الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا الْجَنَابَةُ إِنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ أَمْكَنَ .. جَازَ الْخُرُوجُ، وَلَا يَلْزَمُ، وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْحَيْضِ وَلَا الْجَنَابَةِ.
فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]
إِذَا نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً .. لَزِمَهُ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ التّتابُعُ بِلَا شَرْطٍ،
===
(وكذا الجنابة) باحتلام ونحوه مما لا يبطل الاعتكاف (إن تعذَّر الغسل في المسجد) للضرورة إليه، (فإن أمكن .. جاز الخروج) ولا يُكلَّف الغسلَ في المسجد؛ فإن الخروج أقرب إلى المروءة، وصيانة للمسجد، (ولا يلزم) الخروج لأجل الغسل، بل له فعلُه في المسجد؛ كما اقتضاه كلام الشيخين، وصحح ابن الرفعة تبعًا للإمام تعيُّن الخروج (1).
قال السبكي: إن فرض في الاغتسال مكثٌ وإن قلَّ .. فيظهر ما قاله الإمام، وإن فرض بغير مكث؛ كما لو كان في المسجد نهرٌ يَخُوضه الجنب، وهو خارجٌ، فترتفع جنابته في مروره .. فيتجه في هذه الصورة ما قاله الشيخان.
(ولا يُحسَب زمنُ الحيض ولا الجنابة) من الاعتكاف إذا اتفق المكث معهما في المسجد لعذر أو غيره؛ لأنه حرام، وإنما يباح للضرورة، وهل يبطل بالحيض ما سبق، أو يجوز البناء عليه؟ فيه تفصيل ذكره آخر الباب.
* * *
(فصل: إذا نذر مدّة متتابعة .. لزمه) كما لو شرط التتابعَ في الصوم (والصحيح: أنه لا يجب التتابع بلا شرط) لأن الأسبوع، والعشرة أيام مثلًا صادق على المتتابع منها والمتفرق، فلا يجب أحدهما بخصوصه إلا بدليل، والثاني: يجب، كما لو حلف لا يُكلِّم فلانًا شهرًا؛ فإنه يكون متتابعًا.
وفرَّق الأول: بأن المقصود من اليمين هو الهِجران، ولا يتحقق بدون التتابع.
وقضية كلامه: أنه إذا لم يشترط التتابع .. لا يجب وإن نواه، وهو الأصحُّ عند
(1) الشرح الكبير (3/ 262)، روضة الطالبين (2/ 398)، كفاية النبيه (6/ 454).
وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ يَوْمًا .. لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مُدَّةً كَأُسْبُوعٍ وَتَعَرَّضَ لِلتَّتَابُعِ وَفَاتتهُ .. لَزِمَهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ .. لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْقضَاءِ. وَإِذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ وَشَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ .. صَحَّ الشَّرْطُ فِي الأَظْهَرِ،
===
الشيخين تبعًا للبغوي (1)؛ كأصل النذر لا يلزم بالنية، وقطع الإمام والغزالي بالوجوب (2)؛ لأن مطلق اللفظ يحتمله وهو كتنزيل النية مع الكتابة منزلة الصريح، وهذا ما صححه الروياني، ولم يورد صاحب "الذخائر" سواه، وصوَّبه في "المهمات"(3)، واختاره السبكي.
(وأنه لو نذر يومًا .. لم يجز تفريقُ ساعاته) لأن المفهوم من لفظ اليوم إنما هو المتصل، قال الخليل: اليوم: اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس (4)، والثاني: يجوز، تنزيلًا للساعات من اليوم منزلةَ الأيام من الشهر، وقيل: إن نوى اليوم متتابعًا .. لم يجزه، وإن أطلق .. أجزأه.
ومحل الخلاف: إذا غاير بين الساعات، أما لو أتى بساعة معينة من يوم ثم أتى بها بعينها من آخر إلى أن استكمل ساعات اليوم .. فإنَّهُ لا يجزئ جزمًا؛ كما قاله القاضي حسين في "تعليقه"، وكلام المصنف يقتضيه، فإنه في هذه الصورة لم يفرق ساعات وإنما كرر ساعة من اليوم.
(وأنه لو عينَّ مدةً؛ كأسبوع) معين، كهذا الأسبوع أو هذه السنة (وتعرض للتتابع، وفاتته .. لزمه التتابعُ في القضاء) لتصريحه به، والثاني: لا؛ لأن التتابع يقع ضرورةً، فلا أثر لتصريحه به.
(وإن لم يتعرضَّ له .. لم يلزمه في القضاء) قطعًا؛ لأن التتابع فيه لم يقع مقصودًا، بل من ضرورة تعين الوقت؛ فأشبه التتابعَ في صوم رمضان.
(وإذا ذكر) الناذر (التتابعَ، وشرط الخروج لعارض .. صحَّ الشرط في الأظهر)
(1) الشرح الكبير (3/ 265)، روضة الطالبين (2/ 399)، التهذيب (3/ 238).
(2)
نهاية المطلب (4/ 115)، الوسيط (2/ 569).
(3)
المهمات (4/ 183).
(4)
العين (8/ 433).
وَالزَّمَانُ الْمَصْرُوفُ إِلَيْهِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ إِنْ عَيَّنَ المُدَّةَ كَهَذَا الشَّهْرِ، وَإِلَّا .. فَيَجِبُ. وَيَنْقَطِعُ التّتابُعُ بِالْخُرُوجِ بِلَا عُذْرٍ. وَلَا يَضُرُّ إِخْرَاجُ بَعْضِ الأَعْضَاءِ،
===
لأن الاعتكاف إنما لزمه بالتزامه، فيجب بحسب الالتزام؛ فإن عينَّ نوعًا أَو فردًا؛ كقوله: أَخرُج لعيادة المرضى، أو لعيادة زيد .. خرج له دون غيره، وإلا .. جاز لكل مهم ديني؛ كالجمعة، والعيادة، أو دنيوي مباح؛ كلقاء الأمير، والقاضي، واقتضاء الغريم، والثاني: لا يصحّ الشرط؛ لأنه مخالف لمقتضاه، فبطل؛ كما لو شرط الخروج للجماع.
وقوله: (لعارض) احترز به: عمَّا لو قال: إلا أن يبدو لي، فإن الشرط باطل على الأصح.
(والزمان المصروف إليه) أي: لذلك العارض (لا يجب تداركُه إن عيَّن المدة؛ كهذا الشهر) لأن المنذور من الشهر إنما هو اعتكاف ما عدا العارض، (وإلا) أي: وإن لم يعيّن مدة؛ كشهر أو عام ( .. فيجب) تداركه؛ لتتم المدة الملتزمة، وتكون فائدة الشرط: تنزيل ذلك العارض منزلةَ قضاء الحاجة في أن التتابع لا ينقطع به.
(وينقطع التتابع بالخروج بلا عذر) وإن قلَّ زمنه؛ لمنافاته اللبث.
(ولا يضرّ إخراجُ بعض الأعضاء) لأنه لا يسمى خارجًا، وفي "الصحيحين" أنه صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه الشريفَ إلى عائشة فترجِّله (1) وهو معتكف في المسجد (2).
وقضية كلامه: أنه لو أخرج إحدى رجليه .. أنه لا يضرّ مطلقًا، وهو ما أطلقه الرافعي (3)، وقال البغوي في "فتاويه": إنا نراعي التي اعتمد عليها؛ أي: جعل ثقلَه عليها بحيث لو زالت .. لسقط، قال الإسنوي: وهو الصواب، قال: وسكت عما لو اعتمد عليهما على السواء، وفيه نظر (4).
(1) أي: تُسَرِّحه. اهـ هامش (أ).
(2)
صحيح البخاري (296)، صحيح مسلم (297) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
الشرح الكبير (3/ 271).
(4)
المهمات (9/ 122).
وَلَا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ دَارِهِ، وَلَا يَضُرُّ بُعْدُهَا إِلَّا أَنْ يَفْحُشَ فَيَضُرُّ فِي الأَصَحِّ
===
(ولا الخروجُ لقضاء الحاجة) بالإجماع؛ لأنه ضروري، وإذا خرج لا يُكلَّف الإسراعَ، بل يمشي على سجيته.
وفي معنى قضاء الحاجة: الخروج لغسل الجنابة، وإزالة النجاسة؛ كرُعاف ونحوه، وإذا خرج لقضاء الحاجة .. فله أن يتوضأ بعد قضاء حاجته خارج المسجد تبعًا، مع أنه لا يجوز الخروج له منفردًا إن كان تجديدًا، وكذا عن حدث على الأصحِّ إذا أمكنه في المسجد.
(ولا يجب فعلُها في غير داره) وإن أمكن؛ بأن كان في المسجد سقاية، أو كان بجنب المسجد دار صديق له يمكنه دخولُها؛ لما فيه من المشقة، وسقوط المروءة، ويزداد بيت الصديق بالمنَّة.
(ولا يضرّ بُعدها) مراعاةً لما سبق من المشقة والمنَّة.
نعم؛ لو كان له داران يجوز الذهاب إلى كلّ منهما لو انفردت .. تعينَّت القربى منهما في الأصحِّ.
(إلا أن يَفحُش) البعد (فيضرُّ في الأصح) لأنه قد يحتاج في عوده أيضًا إلى البول، فيمضي يومه في الذهاب والإياب.
نعم؛ لو لم يجد في طريقه موضعًا، أو كان لا يليق بحاله أن يدخل غير داره .. فإنه لا يضرُّ فُحش البعد؛ كما في "الشرح" و"الروضة"(1).
والثاني: لا يضر هذا الفحش؛ لما مرَّ من مشقة الدخول لقضاء الحاجة في غير بيته.
وضابط الفحش - كما قاله البغوي -: أن يذهب أكثر الوقت في التردد إليها (2).
ولا يجوز الخروج لغسل الجمعة والعيد والنوم على الأصحِّ، ذكره الخوارزمي في "الكافي"، ويجوز الخروج للأكل، لا للماء على الأصحِّ فيهما.
(1) الشرح الكبير (3/ 273)، روضة الطالبين (2/ 405).
(2)
التهذيب (3/ 229).
وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ .. لَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يَطُلْ وُقُوفُهُ أَوْ يَعْدِلْ عَنْ طَرِيقِهِ. وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِمَرَضٍ يُحْوِجُ إِلَى الْخُرُوجِ، وَلَا بِحَيْضٍ إِنْ طَالَتْ مُدَّةُ الاعْتِكَافِ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُو عَنْهُ .. انْقَطَعَ فِي الأَظْهَرِ،
===
(ولو عاد مريضًا في طريقه .. لم يضُرَّ ما لم يَطل وقوفُه) بل اقتصر على السلام والسؤال، (أو يَعدلْ عن طريقه) لقول عائشة رضي الله عنها:(إني كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارّة) رواه مسلم (1).
والمرجع في الطول وغيره إلى العرف، ولو وقف في الاستئذان على المريض، قال البغوي: بطل اعتكافه (2).
وحكم زيارة القادم في الطريق: حكمُ عيادة المريض، ولو صلّى في طريقه على جنازة، ولم ينتظرها، ولم يعدل إليها .. جاز.
(ولا ينقطع التتابعُ بمرض يُحوِج إلى الخروج) إذا خرج؛ لأن الحاجة داعية إليه؛ كالخروج لقضاء الحاجة، وفيه قول أنه ينقطع؛ لأن المرض ليس بضروري ولا غالبٍ، بخلاف قضاء الحاجة، وهذا القول ذكره في "المحرر"(3)، وأهمله المصنف.
والمحوج إلى الخروج: هو الذي يخاف منه تلويث المسجد؛ كالإسهال، وإدرار البول، أو يشقّ معه المقام فيه؛ كالمحوج إلى الفراش، والخادم، وتردد الطبيب.
وأما الذي لا يحوج إلى الخروج؛ كالصُّداع، والحُمَّى الخفيفة .. فإنه ينقطع تتابعه بخروجه.
(ولا بحيض إن طالت مدة الاعتكاف) بأن كانت لا تخلو عن الحيض غالبًا، بل تبني على ما سبق إذا طهرت؛ لأنه بغير اختيارها، والنفاسُ كالحيض.
(فإن كانت بحيث تَخْلُو عنه .. انقطع في الأظهر) لإمكان الموالاة بشروعها عقب الطهر، والثاني: لا ينقطع؛ لأن جنس الحيض مما يتكرر في الجملة، فلا يؤثر في التتابع؛ كقضاء الحاجة.
(1) صحيح مسلم (297).
(2)
التهذيب (3/ 231).
(3)
المحرر (ص 119).
وَلَا بِالْخُرُوجِ نَاسِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا بِخُرُوجِ الْمُؤَذِّنِ الْرَّاتِبِ إِلَى مَنَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الْمَسْجِدِ لِلأَذَانِ فِي الأَصَحِّ
===
(ولا بالخروج ناسيًا على المذهب) كما لا يبطل الصوم بالأكل ناسيًا، وقيل: ينقطع؛ لأن اللبث مأمور به، والنسيان ليس بعذر في ترك المأمورات، ولأن مشاهدة مكان الاعتكاف مذكرة للاعتكاف؛ فيبعد معها النسيان بخلاف الصائم.
ومحل القطع بعدم الانقطاع: إذا تذكر عن قربٍ؛ فإن طال .. ففيه وجهان؛ كالوجهين في بطلان الصوم بالأكل الكثير ناسيًا، والجاهل والمكره بغير حَقّ كالناسي.
(ولا بخروج المؤذن الراتبِ إلى مَنارة) بفتح الميم (منفصلة عن المسجد للأذان) قريبة منه مبنية له (في الأصح) لأنها مبنية للمسجد معدودة من توابعه، وقد اعتاد الراتب صعودَها، وألف الناس صوته؛ فيعذر فيه، ويجعل زمن الأذان كالمستثنى من اعتكافه، والثاني: ينقطع مطلقًا؛ للاستغناء عنها بسطح المسجد فيؤذن عليه، وقيل: إن كان غيره من المؤذنين له صوت مثل صوته .. انقطع، وإلا .. فلا، حكاه في "الكفاية"(1).
واحترز المصنف بـ (المنارة): عمَّا لو دخل المؤذن المُعتكِف إلى حجرة مُهيَّأة للسكنى بقرب المسجد، وبابُها إلى المسجد .. فإنه يبطل اعتكافه قطعًا؛ كما صرح به الإمام، قال: وإنما قلنا ما قلناه في المنارة؛ لأنها مبنية لإقامة شعار المسجد (2).
وبـ (الراتب): عن غيره، فإنه ينقطع، وفيه وجه هو ظاهر نصّ "المختصر": أنه لا ينقطع (3)، وأوله الجمهور على الراتب، أو على ما إذا كانت المنارة في الرَّحَبة.
وبـ (المنفصلة) عن منارة بابها في المسجد أو رَحَبته .. فلا يضرّ صعودها مطلقًا.
(1) كفاية النبيه (6/ 472).
(2)
نهاية المطلب (4/ 103).
(3)
مختصر المزني (ص 60).
وَيجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الْخُرُوجِ بِالأَعْذَارِ إِلَّا أَوْقَاتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.
===
(ويجب قضاءُ أوقات الخروج بالأعذار) المارة؛ لأنه غير معتكف فيها (إلا أوقاتَ قضاء الحاجة) لأن حكم الاعتكاف منسحب عليها، ولهذا لو جامع في ذلك الزمن من غير مكث بأن كان في هودج أو في وقفة لطيفة؛ بأن أولج ثم نزع .. بطل اعتكافه في الأصحِّ، وأيضًا زمن الخروج لقضاء الحاجة مستثنىً لا بدَّ منه.
وما ذكره من قضاء جميع ما عدا أوقات قضاء الحاجة ذكره الرافعي في كتبه، فتابعه المصنف، قال الإسنوي: ولم أعلم أحدًا قال بذلك بعد الفحص عنه، بل يستثنى أيضًا: خروج المؤذن للأذان، والجنبِ للاغتسال، والمحدثِ للوضوء حيث جوَّزناه ونحو ذلك، بخلاف الحيض، وا لنفاس، والعدة، والمرض، والجهاد، وانهدام المسجد إلى بنائه، وغير ذلك مما يطول زمنه. انتهى (1).
* * *
(1) المهمات (4/ 199).