الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ، وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالْمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ، وَكَذَا بِلَا رِيحٍ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْمَذهَبُ: طَهَارَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ صَلَّى بِنَجِسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ .. وَجَبَ عَلَى الْمَذْهَب.
فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]
تبطُلُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ
===
للشيخ نصر المقدسي موافقتَه (1).
(والقيحُ والصديدُ كالدم) في كل ما مرّ؛ لأنهما دمان استحالا إلى نَتْنٍ وفَساد، (وكذا ماءُ القُروحِ والْمُتَنَفِّطِ الذي له ريحٌ) قياسًا على القيح والصديد، (وكذا بلا ريحٍ في الأظهر) قياسًا على الصديد الذي لا رائحةَ له، والثاني: طاهرٌ؛ كالعرق.
(قلت: المذهب: طهارته) قطعًا (والله أعلم) وصححها في "شرح المهذب" ثم قال: (وحيث نجسناه فهو كالبثرات)(2).
(ولو صلى بنجِس) غيرِ معفو عنه (لم يعلمه .. وجب القضاءُ في الجديد) لفوات الشرط؛ كما لو بان محدثًا، والقديم: لا يجب؛ لحديث فيه مؤول (3)، (وإن عَلِمَ) به (ثم نَسي .. وجب على المذهب)(4) لتفريطه بتركها لمّا علم بها، وقيل: القولان فيمن لم يَعلم به.
* * *
(فصل: تَبْطُل بالنطق بحرفين) سواء أفادا؛ كـ (قُمْ)، أو لم يفيدا؛ كـ (من) و (عن) و (اس) و (ار) لحديث معاوية بن الحكم قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَطَسَ رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلتُ: واثُكْلَ أُمِّياه ما شأنْكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يَضربون
(1) البيان (2/ 92)، التحقيق (ص 177)، المهمات (3/ 163).
(2)
المجموع (3/ 141).
(3)
أخرجه الحاكم (1/ 139) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وأبو داوود (650) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4)
في (د): (وجب القضاء على المذهب).
أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ، وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الأَصَحِّ
===
بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتُهم يُصَمِّتُونني .. سكت، فلمّا صلّى النبي صلى الله عليه وسلم .. قال:"إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ") رواه مسلم (1).
والحرفان من جنس الكلام، بخلاف الحرف؛ إذ أقلُّ ما يُبنى عليه الكلامُ حرفان.
(أو حرفٍ مفهمٍ) كقولك إذا أمرتَ بالوفاء والوقاية والوعي: (فِ) و (قِ) و (عِ) لأنه كلام تامٌّ لغةً وعرفًا وإن أخطأ بحذف (هاء) السكت.
(وكذا مَدةٌّ بعد حرفٍ) غير مفهم (في الأصح) لأن المدة (ألف) أو (واو) أو (ياء)، وهي حروفٌ مخصوصةٌ فضمُّها إلى الحرف كضمّ حرف إليه.
والثاني: لا تبطل؛ لأن المدة قد تَتَّفِقُ لإشباع الحركة، فلا تُعَدُّ حرفًا، واستثني من الإبطال: ما لو ناداه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فأجابه .. فلا تبطل على الأصح، ويلتحق به سيدُنا عيسى صلى الله عليه وسلم عند نزوله على الأشبه في "الخادم".
وهل يلتحق بإجابته صلى الله عليه وسلم ما لو استدعاه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فمشى إليه خطوات كثيرة؟ فيه احتمالان للإسنوي، قال: والمتجه: إلحاقه به (2)، وعلى هذا يتمّ صلاته في الموضع الذي انتهى إليه، ولا يعود إلى مكانه إلّا في الموضع الذي نجوّزه في سبق الحدث.
وفي إجابة أحد الوالدين ثلاثةُ أوجه في "البحر": أصحها عنده: أن الإجابة لا تجب، وثانيها: تجب، وتبطل الصلاة، وثالثها: تجب، ولا تبطل (3).
وما لو تلفظ بالنذر فلا تبطل به الصلاةُ على الأصحِّ في "شرح المهذب" لأنه مناجاة، قال في "المهمات": وقياسه التعدي إلى الإعتاق والوصية والصدقة وسائر
(1) صحيح مسلم (537).
(2)
في (ب) و (د): (إجابته) بدل (إلحاقه به).
(3)
بحر المذهب (3/ 37).
وَالأَصَحُّ: أَنَّ التَّنَحْنُحَ وَالضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ وَالأَنِينَ وَالنَّفْخَ إِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ .. بَطَلَتْ، وَإِلَّا .. فَلَا. وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلَامِ إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، أَوْ نَسِيَ الصَّلَاةَ، أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ إِنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالإِسْلَامِ، لَا كَثيرِهِ فِي الأَصَحّ، وَفِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ،
===
القرب المنجزة. انتهى (1)، ومحلّه: إذا لم يكن فيها خطاب، كما قيده في "شرحه".
(والأصح: أن التنحنُح، والضحك، والبكاء، والأنين، والنفخ إن ظهر به حرفان .. بَطَلَتْ، وإلّا .. فلا) لما مر، والثاني: لا تبطل وإن بان منه حرفان؛ لأنه ليس من جنس الكلام، وكلامُه يوهم جريان الخلاف وإن لم يظهر حرفان، وليس كذلك، وجهلُ كون التنحنح مبطلًا عذرٌ في حق العوام، [قاله في "الأنوار"](2).
(ويُعذر في يسير الكلامِ إن سبق لسانُه) لأن الناسي مع قصده إلى الكلام معذورٌ كما سيأتي، فهذا أولى لعدم قصده، (أو نسي الصلاةَ) لأنه صلى الله عليه وسلم تكلّم معتقدًا أنه ليس في صلاة ثم بنى عليها في قصة ذي اليدين (3)، (أو جهل تحريمَه إن قَرُب عهدُه بالإسلام) لخبر معاوية المارّ (4)، وكذا لو بعد عهدُه ولكن نشأ ببادية بعيدة عن الإسلام؛ كما قاله الخوارزمي (5)، فإن بَعُدَ عهدُه بالإسلام ولم ينشأ ببادية بعيدة .. بطلت؛ لتقصيره بترك التعلم.
(لا كثيرِه في الأصح) أي: في جميع ما ذكره من الثلاث؛ لأنه يَقطع نظمَ الصلاة وهيئتها، والقليل يحتمل لقلته، والثاني: أنه يعذر؛ لأنه لو أبطل كثيرُه .. لأبطل قليله كالعمد، ويُرجع في القليل والكثير إلى العرف في الأصحِّ.
(وفي التّنحنُح ونحوِه) ممّا مرّ معه (للغلبة) إذ لا تقصير (وتعذرِ القراءة) للضرورة، والمراد: القراءة الواجبة؛ كما ذكره في "التحقيق" و"شرح
(1) المجموع (4/ 94)، المهمات (3/ 178).
(2)
ما بين المعقوفين زيادة من (ب) و (د)، الأنوار (1/ 107).
(3)
أخرجها البخاري (482)، ومسلم (573) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
في (ص 273).
(5)
على هامش (ب): نسخة (عن العلماء) بدل (عن الإسلام).
لَا الْجَهْرِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ .. بَطَلَتْ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَـ {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} إِنْ قَصَدَ مَعَهُ قِرَاءَةً .. لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا .. بَطَلَتْ،
===
المهذب" (1)، (لا الجهرِ في الأصح) لأنه سنةٌ، فلا ضرورة إلى احتمال التنحنح لأجله، والثاني: إنه عذر إقامة لشعار الجهر، كذا علل به الرافعي (2).
وقضيته: أنه إذا قرأ من السورة ما يتأتى به أصلُ السنة ثم عرض ذلك .. لم يعذر قطعًا، وشمل كلامُ المصنف الجهرَ بالقراءة والقنوتِ وأذكارِ الانتقالات عند الحاجة إلى إسماع المأمومين، قال الإسنوي: ويتجه في هذا الثالث: أنه عذرٌ (3).
(ولو أُكره على الكلام .. بطلت في الأظهر) لندرته، والثاني: لا؛ كالنسيان.
(ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم كَـ {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ}) لمن استَأذن في أخذ شيء، وكقوله لمن استأذن في الدخول:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} (إن قصد معه قراءةً .. لم تَبطل) لأنه قرآنٌ، فصار كما لو قصد القرآنَ وحدَه، (وإلّا) أي: وإن لم يَقصد معه قراءةً ( .. بطلت) كما لو أفهم بعبارة أخرى.
قال في "الدقائق": يفهم من قول "المنهاج" أربع مسائل: إحداها: إذا قَصَدَ القراءةَ، الثانية: إذا قصد القراءةَ والإعلامَ، الثالثة: إذا قصد الإعلامَ فقط، الرابعة: ألّا يَقصِد شيئًا، ففي الأولى والثانية لا تبَطل، وفي الثالثة والرابعة تبَطل، وتُفهم الرابعةُ من قوله:(وإلّا .. بطلت) كما تُفهم منه الثالثةُ، وهذه الرابعة لم يذكرها "المحرّر" وهي نفيسة لا يستغنى عن بيانها، وسبق مثلها في قول "المنهاج":(وتحل أذكاره لا بقصد قرآن) انتهى (4).
وفي أخذ المسألة الأولى والرابعة منه نظرٌ؛ لأنه جعل الكلام فيما لو قصد التفهيم، وجعل في ذلك قسمين، وهما: قصد القراءة معه، وعدم قصدها معه، فلا يندرج في
(1) التحقيق (ص 239)، المجموع (4/ 89).
(2)
الشرح الكبير (2/ 44).
(3)
المهمات (3/ 177).
(4)
دقائق المنهاج (ص 45).
وَلا تبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعاءِ،
===
ذلك قصد القراءة فقط، وعدم قصد شيء أصلًا؛ لأن ما قصد فيه التفهيم .. يستحيل أن يندرج فيه ما لا يقصد فيه التفهيم، وما جزم به في "الدقائق" من الإبطال في الرابعة .. قال في "شرح المهذب": إنه ظاهر كلام المصنف وغيره؛ لأنه يُشبه كلامَ الآدمي، ثم قال: وينبغي أن يقال: إن انتهى في موضع قراءتِه إليه .. لم تبطل، وإلّا .. بطلت انتهى (1).
ونازعه ابنُ الرفعة في دعوى كون البطلان ظاهرَ كلام "المهذب"، وقال: إن كلامه منصرف إلى الإعلام لا إلى الإطلاق، قال: والفرق بين الجنب وما نحن فيه: أن كونه في الصلاة قرينة تصرف ذلك إلى القرآن.
وقوله: (بنظم قرآن) احترز به عمّا إذا أتى بكلمات مفرداتُها في القرآن دون نظمها؛ كقوله: (يا إبراهيم)(سلام)(كن)، فإن أتى بذلك موصولًا .. بطلت، وإن فَرَّقَ الكلامَ .. لم تبطل؛ أي: إذا قصد بها القرآنَ كما قاله في "شرح المهذب"(2).
(ولا تبطل بالذكر والدعاءِ) لمشروعيتهما في الصلاة، قال الإسنوي:(بشرط النطق بالعربية إن كان يُحسنها، وبشرط ألّا يقصد به شيئًا آخر، فإن قصد بـ "سبحان الله" التنبيهَ، وبتكبيرات الانتقالات التبليغَ ونحوَ ذلك .. كان على التفصيل السابق في القراءة، هذا ملخص كلام الرافعي، وهو قضيةُ كلام "المحرّر" حيث قال بعد التفصيل في القراءة: "والأذكار والأدعية كالقرآن") انتهى (3).
قال الإسنوي: والمتجه: أن ما لا يصلح لكلام الآدميين من القرآن والأذكار لا يُؤثِّر وإن قصد به الإفهامَ فقط، وبه صرح الماوردي. انتهى، وبه جزم في "المهذب"، وأقره المصنفُ في "شرحه"(4).
(1) دقائق المنهاج (ص 45)، المجموع (4/ 93).
(2)
المجموع (4/ 93).
(3)
المحرر (ص 42).
(4)
المجموع (4/ 93).
إِلَّا أَنْ يُخَاطِبَ؛ كَقَوْلهِ لِعَاطِسٍ: (رَحِمَكَ اللهُ). وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا بِلَا غَرَضٍ .. لَمْ تبطُلْ فِي الأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ كَتَنْبيهِ إِمَامِهِ، وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ، وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى: أَنْ يُسَبِّحَ، وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ بِضَرْبِ الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ
===
(إلّا أن يُخاطِب؛ كقوله لعاطسٍ: رحمك الله) لأنه كلامٌ وضع لمخاطبة الآدميين، فهو كرد السلام، فلو قال: رحمه الله .. لم يضر، وأَطلق الخطابَ، وقَيّده الرافعي بغير خطاب الله تعالى، وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم (1)، وقضيتُه: البطلانُ بما عدا النبي صلى الله عليه وسلم؛ من الملائكة والأنبياء عليهم السلام.
(ولو سكت طويلًا بلا غرض) عامدًا ( .. لم تبطل في الأصح) لأنه لا يَخرِم هيئةَ الصلاة، ويستثنى: ما إذا كان في اعتدال الركوع أو السجود بناءً على أنهما قصيران، فتبطل الصلاةُ بتطويلهما بسكوت وغيرِه، والثاني: تبطل؛ لإشعاره بالإعراض عنها.
واحترز بقوله: (طويلًا) عن اليسير، فإنه لا يَضُرُّ جزمًا، و (بلا غرض) عن السكوت ناسيًا، أو لتذكر شيء نَسِيَهُ، فالأصحُّ فيهما: القطع بعدم البطلان.
(ويسن لمن نابه شيءٌ كتنبيه إمامه) إذا سها (وإذنِه لداخل) استأذن في الدخول عليه، (وإنذارِه أعمى) أن يَقع في محذور ونحوِ ذلك؛ كغافل وغيرِ مُميِّز، ومن قصده ظالِمٌ أو سَبُعٌ ونحو ذلك (أن يُسبِّح، وتُصفِّقَ المرأة) لحديث: "مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ .. فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ .. الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ" متفق عليه (2).
ولو عكسا .. فخلاف السنة، ولا تبطل الصلاة، قاله في "شرح المهذب"(3)، والخنثى كالمرأة.
(بضرب اليمين على ظهر اليسار) يشمل الضربَ ببطن اليمين على ظهر اليسار، وبظهر اليمين على ظهر اليسار؛ لأنه لم يقيد بالظهر إلّا في اليسار، وفي "الشرح"
(1) الشرح الكبير (2/ 49 - 50).
(2)
صحيح البخاري (684)، صحيح مسلم (421) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(3)
المجموع (4/ 92).
وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَهَا، إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا .. بَطَلَتْ إِلَّا أَنْ يَنْسَى،
===
و"الروضة" الاقتصارُ على الكيفية الأولى، وليس بقيد، ولهذا عَبَّرَ في "التحقيق" بقوله: تصفق بظهر كفٍّ على بطن أخرى ونحوه، لا بطنٍ على بطن (1)، فتناول كلامُه أولًا جوازَ الضرب بظهر اليمنى على بطن اليسرى، وبظهر اليسرى على بطن اليمنى.
وقوله: (ونحوه) عكسُهما، وهو: الضرب ببطن اليمنى على ظهر اليسرى، وببطن اليسرى على ظهر اليمنى، فهذه أربع صور، وامتناعُ الضرب ببطن إحداهما على بطن الأخرى.
وقال الرافعي في هذه الصورة: لا ينبغي فعلُه فإنه لعب، فلو فعلتْه على وجه اللعب عالمةً بالتحريم .. بطلت صلاتُها وإن كان قليلًا، فإنّ اللعبَ ينافي الصلاةَ (2).
وإذا لم يَحصل الإنذارُ الواجبُ بالتسبيح ونحوه، فإن لم يحصل إلا بالكلام .. وجب عليه، وفي بطلان الصلاة اختلافُ ترجيحٍ، وإن لم يحصل إلا بفعلٍ كثيرٍ كثلاث خطوات فأكثر .. قال المحب الطبري: الظاهر: تخريجه على الخلاف في القول، فإن لم نَقُلْ ببطلان الصلاة .. أَتَمَّ صلاتَه في الموضع الذي انتهى إليه، ولا يَعودُ إلى الأول، إلّا إن جوزناه في سبق الحدث وإن حصل بكل من القول والفعل.
قال الإسنوي: فإن أبطلنا بذلك .. تَخيَّر، وإلَّا .. فالمتجه: تعين الفعل؛ إذ القليل من الفعل يُغتفر دون القليل من الكلام، ويحتمل عكسه؛ لأن الفعل أقوى من القول، ولهذا يَنفُذ إحبالُ السفيه دون إعتاقه، ويحتمل التخيير لهذين المعنيين (3).
(ولو فعل في صلاته غيرَها) أي: غير أفعال الصلاة (إن كان) المفعول (من جنسها) أي: من جنس أفعالها؛ كزيادة ركوع أو سجود لا على وجه المتابعة من مسبوق ( .. بطلت) لتلاعبه، (إلّا أن ينسى) فلا تبطل وإن كثر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم (صلّى الظهر خمسًا سهوًا، ولم يُعد صلاتَه، بل سجد للسهو) متفق عليه (4).
(1) الشرح الكبير (2/ 49)، روضة الطالبين (1/ 291)، التحقيق (ص 240).
(2)
الشرح الكبير (2/ 49).
(3)
المهمات (3/ 183).
(4)
صحيح البخاري (1226)، صحيح مسلم (572) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وَإِلَّا .. فَتَبْطُلُ بِكَثيرِهِ لَا قَلِيلِهِ، والْكَثْرَةُ بالْعُرْفِ، فَالْخَطْوَتَانِ أَوِ الضَّرْبَتَانِ .. قَلِيلٌ، وَالثَّلَاثُ كَثِيرٌ إِنْ تَوَالَتْ
===
وخرج بقوله: (فعل) ما لو نقل ركنًا قوليًا .. فإنه لا يضر على الأصحِّ؛ لأنه قولٌ لا فعلٌ.
نعم؛ يستثنى منه أيضًا مسائل: منها: ما لو هوى ليسجد، فجلس قبل سجوده جلسةً خفيفةً .. فلا تبطل، قاله الإمام في سجود السهو، وتابعاه (1)، ومنها: ما لو نزل من قيامه لحدّ الراكع لقتل حَيَّةٍ ونحوِها .. فإنه لا يضرّ، قاله في "الكافي"(2).
(وإلّا) أي: وإن لم يكن من جنس أفعال الصلاة ( .. فتبطل بكثيرِه) لأن الحاجةَ لا تدعو إليه، ويستثنى: شدة الخوف، كما سيأتي في بابه، (لا قليلِه) للأحاديث الصحيحة فيه؛ كحمله صلى الله عليه وسلم أُمامةَ ووضعِها، وخلعه نعليه في صلاته، وأمره بقتل الأسودين: الحيةِ والعقربِ (3).
(والكثرةُ بالعرف) فلا يضرّ ما يَعدُّه الناسُ قليلًا؛ كخلع النعل، ولبس الثوب الخفيف، ونحو ذلك، (فالخطوتان أو الضربتان قليلٌ) لحديث خلع النعلين، وقيل: كثير؛ لتكرر الفعل، بخلاف الواحدة.
نعم؛ لو قصد أن يخطو ثلاث خطوات متواليةٍ (4)، فخطا واحدة .. بطلت، نص عليه في "الأم"، وجرى عليه العراقيون، فليُقيَّد به الإطلاقُ.
(والثلاثُ كثيرٌ إن توالت) بالاتفاق، فلو تفرقت .. لم يضرّ وإن كثرت، وحَدُّ التفرق: أن يُعدَّ الثاني منقطعًا عن الأول.
ولو تردد في فعلٍ هل انتهى إلى حدّ الكثرة أم لا؟ قال الإمام: فينقدح فيه ثلاثة
(1) نهاية المطلب (2/ 272)، الشرح الكبير (2/ 83)، روضة الطالبين (1/ 306).
(2)
في (ب): (في "الكفاية").
(3)
أما حديث حمل أمامة .. فأخرجه البخاري (516)، ومسلم (543) عن أبي قتادة رضي الله عنه، وأما حديث خلع النعلين .. فأخرجه أبو داوود (650)، والحاكم (1/ 139) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأما قتل الأسودين .. فأخرجه أبو داوود (921)، والترمذي (390)، والنسائي (3/ 10)، وابن ماجه (1245) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أو يضرب ثلاث ضربات. زيادة من (ب).
وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ، لَا الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ؛ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ فِي سُبْحَةٍ أَوْ حَكٍّ فِي الأَصَحِّ. وَسَهْوُ الْفِعْلِ كَعَمْدِهِ فِي الأَصَحِّ. وَتبطُلُ بِقَلِيلِ الأُكْلِ. قُلْتُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ،
===
أوجه: أظهرها: أنه لا يؤثر، وثالثها: يتبع ظنه، فإن استوى الظنّان .. لم تبطل (1).
(وتبطل بالوثبة الفاحشةِ) ونحوها؛ كالضربة المفرطة؛ لمنافاة ذلك للصلاة، (لا الحركاتِ الخفيفةِ المتواليةِ؛ كتحريك أصابعِه في سبحةٍ أو حكٍّ في الأصح) إذ لا يُخل بهيئة الخشوع والتعظيم، فأشبه الفعل القليل، والثاني: تبطل إن كثرت؛ كالخطوات.
والتعبير بتحريك الأصابع يقتضي: أن ذلك مع قرار الكفّ، فلو حَرَّكَ كفَّه في الحك ثلاثًا .. بطلت، إلّا أن يكون به جَرَبٌ لا يقدر معه على الصبر، قاله الخوارزمي في "الكافي".
(وسهوُ الفعل كعمده في الأصح) فيبطل كثيره وفاحشه؛ لندور السهو، ولأنه يقطع نظمَ الصلاة (2)، والثاني: لا يضر، واختاره المصنفُ في "التحقيق" والسبكي (3)؛ لأن حديث ذي اليدين قد ورد فيه:(أن سَرَعان الناس قد خرجوا من المسجد)(4)، ومع ذلك لم يؤمروا بالإعادة، بل بنوا على صلاتهم.
(وتبطل بقليل الأكل) لشدة منافاته لها، وقيل: لا، بل بكثيره؛ كسائر الأفعال.
ومثار الخلاف: أن الإبطال هل هو لِمَا فيه من الفعل، أو لوصول المفطر جوفَه؟ والأصح: الثاني، وينبني على ذلك مسألة ذوب السكرة الآتية.
(قلت: إلّا أن يكون ناسيًا) للصلاة (أو جاهلًا تحريمه) لقرب عهده بالإسلام،
(1) نهاية المطلب (2/ 207).
(2)
والفعل المبطل يستوي فيه العمد والسهو على الأظهر. أصل. اهـ هامش (ب).
(3)
التحقيق (ص 244).
(4)
سبق تخريجه في (ص 275).
وَاللهُ أَعْلَمُ. فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَبَلِعَ ذَوْبَهَا .. بَطَلَتْ فِي الأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي إِلَى جِدَارٍ، أَوْ سَارِيَةٍ، أَوْ عَصًا مَغْرُوزَةٍ، أَوْ بَسَطَ مُصَلَّىً، أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ .. دَفْعُ الْمَارِّ، .
===
أو نشأ في بادية بعيدةٍ عن العلماء، فلا تبطل بقليله قطعًا (والله أعلم) فإن كثر الأكلُ .. بَطَلَ على الأصحِّ، بخلاف الصوم؛ لأن للصلاة نظامًا يَختلُّ بالأكل، ولها حالة مُذكِّرةٌ فنُسِبَ إلى تقصير فيها، بخلاف الصوم، ويُرجَع في القليل والكثير إلى العرف.
(فلو كان بفمِه سُكَّرةٌ فبَلعَ ذوبَها) بمص ونحوِه لا مَضْغٍ ( .. بطلت في الأصح) لمنافاته الصلاةَ كما مرّ، والثاني: لا؛ لأنه لم يوجد منه فعلٌ.
(ويسن للمصلي إلى جدار، أو سارية، أو عصًا مغروزةٍ، أو بَسَطَ مصلّى، أو خَطَّ قُبالتَه .. دَفعُ المار) الذي يمرّ بينه وبين ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ ألنَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ .. فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى .. فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ" متفق عليه (1).
ويستحب أيضًا: الصلاةُ إلى هذه المذكورات، فلو قال المصنف:(تسن الصلاة إلى كذا وكذا، ودفع المار بينه وبينها) .. لفُهِمَ منه ذلك.
وشرط الاعتداد بالخطِّ والمصلَّى: عدمُ الشاخص، وهما في مرتبةٍ واحدةٍ؛ كما هو ظاهر كلام "الشرح" و"الروضة"، وقال في "المهمات": إنه الحق، لكن في "التحقيق": فإن عجز عن سترة .. بسط مُصلّى، فإن عجز .. خَطَّ خطًّا على المذهب، فرتب الخط على المصلّى، وذكر مثلَه في "شرح مسلم"، ونقله عن الأصحاب، قال في "الروضة": والمختار في صفة الخط: أن يكون طولًا إلى جهة القبلة (2).
ويُعتبر كونُ الشاخص قدرَ مؤخرة الرَّحْلِ، وهو قدرُ ثلثي ذراعٍ، والقياس: كون المصلَّى والخط كذلك، قاله الإسنوي (3).
(1) صحيح البخاري (509)، صحيح مسلم (505) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
الشرح الكبير (2/ 56)، روضة الطالبين (1/ 294، 295)، المهمات (3/ 194)، التحقيق (ص 193)، شرح صحيح مسلم (7/ 214).
(3)
المهمات (3/ 195).
وَالصَّحِيحُ: تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ. قُلْتُ: يُكْرَهُ الالْتِفَاتُ إِلَّا لِحَاجَةٍ،
===
وإذا دفع .. دفع بالأسهل فالأسهل؛ كالصائل، فإن أَدَّى إلى موته .. فهَدَرٌ.
(والصحيح: تحريم المرور حينئذ) أي: حين وجود ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ .. لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ" متفق عليه، وفي رواية للبخاري:"مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ"(1)، والثاني: لا يحرم، بل يكره؛ لما رواه ابن ماجه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي في حجره، فمرّت زينبُ بنت أم سلمة، فقال بيده هكذا -أي: مشيرًا للرجوع- فمضت، فلما صلّى عليه الصلاة والسلام .. قال: "هُنَّ أَغْلَبُ")(2)، وجه الدلالة: أن المرورَ لو كان حرامًا .. لبينه، لكنه حديثٌ ضعيفٌ.
ويستثنى من التحريم: ما إذا وجد الداخلُ فُرْجَةً في الصف المتقدم .. فله المرورُ بين يدي الصف الثاني، ويقف فيها؛ لتقصير أصحاب الثاني بتركها.
وأفهم: عدم تحريم المرور إذا لم تكن ستر، وهو الأصحُّ، وكذا لو كانت وكان بينه وبينها أكثر من ثلاثة أذرع، وليس له الدفعُ على الأصحِّ؛ لتقصيره (3)، قال في "الروضة": لكن الأولى: تركُ المرور، وفي "التحقيق" و"شرح مسلم": أنه مكروه (4)، وقال في "الكافي": إنه يحرم المرور في حريمه إذا لم يكن سترةً، وهو: قدرُ إمكان السجود، فيحتمل كونُ ذلك تقييدًا، ويحتمل كونُه وجهًا.
(قلت: يُكره الالتفاتُ) بوجهه يمينًا وشمالًا، فإنه اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد، كما صَحَّ في "البخاري"(5)، ولمنافاته الخشوعَ، (إلّا لحاجة) فلا
(1) صحيح البخاري (510)، صحيح مسلم (507) عن أبي جهيم رضي الله عنه، ورواية البخاري الثانية هي رواية الكُشْمِيهَني، انظر "فتح الباري"(1/ 585) ففيه بحث.
(2)
سنن ابن ماجه (948) عن أم سلمة رضي الله عنها.
(3)
قال ابن المنذر: كان مالك رضي الله عنه يُصلِّي متباعدًا عن السترة فمرّ رجل لا يعرفه، فقال له: أيها المصلّي ادن من سترتك، قال: فجعل يتقدم ويقول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} . اهـ هامش (أ).
(4)
روضة الطالبين (2/ 295)، التحقيق (ص 194)، شرح صحيح مسلم (4/ 217).
(5)
صحيح البخاري (751) عن عائشة رضي الله غنها.
وَرَفع بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَفُّ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَالْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ،
===
يكره؛ للاتباع كما رواه أبو داوود (1)، ولا بأسَ بلَمْحِ العين بدون الالتفات، ففي "صحيح ابن حبان" من حديث علي بن شيبان الحنفي قال:(قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فصلّينا معه، فلمح بمؤخر عينه رجلًا لا يقيم صُلْبَهُ في الركوع والسجود، فقال: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ")(2).
(ورفع بصره إلى السماء، وكفُّ شعره أو ثوبه) لثبوت النهي عن ذلك كلِّه في "الصحيحين"(3)، و (الكفّ): نقيضُ الإرسال.
قال في "شرح المهذب": ومن ذلك: أن يَعْقِص شعرَه أو يَردَّه تحت عِمامته أو يُشمِّر ثوبَه أو كُمَّه ونحو ذلك؛ كشَدِّ الوسط وغَرْزِ العَذَبَةِ، والحكمة في النهي عنه: أن ذلك يَسجُد معه (4).
(ووضعُ يده على فمِه بلا حاجةٍ) لثبوت النهي عنه (5)، فإن كان لحاجة .. لم يكره؛ كما لو تثاءب .. فإنه يستحق وضعها (6)؛ لصحة الحديث في ذلك (7)، قال ابن الملقن:(والظاهر: أنه يضمع اليسرى؛ لأنه لتنحية الأذى)(8).
(والقيامُ على رجل) لمنافاته هيئة الخشوع، نعم؛ إن كان لحاجة .. لم يكره.
(1) سنن أبي داوود في رواية أبي الطيب ابن الأُشْناني ولم يذكره أبو القاسم كما في "تحفة الأشراف"(5/ 117 - 118)، وفي "سنن أبي داوود" حديث آخر مما يدل على ما نحن فيه، وهو برقم (916) عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي (587) عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومسلم (413) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2)
صحيح ابن حبان (1891)، وأخرجه ابن خزيمة (667)، وابن ماجه (871).
(3)
أما رفع البصر .. فأخرجه البخاري (750)، ومسلم (428) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وأما كف الشعر والثوب .. فأخرجه أيضًا البخاري (809)، ومسلم (490) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
المجموع (4/ 108 - 109).
(5)
أخرجه الحاكم (1/ 253)، وابن حبان (2353)، وأبو داوود (643) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
في (ب) و (د): (فإنه يستحب
…
).
(7)
أخرجه مسلم (2995) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(8)
عجالة المحتاج (1/ 252، 253).
وَالصَّلَاةُ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا، أَوْ بِحِضْرَةِ طَعَامٍ يَتُوقُ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ،
===
(والصلاةُ حاقنًا) أي: مدافعًا للبول (أو حاقبًا) أي: مدافعًا للغائط، (أو بحضرةِ طعامِ يَتُوقُ إليه) لقوله عليه الصلاة والسلام:"لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ" رواه مسلم (1).
ويكره أيضًا مدافعةُ الريح، كما قاله الرافعي (2)، والشربُ كالأكل، وتوقانُ النفس في غيبة الطعام كحضوره، قاله في "الكفاية" في (صلاة الجماعة) تبعًا لابن يونس (3).
وتعبيره بالتوقان قد يُفهم أنه إنما يأكل ما يَنكسر به التوقانُ، وهو ما حكياه عن الأصحاب في الكلام على الأعذار المرخِّصة في ترك الجماعة، قالا: إلّا أن يكون الطعامُ يؤتى عليه مرةً واحدة كالسويق واللَّبَنِ، لكن المصنف صوب في شرحي "المهذب" و"مسلم" أنه يأكل حاجتَه من الأكل بكمالها، والصورتان: إذا كان الوقت واسعًا، فإن ضاق .. فالأصحُّ: أنه يصلي مع المدافعة والتوقان (4).
(وأن يبصق قِبَلَ وجهه، أو عن يمينه) لصحة النهي عن ذلك (5)، بل عن يساره، ثم إن كان في المسجد بَصَقَ في ثوبه وحَكَّ بعضَه ببعض، وإن كان في غيره بَصَقَ في ثوبه أو تحت قدمِه، والأول أولى، قاله في "شرح المهذب"(6).
(ووضعُ يده على خاصرته) للنهي عن أن يصلي الرجلُ مختصرًا، متفق عليه (7)، واختلفوا في تفسيره على أقوال: أصحها: ما ذكره المصنف، والثاني: أن يتوكأ على
(1) صحيح مسلم (560) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
الشرح الكبير (2/ 151).
(3)
كفاية النبيه (3/ 547).
(4)
الشرح الكبير (2/ 152)، روضة الطالبين (1/ 346)، المجموع (3/ 35)، شرح صحيح مسلم (5/ 46).
(5)
أخرجه البخاري (405)، ومسلم (551) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(6)
المجموع (4/ 111).
(7)
صحيح البخاري (1220)، صحيح مسلم (545) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَالْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ فِي رُكُوعِهِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْكَنِيسَةِ
===
عصًا، الثالث: أن يختصر السورةَ فيقرأ آخرها، والرابع: أن يختصر صلاتَه فلا يتم حدودها، والخامس: أن يقتصر على الآيات التي فيها السجدةُ ويسجد فيها، والسادس: أن يختصر السجدةَ إذا انتهى في قراءته إليها ولا يسجدها.
(والمبالغةُ في خَفض الرأسِ في ركوعه) لأنه خلافُ المنقول، فإنه عليه الصلاة والسلام كان إذا ركع .. لم يُشخِّص رأسَه ولم يُصوِّبه؛ أي: لم يَرفعه ولم يَخفضه (1)، وقضيته: أنه لا يكره الخفض بدون مبالغة، وهو خلافُ ما دلّ عليه الحديثُ وكلام الشافعي والأصحاب، قاله السبكي.
(والصلاةُ في الحمام) لحديث: "الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ" صحح ابن حبان إسناده (2)، وهل علة الكراهة كونه مأوى الشياطين أو خوفُ النجاسة؟ وجهان: أصحهما: الأول، فتكره في المسلخ، وفي الموضع المتحقق طهارتُه، وهي كراهةُ تنزيه.
(والطريقِ) لورود النهي عنه (3)، ثم قيل: النهي لغلبة النجاسة، وقيل: لأن مرور الناس يُشغله، فتكره في طرق البراري إذا لم يكن هناك طارقون على الأول، لا الثاني، ورجح في "التحقيق" الثانِيَ، فصحَّح الكراهةَ في البنيان دون البرية (4).
(والْمَزبَلةِ) لغلبة النجاسة، (والكنيسةِ) والبِيعَةِ ونحوِهما من أماكن الكفر؛ لأنها مأوى الشياطين، ونقل عن ابن عباس وابن عمر.
نعم؛ لو منع أهلُ الذمة من دخولها .. حرمت؛ لأن لهم منعَنا عن ذلك كما نمنعهم من دخول مساجدنا.
(1) أخرجه مسلم (498) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
صحيح ابن حبان (2321)، وأخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 20)، والحاكم (1/ 251)، وأبو داوود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
أخرجه الترمذي (346) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
التحقيق (ص 182).
وَعَطَنِ الإِبِلِ وَالْمَقْبَرَةِ الطَاهِرَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
(وعَطَنِ الإبلِ) لقوله عليه الصلاة والسلام: "صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإبِلِ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ"(1).
والفرق بينهما: أن خوف نِفار الإبل يُذهب الخشوع، بخلاف الغنم، ومأوى الإبل ليلًا كعَطَنِها، إلّا أنه أخفّ من العطن، والعطنُ فسره الشافعي وأصحابُه بالموضع الذي تُنَحَّى إليه الإبلُ الشاربةُ ليشرب غيرُها، فإذا اجتمعت .. سِيقت إلى المرعَى، قال ابن المنذر: وعطن البقر كالغنم.
(والْمَقبَرةِ الطاهرةِ، والله أعلم) للنهي عنه (2)، والمعنى فيه: ما تحت مصلّاه من النجاسة، قال ابن الرفعة: وقضية كلام القاضي: أن الكراهةَ لحرمة الموتى (3).
قال الإسنوي: وقضية المعنيين: فرض ذلك فيما إذا حاذى الميت، حتى إذا وقف بين الموتى .. فلا كراهة، وقال ابن الرفعة بعد ذكر المعنيين: ولا فرق في الكراهة بين أن يُصلّي على القبر، أو بجانبه، أو إليه، ومنه يؤخذ كراهةُ الصلاة بجانب النجاسة، وخلفَها، قال في "المهمات":(وفيه نظر، ويحتاج إلى نقل)(4).
واحترز بـ (الطاهرة): عن النجسة، وهي المنبوشة، فلا تصح الصلاةُ فيها بلا حائلٍ، فإن صلّى على حائل .. فكالطاهرة، فلو شكّ في نبشِها .. صحت بلا حائل في الأظهر مع الكراهة.
* * *
(1) أخرجه ابن حبان (1702)، وابن ماجه (769) عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.
(2)
أخرجه الترمذي (346)، وابن ماجه (746) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
كفاية النبيه (2/ 512).
(4)
المهمات (3/ 155).