الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الأَصَحِّ.
فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]
وَيَبيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ .. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،
===
(وإن علموا بعده .. وجب القضاءُ في الأصح) أي: قضاء هذه الحجة في عام آخر، بخلاف الغلط في التأخير؛ لأن تأخير العبادة عن الوقت أقربُ إلى الاحتساب من تقديمها عليه، وأيضًا الغلط بالتقديم يمكن الاحترازُ عنه؛ فإنه إنما يقع لغلط في الحساب، أو لخلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال، والغلطُ بالتأخير قد يكون بالغيم المانع من الرؤية، ومثل ذلك لا يمكن الاحترازُ عنه، والثاني: لا قضاء؛ كالغلط بالتأخير.
* * *
(فصل: ويبينون بمزدلفة) للاتباع؛ كما رواه مسلم (1)، وهو واجب وليس بركن على الأصح فيهما، واختار السبكي أنه ركن، والمراد بالمبيت: المكث بها وإن لم ينم، ويحصل ذلك بساعة من النصف الثاني؛ كما نصّ عليه في "الأم"، ورجحه المصنف في كتبه، وفي قول: أنه لا بدّ من معظم الليل، وقال الرافعي: إنه الأظهر في الكلام على مبيت منى (2).
ويستحب: الإكثار في هذه الليلة من التلاوة والذكر والدعاء والصلاة.
(ومن دفع منها بعد نصف الليل أو قبله) بعذر أو غيره (وعاد قبل الفجر .. فلا شيء عليه) أما في الحالة الأولى .. فلأن سودة وأم سلمة أفاضتا في النصف الأخير بإذنه صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهما ولا من كان معهما بالدم (3)، وأما في
(1) صحيح مسلم (1280) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(2)
الأم (3/ 549)، روضة الطالبين (3/ 99)، الشرح الكبير (3/ 431).
(3)
أما حديث سودة رضي الله عنها .. فأخرجه البخاري (1681)، ومسلم (1290) عن عائشة رضي الله عنها، وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها .. فأخرجه أبو داوود (1942) عن عائشة رضي الله عنها.
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي .. أَرَاقَ دَمًا، وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ. وَيُسَنُّ تقدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى مِنىً، وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ إِلَى مِنىً
===
الثانية .. فكما لو دفع من عرفة قبل الغروب ثم عاد إليها قبل الفجر.
(ومن لم يكن بها في النصف الثاني .. أراق دمًا) سواء أكان بها في النصف الأول أم لا.
(وفي وجوبه القولان) المتقدمان في الفصل قبله فيما إذا فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد؛ كذا قاله الرافعي، ومقتضاه: الاستحباب، لكن رجح المصنف فيما عدا "المنهاج" من كتبه الوجوب (1)، وقال السبكي: إنه المنصوص والصحيح من جهة المذهب.
ومحل القولين: عند عدم العذر، أما المعذور بما سيأتي في مبيت منىً .. فلا دم عليه.
ومن المعذورين: مَنْ انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن مزدلفة .. فلا شيء عليه، وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون.
ولو أفاض من عرفة إلى مكة، وطاف للإفاضة بعد نصف الليل، وفات المبيت لذلك .. فعن القفال وصاحب "التقريب": أنه لا يلزمه شيء؛ تنزيلًا لاشتغاله بالطواف منزلةَ اشتغاله بالوقوف، وفيه احتمال للإمام؛ لعدم الضرورة إلى ذلك، قال ابن الملقن: وفي معناهم: المرأة تخاف أن تحيض، وهو متجه (2).
(ويسن تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منىً) ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس؛ لقول ابن عباس: (أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) متفق عليه (3).
(ويبقى غيرُهم حتى يصلّوا الصبح مُغَلِّسين، ثم يدفعون إلى منىً) للاتباع (4).
(1) الشرح الكبير (3/ 422)، روضة الطالبين (3/ 99)، المجموع (8/ 122).
(2)
عجالة المحتاج (2/ 618)، نهاية المطلب (4/ 317).
(3)
صحيح البخاري (1678)، صحيح مسلم (1293).
(4)
أخرجه البخاري (1682)، ومسلم (1289) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ويأْخُذُونَ مِن مُزْدَلِفة حَصَى الرَّمْيِ،
===
والتغليس هنا أشد استحبابًا من سائر الأيام، وينبغي الحرص على صلاة الصبح هناك؛ للخروج من الخلاف، فقد قال ابن حزم: فرض على الرجال أن يصلوا الصبح مع الإمام الذي يقيم الحجّ بمزدلفة، قال: ومن لم يفعل ذلك .. فلا حجّ له (1).
(ويأخذون من مزدلفة حصى الرمي) لأن بها جبلًا في أحجاره رَخاوة، وفي "صحيح مسلم": أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مُحسِّرًا .. قال: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ"(2)، وهذا يدلّ على الأخذ من وادي مُحسِّر، وهو أول منىً.
وقضية كلامه: أخذ جميع ما يرمي به في الحجّ، وهو سبعون حصاة، وهو وجه جزم به في "التنبيه"، وأقرّه في "التصحيح"، وجرى عليه في منسكه المسمى بـ "الإيضاح"(3)، لكن الأصح: استحباب الأخذ ليوم النحر خاصة، ونقله الرافعي عن الأكثرين، وقال في "شرح المهذب": إنه المشهور، والمنصوص في "الأم"، و"البويطي"، وبه أجاب الجمهور، قال: والأحوط: أن يزيد عليها، فربما سقط بعضها، قال الجمهور: ويأخذ الحصى ليلًا قبل أن يصلي الصبحَ، وقال البغوي: يؤخر أخذَها عن الصلاة، قال في "المهمات": وهو الصواب نقلًا ودليلًا؛ فقد رأيته منصوصًا عليه في "الأم"، و"الإملاء"(4).
ولو أخذ الحصى من غير مزدلفة .. جاز، لكن يكره من المسجد؛ لأنه فرشه، ومن الحُشِّ؛ لغلبة نجاسته، ومن المرمى؛ لما قيل:"إِنَّ مَنْ تُقُبِّلَ حَجُّهُ .. رُفِعَ حَجَرُهُ، وَمَا تَبَقَّى فَهُوَ مَرْدُودٌ"(5). كذا في "الشرح"، و"الروضة"، وزاد في
(1) المحلّى (7/ 130).
(2)
أخرجه مسلم (1282) عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما.
(3)
التنبيه (ص 55)، الإيضاح (ص 302).
(4)
المجموع (8/ 123 - 124)، المهمات (4/ 362).
(5)
أخرجه الحاكم (1/ 476)، والدارقطني (2/ 300)، والبيهقي (5/ 128) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ .. وَقَفُوا وَدَعَوْا إِلَى الإِسْفَارِ، ثُمَّ يَسِيرُونَ فَيَصِلُونَ مِنىً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ حِينَئِذٍ سَبع حَصَيَاتٍ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ،
===
"شرح المهذب": أنه يكره أخذه من الحلّ أيضًا (1).
وما ذكراه في كراهة أخذ حصى المسجد خالفه في "شرح المهذب" في (باب الغسل) فجزم بتحريم إخراج الحصى من المسجد، وهو الظاهر (2).
(فإذا بلغوا المشعر الحرامَ) وهو جبل صغير آخرَ مزدلفة، اسمه: قزح بضم القاف، وقيل: هو جميع مزدلفة، ( .. وقفوا ودعوا إلى الإسفار) لقوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} ، وليكثر من الدعاء والعتق والتقرب إلى الله تعالى، ذكره صاحب "الخصال"، قال: ويقول (هذا جمع، وأسألك أن ترزقني جوامعَ الخير كلّه إنك على كلّ شيء قدير، وأسألك الخير كلّه عاجله وآجله، اللهم، إن هذا المشعر الحرام فأغنني وأوسع علي من رزقك الحلال).
وهذا الوقوف مستحب، ولو وقف في موضع آخر من مزدلفة .. تأدى أصلُ السنة، وكذلك لو مرّ ولم يقف؛ كما حكاه في "شرح المهذب" عن القاضي الحسين (3).
(ثم يسيرون) بسكينة ووقار، وشعارهم التلبية والذكر، فإذا وجدوا فرجة .. أسرعوا، فإذا بلغوا وادي مُحسِّر -وهو مسيل ماء فاصل بين مزدلفة ومنى- .. أسرع الماشي، وحرك الراكبُ دابتَه حتى يقطعوا عرض الوادي؛ للاتباع (4).
وسببه: أن النصارى كانت تقف فيه، فأمرنا بمخالفتهم، ويُسمَّى وادي النار أيضًا، يقال: إن رجلًا صاد فيه صيدًا، فنزلت عليه نار فأحرقته.
(فيَصِلون منىً بعد طلوع الشمس، فيرمي كلّ شخص حينئذ سبع حصيات إلى جمرة العقبة) للاتباع؛ كما رواه مسلم (5)، وهو تحية منىً، ولا يبدأ فيها بغيره.
(1) الشرح الكبير (3/ 422)، روضة الطالبين (3/ 99)، المجموع (8/ 124).
(2)
المجموع (2/ 206).
(3)
المجموع (8/ 126 - 127).
(4)
أخرجه مسلم (1218) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
صحيح مسلم (1296) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ،
===
وقوله: (حينئذ) أي: حين وصوله، ولا يعرج على شيء قبل ذلك، ولا ينزل الراكب حتى يرمي.
والسنة: أن يجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ويستقبل الجمرة، ثم يرمي؛ كذا صححه المصنف، وجزم الرافعي بأنه يستقبل الجمرةَ أيضًا، ولكن يستدبر الكعبة هذا في رمي يوم النحر، أما في أيام التشريق .. فقد اتفقا على استقبال الكعبة؛ كما في بقية الجمرات (1).
قال ابن الملقن: ويحسن إذا وصل منى أن يقول ما روي عن بعض السلف: (اللهم؛ هذه منى قد أتيتها وأنا عبدك وابن عبدك، أسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أوليائك، اللهم؛ إني أعوذ بك من الحرمان والمصيبة في ديني يا أرحم الراحمين)، قال: وروي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم أنهما لما رميا جمرة العقبة قالا: (اللهم؛ اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا)(2).
(ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي) لأنه عليه السلام لم يزل ملبيًّا حتى رماها، متفق عليه من حديث الفضل بن عباس (3).
والمعنى فيه: أنها شعار الإحرام، وبالرمي أَخَذَ في التحلل والانصراف، هذا إذا جعله أولَ أسباب التحلل؛ كما هو الأفضل، أما إذا قدّم الطواف، أو الحلق عليه .. قطع التلبية من حينئذ؛ لأخذه في أسباب التحلل، والمعتمر يقطع التلبية إذا افتتح الطواف؛ لأنه من أسباب تحللها.
(ويكبر مع كلّ حصاة) للاتباع؛ كما رواه مسلم (4)، وكيفيته: أن يقول: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد)، كذا نقله الماوردي عن الشافعي (5).
(1) الشرح الكبير (3/ 442)، روضة الطالبين (3/ 110).
(2)
عجالة المحتاج (2/ 621).
(3)
صحيح البخاري (1544)، صحيح مسلم (1281).
(4)
صحيح مسلم (1218) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
الحاوي الكبير (5/ 248).
ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ
===
(ثم يذبح من معه هدي، ثم يَحلق أو يُقصّر) لثبوت هذا الترتيب في "مسلم" من رواية جابر وغيره (1).
(والحلق أفضل) من التقصير بالإجماع؛ اقتداء به صلى الله عليه وسلم (2).
ويندب: أن يبدأ بالشق الأيمن، فيستوعبه بالحلق، ثم يحلق الشقّ الأيسر، وأن يستقبل المحلوق القبلة، وأن يكبر عند فراغه، وأن يدفن شعره، قال في "الإملاء": واستحباب الدفن في الشعر الحسن آكدُ؛ لئلا يؤخذ للوصل، وأن يستوعب الحلق، أو التقصير، قال القاضي الحسين: وأن يأخذ من شاربه.
قال في "الخصال": وأن يكون الحلق بعد كمال الرمي، وألّا يشارط عليه، وأن يبلغ بالحلق إلى العظمين من الأصداغ، وأن يأخذ شيئًا من ظفره عند فراغه، وأن يقول عند فراغه: (اللهم؛ آتني بكلّ شعرةٍ حسنةً، وامح عني بها سيئةً، وارفع لي بها درجةً، واغفر لي وللمحلقين وللمقصرين ولجميع المسلمين، وأن يتطيب، ويلبس. انتهى.
وقضية إطلاق الكتاب: أنه لا فرق في ذلك بين الحاجّ والمعتمر، وهو ظاهر إطلاق الشافعي في "المختصر" وغيره، وإطلاق الأصحاب، لكن في "شرح مسلم": أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة، ويحلق في الحجّ؛ لأنه أكملُ العبادتين (3).
(وتُقصّر المرأة) ولا تؤمر بالحلق إجماعًا، بل يكره لها الحلقُ على الأصحِّ في "شرح المهذب"(4)، وقيل: يحرم؛ لأنه مُثلة وتشبّهٌ بالرجال، ويندب لها أن تقصر قدر أنملة من جميع جوانب رأسها، كذا قاله الشافعي، وجرى عليه الأصحاب، وخالف الماوردي فقال: لا تقطع من ذوائبها؛ لأن ذلك يشينها، لكن ترفع الذوائب
(1) صحيح مسلم (1218).
(2)
أخرجه مسلم (1305/ 326) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
مختصر المزني (ص 68)، شرح صحيح مسلم (8/ 231).
(4)
المجموع (8/ 150).
وَالْحَلْقُ نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَقَلُّهُ: ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ، حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إِحْرَاقًا أَوْ قَصًّا،
===
وتأخذ من تحتها، كذا نقله في "شرح المهذب" وأقرّه (1)، والخنثى في ذلك كالأنثى.
(والحلق) والتقصير (نُسُك على المشهور) فيثاب عليه؛ لأن الحلق أفضلُ من التقصير؛ كما مرّ، والتفضيل إنما يقع في العبادات دون المباحات، وروى ابن حبان في "صحيحه": أنه صلى الله عليه وسلم -قال: "لِكُلِّ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَقَطَتْ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(2)، وعلى هذا: هو ركن كما سيأتي، وقيل: واجب، والثاني: أنه استباحة محظور لا ثواب فيه؛ لأنه محرم في الإحرام، فلم يكن نسكًا؛ كلبس المخيط.
(وأقله: ثلاث شعرات) لأنه قام الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب؛ كما نقله في "شرح المهذب"(3)، فاكتفينا في الوجوب بمُسمّى الجمع، ولو لم يكن هناك إلا شعرة أو ثنتان .. وجب إزالتُهما، ذكره صاحب "البيان"(4).
وقضية إطلاق "الكتاب": أنه لا فرق في الشعرات بين أن يأخذها دفعةً، أو في دفعات، وهو المذهب في "شرح المهذب"، وجزم به في "المناسك"، لكن كلام "الروضة" و"أصلها" يقتضي تصحيح أنه لا يكفي أخذُها متفرقةً؛ فإنه بناه على تكميل الفدية بذلك لو كان محظورًا، والمذهب: عدم التكميل، بل يجب ثلاثة أمداد (5).
(حلقًا، أو تقصيرًا، أو نتفًا، أو إحراقًا، أو قصًّا) أو أخذه بِنُورة؛ لأن المقصود الإزالة، وكلّ من هذه الأشياء طريقٌ إليها.
(1) المجموع (8/ 151).
(2)
صحيح ابن حبان (1887) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
المجموع (8/ 148).
(4)
البيان (4/ 340).
(5)
المجموع (8/ 150)، الإيضاح (ص 344)، روضة الطالبين (3/ 101)، الشرح الكبير (3/ 426).
وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ .. اسْتُحِبَّ إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ. فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ .. دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ وَسَعَى إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مِنىً
===
نعم؛ لو نذر الحلق .. تعين استيعابُه بالحلق.
ولا بدّ أن يكون المزال من شعر الرأس، وأشار إليه المصنف بقوله:(ومن لا شعر برأسه) إن حلق كذلك، أو كان قد حلقه واعتمر من ساعته ( .. استحب إمرار الموسى عليه)(1) بالإجماع؛ كما قاله ابن المنذر وغيره، وتشبهًا بالحالقين، ولا يجب؛ كالأقطع من فوق المرفق؛ لزوال محلّ الفرض، وخالف المسح حيث يجب مسح الرأس في الوضوء والحالة هذه؛ لأن الوجوب ثَمّ تعلق بالرأس، وهنا بالشعر.
(فإذا حلق، أو قصّر .. دخل مكة، وطاف طوافَ الركن) لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} والتفث هنا هو: الرمي، والنذور هي: الذبائح، والإجماع قائم على أن المراد بهذا الطواف هو: طواف الإفاضة (2).
واستحب بعضهم: أن يشرب بعد ذلك من سقاية العباس؛ تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم (3).
(وسعى إن لم يكن سعى) عقب طواف القدوم كما سبق؛ لأنه أحدُ أركانه كما سيأتي.
(ثم يعود إلى منىً) قبل صلاة الظهر بحيث يصلّي الظهر بمنىً؛ للاتباع؛ كما أخرجه مسلم من حديث ابن عمر (4).
(1) في (ب) و (د): (يستحب إمرار الموسى عليه).
(2)
إذا كان عليه طواف الإفاضة، فنوى غيره عن غيره، أو عن نفسه تطوعًا أو قدومًا أو وداعًا .. وقع عن طواف الإفاضة؛ كما في واجب الحجّ والعمرة؛ كما جزم به في "زوائد الروضة"، وهذا أحدُ المواضع الذي يتأدّى فيه الفرض بنية النفل، ومنها: إذا جلس في التشهد الأخير يظنّه الأولَ، ثم تذكر .. أجزأ عن الآخر، ومنها: ما ذكره المصنف في بابه: فيما إذا ترك سجدة وكان جلس بنية الاستراحة. "العجالة"[2/ 623 - 624]. اهـ هامش (أ).
(3)
أخرجه البخاري (1635) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
صحيح مسلم (1308).
وَهَذَا الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إِلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ
===
(وهذا الرمي، والذبح، والحلق، والطواف يسنّ ترتيبها كما ذكرنا) اقتداء به صلى الله عليه وسلم، فإن غيّر هذا الترتيب .. جاز؛ للنص الصحيح الصريح فيه (1).
(ويدخل وقتها) أي: وقت الأعمالِ الأربعةِ المذكورةِ (بنصف ليلة النحر).
أما الرمي: فلحديث عائشة رضي الله عنها: (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلةَ النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت) رواه أبو داوود، وصححه الحاكم على شرط مسلم (2)، وحكى الترمذي عن الشافعي: أنه لا يدخل وقته إلا بطلوع الشمس، واستُغرب (3).
وأما الطواف والحلق إذا جعلناه نسكًا: فبالقياس على الرمي؛ لاشتراك الثلاثة في كونها من أسباب التحلّل.
وشرط جواز هذه الأشياء في هذا الوقت: أن يتقدم الوقوف عليها، فإن فعلها بعد انتصاف الليل ثم وقف .. وجب عليه إعادتُها، ثم إن هذا كلَّه فيما عدا الذبح، أما الذبح .. فسيأتي في بابه.
(ويبقى وقتُ الرمي إلى آخر يوم النحر) لأن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني رميت بعد ما أمسيت، قال:"لَا حَرَجَ"، رواه البخاري (4)، والمساء عند العرب يُطلق على ما بعد الزوال.
وهل يمتدّ الرمي تلك الليلةَ إلى الفجر؟ فيه وجهان: أصحهما في "الشرح"، و"الروضة": لا؛ لعدم وروده (5)، والثاني: نعم؛ تشبيهًا بالوقوف، وصححه المصنف في "المناسك الكبرى" في الكلام على رمي أيام التشريق، ووقع في "الرافعي" في الأغسال المسنونة نقلًا عن الأئمة أنه يمتدّ إلى الزوال، وجزم به في
(1) أخرجه البخاري (83)، ومسلم (1306) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(2)
سنن أبي داوود (1942)، المستدرك (1/ 469) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
سنن الترمذي (893).
(4)
صحيح البخاري (1723) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
الشرح الكبير (3/ 437)، روضة الطالبين (3/ 103).
وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ بِزَمَنٍ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الأُضْحِيَةِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا.
===
"الشرح الصغير"، قال في "المهمات":(وهو سهو، فإن المنقول: أنه يمتدّ إلى الغروب)(1)، وقال ابن الملقن:(ينبغي أن يُحمل على وقت الفضيلة، وبه صرح الماوردي)(2).
(ولا يختص الذبح) أي: ذبح الهدايا (بزمن) لكنها تختص بالحرم، بخلاف الضحايا، فتختص بالعيد وأيام التشريق.
(قلت: الصحيح: اختصاصُه بوقت الأضحية، وسيأتي في آخر "باب محرمات الإحرام" على الصواب، والله أعلم) كذا ذكر المصنف مثلَ هذا الاعتراض على الرافعي في "الروضة"، و"شرح المهذب"، واعترضه الإسنوي بأن الهدي يطلق: على دم الجبرانات والمحظورات، وهذا لا يختص بزمان؛ كالدين، وهو المراد هنا وفي قوله أولًا:(ثم يَذبح من معه هدي).
وعلى ما يساق تقربًا إلى الله تعالى، وهذا هو المختص بوقت الأضحية على الصحيح، وهو المذكور في آخر (باب محرمات الإحرام)، فلم يتوارد الكلامان على محلّ واحد حتى يعدّ ذلك تناقضًا، قال: وقد أوضح الرافعي ذلك في (باب الهدي) من "الشرح الكبير"؛ فذكر أن الهدي يقع على الكلّ، وأن الممنوع فعلُه في غير وقت الأضحية هو ما يسوقه المحرم، لكنه في "المحرر"، و"الشرح الصغير" ذكر كلَّ مسألة في بابها، وحكم عليها بما ذكرته غيرَ أنه عبّر في الموضعين بالهدي، ولم يُفصح عن المراد كما أفصح عنه في "الكبير"، فظنّ النووي أن المسألة واحدة فاستدرك عليه، وكيف يجيء الاستدراكُ مع تصريح الرافعي هناك بما يبين المراد؟ ! (3)
(والحلق، والطواف، والسعي لا آخرَ لوقتها) لأن الأصل عدمُ التأقيت.
(1) الإيضاح (ص 311)، الشرح الكبير (3/ 377)، المهمات (4/ 285).
(2)
عجالة المحتاج (2/ 625).
(3)
روضة الطالبين (3/ 103)، المجموع (8/ 144)، المهمات (4/ 371).
وَإِذَا قُلْنَا: الْحَلْقُ نُسُكٌ فَفَعَلَ اثنيْنِ مِنَ الرَّمْي وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ .. حَصَلَ التَّحَلُّلُ الأَوَّلُ، وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ، وَكَذَا الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَّاحِ فِي الأَظْهَرِ
===
نعم؛ يكره تأخيرها عن يوم النحر، وتأخيرُها عن أيام التشريق أشدُّ كراهةً، وخروجه من مكة قبل فعلها أشدُّ، قال الرافعي: وقضية قولهم: (لا يتأقت آخر الطواف): أنه لا يصير قضاء، وفي "التتمة": أنه إذا تأخر عن أيام التشريق .. صار قضاءً (1).
وإذا أخر الحلق والطوافَ والسعيَ .. لا يزال محرمًا حتى يأتي بها، كذا نقله في "شرح المهذب" عن الأصحاب، واقتضاه كلام الرافعي (2).
(وإذا قلنا: الحلقُ نسك) وهو الصحيح (ففعل اثنين من الرمي) أي: رمي جمرة العقبة (والحلق، والطواف .. حصل التحلّل الأول) إذا كان قد سعى بعد طواف القدوم، فإن لم يسع .. فلا بدّ من السعي مع الطواف، وحينئذ فيعدّ الطواف والسعي شيئًا واحدًا من أسباب التحلّل، كذا قاله الرافعي، ولا أثر للنحر في التحلل؛ لأنه سنة (3).
(وحلّ به اللُّبْس) وستر الرأس للرجل، والوجهِ للمرأة، (والحَلْق، والقَلْم) والطيب، بل يستحب التطيب؛ للاتباع؛ كما ثبت في "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها:(أنها كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحِلّه قبل أن يطوف بالبيت)(4).
وإذا ثبت ذلك في التطيب .. قيس استباحةُ غيره عليه بجامع ما اشتركا فيه من الاستمتاع، فإن قلنا: الحلق استباحة محظور .. سقط اعتبارُه، وحصل التحلّل الأول بواحد من الرمي والطواف.
(وكذا الصيد، وعقد النكاح) والمباشرة فيما دون الفرج؛ كالقبلة والملامسة (في الأظهر) لأنها من المحرمات التي لا توجب تعاطيها إفسادًا، فأشبهت الحلق،
(1) الشرح الكبير (3/ 428).
(2)
المجموع (8/ 157 - 158)، الشرح الكبير (3/ 428).
(3)
الشرح الكبير (3/ 428).
(4)
صحيح البخاري (1754)، صحيح مسلم (1189).