الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: يُكْرَهُ ارْتفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إِمَامِهِ، وَعَكْسُهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ .. فَيُسْتَحَبُّ، وَلَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الإِقَامَةِ، وَلَا يَبْتَدِئُ نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ .. أَتَمَّهُ إِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]
شَرْطُ الْقُدْوَةِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ مَعَ التكْبِيرِ الاقْتِدَاءَ
===
(قلت: يُكره ارتفاعُ المأموم على إمامه، وعكسه) أما الثاني .. فللنهي عنه؛ كما أخرجه أبو داوود والحاكم (1)، وأما الأول .. فقياسًا على الثاني من باب أولى.
(إلّا لحاجة .. فيستحب) المراد: حاجة الصلاة؛ كتعليم الإمام المأمومين؛ للاتباع؛ كما ثبت في "الصحيحين"(2)، أو تبليغ المؤذن ونحوه عند الحاجة إليه.
(ولا يقوم حتى يفرغ المؤذنُ من الإقامة) ولو كان شيخًا؛ لأنه ما لم يفرغ منها .. لم يحضر وقت الدخول، وهو قبل التمام مشغولٌ بالإجابة.
(ولا يبتدئ نفلًا بعد شروعه فيها) لما في "صحيح مسلم": "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ .. فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ"(3)، وفي معنى الشروع قربُ إقامتها.
(فإن كان فيه .. أَتَمَّه إن لم يخش فَوْتَ الجماعة، والله أعلم) لما في ذلك من إحراز الفضيلتين وعدم إبطال العبادة، فإن خشي فواتها .. اقتصر على ما أمكن من النافلة؛ ليدرك فضيلة الجماعة؛ فإنها صفة فرض، أو فرض على رأي، فكانت أولى من النفل، وظاهر كلامه: أنه متى أمكنه إدراكُ تكبيرة قبل سلام الإمام .. أتمّ النافلة، وبه صرح في "شرح المهذب" تبعًا للشيخ أبي حامد وآخرين (4).
* * *
(فصل: شرط القدوة: أن ينويَ المأمومُ مع التكبير الاقتداءَ) بالإمام الحاضر
(1) سنن أبي داوود (597)، المستدرك (1/ 210) عن حذيفة وأبي مسعود رضي الله عنهما موقوفًا.
(2)
صحيح البخاري (917)، صحيح مسلم (544) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(3)
صحيح مسلم (710) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
المجموع (4/ 180).
أَوِ الْجَمَاعَةَ -وَالْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ- فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتَابَعَ فِي الأَفْعَالِ .. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا يَجِبُ تعْيِينُ الإِمَامِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ .. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
===
(أو الجماعةَ) أو الائتمام به؛ لأن التبعية عمل فافتقرت إلى النية؛ للحديث الصحيح (1).
واعتبر اقترانها بالتكبير؛ كسائر ما يجب له التعرضُ من صفات الصلاة، وهذا في غير من أحرم منفردًا ثم نوى متابعةَ الإمام في خلال صلاته .. فإنه جائز كما سيأتي.
(والجمعةُ كغيرها على الصحيح) في وجوب النية المذكورة؛ لأنه فيها مقتد بالإمام، لكنه إن لم ينو .. لم تنعقد، بخلاف غيرها؛ فإنها تنعقد فرادى، والثاني: لا؛ لأنها لا تصح إلا جماعة، فكان التصريح بنية الجمعة مغنيًا عن التصريح بنية الجماعة.
(فلو ترك هذه النيةَ وتابع في الأفعال .. بطلت صلاتُه على الصحيح) لأنه ربط صلاته بمن ليس بإمام، فأشبه الارتباط بغير المصلي، والثاني: لا؛ لأنه أتى بواجبات الصلاة وليس فيه إلا أنه قارب فعله من فعل غيره.
نعم؛ هو منفرد.
وخرج بقوله: (تابع) ما لو وقعت المتابعة اتفاقًا لا قصدًا .. فإنه لا يضر جزمًا.
ومحل الخلاف: إذا انتظر أفعاله وطال انتظاره، فإن انتظره يسيرًا .. لم تبطل قطعًا.
(ولا يجب تعيينُ الإمام) باسمه؛ كزيد وعمرو، بل يكفي نية الاقتداء بالإمام الحاضر؛ لأن مقصود الجماعة لا يختلف.
(فإن عيّنه وأخطأ) بأن نوى الاقتداء بزيد فبان عمرًا ( .. بطلت صلاته) لاقتدائه بمن ليس في صلاة، نعم؛ إن كان معه إشارة؛ كزيد هذا، أو الحاضر، أو المصلي فبان عمرًا .. فالأرجح في "زيادة الروضة": الصحة (2).
(1) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
روضة الطالبين (1/ 366).
وَلَا يُشْتَرَطُ لِلإِمَامِ نِيَّةُ الإِمَامَةِ، وَتُسْتَحَبّ، فَلَوْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ .. لَمْ يَضُرَّ. وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمُؤَدِّي بِالْقَاضِي، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَفِي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ، وَبِالْعُكُوسِ، وَكَذَا الظُّهْرُ بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، وَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ، وَلَا تَضُرُّ مُتَابَعَةُ الإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ وَالْجُلُوسِ الأَخِيرِ فِي الْمَغْرِبِ، وَلَهُ فِرَاقُهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا
===
(ولا يشترط للإمام نيةُ الإمامة) لاستقلاله، بخلاف المأموم .. فإنه تابع، ومحله: في غير الجمعة، أما الجمعة: فيلزمه فيها أن ينوي الإمامة على الأصحِّ.
(وتُستحب) له خروجًا من خلاف من أوجبها، ولينال فضيلة الجماعة، وقيل: تحصل له فضيلة الجماعة وإن لم ينو؛ لتأدي الشعار به، والأصحُّ: المنع؛ لعدم النية، وقال العجلي: إذا نواها في أثناء الصلاة .. نال ثواب الإمامة من حين النية.
ثم في وقت نية الإمامة وجهان: أحدهما: مع تكبيرة الإحرام، فتكون مع نية الصلاة، قاله الشيخ أبو محمد في "التبصرة"، والثاني: بعد أن يقتدى به؛ لأنه لا يصير إمامًا إلا بذلك، قاله في "البيان"(1)، قال الأَذْرَعي: والأول: هو الوجه، وعليه العمل، وأما الثاني .. فغريب.
(فلو أخطأ في تعيين تابعه) بأن نوى الإمامة بزيد فبان عمرًا ( .. لم يضر) لأن غلطه في النية لا يزيد على تركها، ولو تركها .. لم يقدح.
(وتصح قدوةُ المؤدي بالقاضي، والمفترضِ بالمتنفل، وفي الظهر بالعصر، وبالعكوس) أي: بعكس كل واحد مما سبق؛ نظرًا لاتفاق الفعل في الصلاتين، ولا يضر مخالفة النية، ونقل الماوردي إجماع الصحابة على صحة الفرض خلف النفل (2).
(وكذا الظهرُ بالصبح والمغربِ، وهو كالمسبوق) فإذا سلم .. قام وأتم صلاته.
(ولا تضر متابعةُ الإمام في القنوت والجلوسِ الأخير في المغرب) كالمسبوق، (وله فراقه إذا اشتغل بهما) قال في "شرح المهذب": والانتظار أفضل (3).
(1) البيان (2/ 163).
(2)
الحاوي الكبير (2/ 400).
(3)
المجموع (4/ 236).
وَتَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ فِي الأَظْهَرِ، فَإِذَا قَامَ لِلثَّالِثَةِ: إِنْ شَاءَ .. فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ .. انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ. قُلْتُ: انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ فِي الثَّانِيَةِ .. قَنَتَ، وَإِلَّا .. تَرَكَهُ، وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ
===
(وتجوز الصبحُ خلف الظهر في الأظهر) كعكسه، والثاني: لا؛ لأنه يحتاج إلى الخروج من صلاة الإمام (1).
(فإذا قام للثالثة: إن شاء .. فارقه وسلم) لأن صلاته قد تمت، وهي مفارقة بعذر.
(وإن شاء .. انتظره ليسلم معه) لغرض أداء السلام مع الجماعة، (قلت: انتظاره أفضل، والله أعلم) لما ذكرناه.
(وإن أمكنه القنوت في الثانية) بأن وقف الإمام يسيرًا ( .. قَنَتَ) تحصيلًا لسنة ليس فيها مخالفةُ الإمام، (وإلّا .. تركه) خوفًا من التخلف، وقضيته: أنه لا يسجد لترك القنوت، قال الإسنوي: والقياس خلافه.
(وله فراقُه لِيَقْنُتَ) تحصيلًا للسنة، وهو كقطع القدوة بعذر، فتركه أفضل، فإن لم ينو المفارقة، وهوى إمامه إلى السجود وقنت هو .. بطلت صلاته؛ للمخالفة؛ كما لو ترك التشهد فقعد هو لأجله، قاله القفال في "فتاويه"، ونقله الأَذْرَعي عن كثيرين، لكن في "الشرح" و"الروضة" بعد هذا بقليل: أنه لا بأس بتخلفه للقنوت إذا لحقه في السجدة الأولى. انتهى (2).
وما ذكره القفال من القياس على التشهد الأول .. فيه نظر؛ لوضوح الفرق، وهو: أنهما اشتركا في الرفع من الركوع، فلم ينفرد المأموم به، بخلاف الجلوس للتشهد.
نعم؛ يشكل على الفرق ما إذا جلس الإمام للاستراحة في ظنه، ثم قام .. فإن قضية الفرق الجواز، وقد لا يجوزونه.
(1) في غير (أ): (لا؛ لأنه يدخل في الصلاة بنية مفارقة الإمام)، وعبارة (أ) كانت كذلك، ثم صححت بهذه.
(2)
الشرح الكبير (2/ 190)، روضة الطالبين (1/ 369).