المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في دفن الميت] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌فصل [في دفن الميت]

ويُكَفَّنُ في ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبهُ سَابِغًا .. تُمِّمَ.

‌فصلٌ [في دفن الميت]

أَقَلُّ الْقَبْرِ: حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ. ويُنْدَبُ أَنْ يُوَسَّعَ ويُعَمَّقَ قَامَةً وَبَسْطَةً

===

(ويكفن في ثيابه الملطخة بالدم) استحبابًا؛ للاتباع؛ كما رواه أبو داوود عن جابر رضي الله عنه (1).

فلو أراد الوارث أن يأخذها، ويكفنه من عنده .. جاز، وتنزع الجلود، والخفاف، وثياب الحرب؛ كالدرع.

(فإن لم يكن ثوبه سابغًا .. تُمِّم) أي: كُمِّل؛ كما فعل بمُصعب بن عمير (2).

* * *

(فصل: أقل القبر: حفرة تمنع الرائحة والسبع) عن نبشه، لئلا تنتهك حرمته بانتشار رائحته (3) واستقذار جيفته، وأكل السباع له (4).

(ويندب أن يوسع ويعمق) للأمر به، كما صححه الحاكم (5)، (قامة وبسطة) لأن عمر رضي الله عنه أوصى بذلك ولم ينكره أحد (6).

والمراد: قامة رجل معتدل يقوم ويبسط يده مرتفعة، وذلك ثلاثة أذرع ونصف؛

(1) سنن أبي داوود (3133).

(2)

أخرجه البخاري (1276)، ومسلم (940) عن خباب بن الأرت رضي الله عنه.

(3)

في (ب) و (د): (لئلا تنهتك

).

(4)

فائدة: قيل: أصل الدفن: أن قابيل لما قتل أخاه هابيل .. لم يدر ما يصنع به، فأرسل الله عز وجل غرابًا يَبْحَث في الأرض؛ تنبيهًا له، فدفنه، وقال السُّدِّي في قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} يعني: القبور. اهـ هامش (أ).

(5)

أخرجه أبو داوود (3215)، والترمذي (1713)، والنسائي (4/ 81)، وابن ماجه (1560)، وأحمد (4/ 19، 20) عن هشام بن عامر رضي الله عنه، ولم أجده في "المستدرك"، وقوله:(للأمر به؛ كما صححه الحاكم) كتب في هامش (أ) لحقا، وصُحِّح، وغير موجود في باقي النسخ، والزيادة موجودة في "عجالة المحتاج"(1/ 437).

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (11784).

ص: 459

وَاللُّحْدُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ إِنْ صَلُبَتِ الأَرْضُ، وَيُوضَعَ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَيُسَلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ، وَيُدْخِلَهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ، وَأَوْلَاهُمُ: الأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ. قُلْتُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً فَأَوْلَاهُمُ الزَّوْجُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

كما صححه الرافعي، وصوب في "الروضة" أنه أربعة أذرع ونصف، ونقله عن الجمهور (1).

(واللحد أفضل من الشق إن صلبت الأرض) لحديث: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا"، رواه الترمذي وغيره (2)، واللحد: هو أن يُحفَر في أسفل حائط القبر من القبلة قدرُ ما يوضع فيه الميت ويستره، والشق: أن يحفر قعر القبر كالنهر، ويبنى جانباه بلبن أو غيره، خلا ما مسته النار، ويوضع فيه ويُسقَف، فإن كانت الأرض رخوة .. تعين الشق.

(ويوضع رأسه عند رجل القبر، ويسل من قبل رأسه برفق) للاتباع (3)، والمراد برجل القبر: مؤخره.

(ويدخله القبر الرجال) وإن كان الميت امرأة؛ لأنه يحتاج إلى قوة وهم أحرى بذلك.

(وأولاهم: الأحق بالصلاة) عليه (4)، للمعنى السابق، والمراد بالأولوية: من حيث الدرجات، لا الصفات اللاحقة، فالأفقه هنا مقدم على الأسن، بخلاف الصلاة. قاله في "شرح المهذب"(5).

والمراد بـ (الأفقه) هنا: الأعلم بإدخال القبر، لا أعلمهم بأحكام الشرع.

(قلت: إلا أن تكون امرأةً مزوجة، فأولاهم الزوج، والله أعلم) لأنه ينظر إلى ما لا ينظر إليه غيره.

(1) الشرح الكبير (2/ 447)، روضة الطالبين (2/ 132).

(2)

سنن الترمذي (1045)، وأخرجه أبو داوود (3208)، والنسائي (4/ 80)، وابن ماجه (1554) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه البيهقي (4/ 54)، وانظر "التلخيص الحبير"(3/ 1226).

(4)

في (ب) كلمة (عليه) من المتن.

(5)

المجموع (5/ 249).

ص: 460

وَيَكُونُونَ وِتْرًا، ويُوضَعُ في اللَّحْدِ عَلَى يَمِينهِ لِلْقِبْلَةِ وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ إِلَى جِدَارِهِ، وَظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ بِلَبِنٍ، وَيَحْثُو مَنْ دَنَا ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ، ثُمَّ يُهَالُ بِالْمَسَاحِي، وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ شِبْرًا فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ

===

(ويكونون وترًا) أي: يكون عدد الدافنين وترًا، فإن كفى واحد، وإلا .. فثلاثة، أو خمسة على حسب الحاجة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام دفنه علي والعباس والفضل، رواه ابن حبان في "صحيحه"(1).

(ويوضع في اللحد) أو الشق (على يمينه للقبلة) لنقل الخلف ذلك عن السلف.

(ويسند وجهه إلى جداره) أي: جدار القبر، وكذا رجلاه، ويُجعل في باقي بدنه بعضُ التجافي، فيكون قريبًا من هيئة الركوع؛ ليمنعه ذلك من الانكباب، (وظهره بلبنة ونحوها) ليمنعه من الاستلقاء، وهذا كلّه مستحب، إلا توجيهه إلى القبلة؛ فإنه واجب.

(ويسد فتح اللحد بلبن) لأن به يتم الدفن، (ويحثو من دنا ثلاث حثيات تراب) بيديه جميعًا؛ للاتباع؛ كما رواه ابن ماجه (2).

وقوله: (من دنا) يخرج من بَعُد، لكن عبارة "الكفاية":(يستحب ذلك لكل من حضر الدفن)(3).

(ثم يهال) أي: يصبّ (بالمساحي) لأنه أسرع إلى تكميل الدفن، (ويرفع القبر شبرًا فقط) ليعرف فيحترم ويزار.

نعم؛ من مات من المسلمين ببلاد الكفار لا يرفع قبره، بل يخفى؛ لئلا يتعرض له الكفار إذا رجع المسلمون، قاله المتولي وأقراه (4).

(والصحيح: أن تسطيحه أولى من تسنيمه) أصل الخلاف: اختلاف الرواية في قبره عليه السلام وقبر صاحبيه في أنها مسطحة أو مسنمة، وجمع البيهقي بين الروايتين

(1) صحيح ابن حبان (6633) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

سنن ابن ماجه (1565) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

كفاية النبيه (5/ 143).

(4)

الشرح الكبير (2/ 451 - 452)، روضة الطالبين (2/ 136).

ص: 461

وَلَا يُدْفَنُ اثنانِ في قَبْرٍ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، فَيُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا

===

بأنها كانت مسطحة، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد -وقيل: في زمن عمر بن عبد العزيز- وأصلح .. جعلت مسنمة (1).

(ولا يدفن اثنان في قبر) لأنه عليه السلام كان يدفن كلّ ميت في قبر، ولم يبين المصنف أن فعل ذلك حرام أو مكروه أو خلاف الأولى، وقضية ما في "الشرح" و"الروضة": أنه خلاف الأولى، لكن في "شرح المهذب": أنه لا يجوز، ورجح السبكي ما في "الشرح" و"الروضة"، وقال: لا دليل على التحريم، هذا كله في الابتداء، أما في الدوام؛ كإدخال ميت على ميت .. فلا يجوز بحال حتى يَبلى الأول لحما وعظما، نقله في "شرح المهذب" عن الأصحاب (2).

(إلا لضرورة) بأن أكثر الموتى في وباء أو هدم أو غيرهما وعسر إفراد كل ميت بقبر، فيدفن الاثنان والثلاثة في قبر؛ لأنه عليه السلام كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول:"أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ" فإذا أشير إلى أحدهما .. قدمه في اللحد (3).

ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا لتأكد الضرورة.

نعم؛ لو كان بينهما زوجية أو محرمية .. فلا منع؛ كحال الحياة، كذا ذكره صاحب "التعجيز" في "شرحه"، ونقله عن ابن الصباغ وغيره، قال في "المهمات":(وهو متجه، بل في "حلية" الروياني ما حاصله: الجواز مطلقًا)، لكن جزم في "شرح المهذب" بالتحريم، قال: حتى في الأم مع ولدها، وإذا دفن اثنان في قبر .. جعل بينهما حاجز من تراب (4).

(فيقدم أفضلهما) إلى جدار القبر؛ للحديث المار؛ فيقدم الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة، لكن يقدم الأب على الابن وإن كان الابن أفضل؛ لحرمة الأبوة، وكذا الأم مع البنت.

(1) سنن البيهقي (4/ 4).

(2)

الشرح الكبير (2/ 454)، روضة الطالبين (2/ 138)، المجموع (5/ 241 - 242).

(3)

أخرجه البخاري (1343) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

المهمات (3/ 506)، المجموع (5/ 242).

ص: 462

وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ، وَلَا يُوطَأُ، وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا. وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ، وَبَعْدَهُ ثَلَاثةَ أَيَّام. وَيُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ:(أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ)، وَبِالْكَافِرِ:(أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وَصَبَّرَكَ)، وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ:(غَفَرَ اللهُ لِمَيتِكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ).

===

(ولا يجلس على القبر) ولا يتكئ عليه ولا يستند إليه (ولا يوطأ) لصحة النهي عن ذلك (1).

نعم؛ يستثنى ما إذا دعت ضرورة إلى الوطئ؛ كأن كان لا يصل إلى قبر ميته إلا به.

(ويقرب زائره كقربه منه حيًّا) احترامًا له.

(والتعزية سنة) للحث عليها (2)(قبل دفنه) لأنه وقت شدة الحزن (وبعده ثلاثة أيام) لأن الحزن فيها موجود غالبًا، وبعدها يسكن قلب المصاب غالبًا، فتكره التعزية حينئذ؛ لأنها تجديد للحزن، وابتداؤها من الدفن، وقيل: من الموت.

نعم؛ لو كان المعزى غائبًا أو المعزي .. فالأصحُّ: امتدادها إلى قدومه، قال المحب الطبري: والظاهر: امتدادها ثلاثًا بعد الحضور.

(ويُعزّى المسلم بالمسلم: "أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك") هذا هو المشهور، وقيل: يقدم الدعاء للميت أولًا؛ لأنه أحوج إليه.

(و) يعزى المسلم (بالكافر: "أعظم الله أجرك، وصبّرك") لأنه لائق بالحال، ولا يقول:(وغفر لميتك) لأن الاستغفار للكافر حرام.

(و) يعزى (الكافر) الذمي (بالمسلم: "غفر الله لميتك، وأحسن عزاءك") لما ذكرناه.

ولا يقال: (أعظم الله أجرك) إذ لا أجر له، ولم يذكر تعزيةَ الكافر بالكافر؛ لأنها غير مستحبة، بل هي جائزة، كما اقتضاه كلام "الروضة" و"أصلها".

وقضية كلام "التنبيه" وغيره: استحبابها، قالوا: وصيغتها: (أخلف الله

(1) أخرجه مسلم (970)، والترمذي (1052) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه الترمذي (1073)، وابن ماجه (1602) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ص: 463

وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْرُمُ النَّدْبُ بتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ، وَالنَّوْحُ، وَالْجَزَعُ بِضَرْبِ صَدْرهِ وَنَحْوِهِ. قُلْتُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ: يُبَادَرُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَوَصِيتِهِ. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ

===

عليك، ولا نقص عددك) لأن ذلك ينفع المسلمين في الدنيا بكثرة الجزية، وفي الآخرة بالفداء من النار، كما ورد في الحديث (1).

(ويجوز البكاء عليه) أي: على الميت (قبل الموت) بالإجماع (وبعده) للاتباع (2)، لكن قبله أولى، وقال ابن الصباغ: بعده مكروه، وقال الشيخ أبو حامد: ممنوع.

(ويحرم الندب بتعديد شمائله) مع البكاء؛ كقولهم: واكهفاه، واجبلاه، وإدخال (الباء) على التعديد ليس بجيد؛ لأن الندب هو تعديد الشمائل نفسُه، ولهذا عبرا في "الشرحين" و"الروضة" بقولهما: والندب هو تعديد الشمائل (3).

(والنوح) وهو: رفع الصوت بالندب (والجزع بضرب صدره ونحوه) كشق الجيب، ونشر الشعر، وتسويد الوجه؛ للنهي عن جميع ذلك (4).

(قلت: هذه مسائل منثورة: يبادر بقضاء دين الميت) مسارعة إلى فكاك نفسه، وقد صحح ابن حبان وغيره:"نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُتَعَلِّقَة بِدَيْنهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ"(5).

(ووصيته) مسارعة إلى وصول الثواب له، والبرّ للموصى له.

(ويكره تمني الموت لضر نزل به) في بدنه، أو ضيق دنياه؛ لصحة النهي عنه (6)،

(1) الشرح الكبير (2/ 459)، روضة الطالبين (2/ 145)، التنبيه (ص 37)، والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(26342) مرسلًا، وابن عساكر في "تاريخه"(55/ 208) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

أما البكاء قبل الموت .. فأخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وأما بعده .. فأخرجه مسلم (976) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

الشرح الكبير (2/ 460)، روضة الطالبين (2/ 145).

(4)

أخرجه البخاري (1294)، ومسلم (103) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(5)

صحيح ابن حبان (3061)، وأخرجه الحاكم (2/ 26)، والترمذي (1079)، وابن ماجه (2413) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

أخرجه البخاري (5671)، ومسلم (2680) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 464

لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ. وَيُسَنُّ التَّدَاوِي، وَيُكْرَهُ إِكْرَاهُهُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ لِأهْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ

===

(لا لفتنة دين) أي: فلا يكره حينئذ؛ كما في "الأذكار"، و"شرح المهذب"، وفي "فتاوي المصنف" غير المشهورة: أنه يستحب تمني الموت حينئذ، ونقله عن الشافعي وعمر بن عبد العزيز (1)، قال الأَذْرَعي: والظاهر: أن تمنيه بالشهادة في سبيل الله من القرب؛ كما صح عن عمر وغيره، ونقل عن معاذ: أنه تمناه في طاعون عَمَواس (2).

(ويسن التداوي) لحديث: "تَدَاوَوْا فَإِنَّ الله لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ له دَوَاءً" صححه ابن حبان والحاكم (3).

قال في "شرح المهذب": (فإن تركه توكلًا .. فهو فضيلة)(4)، ونقل القاضي عياض الإجماع على عدم وجوبه، لكن حكى المتولي وجهًا بأنه إذا كان به جرح يخاف منه التلف .. وجب عليه التداوي.

(ويكره إكراهه) أي: المريض (عليه) أي: على استعمال الدواء؛ للنهي عنه (5).

(ويجوز لأهل الميت ونحوهم) كأصدقائه (تقبيل وجهه) لأنه عليه السلام قبّل عثمانَ بن مظعون بعد موته، وقبّل الصديقُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (6)،

(1) الأذكار (ص 244)، المجموع (5/ 96).

(2)

فائدة: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يتمن نبي الموت غير يوسف صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: إنما تمنى الوفاة على الإِسلام لا الموت. اهـ هامش (أ)، أما تمني عمر رضي الله عنه الشهادة .. فأخرجه البخاري (1890)، وأما تمني معاذ الموت .. فأخرجه أحمد في "الزهد"(1011)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 239).

(3)

صحيح ابن حبان (6061)، المستدرك (1/ 121)، وأخرجه أبو داوود (3855)، والترمذي (2038)، والنسائي في "الكبرى"(7511)، وابن ماجه (3436) عن أسامة بن شريك رضي الله عنه.

(4)

المجموع (5/ 96).

(5)

أخرجه الترمذي (2040)، وابن ماجه (3444) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

(6)

أما تقبيل عثمان .. فأخرجه الترمذي (989)، وأبو داوود (3163) ، وابن ماجه (1456) عن عائشة رضي الله عنها، وأما تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم .. فأخرجه البخاري (4457) عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.

ص: 465

وَلَا بَأْسَ بِالإِعْلَامِ بِمَوْتهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِهِ إِلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ. وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ .. يُمِّمَ، وَيُغَسلُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِذَا مَاتَا .. غُسِّلَا غُسْلا فَقَطْ. وَلْيَكُنِ الْغَاسِلُ أَمِينًا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا .. ذَكَرَ، أَوْ

===

وقال الروياني: إنه يستحب، وقيل: يستحب للقريب دون غيره، قال السبكي: وينبغي أن يندب لأهله ونحوهم، ويجوز لغيرهم، وفي زوائد "الروضة" في أوائل النكاح: ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح (1)، فقيده بالصالح.

(ولا بأس بالإعلام بموته للصلاة) عليه (وغيرها) كالمُحالَلَة والدعاء (2)، بل في "شرح المهذب": أنه يستحب ذلك بالنداء ونحوه؛ لأنه عليه السلام نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج إلى المصلّى فصلّى (3).

(بخلاف نعي الجاهلية) وهو: النداء بذكر مفاخره ومآثره؛ فإنه يكره؛ للنهي عنه (4).

(ولا ينظر الغاسل من بدنه إلا قدر الحاجة من غير العورة) لأنه قد يكون فيه شيء يكره طلوع الناس عليه، وربما رأى سوادا ونحوه فيظنه عذابًا فيسيء به ظنًّا، فإن نظر .. كان مكروهًا، أما العورة .. فنظرها حرام.

(ومن تعذر غسله) لفقد الماء، أو احتراق، أو لَذْع، ولو غسل .. لتهرّى، أو خيف على الغاسل ولم يمكنه التحفظ ( .. يمم) قياسًا على الجنابة.

(ويغسل الجنب والحائض الميت بلا كراهة) لأنهما طاهران؛ كغيرهما (وإذا ماتا .. غسّلا غسلًا فقط) لأن الغسل الذي كان عليهما قد انقطع بالموت، (وليكن الغاسل أمينًا) لأن غيره لا يوثق به في تكميل الغسل وغيره من المشروع، وكذا مُعِين الغاسل.

(فإن رأى خيرًا .. ذكره) ليكون أدعى إلى كثرة المصلين عليه، والدعاء له، (أو

(1) روضة الطالبين (7/ 28).

(2)

في (ب): (كالتشييع والدعاء).

(3)

المجموع (5/ 170)، والحديث أخرجه البخاري (1245)، ومسلم (951) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه الترمذي (986)، وابن ماجه (1476) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

ص: 466

غَيْرَهُ .. حَرُمَ ذِكْرُهُ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ. وَلَوْ تنَازَعَ أَخَوَانِ أَوْ زَوْجَتَانِ .. أُقْرِعَ، وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ. ويُكْرَهُ الْكَفَنُ الْمُعَصْفَرُ، وَالْمُغَالَاةُ فِيهِ، وَالْمَغْسُولُ أَوْلَى مِنَ الْجَدِيدِ.

===

غيره .. حرم ذكره) لأنه غيبة، وقد ثبت الأمر بالكف عن مساوئ الموتى (1).

(إلا لمصلحة) بأن كان مبتدعًا يتظاهر ببدعته؛ فإن الغاسل يذكر ذلك؛ زجرًا للناس عنها، قال في "شرح المهذب": وينبغي اطراده في المتجاهر بالفسق والظلم (2)، قال الأذرعي: والوجه: أنه إن رأى أمارة خير من مبتدع .. أن يكتمها؛ لئلا يغوى بها، بل لا يبعد إيجاب الكتمان لا سيما في المظهر والداعي إليها؛ لئلا يحمل الناس على الإغواء بها، ويستحب: كتمانها من المجاهر بالفسق والظلم؛ لئلا يغتر بذكرها أمثاله. انتهى.

وحينئذ ينبغي أن يكون قول المصنف: (إلا لمصلحة) عائدًا للأمرين.

(ولو تنازع أخوان أو زوجتان) في الغسل ولا مرجح بينهما ( .. أقرع) قطعًا؛ للنزاع، (والكافر أحق بقريبه الكافر) في تجهيزه؛ لأنه وليّه.

(ويكره الكفن المعصفر) للمرأة، أما الرجل .. فيحرم عليه كحياته، كذا قاله المنكت وابن الملقن وغيرهما، وهو [معترض](3)، فإن المذهب: أنه يجوز للرجل لبس المعصفر دون المزعفر، وحينئذ يجوز تكفين الرجل في المعصفر ولكن مع الكراهة (4).

(والمغالاة فيه) للنهي عنه؛ كما رواه أبو داوود (5)، (والمغسول أولى من الجديد) لأن الصديق رضي الله عنه أوصى أن يكفن في ثوبه الخلق وزيادة ثوبين، وقال:(الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو للصديد) رواه البخاري (6).

(1) أخرجه ابن حبان (3020)، والحاكم (1/ 385)، وأبو داوود (4900)، والترمذي (1019) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

المجموع (5/ 143).

(3)

هنا في الأصل كلمة غير واضحة، وغير موجودة في باقي النسخ.

(4)

السراج (2/ 38)، عجالة المحتاج (1/ 450).

(5)

سنن أبي داوود (3154) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(6)

صحيح البخاري (1387) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 467

وَالصَّبِيُّ كَبَالِغٍ في تَكْفِينهِ بِأَثْوَابٍ. وَالْحَنُوطُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ: وَاجِب. وَلَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إِلَّا الرِّجَال وَإِنْ كَانَتْ أُنْثى، وَيَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ، وَهَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا. وَيُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا كَتَابُوتٍ. وَلَا يُكْرَهُ الركُوبُ في الرُّجُوعِ مِنْهَا. وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَيُكْرَهُ اللَّغْطُ في الْجِنَازَةِ

===

(والصبي كبالغ في تكفينه بأثواب) لأنه ذكر، فأشبه البالغ.

(والحنوط مستحب) وليس بواجب؛ كما لا يجب الطيب للمفلس وإن وجبت كسوتُه، (وقيل: واجب) لأنه المنقول من عهده عليه السلام وإلى زماننا.

(ولا يحمل الجنازة إلا الرجال وإن كانت أنثى) لضعف النساء عن العمل.

(ويحرم حملها على هيئة مزرية) كحملها في قُفَّة ونحوها، (وهيئة يخاف منها سقوطها) لأنه تعريض لإهانته.

(ويندب للمرأة ما يسترها؛ كتابوت) ويقال له: المِكَبَّة، وهو: ما يوضع على سرير المرأة ويُغطَّى بثوب؛ ليسترها، وأول من فُعل له ذلك زينبُ زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت قد رأته بالحبشة لَمَّا هاجرت، وأوصت به (1).

(ولا يكره الركوب في الرجوع منها) لفعله له عليه السلام؛ كما رواه مسلم (2).

وقضيته: أنه يكره في الذهاب معها، وهو كذلك إلا لمعذور؛ لبعد القبر، أو ضعف.

(ولا بأس باتباع المسلم جنازة قريبه الكافر) لأمره عليه السلام عليًّا أن يواري أبا طالب؛ كما رواه أبو داوود (3)، ولا يكره، خلافًا للروياني (4)، ولا يحرم زيارة قبره على الأصحِّ في "شرح المهذب"(5).

(ويكره اللغط) وهو رفع الأصوات (في الجنازة) لكراهة الصحابة له؛ كما رواه البيهقي (6)، ولا يرفع صوته بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما، بل يشتغل بالتفكر في الموت

(1) أخرجه الحاكم (4/ 24) عن محمَّد بن إبراهيم التيمي رحمه الله تعالى.

(2)

صحيح مسلم (965) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه.

(3)

سنن أبي داوود (3214)، وأخرجه النسائي (4/ 79) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(4)

بحر المذهب (3/ 347).

(5)

المجموع (5/ 120).

(6)

سنن البيهقي (4/ 74)، وأخرجه ابن أبي شيبة (11313) عن قَيْس بن عُبَاد رحمه الله تعالى.

ص: 468

وَإِتْبَاعُهَا بِنَارٍ. وَلَوِ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ .. وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَالصَّلَاةُ، فَإِنْ شَاءَ .. صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ بِقَصْدِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الأَفْضَلُ وَالْمَنْصُوصُ، أَوْ عَلَى واحدٍ فَوَاحِدٍ نَاوِيًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَيَقُولُ:(اللهُمَّ؛ اغْفِرْ لَهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا). وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ: تقدُّمُ غُسْلِهِ -وَتكرَهُ قَبْلَ تَكْفِينهِ-

===

وما يتعلق به، وما يفعله جهلة القراء من القراءة بالتمطيط وغيره .. فحرام يجب إنكاره، قاله في "شرح المهذب"(1).

(وإتْباعُها بنار) بنحو مِجْمَرة فيها بَخُور بالإجماع؛ كما ذكره ابن المنذر؛ لما فيه من التفاؤل القبيح (2).

(ولو اختلط مسلمون) أو مسلم (بكفار .. وجب غسل الجميع والصلاة) لأن غسل المسلم واجب، وهو لا يتحقق إلا بذلك.

(فإن شاء .. صلّى على الجميع) صلاة واحدة (بقصد المسلمين، وهو الأفضل والمنصوص) لأنه ليس فيها صلاة على كافر حقيقة، والنية جازمة، (أو على واحد فواحد ناويًا الصلاة عليه إن كان مسلمًا، ويقول: "اللهم؛ اغفر له إن كان مسلمًا") ويعذر في تردد النية؛ للضرورة؛ كمن نسي صلاةً من الخمس، ويدفنون بين مقابر المسلمين والكفار.

ولو اختلط الشهداء بغيرهم من المسلمين .. تخير بين الجمع والإفراد، وإذا صلّى على واحد .. لم يقل:"اللهم؛ اغفر له إن كان غير شهيد"، بل يطلق، قاله البُلْقِيني، وهو ظاهر.

(ويشترط لصحة الصلاة: تقدم غسله) أو تيممه بشرطه؛ لأنه المنقول، ولأنه كالإمام.

(وتكره قبل تكفينه) كذا قاله في "زيادة الروضة"(3)، واستشكل؛ لأن المَعنيين

(1) المجموع (5/ 283)، وانظر "الأذكار"(ص 275 - 276).

(2)

الإجماع (ص 51).

(3)

روضة الطالبين (2/ 129).

ص: 469

فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ وَتَعَذَّرَ إِخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ .. لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. ويُشْتَرَطُ أَلَّا يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ، وَلَا الْقَبْرِ عَلَى الْمَذْهَب فِيهِمَا. وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ في الْمَسْجِدِ، وَيُسَنُّ جَعْلُ صُفُوفهِمْ ثَلَاثة فَأَكْثَرَ. وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ فَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ .. صلَّى،

===

السابقين موجودان فيه، فالقول بأن الغسل شرط دون التكفين .. يحتاج إلى دليل.

(فلو مات بهدم ونحوه وتعذر إخراجه وغسله .. لم يصل عليه) لفوات الشرط.

(ويشترط ألا يتقدم على الجنازة الحاضرة، ولا القبر على المذهب فيهما) لما جرى عليه الأولون؛ كما في الإِمام، والثاني: يجوز المتقدم عليها؛ لأن الميت ليس بإمام متبوع حتى يتعين تقديمه.

واحترز بـ (الحاضرة): عن الغائبة التي هي وراء المصلّي؛ فإنه يجوز.

(وتجوز الصلاة عليه في المسجد) لأنه عليه السلام صلّى على ابني بيضاء سهيل وأخيه في المسجد؛ كما رواه مسلم (1).

بل الصلاة عليه في المسجد أفضل؛ كما قاله في "زيادة الروضة"، قال: وحديث: "مَنْ صلَّى عَلَى جِنَازَةٍ في الْمَسْجِدِ .. فَلَا شَيْءَ لَهُ" .. ضعيفٌ (2).

نعم؛ إن خيف منه تلويث المسجد .. فلا يجوز.

(ويسن جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر) لحديث: "مَنْ صلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثة صُفُوفٍ .. فَقَدْ أَوْجَبَ" أي: حصلت له المغفرةُ، صححه الحاكم، وفي رواية:"فَقَدْ غُفِرَ لَهُ"(3).

(وإذا صُلّي عليه فحضر من لم يصلّ .. صلّى) لأنه عليه السلام صلّى على قبور جماعة، ومعلوم أنهم إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم (4).

(1) صحيح مسلم (973) عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

روضة الطالبين (2/ 131)، والحديث أخرجه أبو داوود (3191)، وابن ماجه (1517)، وأحمد (2/ 444) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أما الرواية الأولى .. فأخرجها الحاكم (1/ 362)، وأبو داوود (3166)، والترمذي (1028)، وابن ماجه (1490)، وأما الثانية .. فأخرجها أحمد (4/ 79) عن مالك بن هُبَيْرة رضي الله عنه.

(4)

من ذلك حديث البخاري (1247)، ومسلم (954) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنهم دفنوا إنسانًا ليلًا، فلما أصبح أخبروه صلى الله عليه وسلم فأتى قبره فصلى عليه.

ص: 470

وَمَنْ صَلَّى .. لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا تُؤَخَّرُ لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ. وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ في الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ. وَلَوْ نَوَى الإِمَامُ صَلَاةَ غَائِبٍ، وَالْمَأْمُومُ صَلَاةَ حَاضِرٍ، أَوْ عَكَسَ .. جَازَ. وَالدَّفْنُ في الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ، وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا

===

(ومن صلّى .. لا يعيد على الصحيح) أي: لا تستحب له الإعادة وإن صلّى منفردًا؛ لأن صلاة الجنازة لا يتنفل بها، والثاني: تستحب الإعادة؛ كغيرها، والثالث: إن صلّى منفردًا ثم وجد جماعةً .. استحبت الإعادة معهم؛ لحيازة فضيلتها، وإلا .. فلا، وقيل: تحرم الإعادة، وإذا قلنا بالصحيح فأعادها .. صحت نفلًا على الصحيح في "شرح المهذب"(1)، وقيل: فرضًا.

وفائدة الخلاف: جواز الخروج منها، وفيه احتمال لوالد الروياني (2).

(ولا تؤخر لزيادة مصلين) للأمر بإسراع الجنازة (3).

نعم؛ لا بأس بانتظار وليها إن لم يُخش تغيرُها.

(وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلاة) لحديث: "الصَّلَاةُ وَاجِبَة عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ" رواه البيهقي، وقال: هو أصحُّ ما في الباب، إلا أن فيه إرسالًا (4)، والمرسل حجة إذا اعتضد بأحد أمور؛ منها: قول أكثر أهل العلم، وهو موجود هنا.

(ولو نوى الإِمام صلاة غائب والمأموم صلاة حاضر، أو عكس .. جاز) لأن اختلاف نيتهما لا يضر؛ كما لو صلى الظهر وراء مصلّي العصر.

(والدفن في المقبرة أفضل) لكثرة الدعاء له بتكرر الزائرين والمارّين، وفي "فتاوى القفال": إن الدفن في البيت مكروه.

(ويكره المبيت بها) لما فيها من الوحشة.

(1) المجموع (5/ 203).

(2)

بحر المذهب (3/ 368).

(3)

أخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

سنن البيهقي (3/ 121)، معرفة السنن والآثار (4/ 214) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 471

وَيُنْدَبُ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا، وَأَنْ يَقُولَ: (بِاسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَا يُفْرَشُ تَحْته شَيْءٌ وَلَا مِخَدَّةٌ. وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ في تَابُوب إِلَّا في أَرْضٍ نَدِيَّةٍ أَوْ رِخْوَةٍ. وَيَجُوزُ الدَّفْنُ لَيْلًا، وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ، وَغَيْرُهُمَا أَفْضلُ

===

(ويندب ستر القبر بثوب) عند إدخال الميت؛ لأنه أستر، لما عساه أن ينكشف مما كان يُحبّ سترَه، (وإن كان الميت رجلًا)(1) لما ذكرناه، (وأن يقول) الذي يُدخله القبر:("باسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم") للاتباع؛ كما صححه ابن حبان والحاكم (2).

(ولا يفرش تحته شيء ولا مخدة) بل يكره؛ لأن فيه إضاعةَ مال.

(ويكره دفنه في تابوت) بالإجماع؛ لأنه بدعة (إلا في أرض ندية أو رخوة) فلا يكره، وتنفذ وصيته به في هذه الحالة؛ للمصلحة، ويكون التابوت من رأس المال، كذا جزما به (3).

وفي "فتاوى القفال": أنه إذا أوصى بأن تجعل على رأسه عمامة، ويجعل في تابوت، ويوضع تحت رأسه فراش ووسادة .. أن كلّ ذلك يعتبر من الثلث.

(ويجوز الدفن ليلًا) لأن عائشة وفاطمة والخلفاء الراشدين ما عدا عليّا رضي الله عنهم دفنوا ليلًا، وقد فعله عليه السلام؛ كما صححه الحاكم (4).

(ووقتَ كراهة الصلاة إذا لم يتحره) لأن له سببًا متقدمًا أو مقارنًا، وهو الموت، وحديث عقبة بن عامر في النهي عن ذلك محمول على التحري في تلك الأوقات (5)، وهو أن يقصد التأخير لها مع التمكن منه قبلها أو بعدها، (وغيرهما أفضل) أي:

(1) لفظة (الميت) في (ب) و (د) من الشرح.

(2)

صحيح ابن حبان (3109)، المستدرك (1/ 520 - 521)، وأخرجه أبو داوود (3213)، والترمذي (1046)، وابن ماجه (1550) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

الشرح الكبير (2/ 451)، روضة الطالبين (2/ 135).

(4)

المستدرك (1/ 368) عن جابر بن عبد الله وأبي ذر رضي الله عنهم، ودَفنُ علي رضي الله عنه فاطمةَ بنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلًا مشهور، وهو في "البخاري"(4241)، و"مسلم"(1759) عن عائشة رضي الله عنها.

(5)

أخرجه مسلم (831).

ص: 472

وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ، وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بُنِيَ في مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ .. هُدِمَ. ويُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ، وَيُوضَعَ عَلَيْهِ حَصَىً، وَعِنْدَ رَأْسِهِ حَجَر أَوْ خَشَبَةٌ، وَجَمْعُ الأَقَارِبِ في مَوْضِعٍ،

===

الدفن في غير هذين الوقتين أفضلُ، بشرط: ألا يخاف من تأخيره بالليل إلى النهار ومن وقت الكراهة إلى غيرها تغيرا.

(ويكره تجصيص القبر) أي: تبييضه (والبناء) عليه (والكتابة عليه) للنهي عن ذلك، ولا بأس بتطيين القبر، نص عليه (1).

(ولو بني في مقبرة مسبلة .. هدم)(2) لما فيه من التضييق على الناس، قال الشافعي: وإن كان البناء في ملكه، فإن لم يكن محظورًا .. لم يكن مختارًا.

وبناء القبور بالآجرّ ونحوه مكروه أيضًا؛ كما اقتضاه كلام الحضرمي شارح "التنبيه".

(ويندب أن يرش القبر بماء) للاتباع (3)؛ حفظا للتراب أن ينهار، وتفاؤلًا بتبريد المضجع.

وخرج بالماء: ماء الورد فإنه يكره؛ لأنه إضاعة مال، ويكره أيضًا: أن يطلى بالخَلوق.

(ويوضع عليه حصىً، وعند رأسه حجر أو خشبة) للاتباع (4).

(وجمع الأقارب في موضع) لأنه أسهل على الزائر.

(1) أما التجصيص والبناء .. ففي حديث مسلم (970)، وأما الكتابة .. ففي "المستدرك"(1/ 370)، و"سنن الترمذي"(1052)، و"سنن ابن ماجه"(1563) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ونص الشافعي رحمه الله تعالى نقله الترمذي عنه في "سننه"(1052).

(2)

نقل عن ابن الجُمَّيْزي والظهير التَّزْمَتي: أنهما أفتيا بهدم ما في القرافة من البناء، ومن الطرف: ما حكاه ابن عبد الحكم في "تاريخ مصر": أن عمرو بن العاص أعطاه المقوقس في القرافة مالًا جزيلًا، وذكر له: أنا نجد في الكتاب الأول أنها تربة الجنة، فكاتب عمر بن الخطاب في ذلك، فكتب إليه: لا أعرف تربة الجنة إلا لأجساد المؤمنين، فاجعلها لموتاهم، أو كما قال. اهـ هامش (أ).

(3)

أخرجه الشافعي في "مسنده"(ص 461) مرسلًا، وأبو داوود في "المراسيل"(414)، وانظر "التلخيص الحبير"(3/ 1239).

(4)

أخرجه أبو داوود (3206) عن المطلب بن عبد الله رحمه الله تعالى.

ص: 473

وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ، وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ: تَحْرُمُ، وَقِيلَ: تُباحُ، ويُسَلِّمُ الزائِرُ وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو. وَيَحْرُمُ نَقْلُ الْمَيِّتِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ -وَقِيلَ: يُكْرَهُ- إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَصَّ عَلَيْهِ.

===

(وزيارة القبور للرجال) بالإجماع، كما نقله في "شرح المهذب"(1)، ويستحب الوضوء لزيارة القبور، كما قاله القاضي الحسين في "شرح الفروع"، (وتكره للنساء) لأنها مظنة لطلب بكائهن، ورفع أصواتهن، لما فيهن من رقة القلوب، وكثرة الجزع، وقلة احتمال المصائب.

ويستثنى: زيارة قبره صلى الله عليه وسلم على ما دلّ عليه كلامهم في الحج حيث قالوا: يستحب لكل من حج: أن يزور قبره صلى الله عليه وسلم، وألحق الدَّمَنْهُوري به قبور الأنبياء، والشهداء، والصالحين.

(وقيل: تحرم) لحديث: "لَعَنَ الله زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ" صححه الترمذي (2)، (وقيل: تباح) إذا لم يخش محذورًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مرّ بامرأة عند قبر تبكي على صبي، فقال لها:"اِتَّقِي الله وَاصْبِرِي"(3)، فلو كانت الزيارة حراما .. لنهاها عنها.

(ويسلّم الزائر) للاتباع (4)، (ويقرأ ويدعو) له عقب القراءة، رجاءَ الإجابة، ويكون الميت كالحاضر ترجى له الرحمة والبركة.

(ويحرم نقل الميت) قبل دفنه من بلد (إلى بلد آخر) لأن فيه تأخير دفنه، وتعريضًا لهتك حرمته، ولو أوصى بنقله .. لم تنفذ وصيته، (وقيل: يكره) إذ لم يرد على تحريمه دليل.

(إلا أن يكون بقرب مكة أوالمدينة أو بيت المقدس) أي: فإنه ينقل إليها؛ لفضلها (نصّ عليه) وهذا ظاهر إن لم يوجب النقلُ تغيرًا.

(1) المجموع (5/ 275).

(2)

سنن الترمذي (1056)، وأخرجه ابن ماجه (1576) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(4)

أخرجه مسلم (249) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 474

وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ إِلَّا لِضَرُورَةٍ؛ بِأَنْ دُفِنَ بلَا غُسْلٍ، أَوْ في أَرْضٍ أَوْ ثَوبٍ مَغْصُوبَيْنِ، أَوْ وَقَعَ فِيهِ مالٌ، أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، لَا لِلَتكفِينِ في الأَصَحِّ

===

ولو كان بقرب قرية أهلها صالحون .. فلا يبعد أن يلتحق بالأماكن الثلاثة، قاله المحب الطبري، وقال أيضًا: إنه لو أوصى بنقله من بلد موته إلى الأماكن الثلاثة .. لزم تنفيذُ وصيته، وعزاه إلى بعض أصحابنا باليمن، قال الأَذْرَعي: وليكن الفرض عند القرب وأمن التغير، لا مطلقًا.

(ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام) لأن فيه هتكًا لحرمة الميت (إلا لضرورة بأن دفن بلا غسل) ولا تيمم بشرطه؛ لأنه واجب فاستدرك عند فوته، ومحله: ما لم يتغير، قال الماوردي: بالنتن، وقال القاضي أبو الطيب: بالتقطع.

(أو في أرض أو ثوب مغصوبين) ليصل المستحق إلى حقه، والكفن الحرير كالمغصوب، قال في "زيادة الروضة": وفيه نظر، وينبغي القطع فيه بعدم النبش (1).

(أو وقع فيه) أي: في القبر (مال) وإن قلّ؛ لأن تركه إضاعةُ مالك، (أو دفن لغير القبلة) استدراكا للواجب؛ إذ التوجيه للقبلة واجب على الأصحِّ، ومحله: ما لم يتغير، فإن تغير .. لم ينبش.

(لا للتكفين في الأصح) لأن غرض التكفين الستر، وقد حصل بالتراب مع ما في النبش من الهتك، والثاني: ينبش؛ كالغسل بجامع الوجوب.

وينبش أيضًا في صور: منها: أن يبتلع في حياته مالًا لغيره، ثم مات، وطلب صاحبه الرد .. شقّ جوفه ورد، قال في "العدة": إلا أن يضمن الورثةُ مثلَه أو قيمته، فلا ينبش على الأصحِّ، قاله في "أصل الروضة"، وقال في "شرح المهذب": ما في "العدة" غريب، والمشهور: إطلاق الشق من غير تفصيل، ولو بلع مالك نفسه ومات .. لم يخرج على الأصح في "زيادة الروضة"(2)، ومنها: لو دفنت المرأة وفي بطنها جنين ترجى حياتُه .. نبشت وشقّ جوفها، ومنها: لو قال: إن ولدت ذكرًا .. فأنت طالق طلقة، أو أنثى .. فطلقتين، فولدت ميتا ودفن وجهل حاله، فالأصحُّ من

(1) روضة الطالبين (2/ 140)

(2)

روضة الطالبين (2/ 140)، المجموع (5/ 263).

ص: 475

وَيُسَنُّ أَنْ تَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ، وَلِجِيرَانِ أَهْلِهِ تهيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ في الأَكْلِ، وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

"زوائد الروضة" في الطلاق: نبشه (1)، ومنها: أن يلحقه سيل أو نداوة، فينبش لينقل على الأصحِّ في "شرح المهذب"(2).

(ويسن أن تقف جماعة بعد دفنه عند قبره ساعة يسألون له التثبيت)(3) لأنه عليه السلام كان إذا فرغِ من دفن الميت .. وقف عليه وقال: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ؛ فَإِنَّهُ الآن يُسْأَل" رواه أبو داوود، وقال الحاكم: إنه صحيح الإسناد (4).

ويستحب تلقين الميت عند دفنه، لحديث ورد فيه (5)، قال في "الروضة": والحديث وإن كان ضعيفًا لكنه اعتضد بشواهد من الأحاديث "الصحيحة" ولم يزل أهل الشام على العمل به من العصر الأول، وفيهم من يقتدى به، ولا يلقن الطفل ونحوه (6).

(ولجيران أهله) ولأقاربه الأباعد (تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم) لقوله عليه السلام لَمَّا جاء قتل جعفر: "اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرَ طَعَامًا، فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ" صححه الحاكم (7)، ولو كان الميت في بلد آخر .. فالمخاطَب جيرانُ أهله؛ كما دلّ عليه كلامه.

(ويلح عليهم في الأكل) استحبابًا؛ لأنه ربما تركوه استحياء، أو لفرط الجزع.

(ويحرم تهيئته للنائحات، والله أعلم) لأنه إعانة على معصية، وأما إصلاح أهل الميت طعامًا، وجمع الناس عليه .. فهو بدعة غير مستحبة.

* * *

(1) روضة الطالبين (8/ 151).

(2)

المجموع (5/ 266).

(3)

في (د): (يسألون الله له التثبيت).

(4)

المستدرك (1/ 370)، سنن أبي داوود (3221) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(5)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(8/ 249) عن أبي أمامة رضي الله عنه.

(6)

في "فتاوى الحناطي": أن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم يحاسبون بأعمالهم يوم القيامة. اهـ هامش (أ)، وانظر "روضة الطالبين"(2/ 138).

(7)

المستدرك (1/ 372)، وأخرجه أبو داوود (3132)، والترمذي (998)، وابن ماجه (1610) عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما.

ص: 476