبني على استحباب الصلاة فيه. ويُتصور تركُ قعود التشهد دون التشهد فيمن لا يُحسن التشهد، فإنه يقعد بقدره، فإذا تركه .. فقد ترك القعودَ فقط، وكذلك قيامُ القنوت، قاله ابن الرفعة (2)، وشمل إطلاقه تركَ التشهد الأول في النفل، وبه صرح البغوي.
(وقيل: إن ترك) البعض (عمدًا .. فلا) يسجد لتقصيره، والأصحُّ: نعم؛ لأن خلل العمد أكثرُ، فكان للجبر أحوجَ.
(قلت: وكذا الصلاة على الآل) تكون بعضًا (حيث سننَّاها، والله أعلم) كما في التشهد الأول على وجه، وفي الأخير على الأصح، فإذا تركها .. سجد؛ كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر؛ لأنها لم تجب في محلّ مخصوص، بخلاف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: وقياسه: أن تُعدّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت من الأبعاض، بل هي أولى؛ لمشروعيتها في محلّ مخصوص، وتبطل الصلاةُ بتركها في الجملة.
وقد يُفرَّق بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت وبين الصلاة عليه في التشهد الأول بأنها واجبة في التشهد في الجملة، قال الإسنوي: وينبغي عدّ الصلاة على الآل في القنوت بعضًا حيث ندبناها فيه، وهو الصحيح، وقد جزم بعدّه في
(1) صحيح البخاري (829)، صحيح مسلم (570) عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه.
(2)
كفاية النبيه (3/ 481).
وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ. وَالثَّانِي: إِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ كَالالْتِفَاتِ وَالْخَطْوَتينِ .. لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ، وَإِلَّا .. سَجَدَ إِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ؛ كَكَلَامٍ كَثيرٍ فِي الأَصَحِّ. وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي الأَصَحِّ
===
"الإقليد" انتهى، وفيه نظر؛ لما ذكرناه، ويتصور السجود بترك الصلاة على الآل بما إذا تيقن تركَ إمامه له بعد أن سلم إمامُه وقبل أن يُسلم هو.
(ولا تُجبَر سائرُ السنن) أي: باقيها بالسجود؛ لأن سجود السهو زيادةٌ في الصلاة، فلا تجوز إلا بتوقيف، ولم يرد إلّا في بعض الأبعاض، وقسنا باقيها عليه لتأكده، وبقي ما عداها على الأصل.
(والثاني) وهو فعل المنهي عنه (إن لم يُبطل عمدُه؛ كالالتفات والخطوتين .. لم يسجد لسهوه) ولا لعمده؛ إذ عمده في محلّ العفو، فسهوه أولى، وسيأتي ما يستثنى من ذلك.
(وإلّا) أي: وإن أبطل عمده الصلاة ( .. سجد إن لم تبطل بسهوه) كزيادة ركوع وسجود، وقليل كلام؛ لأنه عليه السلام (صلّى الظهر خمسًا ثم سجد للسهو) متفق عليه (1)، فإن بطلت بسهوه (ككلامٍ كثيرٍ في الأصح) فلا سجود؛ لأنه ليس في صلاة.
وقوله: (في الأصح) عائد على التمثيل وهو الكلام الكثير، لا إلى قوله:(سجد).
ويستثنى: ما لو تنفل على دابةٍ وحَوَّلَها عن صَوْب مَقصِده، وعاد على الفور .. فإنّ عمد ذلك مبطل، لاسهوَه، ولا يسجد لسهوه على النص، وصححه في "التحقيق" و"شرح المهذب" وهو قضية "الروضة" هناك (2).
(وتطويل الركن القصير يُبطِل عمدُه في الأصح) لأنه يُخل بالموالاة؛ كما قاله الإمام (3)، وسواء طوله بسكوت أو قنوت في غير موضعه، أو ذكر آخر، والثاني: أنه
(1) صحيح البخاري (1226)، صحيح مسلم (572) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2)
التحقيق (ص 246)، المجموع (4/ 131، 132)، روضة الطالبين (1/ 298).
(3)
نهاية المطلب (2/ 268).
فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، فَالاعْتِدَالُ قَصِيرٌ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتينِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كـ (فَاتِحَةٍ) فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ .. لَمْ تبطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الأَصَحِّ، ويسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الأَصَحِّ، فَعَلَى هَذَا: تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ قَوْلِنَا: (مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ)
===
لا يبطل، لصحة الحديث فيه في "مسلم"(1).
(فيسجد لسهوه) قطعًا إن قلنا: يبطل عمده، وكذا إذا قلنا: لا يبطل عمده على الأصحِّ؛ لإخلاله بصورة الصلاة.
(فالاعتدال قصيرٌ) بالنسبة إلى غير القنوت وصلاةِ التسبيح؛ لأنه ليس مقصودًا لنفسه وإن كان ركنًا، وإنما الغرض منه الفصلُ بين الركوع والسجود، (وكذا الجلوسُ بين السجدتين في الأصح) لأن المقصود الفصل؛ كالاعتدال، والثاني: أنه طويل؛ لصحة الحديث بتطويله (2)، وصححه في "التحقيق"(3).
(ولو نقل ركنًا قوليًّا؛ كفاتحة) أو بعضها (في ركوعٍ أو تشهدٍ .. لم تبطل بعمده في الأصح) لأنه لا يُخل بصورتها، بخلاف نقل الركن الفعلي، والثاني: تبطل؛ كتكرير الركن الفعلي.
ويستثنى من إطلاقه الركن القولي: نقل السلام، فإنه مبطل.
(ويسجد لسهوه في الأصح) لتركه التحفظ المأمور به، والثاني: لا؛ كغيره مما لا يبطل عمده.
وقضية قوله: (لسهوه): أنه لا يسجد لعمده، وفي "شرح المهذب" خلافه (4).
(فعلى هذا) أي: الأصح (تستتثى هذه الصورةُ عن قولنا: ما لا يُبطِل عمدُه لا سجودَ لسهوه) ويستثنى أيضًا مسائلُ: منها: ما لو قنت قبل الركوع .. فإنّ عمدَه لا يبطل، ويسجد لسهوه على الأصحِّ المنصوص؛ كما ذكره في "الروضة" في
(1) صحيح مسلم (473) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
صحيح مسلم (473) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
التحقيق (ص 246).
(4)
المجموع (4/ 133).
وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ .. لَمْ يَعُدْ لَهُ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ .. بَطَلَتْ، أَوْ نَاسِيًا .. فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ جَاهِلًا .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ، وَلِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إِمَامِهِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
(صفة الصلاة)(1)، وقيده الخوارزمي والمعافى الموصلى بما إذا أتى به على نية القنوت، وإلّا .. فلا يسجد، ومنها: إذا فرقهم في الخوف أربعَ فرق وصلّى بكل فرقةٍ ركعةً، أو فرقتين وصلّى بإحداهما [ركعة وبالأخرى] ثلاثًا (2) .. فإنه يجوز على المشهور مع الكراهة، ويسجد للسهو؛ للمخالفة بالانتظار في غير موضعه، نقله في "الروضة" هناك عن النص (3)، ومنها: المسألة الآتية عقبه.
(ولو نسي التشهدَ الأولَ) إما مع نسيان القعود، أو مع الإتيان به (فذكره بعدَ انتصابه .. لم يعد له) لأنه تلبس بفرض فلا يقطعه بسنة، (فإن عاد) عامدًا (عالمًا بتحريمه .. بطلت) لأنه زاد قعودًا عمدًا، (أو) عاد له (ناسيًا .. فلا) تبطل وإن كان عالمًا بالتحريم؛ لرفع القلم عنه.
نعم؛ يلزمه القيامُ عند التذكر، (ويسجد للسهو) لأنه ترك تشهدًا وزاد جلوسًا، (أو جاهلًا) بتحريم العود ( .. فكذا في الأصح) أي: هو كالناسي؛ لأنه مما يخفى على العوام، والثاني: تبطل، لتقصيره بترك التعلم.
(وللمأموم العَوْدُ لمتابعة إمامِه في الأصح) فيما إذا جلس الإمام للتشهد الأول وانتصب المأموم ناسيًا، أو نهضا جميعًا، ولكن تذكر الإمامُ فعاد قبل انتصابه، وانتصب المأموم؛ لأن المتابعة فرضٌ، فرجوعُه رجوعٌ إلى فرض لا إلى سنة، والثاني: يحرم العود، كالمنفرد، بل ينتظر إمامَه قائمًا.
(قلت: الأصح: وجوبُه، والله أعلم) لأن متابعة الإمام آكد مما ذكروه من التلبس بالفرض، ولهذا سقط بها القيامُ والقراءة عن المسبوق، فإن لم يعد .. بطلت صلاته، وشمل إطلاقه القائم عمدًا، لكن رجح هنا في "التحقيق" و"شرح
(1) روضة الطالبين (1/ 255).
(2)
ما بين المعقوفين زيادة من (ب) و (د).
(3)
روضة الطالبين (2/ 57).
وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ .. عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إِنْ كَانَ صَارَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ. وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ .. بَطَلَتْ إِنْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ. وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ .. لَمْ يَعُدْ لَهُ، أَوْ قَبْلَهُ .. عَادَ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ إِنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ. وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ .. سَجَدَ، أَوِ ارْتِكَابِ نَهْيٍ .. فَلَا
===
المهذب": أنه لا يجب على القائم عمدًا العود بل يستحب، ونقله عن "الأم" (1).
(ولو تذكر) التشهد الأول (قبلَ انتصابِه .. عادَ للتشهد) لأنه لم يتلبس بفرض، والمراد بالانتصاب: الاستواء معتدلًا على الأصح.
(ويَسجد إن كان صار إلى القيامِ أقربَ) منه إلى القعود؛ لأنه أتى بفعل غيرِ نظم الصلاة، ولو أتى به عمدًا في غير موضعه .. لبطلت صلاتُه كما سيأتي، فيسجد لسهوه، وإن كان إلى القعود أقربَ، أو على السواء .. لم يسجد؛ لأنه لا يبطل عمده.
وهذا التفصيل هو المرجح في "الشرحين"، وفي "الروضة" في آخر كلامه، لكن كلامه أولًا يقتضي: أن الأصحَّ: أنه لا يسجد مطلقًا، ونقله الرافعي في "الشرح" عن تصحيح العراقيين، وعلّله بأنه عملٌ قليلٌ، وصححه المصنف في "التحقيق" و"التصحيح"، وقال في "شرح المهذب":(إنه الأصح عند الجمهور)، قال في "المهمات": فالفتوى عليه؛ لموافقة الأكثرين (2).
(ولو نَهَضَ عمدًا) أي: قصد ترك التشهد الأول (فعاد) له عمدًا ( .. بطلت إن كان إلى القيام أقربَ) فإن عاد قبله .. فلا، لما تقدم، وهذا قسيم قوله أولًا:(ولو نسي التشهد الأول).
(ولو نسي قنوتًا فذكره في سجودِه .. لم يَعُدْ له) لتلبسه بفرض، (أو قبلَه .. عاد) له؛ إذ لم يتلبس بفرض (وسجد للسهو إن بلغ حدَّ الراكع) لأنه زاد ركوعًا سهوًا، والعمد به مبطل، وهذا قيد في السجود خاصةً، لا في العود.
(ولو شك في ترك بعضٍ .. سجد، أو ارتكابِ نهيٍ .. فلا) لأن الأصل فيهما عدمُ
(1) التحقيق (ص 248)، المجموع (4/ 136)، الأم (2/ 256).
(2)
الشرح الكبير (2/ 80)، روضة الطالبين (1/ 305)، التحقيق (ص 248)، تصحيح التنبيه (1/ 139)، المجموع (4/ 136)، المهمات (3/ 209).
وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ: هَلْ سَجَدَ .. فَلْيَسْجُدْ. وَلَوْ شَكَّ: أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا .. أَتىَ بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ زَائِدًا. وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إِذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ: شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ: أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ فَتَذَكَّرَ فِيهَا .. لَمْ يَسْجُدْ، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ .. سَجَدَ
===
الفعل، وصورة المسألة: أن يكون البعضُ معينًا، فإن شكّ هل ترك بعضًا من حيث الجملة أم لا؟ .. لم يسجد؛ كالشك في أنه سها، نقلاه عن "التهذيب"، وأقراه (1).
(ولو سها وشكّ هل سَجد) للسهو أم لا ( .. فليسجد) لأن الأصل عدم السجود، (ولو شكّ أصلّى ثلاثًا أم أربعًا .. أتى بركعةٍ وسَجَدَ) لقوله عليه السلام:"إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا .. فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُد سَجْدَتينِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا .. شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ .. كَانَتْ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ" رواه مسلم (2).
(والأصح: أنه يَسجُد وإن زال شكُّه قبلَ سلامِه) لأن الأصحَّ: أن سبب السجود الترددُ في أن الركعة المفعولةَ زائدةٌ، وقيل: سببُه الخبرُ، ولا يظهر معناه، فعلى هذا: لا يسجد؛ لأن ظاهرَه إنما ورد في دوام الشك إلى السلام، (وكذا حكمُ ما يُصلِّيه مترددًا واحتمل كونُه زائدًا) لما مرّ.
(ولا يسجد لما يجب بكلّ حالٍ إذا زال شكُّه، مثاله: شكّ) في رباعية (في الثالثة) منها في نفس الأمر (أثالثة هي أم رابعة؟ فتذكر فيها) أي: في الثالثة أنها ثالثة ( .. لم يسجد) إذ لم يأت حالَ شكّه بزائد على كلّ تقدير، (أو) تذكر (في الرابعة .. سجد) لتردده حالَ قيامه إليها هل هي رابعة أو خامسة؟ فقد أتى بزائد على تقدير دون تقدير.
ولو تذكر في قيامه إلى الرابعة .. قال الإسنوي: القياس: أنه إن صار إلى القيام
(1) الشرح الكبير (2/ 87)، روضة الطالبين (1/ 307).
(2)
صحيح مسلم (571) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وَلَوْ شَك بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ .. لَم يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إِمَامُهُ، فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ فَسَلَّمَ، فَبَان خِلَافُهُ .. سَلَّمَ مَعَهُ وَلَا سُجُودَ. وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ .. قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ إِلَى رَكْعَتِهِ وَلَا يَسْجُدُ. وَسَهْوُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَحْمِلُهُ، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ
===
أقرب .. سجد، وإلّا .. فلا، ويحتمل أن يسجد مطلقًا؛ بناءً على أن الانتقالات واجبةٌ (1).
(ولو شك بعد السلام في ترك فرض .. لم يؤثر على المشهور) لأن الظاهر: مضيها على الصحة، والثاني: يؤثر؛ لأن الأصلَ عدمُ الفعل، فيتدارك المشكوك وما بعده، ويسجد للسهو.
ومحل الخلاف: إذا لم يطل الفصلُ، فإن طال .. لم يؤثر قطعًا؛ لكثرة الشكوك عند الطول، وقيل: على القولين، وهو قضية إطلاق "الكتاب".
(وسهوُه) أي: المأموم (حال قدوته يَحمله إمامُه) كما يتحمل الجهرَ والفاتحةَ والسورةَ وغيرَ ذلك، ولا فرق بين القدوة الحسية والحكمية؛ كما سيأتي في (صلاة الخوف) عند قوله:(وسهو كل فرقة)، وفي (الجمعة) فيما لو زُحم عن السجود، واحترز بحال القدوة: عن سهوه قبل القدوة وبعدها، فإنه لا يحمله، وفي المسألة اضطراب.
(فلو ظن سلامَه فسلم، فبان خلافُه .. سلم معه) أي: مع إمامه؛ لامتناع تقدمه على سلام إمامه؛ كما سيأتي في بابه، (ولا سجودَ) لسهوه حال القدوة، فيتحمله إمامه.
(ولو ذكر) المأموم (في تشهده تَرْكَ ركن) لا يعرف ما هو (غيرِ النية والتكبير) للتحرم ( .. قام بعد سلام إمامه إلى ركعته) ولا يجوز أن يعود إلى تداركه؛ لما فيه من ترك المتابعة الواجبة، (ولا يسجد) لوجود سهوه حال القدوة، وإنما استثنى النيةَ وتكبيرةَ الإحرام؛ لأن تركهما يوجب الاستئناف.
(وسهوُه بعد سلامه) أي: الإمام (لا يحمله) لانتهاء القدوة (فلو سلم المسبوقُ
(1) المهمات (3/ 227).
بِسَلَامِ إِمَامِهِ .. بَنَى وَسَجَدَ وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إِمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ .. لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِلَّا .. فَيَسْجُدُ عَلَى النَّصِّ. وَلَوِ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الإِمَامُ .. سَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصِّ
===
بسلام إمامه .. بَنَى) إذا لم يطل الزمانُ (وسجد) لوقوع سلامه بعد انفراده، (ويلحقه سهوُ إمامه) لأن الخللَ بذلك يتطرق إلى صلاته.
ويستثنى: ما لو بان حدثُ الإمام، فإنه لا يلحقه سهوه، ولا يتحمل الإمامُ عنه، وما إذا علم سببَ سهو الإمام وتيقن أنه مخطئ في ظنه؛ كما إذا ظن الإمامُ أنه ترك بعضًا، والمأموم يتيقن عدمَ تركه له .. فلا يوافقه إذا سجد.
(فإن سجد .. لزمه متابعتُه) أي: إذا سها الإمامُ وحده دون المأموم، فسجد الإمام لسهوه .. سجد المأمومُ معه؛ لما مرّ.
(وإلّا) أي: وإن لم يسجد الإمامُ إما عمدًا أو سهوًا، أو اعتقادًا منه أنه بعد السلام ( .. فيسجد) المأموم (على النصّ) جبرًا للخلل، وفي قول مُخرَّج: أنه لا يسجد؛ لأنه لم يَسْهُ، ومدرك الخلاف: أن سجودَه معه هل هو لسهو إمامه أو لمجرد المتابعة؟ والأصحُّ: الأول.
(ولو اقتدى مسبوقٌ بمن سَهَا بعد اقتدائه، وكذا قبله في الأصح .. فالصحيح: أنه يسجد معه) للمتابعة، (ثم) يسجد ثانيًا (في آخر صلاته) لأنه محلّ الجبر بالسجود، والثاني: لا يسجد معه، لأن محلّ السجود آخرُ الصلاة، والثالث: يسجد معه ولا يسجد في آخر صلاته؛ لأنه لم يَسْهُ.
وقوله: (وكذا قبله في الأصح) أي: فحكمه حكمُ ما لو سها بعد اقتدائه؛ لأن صلاةَ المأموم إنما كملت بسبب اقتدائه بالإمام، فاذا تطرق نقصٌ إلى صلاة الإمامِ .. تعدى إلى صلاة المأموم، ومقابل الأصحِّ: أنه لا يسجد لا مع الإمام ولا في آخر صلاةِ نفسِه؛ لأنه لم يَسْهُ.
(فإن لم يسجد الإمام .. سجد) المسبوق المقتدي به (آخرَ صلاةِ نفسِه على النص) في حالتي السهو قبل الاقتداء وبعده؛ لما مرّ في المأموم الموافق، وفيه القول الْمُخرَّج.
وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ، وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ. فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا .. فَاتَ فِي الأَصَحِّ،
===
(وسجود السهو وإن كثر) السهو (سجدتان) لاقتصاره عليه الصلاة والسلام عليهما في قصة ذي اليدين مع تعدده؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ من اثنتين وتكلّم ومشى (1)، فلو سجد ناويًا للبعض .. قال في "البحر": فيحتمل الجواز، ويحتمل البطلان؛ لأنه زاد سجودًا على غير المشروع، ويحتمل أنه إن نوى الأول .. أجزأه، وإلّا .. فلا (2).
وحكى ابن عبدان في "شرائط الأحكام" وجهًا أنه إذا سها بالزيادة والنقصان .. سجد أربع سجدات، وقيل: يتعدد إذا تعدد سببُه، حكاه أبو الخير بن جماعة المقدسي في "كتاب الوسائل"، وقد يتعدد سجودُ السهو صورةً، لا حكمًا في صور تأتي في آخر الباب.
(كسجود الصلاه) في الأركان والشرائط والمستحبات، (والجديد: أن محلّه بين تشهده وسلامه) لأنه سجودٌ وقع سببُه في الصلاة، فكان فيها كسجود التلاوة، قال الزهري:(وهو آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم (3)، ومقابله: قديمان: أحدهما: أنه إن سها بنقص .. سجد قبل السلام، أو بزيادة .. فبعده، والثاني: أنه يتخير بين التقديم والتأخير؛ لثبوت الأمرين، والخلاف في الإجزاء، وقيل: في الأفضل، وادعى الماوردي اتفاقَ الفقهاء عليه (4).
وقوله: (بين تشهده) أي: مع الذكر الذي بعده، وهو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا المستحبات؛ كالصلاة على الآل والأدعية.
(فإن سلّم عمدًا .. فات) السجود (في الأصح) تفريعًا على الجديد؛ لقطعه الصلاة بسلامه، والثاني: لا إن قرب الفصل؛ كما لو سلم ناسيًا.
(1) سبق تخريجه في (ص 275).
(2)
بحر المذهب (2/ 294).
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 341)، و"معرفة السنن والآثار"(3/ 279)، وانظر "التلخيص الحبير"(2/ 839 - 840).
(4)
الحاوي الكبير (2/ 277).
أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ .. فَاتَ فِي الْجَدِيدِ، وَإِلَّا .. فَلَا عَلَى النَّصِّ. وَإِذَا سَجَدَ .. صَارَ عَائِدًا إِلَى الصلَاةِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ سَهَا إِمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا فَبَانَ فَوْتُهَا .. أَتَمُّوا ظُهْرًا وَسَجَدُوا. وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ .. سَجَدَ فِي الأَصَحِّ
===
(أو سهوًا وطال الفصل .. فات في الجديد) لفوات محلّه بالسلام، وتعذر البناء بالطول، والقديم: لا يفوت؛ لأنه جبران عبادةٍ، فلم يسقط بالتطاول؛ كجبرانات الحج، (وإلّا) أي: وإن لم يطل ( .. فلا) يفوت (على النص) لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى الظهر خمسًا، فقيل له، فسجد للسهو بعد السلام، متفق عليه (1)، وقيل: يفوت؛ لأن السلام ركن وقع في محلّه، فلا يعود إلى سنة شرعت قبله، ومرجع الطول والقصر إلى العرف.
(وإذا سجد) عند قصر الفصل، أو عند طوله على القديم ( .. صار عائدًا إلى الصلاة في الأصح) لأن نسيانه يخرج سلامه عن كونه مُحلّلًا؛ كما لو سلم ناسيًا لركن، والثاني: لا يصير؛ لأن التحلل حصل بالسلام، ولهذا لا تجب إعادتُه، ولا العودُ إلى الصلاة، وفائدة الخلاف: بطلانُ الصلاة بمفسد وقع في السجود.
(ولو سها إمامُ الجمعة وسجدوا) للسهو (فبان فوتُها .. أتموا ظهرًا) لما يأتي في بابه، (وسجدوا) للسهو ثانيًا آخر الصلاة؛ لأن ذلك محلّه، وقد تبين أن المأتي به في غير محلّه.
(ولو ظن سهوًا فسجد، فبان عدمُه .. سجد في الأصح) لأنه زاد سجدتين سهوًا، والثاني: لا؛ لأن سجود السهو يجبر كلّ خلل في الصلاة، فيجبر نفسه كما يجبر غيره؛ كإخراج شاة من أربعين تزكي نفسَها وغيرَها، وهاتان الصورتان تعدد فيهما سجود السهو صورةً لا حكمًا، ويلتحق بهما صور، منها: إذا سجد في آخر صلاة مقصورة ثم لزمه الإتمام فأتم .. فإنه يسجد في آخرها أيضًا.
* * *
(1) صحيح البخاري (1226)، صحيح مسلم (572) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.