المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب محرمات الإحرام - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌باب محرمات الإحرام

‌بابُ محرَّمات الإحرام

أَحَدُهَا: سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا إِلَّا لِحَاجَةٍ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ أَوِ الْمَنْسُوجِ أَوِ الْمَعْقُودِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ

===

(باب محرمات الإحرام)

(أحدها: ستر بعض رأس الرجل بما يُعدّ ساترًا) ولو لم يكن محيطًا؛ كالخرقة، وكذا الحِنَّاء الثخين على المذهب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي خرّ عن بعيره ميتًا:"لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" متفق عليه (1).

ولا يجب كشف الوجه، وما وقع في "صحيح مسلم" في هذا الحديث:"وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ"(2) .. قال البيهقي: ذكر الوجه غريب، وهو وهم من بعض الرواة (3)، وقال في "الشامل": إنه محمول على ما لا بدّ من كشفه من الوجه.

واحترز بـ (الرجل): عن المرأة والخنثى، وسيأتي حكمهما، وبـ (ما يعدّ ساترًا): عن وضع اليد، والانغماس في الماء، والاستظلال بالمَحمِل وإن مسّ رأسه، وكذا حمل زَنْبيل ونحوه على رأسه.

(إلا لحاجة) كمَداواة أو حرّ أو برد؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، لكن تلزمه الفدية؛ قياسًا على الحلق بسبب الأذى.

(ولبس المخيط أو المنسوج أو المعقود) وما شابهها من مُلَزَّق، ومضفور، ومُلبّد، ومُطرَّف (في سائر بدنه) لحديث:"لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ" متفق عليه (4).

والمعتبر في اللبس: العادة في كلّ ملبوس، فلو ارتدى بالقميص أو اتزر

(1) صحيح البخاري (1265)، صحيح مسلم (1206) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

صحيح مسلم (1206/ 98) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

سنن البيهقي (3/ 393).

(4)

صحيح البخاري (1542)، صحيح مسلم (1177) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 705

إِلَّا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ كَرَأْسِهِ، وَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ إِلأَ الْقُفَّازَ فِي الأَظْهَرِ

===

بالسراويل .. فلا فدية؛ كما لو اتزر بإزار لَفَّقَه من رِقاع، ويجوز أن يَعقِد الإزار، ويشدّ عليه خيطًا، وأن يجعل له مثل الحُجْزة، ويُدخل فيها التِّكَّة، ولا يجوز ذلك في الرداء، ولا خلُّه بخلال ونحوه.

نعم؛ له غرزه في طرف إزاره.

قال بعض العلماء: والحكمة في تحريم لبس المخيط وغيره مما مُنِعَ منه المُحرم: أن يخرج الإنسان عن عادته، فيكون ذلك مذكرًا له ما هو فيه من عبادة ربه، فيشتغل بها.

(إلا إذا لم يجد غيرَه) أي: غير المخيط وما في معناه؛ لفقده من ملكه، وتعذر شرائه وإجارته بأجرة مثله، واستعارته .. فإنه يجوز لبسه من غير فدية.

وقضيته: المنع لحاجة البرد والمداواة، والمنقول: الجواز مع الفدية.

(ووجه المرأة كرأسه) أي: كرأس الرجل في الأحكام المارّة؛ لرواية البخاري: "وَلَا تنتَقِبِ الْمَرْأَةُ"(1).

نعم؛ لها أن تستر من وجهها ما لا يتأتى سترُ الرأس إلا به.

(ولها لُبس المخيط) بالإجماع؛ كما نقله ابن عبد البرّ (2)(إلا القُفَّاز في الأظهر)(3) لرواية البخاري: "وَلَا تلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ"(4)، والثاني: يجوز؛ لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: كان يأمر بناته بلبسهما في الإحرام، رواه الشافعي في "الأم"(5).

وفي "شرح السنة" للبغوي: أن أكثر أهل العلم على الثاني، وأنه أظهر قولي الشافعي، وأنه لا فدية عليها. انتهى، وما ذكره من عدم الفدية .. نصَّ عليه في

(1) صحيح البخاري (1838) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(2)

التمهيد (15/ 104).

(3)

في الأصل (القفازين) بالتثنية، ثم شطبت الياء والنون فصار مفردًا، وفُعل عكسُه في (ب) و (د) أي: كان مفردًا ثم ثنّي، فالظاهر: أن الشارح رحمه الله تعالى يريده مفردًا.

(4)

صحيح البخاري (1838) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

الأم (3/ 521).

ص: 706

الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ،

===

"الأم"(1)، لكن نصّ في "الإملاء": على أن عليها الفديةَ، وحُمل على الاستحباب.

قال في "الكفاية": ولا فرق بين القفاز الواحد وبين القفازين (2).

والقفاز: شيء يُعمل لليد لِيَقيها من البرد، ويحشى بقطن، ويكون له أزرار على الساعدين.

وقضية إطلاق المصنف: أن الأمة فيما ذكره كالحرة، وهو المذهب في "شرح المهذب"(3).

ولو ستر الخنثى المشكل رأسه أو وجهه .. لم تجب الفدية؛ لاحتمال أنه امرأة في الصورة الأولى، ورجل في الثانية، وإن سترهما جميعًا .. وجبت الفدية.

(الثاني: استعمال الطيب في ثوبه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَلَا تلْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَان أَوْ وَرْسٌ" متفق عليه (4).

(أو بدنه) قياسًا على الثوب من باب أولى، ونقل ابن المنذر فيه الإجماع (5)، وسواء في ذلك الأَخْشمُ وغيره، وبعض البدن ككله.

والطيب: هو ما ظهر فيه غرض التطيب؛ كالورد والياسَمين واللَّيْنَوْفَر (6) ونحو ذلك، أما ما لا تُقصد رائحتُه .. فلا فدية فيه وإن كانت له ريح طيبة؛ كالقَرَنْفُل وسائر الأبازير والتفاح والسَّفَرْجَل والأُتْرُجّ ونحوها.

ومحل تحريم الطيب: إذا كان عالمًا بالتحريم عامدًا مختارًا.

قال الرافعي: والاستعمال: هو أن يلصق الطيب ببدنه أو ثيابه على الوجه المعتاد في ذلك (7)، فلو احتوى على مبخرة، وتبخَّر بدنه أو ثيابه .. لزمته الفديةُ.

(1) شرح السنة (4/ 374)، الأم (3/ 521).

(2)

كفاية النبيه (7/ 242).

(3)

المجموع (7/ 234).

(4)

صحيح البخاري (1542)، صحيح مسلم (1177) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

الإجماع (ص 62).

(6)

كذا ضُبطت الكلمة في (د)، ويقال فيه: النَّيلَوْفر، والنَّينَوْفر.

(7)

الشرح الكبير (3/ 468).

ص: 707

وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوِ اللِّحْيَةِ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخِطْمِيٍّ. الثَّالِثُ: إِزَالَةُ الشَّعْرِ أَوِ الظُّفُرِ، ..

===

(ودَهن شعر الرأس أو اللحية) من نفسه أو من محرم آخر من غير ضرورة؛ لما فيه من التزين المنافي لحال المحرم؛ فإن الحاجّ أشعث أغبر؛ كما ورد في الخبر (1)، وسواء في الدهن المطيّبُ وغيره؛ كالزيت.

وقوله: (دهن): هو بفتح الدال؛ لأنه مصدر.

واحترز بقوله: (شعر الرأس واللحية): عن الأصلع والأقرع والأمرد؛ فإن الادّهان لا يحرم عليهم؛ لفقد المعنى السابق، لكن تقتضي: عدم تحريم الدهن في محلوق الرأس، وهو الأصح في "الكفاية"، لكن الأصح عند الشيخين: التحريم؛ لأنه يحسن الشعر إذا نبت (2).

واحترز أيضًا بـ (الرأس واللحية): عن دَهْن باقي البدن؛ فإنه يجوز شعرًا كان أو بشرًا؛ لأنه لا يُقصد تحسينُه، ونقل في "شرح المهذب": اتفاق الأصحاب على ذلك (3)، لكن جزم الماوردي في "الإقناع": بالتحريم في شعور الجسد، وهو قضيةُ إطلاق ابن كجّ.

وإنما جمع المصنف في هذا النوع بين الطيب والدّهن؛ تبعًا لـ "المحرر"(4)، ولم يجعل الادهان نوعًا ثالثًا؛ كما في "الشرح"، و"الروضة"(5)؛ لتقاربهما في المعنى وأن كلًّا منهما ترفه ليس فيه إزالة عين.

(ولا يُكره غسل بدنه ورأسه بخِطْمي) ونحوه؛ كالسدر؛ لأن ذلك لإزالة الأوساخ، بخلاف الدّهن؛ فإنه للتنمية.

نعم؛ الأولى: ألا يفعل ذلك، ونقل عن القديم: كراهته، وإذا غسل رأسه .. فينبغي: أن يترفق بالدلك حتى لا يتنتف شعره.

(الثالث: إزالة الشعر أو الظفر) من نفسه أو من محرم آخر، أما الشعر: فلقوله

(1) أخرجه البيهقي (5/ 58) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

كفاية النبيه (7/ 198)، الشرح الكبير (3/ 471)، روضة الطالبين (3/ 133).

(3)

المجموع (7/ 246).

(4)

المحرر (ص 133).

(5)

الشرح الكبير (3/ 471)، روضة الطالبين (3/ 133).

ص: 708

وَتكمُلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتينِ مُدَّيْنِ،

===

تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} أي: شعر رؤوسكم، وشعر سائر الجسد ملحق به بجامع الترفه، وأما الظفر: فقياسًا على الشعر؛ لما فيه من الترفه.

وكلامه قد يوهم: أنه لا يحرم إزالة الشعرة الواحدة، وليس كذلك.

ويستثنى: ما لو نبت شعرة أو شعرات داخل الجَفْن وتأذى به .. فإن له قلعه ولا فدية على المذهب، [وكذا لو انكسر بعض ظفره وتأذى به .. فإنه يقطع المنكسر ولا فدية](1).

(وتَكمل الفديةُ في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار) لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} الآية، التقدير: فحلق شعر رأسه .. ففدية، والشعر جمع، وأقله ثلاث، والاستيعاب قام الإجماع على عدم اعتباره، والأظفار مقاسة على الشعر.

وشرط ما ذكره في الشعرات والأظفار: إزالتُها في مكان واحد على التوالي، فإن أزالها في ثلاثة أو في مكان واحد، ولم يوال .. فيجب عليه في كلّ واحدة منها ما يجب عليه لو انفردت، وهو مُدّ على الراجح كما سيأتي.

وحيث كملنا الفدية بالثلاث .. فلا تتعدد الفدية بالزيادة عليها، حتى لو حلق شعرَ رأسه وجسدِه، أو قلم أظفارَ يديه ورجليه .. لم يلزمه إلا فدية واحدة على الصحيح، لكن مع مراعاة ما تقدم من التوالي.

(والأظهر: أن في الشعرة مُدَّ طعام، وفي الشعرتين مدّين) لأن الشرع قد عدل الحيوان بالإطعام في جزاء الصيد وغيره، والشعرةُ الواحدة هي النهاية في القلة، والمدّ أقلّ ما وجب في الكفارات، فقوبلت به، والثاني: في الشعرة ثلث دم، وفي الشعرتين ثلثا دم؛ عملًا بالتقسيط، والثالث: في الشعرة درهم، وفي الشعرتين درهمان، والرابع: دم كامل.

وقطعُ بعض شعره كقطعها على الأصحِّ، والظفر كالشعرة، والظفران كالشعرتين، وبعض الظفر كبعض الشعرة.

(1) ما بين معقوفين زيادة من (أ)، وفيها:(فإنه قطع)، ولعل الصواب ما أثبت.

ص: 709

وَلِلْمَعْذُورِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ. الرَّابِعُ: الْجِمَاعُ،

===

ولو أخذ من بعض جوانب الظفر ولم يستوعب رأسه؛ فإن قلنا: يجب في الظفر الواحد درهم أو ثلث دم .. فالواجب فيه: ما يقتضيه الحساب، وإن قلنا: يجب فيه مدّ .. فلا سبيل إلى تبعيضه.

ومحل الخلاف الذي ذكره المصنف: إذا اختار الدم، أما إذا اختار الصيام .. فإنه يصوم يومًا واحدًا قطعًا، أو الطعامَ .. أطعم صاعًا واحدًا قطعًا، كذا قاله العمراني وابن أبي الصيف والمحب الطبري، وقال الإسنوي: إنه متعين لا محيد عنه (1)، وبهذا يندفع الإشكال المشهور: أنه إذا حلق ثلاثَ شعرات .. خُيّر بين دم وثلاثة آصع وصيام ثلاثة أيام، فينبغي أنه إذا حلق شعرة: أن يُخيّر بين ما يخصّها من الخصال، فكيف يأتي الخلاف؟

(وللمعذور أن يحلق ويفديَ) لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} الآية، وفي "الصحيحين" عن كعب بن عُجْرة قال: فِيَّ أُنزلت هذه الآية، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"اُدْنُهْ"، فدنوت، فقال:"اُدْنُهْ"، فدنوت، فقال:"أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ"، قال ابن عون: أظنه قال: نعم، قال: فأمر بفدية من صيام أو صدقة أو نسكٍ ما تيسر (2)، وفي رواية:"فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ أنْسُكْ نَسِيكَةً"(3)، وفي رواية لمسلم:"احْلِقْ، ثُمَّ أذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثةَ آصُعِ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ"(4).

ودخل في قوله: (وللمعذور): ما لو مرض، أو كثر في رأسه القملُ، أو تأذى بالحرّ؛ لكثرة الشعر أو الوسخ.

(الرابع: الجماع) بالإجماع، ويحرم على المرأة الحلالِ تمكينُ زوجها المحرم على الأصح؛ لأن فيه إعانةً على معصية، ويحرم أيضًا على الحلال المباشرةُ في حال إحرام المرأة؛ كما سيأتي إيضاحه في الإحصار إن شاء الله تعالى.

(1) المهمات (4/ 426).

(2)

صحيح البخاري (1816)، صحيح مسلم (1201/ 81).

(3)

أخرجها البخاري (4190)، ومسلم (1201) عن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه.

(4)

صحيح مسلم (1201/ 84) عن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه.

ص: 710

وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ، وَكَذَا الْحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ، وَتَجِبُ بِهِ: بَدَنَةٌ،

===

(وتفسد به العمرة، وكذا الحجّ قبل التحلّل الأول) أما فساد الحجّ؛ فإن كان قبل الوقوف .. فبالإجماع؛ كما قاله القاضي حسين والماوردي (1)، وإن كان بعده .. فقد خالف فيه أبو حنيفة، ودليلُنَا عليه: أنه صَادَف إحرامًا صحيحًا لم يحصل فيه التحللُ الأول، فأشبه ما قبل الوقوف، وأما العمرة: فبالقياس عليه.

وقوله: (قبل التحلل الأول): قيد في الحجّ خاصة، واحترز به: عمّا إذا وقع الجماع بعده .. فإن الحجّ لا يفسد به على الأصحِّ، وكما لا يفسد الحجّ لا تفسد العمرة أيضًا إذا كان قارنًا وَلم يأت بشيء من أعمالها؛ لأنها تقع تبعًا له، وقيل: تفسد، وكلام المصنف يوهمه.

(وتجب به بدنة) لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بذلك (2).

وقوله: (به): يعني: بالجماع المفسد، وهو احتراز عن مسألتين: إحداهما: إذا جامع في الحجّ بين التحلّلين وقلنا: لا يفسد .. فإنه لا تلزمه بدنة في الأظهر، بل شاة؛ لأنه محظور لم يحصل به إفسادٌ، فأشبه الاستمتاعات، الثانية: إذا تكرر منه الجماع في العمرة أو في الحجّ قبل التحلّل الأول .. فإن الأظهر: أنه يجب بالثاني شاة لا بدنة؛ لأن الإفساد حصل بالجماع الأول.

واعلم: أن البدنة حيث أُطلقت في كتب الحديث والفقه .. المرادُ بها: البعير ذكرًا كان أو أنثى، وشرطها: أن تكون في سنّ الأضحية.

وأما أهل اللغة .. فقال كثيرٌ منهم أو أكثرهم: إنها تطلق على البعير والبقرة، وحكى المصنف في "التهذيب"، و"التحرير" عن الأزهري: أنها تطلق على الشاة أيضًا (3)، ووهم في ذلك، وقيل: تطلق على البعير خاصة، وحكاه الماوردي عن الجمهور.

ومحل وجوب البدنة: إذا وجدها، وإلا .. فبقرة، وإلا .. فسَبْعُ شياه، وإلا ..

(1) الحاوي الكبير (5/ 291).

(2)

انظر "سنن البيهقي"(5/ 167 - 168).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (3/ 36)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 144).

ص: 711

وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ، وَالْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. الْخَامِسُ: اصْطِيَادُ كُلِّ مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ

===

فتقوَّمُ البدنة بالنقد الغالب، ويشتري به طعامًا ويتصدق به على مساكين الحرم؛ فإن عجز .. صام عن كلّ مدّ يومًا.

(والمضي في فاسده) لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، فإنه لم يفصل بين الصحيح والفاسد، ولأن جماعة من الصحابة أفتوا بذلك (1)، ولا يعرف لهم مخالف.

والمراد بـ: (المضي فيه): أن يأتي بما كان يأتي به قبل الجماع، ويجتنب ما كان يجتنبه قبله، فإن ارتكب محظورًا .. لزمه الفدية في الأصحِّ.

(والقضاء) لفتوى الصحابة به (2)، وإنما جعلوا المأتي به قضاء وإن كان وقت النسكين العمرَ والعمرُ باق؛ لأنه لما أحرم بهما .. تضيقا عليه، ففات وقت الإحرام بهما، (وإن كان نسكه تطوعًا) لأنه يلزم بالشروع فيه، فصار فرضًا أيضًا، بخلاف باقي العبادات.

(والأصح: أنه) يعني: القضاء (على الفور) لفتوى الصحابة به حيث قالوا: وحج من قابل (3)، والثاني: لا، كالأداء، وأولى.

وجميع ما ذكره هو في جماع العاقل العامد، العالم بالتحريم، فإن وطئ مجنونًا أو ناسيًا أو جاهلًا بالتحريم .. لم يفسد على الجديد، وإن أكره على الوطء .. لم يفسد على الأصحِّ في "شرح المهذب"(4).

ويحرم على المحرم أيضًا الاستمناء، وتلزم به الفدية على الأصحِّ، وتحرم عليه المباشرةُ بشهوة؛ كالقُبلة واللّمس وإن كان لا يفسد بها النسك.

(الخامس: اصطياد كلّ مأكول بَرّي) طيرًا كان أو وحشًا - إذا كان عامدا عالمًا

(1) انظر "سنن البيهقي"(5/ 167 - 168).

(2)

انظر "سنن البيهقي"(5/ 167 - 168).

(3)

انظر "سنن البيهقي"(5/ 167 - 168).

(4)

المجموع (7/ 308).

ص: 712

قُلْتُ: وَكَذَا الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

بالتحريم- بالإجماع، واستغنى بـ (الاصطياد): عن التقييد بـ (الوحشي)؛ فإن الصيد: كل متوحش طبعًا لا يمكن أخذه إلا بحيلة.

واحترز بـ (المأكول): عمّا لا يؤكل، وبـ (البري): عن البحري؛ فإنه لا يحرم للآية، والبحري: هو الذي لا يعيش إلا في البحر، فإن عاش في البحر والبر .. فهو كالبري؛ تغليبًا للحرمة.

قال القفال: والحكمة في الفرق بين البري والبحري: أن البري إنما يُفعل غالبًا للتنزه والتفرج (1)، والإحرام ينافي ذلك، بخلاف البحري؛ فإنه يصاد غالبًا للاضطرار والمسكنة، فأحلّ مطلقًا ولو كان البحر في الحرم؛ كما نصّ عليه في "الأم"(2).

وكما يحرم الاصطياد .. تحرم الإعانة عليه بدلالة أو إعارة، وأن يتعرض لبيضه وفرخه ولبنه وريشه.

نعم؛ لو كان البيض مَدِرًا .. لم يحرم كسرُه ولا يضمنه، إلا أن يكون بيضَ نعامة على المنصوص المشهور؛ لأن لقشره قيمةً.

(قلت: وكذا المتولد منه) أي: ممّا يحرم اصطياده (ومن غيره، والله أعلم) تغليبًا للتحريم، وخالف الزكاة، حيث لم تجب في المتولد بين الزكوي وغيره؛ لأنها من باب المواساة.

وكلامه يدلّ بمنطوقه على تحريم ثلاثة أقسام: أحدها: المتولد بين وحشين أحدهما مأكول؛ كالسِّمْع المتولد بين الذئب والضبع، الثاني: المتولد بين وحشي مأكول وأهلي غير مأكول؛ كحمار الوحش وحمار الأهل، الثالث: المتولد بين مأكولين أحدهما وحشي؛ كالمتولد بين الظبي والشاة.

وبمفهومه على إباحة ثلاثة أقسام: أحدها: المتولد بين وحشي غير مأكول وإنسي مأكول؛ كالمتولد بين الذئب والشاة، الثاني: المتولد بين حيوانين لا يؤكلان؛ أحدهما وحشي؛ كالمتولد بين الحمار الأهلي والزَّرافة، الثالث: المتولد بين

(1) في (ب): (أن البري إنما يصطاد).

(2)

الأم (3/ 463).

ص: 713

وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ. فَإِنْ أَتلفَ صَيْدًا .. ضَمِنَهُ؛ فَفِي النَّعَامَةِ: بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَحِمَارِهِ: بَقَرَةٌ، وَالْغَزَالِ: عَنْزٌ، وَالأَرْنَبِ: عَنَاقٌ، وَالْيَرْبُوعِ: جَفْرَةٌ،

===

أهليّين؛ أحدهما غير مأكول؛ كالبغل.

والضابط: أن ما حرم التعرض لأحد أصليه .. حرم التعرض له، وما جاز التعرض لكلّ منهما .. جاز التعرض إليه.

وتحريم الزَّرافة قاله في "شرح المهذب"(1)، لكن المذهب أو الصواب: حلّها؛ كما سيأتي في بابه.

(ويحرم ذلك) أي: اصطياد المأكول البري، والمتولد منه (في الحرم على الحلال) بالإجماع؛ كما قاله في "شرح المهذب"(2).

ويروى: أن في زمن الطوفان لم تأكل كبارُ الحيتان صغارَها في الحرم؛ تعظيمًا له (3).

وقوله: (في الحرم) هو حال من الاصطياد، لكن يرد عليه ما لو كان المصطاد في الحِلّ، والصائد في الحرم .. فإنه يحرم؛ فإن أُعرب أنه حال من الصائد .. ورد عليه عكسُه.

(فإن أتلف صيدًا .. ضمنه) بالجزاء الآتي ذكرُه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} الآية. وجِهات ضمان الصيد ثلاثة: المباشرة، والتسبب، واليد، ولا فرق في المباشر بين المخطئ والمتعمد، والعالم والجاهل، والذاكر والناسي، ولو أتلف مكرهًا .. فالجزاء على المحرم على الأصحِّ في "زيادة الروضة"، ثم يرجع على الآمر (4).

(ففي النعامة: بدنة، وفي بقر الوحش وحماره: بقرة، والغزال: عنز، والأرنب: عَناق، واليَرْبُوع: جَفْرة) لأن جماعة من الصحابة حكموا بذلك كلّه،

(1) المجموع (9/ 26).

(2)

المجموع (7/ 372).

(3)

أخرجه الأزرقي في "أخبار مكة"(2/ 123) عن ابن أبي نجيح عن أبيه رحمهما الله تعالى.

(4)

روضة الطالبين (3/ 154).

ص: 714

وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ .. يَحْكُمُ بِمِثْلِهِ عَدْلَانِ، وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ .. الْقِيمَةُ.

===

وفي الضبع: كبش؛ لحديث فيه صححه ابنُ حبان، والترمذي، وغيرهما من حديث جابر رضي الله عنه (1).

وقوله: (في الغزال: عنز) وَهَمٌ؛ لأن الغزال ولدُ الظَّبْية إلى حين يقوى ويَطلُع قرناه، ثم هي ظَبْية، والذكر ظَبْي، وواجبه جَدْي إن كان ذكرًا، وعَناق أو جَفْرة إن كان أنثى، وأما العنز: فإنه واجب الظَّبْية، والتيس واجب الظَّبْي.

والعَناق: الأنثى من المعز من حين تُولد إلى أن ترعى، والجَفْرة: الأنثى من ولد المعز تُفطَم وتُفصَل عن أمها، فتأخذ في الرعي وذلك بعد أربعة أشهر، والذكر: جَفْر؛ لأنه جَفَرَ جنباه؛ أي: عظم، قال الشيخان: هذا معناهما في اللغة، لكن يجب أن يكون المراد بالجَفْرة هنا .. ما دون العَناق؛ فإن الأرنب خير من اليَرْبُوع (2).

(وما لا نقل فيه .. يَحكم بمثله) من النعم (عدلان) لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} الآية، والعبرة: بالمماثلة بالخلقة والصورة تقريبًا لا تحقيقًا، فأين النعامة من البدنة؟ قال الرافعي: وليكن العدلان فقيهين كَيِّسَين (3) أي: فطنين.

واحترز المصنف بقوله: (وما لا نقل فيه) عن حيوان فيه نصّ، حكم فيه صحابيان، أو عدلان من التابعين، أو ممن بعدهم من سائر الأعصار بالمماثلة؛ فإنه يتبع ذلك، ولا حاجة إلى تحكيم جديد، وجزم ابن الرفعة بأنه إذا حكم واحدٌ من الصحابة وسكت الباقون .. يكفي أيضًا (4).

(وفيما لا مثل له .. القيمة) لأن الجراد لا مثل له، وقد حكمت فيه الصحابةُ رضي الله عنهم بالقيمة، ويرجع في القيمة إلى عدلين، والعبرة في هذه القيمة: بموضع الإتلاف لا بمكة على المذهب، ويستثنى من إطلاقه وجوبَ القيمة فيما لا مثل

(1) صحيح ابن حبان (3964)، سنن الترمذي (1791)، وأخرجه أبو داوود (3801)، وابن ماجه (3085).

(2)

روضة الطالبين (3/ 157)، الشرح الكبير (3/ 508).

(3)

الشرح الكبير (3/ 509).

(4)

كفاية النبيه (7/ 284).

ص: 715

وَيَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ، وَالأَظْهَرُ: تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ وَبِقَطْعِ أَشْجَارِه، فَفِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ: بَقَرَةٌ، وَالصَّغِيرَةِ: شَاةٌ

===

له .. الحَمَامُ، وهو: كلّ ما عَبَّ وهَدَرَ؛ كالفواخت، فإنه يجب فيها شاة؛ لقضاء الصحابة بذلك.

(ويحرم قطع نبات الحرم الذي لا يستنبت) بالإجماع، وإذا حرم القطع .. حرم القلع بطريق الأولى، وأطلق النبات؛ ليعمّ الشجر وغيرَه، وأخرج به اليابس؛ فإنه يجوز قطعه؛ لأنه ليس نباتًا في الحرم، بل مغروزًا فيه، وأما قلعه: فإن كان شجرًا .. جاز؛ كما جزم به المصنف في "نكت التنبيه"، وإن كان حشيشًا .. لم يجز؛ لأنه ينبت بنزول الماء عليه.

ونبات الحرم: هو ما نبت فيه، وكذلك لو كان بعضُ أصله فيه؛ كما نقله في "زيادة الروضة" عن "البحر"(1).

ولو قلع شجرة من الحلّ وأنبتها في الحرم .. لم يجب على قالعها شيء، ولو قلعها من الحرم وأنبتها في الحلّ .. وجب الجزاء على قالعها.

(والأظهر: تعلق الضمان به وبقطع أشجاره) لأنه يحرم إتلافُه؛ لحرمة الحرم، فيضمن؛ كالصيد، والثاني: لا؛ لأن الإحرام لا يوجب ضمانَه، فكذلك الحرم.

وقوله: (به) أي: النبات، وهو شامل للشجر؛ كما مرّ، فلا حاجة لقوله تبعًا لـ"المحرر":(وبقطع أشجاره)(2).

(ففي الشجرة الكبيرة: بقرةٌ، والصغيرة: شاةٌ) لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن في الدوحة: بقرة، وفي الصغيرة: شاة، والدوحة: هي الشجرة الكبيرة ذات الأغصان، والصغيرة: التي لا أغصان لها.

قال الإمام: وأقرب قول في ضبط الشجرة المضمونة بشاة .. أن تقع قريبةً من سُبع الكبيرة؛ فإن الشاة سُبع البقرة، فإن صغرت جدًّا .. فالواجب القيمة (3).

(1) روضة الطالبين (3/ 166).

(2)

المحرر (ص 133).

(3)

نهاية المطلب (4/ 418).

ص: 716

قُلْتُ: وَالْمُسْتَنْبَتُ كَغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَحِلُّ الإِذْخِرُ، وَكَذَا الشَّوْكُ كَالْعَوْسَجِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالأَصَحُّ: حِلُّ أَخْذِ نَبَاتِهِ لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ.

===

ولا يشترط في البقرة أن تجزئ في الأضحية، بل يكفي التَّبِيع، بخلاف الشاة؛ فإنه يشترط إجزاؤها في الأضحية، قاله في "الاستقصاء"، قال الإسنوي: وكأن الفرق أن الشاة لم يوجبها الشرعُ إلا في هذا السنّ، بخلاف البقرة؛ بدليل التبيع في الثلاثين منها.

(قلت: والمستنبت كغيره) أي: كالذي لا يستنبت (على المذهب) لعموم قوله عليه السلام: "لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ" متفق عليه (1)، والطريق الثاني: فيه قولان، وهو المشهور، والأصحُّ في "الروضة" و"شرح المهذب": ما ذكره (2)، وكان ينبغي أن يقول:(كغيره من الشجر) لأن غير الشجر؛ كالحنطة، والشعير، والقُطْنية، والخُضْراوات .. يجوز قطعها وقلعها قطعًا؛ كما قاله في "شرح المهذب"(3)، وفي معنى الزرع: ما يتغذى به؛ كالبقل، والرِّجْلة، ونحوهما، قاله المحب الطبري.

(ويحلّ الإِذْخِر) لاستثناء الشارع له، وهو بكسر الهمزة، والذال المعجمة: نبات معروف.

(وكذا الشوك؛ كالعَوْسَج وغيره عند الجمهور) لكونه من المؤذيات؛ فإنه ذو شوك، فأشبه ما يؤذي من الصيود، وقيل: يحرم، وصححه المصنف في "شرح مسلم"، واختاره في "تصحيح التنبيه"، و"تحريره" (4)؛ لرواية:"وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا " متفق عليها (5)، ولأن غالب شجرِ الحرمِ ذو شوك، والفرق بينه وبين الصيود المؤذية: أنها تَقصد الأذى، بخلاف الشجر.

(والأصح: حلّ أخذ نباته لِعَلْف البهائم) كما يجوز تسريحها فيه، والثاني:

(1) صحيح البخاري (1832)، صحيح مسلم (1354) عن أبي شُرَيح رضي الله عنه.

(2)

روضة الطالبين (3/ 167)، المجموع (7/ 379).

(3)

المجموع (7/ 381).

(4)

شرح مسلم (9/ 126)، تصحيح التنبيه (1/ 248)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 148).

(5)

صحيح البخاري (1587)، صحيح مسلم (1353) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 717

وِللدَّوَاءِ، وَاللهُ أَعْلَمُ

===

المنع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَلَا يُخْتَلَى خَلَاؤُهُ"(1) متفق عليه (2).

قال الإمام: والقائل بالأول يقول: إنما يحرم الاختلاء، والاحتشاش للبيع وغيره من الأغراض. انتهى (3)، وظاهره: أنه يحرم للبيع قطعًا، لكن في "شرح التلخيص" للقفال: أنه يجوز قطعُ الفروع لسواك أو دواء، ويجوز بيعه حينئذ، وتعقبه في "الروضة" قبيل (باب الربا)، فقال: فيه نظر، وينبغي ألا يجوز؛ كالطعام الذي أبيح له أكلُه لا يجوز له بيعه، وحكمُ شجر النقيع بالنون الذي هو الحمَى .. حكمُ أشجار الحرم، فلا يجوز بيعه (4).

والعلف هنا بسكون اللام؛ كما ضبطه المصنف بخطه، وهو: الإطعام، وبفتح اللام: ما تعتلفه البهائمُ.

(وللدواء، والله أعلم) لأن هذه الحاجة أعمُّ من الحاجة إلى الإِذْخر، والثاني: المنع؛ لأنه ليس في الخبر إلا استثناء الإِذْخر، قال الغزالي في "بسيطه" و"وسيطه": وقطع الحشيش للحاجة التي يُقطع لها الإِذْخر؛ كتسقيف البيوت ونحوه .. كقطعه للدواء (5)، وجرى عليه في "الحاوي الصغير"، فجوز القطع للحاجة مطلقًا، ولم يخصّه بالدواء، قال الإسنوي:(وقلّ من تعرض لهذه المسألة)(6).

والحرم له حدود معروفة، نظم بعضُهم مسافتها بالأميال في بيتين فقال:[من الطويل]

وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةٍ

ثَلَاثةُ أَمْيَالٍ إِذَا رُمْتَ إِتْقَانَهْ

وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ

وَجُدَّةَ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعِرَّانَةْ

(1) في (د): (خلاه)، قال الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح" (4/ 48):(والخَلَا مقصور، وذكر ابنُ التين أنه وقع في رواية القَابسي بالمدّ، وهو الرطب من النبات).

(2)

صحيح البخاري (1833)، صحيح مسلم (1353) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

نهاية المطلب (4/ 418).

(4)

روضة الطالبين (3/ 378).

(5)

الوسيط (2/ 701).

(6)

الحاوي الصغير (ص 255)، المهمات (4/ 492).

ص: 718

وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ، وَلَا يُضْمَنُ فِي الْجَدِيدِ

===

والسين في (سبعة) الأولى مقدمة، بخلاف الثانية، وزاد غيره ثالثًا، فقال:

ومِنْ يَمَنٍ سَبعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهِ

وَقَدْ كَمُلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّكَ إِحْسَانَهْ

(وصيد المدينة حرام) وكذا نباتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابتيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا، وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا" رواه مسلم عن جابر (1)، وفي قولٍ: إنه مكروه وليس بحرام.

وكان ينبغي التعبير بـ (حرم المدينة) كـ "المحرر"(2)؛ فإن التحريم لا يختص بالمدينة، وهو في العرض: ما بين اللابتين، وفي الطول: من عَيْر إلى ثَوْر، وهو جبل صغير وراء أحد.

(ولا يُضمَن في الجديد) لأنه موضع يجوز دخولُه بغير إحرام، فلم يضمن صيده وإن نهي عنه؛ كصيد وَجِّ الطائف، يحرم صيده على الصحيح، ولا يتعلق به ضمان عند الأكثرين، والقديم: أنه يُسلَب الصائدُ والقاطع، واختاره المصنف في "شرح المهذب" و"تصحيح التنبيه"(3)؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما أخرجه مسلم في (الشجر)، وأبو داوود في (الصيد)(4).

قال الرافعي: (والأكثرون على أنه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفار)، وقيل: ثيابه فقط، وقيل: يترك للمسلوب ما يستر به عورتَه، قال في "زيادة الروضة": وهو الأصوب، وصححه في "شرح المهذب"، لكن صحح في "المناسك" الأولَ (5).

(1) صحيح مسلم (1362).

فائدة: قوله عليه السلام: "عِضَاهَا" هو جمع عِضة بكسر العين، وبالضاد المعجمة: اسم للشجر، واللابتان: تثنية لابة، وهي الأرض الملبسة حجارةً سوداء، والمدينة بين لابتين يقال لهما: الحرتان بفتح الحاء المهملة، لابة في شرقيها، ولابة في غربيها. اهـ هامش (أ).

(2)

المحرر (ص 133).

(3)

المجموع (7/ 395)، تصحيح التنبيه (1/ 249).

(4)

صحيح مسلم (1364)، سنن أبي داوود (2037) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(5)

الشرح الكبير (3/ 522)، روضة الطالبين (3/ 169)، المجموع (7/ 396)، الإيضاح (ص 494).

ص: 719

وَيَتَخَيَّرُ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا لَهُمْ، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْماَّ. وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ

===

وفي مستحق السَّلَب أوجه، أصحها: أنه للسالب؛ كالقتيل.

(ويتخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله والصدقة به على مساكين الحرم، وبين أن يُقوِّم المثلَ دراهم ويشتري بها طعامًا لهم، أو يصومَ عن كلّ مدّ يومًا) لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} إلى قوله: {صِيَامًا} ، وهذه الكفارة تُسمَّى مُخيَّرة مُعدَّلة؛ لأن الله تعالى، قال:{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} .

ويستثنى من إطلاقه ذبحَ المثل: ما إذا قتل صيدًا مثليًّا حاملًا .. فإنه لا يجوز ذبح المثل على الأصح، بل يُقوّم المثل حاملًا، ويتصدق بقيمته طعامًا.

وعلم من كلامه: أنه لا يجوز إخراجه حيًّا، ولا أكل شيء منه، ولا تقويم الصيد؛ كما قاله مالك (1)، ولا إخراج الدراهم؛ كما يقوله أبو حنيفة (2).

وقوله: (دراهم) منصوب بنزع الخافض، وتقديره: بدراهم، والتقويمُ لا يختص بها، بل بالنقد الغالب، وإنما عبر بها؛ لأنها الغالبُ من النقود.

وقوله: (لهم) أي: لأجلهم؛ لأن الشراء يقع لهم، والشراء ليس بمتعين، وإنما المراد: التصدق بما يساوي النقدَ من الطعام، والمراد: الطعام المجزئ في الفطرة؛ كما صرح به الإمام (3).

(وغير المثلي يَتصدّق بقيمته طعامًا، أو يصوم) قياسًا على المثلي، ولا يخرج الدراهم؛ لأنه لا مدخل لها في الكفارات أصلًا، والعبرة في هذه القيمة: بموضع الإتلاف لا بمكة على المذهب؛ كما تقدم؛ قياسًا على كلّ متلف، بخلاف ما له مثل؛ فإن الأصح فيه: اعتبار القيمة بمكة يوم الإخراج؛ لأنها محلُّ الذبح، فإذا عدل عنه إلى القيمة .. اعتبرنا مكانه في ذلك الوقت، وحيث اعتبرنا قيمة مكان الإتلاف ..

(1) انظر "المدونة"(2/ 193 - 194).

(2)

انظر "البحر الرائق"(3/ 51 - 52).

(3)

نهاية المطلب (4/ 405).

ص: 720

وَيَتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بَيْنَ ذَبْح شَاةٍ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَلَاثَةِ آصُع لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ الدَّمَ فِي ترْكِ الْمَأْمُورِ -كَالإِحْرَامِ مِنَ المِيقَاتِ-

===

فهل المعتبر في الطعام سعرُه في ذلك المكان أيضًا، أم سعره بمكة؟ فيه احتمالان للإمام، قال الرافعي:(الظاهر منهما: الثاني)، قال الإسنوي: وجزم به الفوراني في "العمد"(1).

(ويتخير في فدية الحلق بين ذبحِ شاةٍ، والتصدق بثلاثة آصع لستة مساكين) لكل مسكين نصف صاع، (وصومِ ثلاثة أيام) لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} التقدير: فحَلَق شعر رأسه .. ففدية، ثم إن هذه الآية مجملة بيَّنها حديث كعب بن عُجْرة، وهو ما رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ"، قال: نعم، قال:"فَاحْلِقْ، وَانْسُكْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ"(2).

والفرق: ثلاثة آصع، فدلت الآية والحديث على تخيير المعذور بين هذه الأمور، فكذلك غير المعذور؛ لأن كلّ كفارة ثبت فيها التخيير إذا كان سببُها مباحًا .. ثبت فيها التخيير وإن كان سببُها محرمًا؛ ككفارة اليمين، وقتل الصيد، وغيرهما.

والقلم كالحلق في جميع ما ذكر، وكذلك الدم الواجب في الاستمتاعات؛ كالطيب ونحوه على الأصحِّ، وهذا النوع يُسمَّى دمَ تخيير وتقدير.

وإطلاقه الشاةَ محمول على ما تجزئ في الأضحية، قال الرافعي: وكذا حيث وجبت هي أو البدنة إلا في جزاء الصيد (3).

واقتصر المصنف على المساكين؛ اتباعًا للفظ الحديث، ويؤخذ منه الفقيرُ من باب أولى.

(والأصح: أن الدم في ترك المأمور؛ كالإحرام من الميقات) والرمي، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، وبمنى ليالي التشريق، والدفع من عرفة قبل الغروب إذا أوجبناه،

(1) نهاية المطلب (4/ 406)، الشرح الكبير (3/ 507)، المهمات (4/ 469).

(2)

صحيح البخاري (4190)، صحيح مسلم (1201).

(3)

الشرح الكبير (3/ 540).

ص: 721

دَمُ تَرْتِيبٍ، فَإِذَا عَجَزَ .. اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ .. صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَدَمُ الْفَوَاتِ كَدَمِ التَّمَتعُّ، وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ فِي الأَصَحِّ

===

وطواف الوداع، ( .. دمُ ترتيب) إلحاقًا له بدم التمتع؛ لما في التمتع من ترك الإحرام من الميقات، ويُسمَّى أيضًا دمَ تعديل.

(فإن عجز .. اشترى بقيمة الشاة طعامًا، وتصدق به، فإن عجز .. صام لكلّ مدّ يومًا) والوجه الثاني: أنه إذا عجز عن الدم .. صام ثلاثة أيام في الحجّ، وسبعةً بعد الرجوع؛ تكميلًا له بإلحاقه بالتمتع، وحينئذ فيكون مُرتَّبًا مُقدَّرًا، وهذا ما صححه في "الروضة"، و"شرح المهذب" تبعًا لـ "الشرحين"، و"التذنيب"، وقال في "المهمات": إن به الفتوى (1).

واعلم: أن معنى الترتيب: أنه يجب عليه الذبح، ولا يجوز العدول إلى غيره إلا إذا عجز عنه، ومعنى التخيير: أنه يجوز العدول إلى غيره مع القدرة، ومعنى التقدير: أن الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيبًا أو تخييرًا بقدر لا يزيد ولا ينقص، ومعنى التعديل: أنه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة.

(ودم الفوات كدم التمتع) في الترتيب، والتقدير، وسائرِ أحكامه؛ لأن دم التمتع إنما وجب؛ لترك الإحرام من الميقات، والنسك المتروك في صورة الفوات أعظم، وفيه أثر صحيح في "الموطأ" عن عمر رضي الله عنه (2).

(ويذبحه في حجة القضاء في الأصحّ) لفتوى عمر رضي الله عنه بذلك، والثاني: يجوز ذبحه في سنة الفوات؛ قياسًا على دم الإفساد.

وإذا قلنا بالأول .. ففي وقت وجوبه وجهان: أصحهما: إذا أحرم بالقضاء؛ كما يجب دم التمتع بالإحرام بالحجّ، والثاني: أنه كالقضاء يجب في سنة الفوات وإن وجب تأخيره (3).

(1) روضة الطالبين (3/ 185)، المجموع (7/ 403)، الشرح الكبير (3/ 542)، المهمات (4/ 514).

(2)

الموطأ (1/ 383).

(3)

بلغ مقابلة على خط مؤلفه، عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).

ص: 722

وَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ فِي الأَظْهَرِ، وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إِلَى مَسَاكِينِهِ

===

واعلم: أن تفاصيلَ الدماء سبعةُ أنواع، ذكر المصنف منها أربعة: جزاء الصيد، ودم الحلق، ودم ترك المأمور، ودم الفوات، وبقي عليه دم الواجب في الاستمتاعات؛ كالطيب، وقد ذكرناه قريبًا، ودم الجماع، وقد ذكره في الكلام على تحريمه؛ كما مر، ودم الإحصار، وسيأتي.

(والدم الواجب بفعل حرامٍ أو تركِ واجبٍ لا يختصّ بزمان) بل يفعل في يوم النحر وغيره؛ لأن الأصل عدمُ التخصيص، ولم يرد ما يخالفه، كذا أطلق الشيخان وغيرُهما عدمَ الاختصاص.

قال السبكي: وهو في الإجزاء ظاهر، وأما الجواز: فينبغي لمن يقول: إن الكفارات الواجبةَ بمعصية على الفور -أي: ومنهم المصنف- أن يقول بذلك إذا كان سببه عدوانًا، ويجب إخراجه على الفور وإن كان إذا أخره ثم فعله .. أجزأ وعصى. انتهى.

(ويختص ذبحُه بالحرم في الأظهر) لأن الذبح حقٌّ متعلق بالهدي، فيختص بالحرم؛ كالتصدق، والثاني: يجوز أن يذبح خارج الحرم، وينقله إليه إذا لم يتغير؛ لأن المقصود هو اللحم، فإذا وقعت تفرقتُه على مساكين الحرم .. حصل الغرضُ، والخلاف جار في دم التمتع، والقران أيضًا.

(ويجب صرف لحمه إلى مساكينه) أي: مساكين الحرم وفقرائه، والقاطنون به أولى من الغرباء؛ لأن المقصود من الذبح هو إعظامُ الحرم، وإلا .. فنفس الذبح مجردُ تلويثٍ للحرم، وهو مكروه؛ كما قاله في "الكفاية"(1).

ويؤخذ من كلامه: أنه لا يجوز أكلُ شيء منه، وبه صرح الرافعي في (كتاب الأضحية)(2)، والجلد كاللحم.

وقضية كلامه: أنه لا فرق بين أن يفرق المذبوح عليهم، أو يعطيه بجملته لهم،

(1) كفاية النبيه (7/ 338).

(2)

الشرح الكبير (12/ 106).

ص: 723

وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ، وَالْحَاجِّ مِنىً، وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا مِنْ هَدْيٍ مَكَانًا، وَوَقْتُهُ وَقْتُ الأُضْحِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ.

===

وبه صرح الرافعي في الكلام على تحريم الصيد (1)، وتجب النية عند التفرقة؛ كما قاله الروياني وغيره (2)، وأقلّ ما يجزئ: أن يدفع الواجبَ إلى ثلاثة.

(وأفضل بُقعة) من الحرم (لذبح المعتمر: المروةُ، والحاجّ: منىً) لأنهما محلّ تحلّلهما، ومن هذا التعليل يعلم أن المراد بالمعتمر هنا: معتمر ليس بقارن.

(وكذا حكم ما ساقا من هدي مكانًا) لما في "الصحيح": (أنه صلى الله عليه وسلم أهدى في عام حجة الوداع مائة بدنة نحرت بمنىً)(3)، وروي:(أنه صلى الله عليه وسلم أهدى في عمرة الجعرانة هديًا نحر عند المروة).

(ووقته: وقت الأضحية على الصحيح) قياسًا على الأضحية، والثاني: لا يختص بوقت؛ كدماء الجبرانات، وقد ذكرنا في أثناء الباب قبله قبيل قوله:(فصل: إذا عاد إلى منى) كلامًا في المسألة تتعين مراجعتُه.

* * *

(1) الشرح الكبير (3/ 505).

(2)

بحر المذهب (4/ 48).

(3)

أخرجه مسلم (1218) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ص: 724