الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب صلاة الجماعة
هِيَ فِي الْفَرَائِضِ -غَيْرَ الْجُمُعَةِ- سُنَّة مُؤَكَّدَة، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايةٍ لِلرِّجَالِ
===
(كتاب صلاة الجماعة)
الأصل في مشروعيتها قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية، فأمر بها في الخوف، ففي الأمن أولى.
(هي في الفرائض -غيرَ الجمعة- سنةٌ مؤكدة) لقوله عليه السلام: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ (1) بِسَبع وَعِشْرِينَ دَرَجَة" متفق عليه، وفي رواية للبخاري:"بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"(2).
وذلك يدل على الندبية؛ لأن تفضيل الفعل على الترك يشعر بجواز الترك، وجمع بين الروايتين من وجهين: أحدهما: أن الاختلاف بحسب قرب المسجد وبعده، والثاني: أن الأولى في الصلاة الجهرية، والثانية في السرية؛ لأن السرية تنقص عن الجهرية بسماع قراءة الإمام والتأمين لتأمينه.
وخرج بـ (الفرائض): النوافلُ؛ فإن الجماعة تسن في بعضها في دون بعض على ما مر في بابه، وبـ (غير الجمعة): الجمعةُ؛ فإنها فرض عين فيها.
(وقيل: فرضُ كفايةٍ) لحديث: "مَا مِنْ ثَلَاثة فِي قَرْية، وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصلَاةُ .. إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ؛ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ" رواه أبو داوود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم (3).
(للرجال) فالنساء ليست في حقهن فرض كفاية، بل هي سنة في حقهن، والخنثى في هذا كالمرأة، ويستثنى من إطلاقه الفرائض المنذورة؛ فإنه لا يشرع فيها
(1)(الفذ) بالفاء والذال المعجمة هو: المنفرد. اهـ هامش (أ).
(2)
الرواية الأولى أخرجها البخاري (645)، ومسلم (650) عن ابن عمر رضي الله عنهما، والثانية أخرجها البخاري (647، 648) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
سنن أبي داوود (547)، سنن النسائي (2/ 106 - 107)، صحيح ابن حبان (2101)، المستدرك (1/ 211) عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
فَتَجبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِنِ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ .. قُوتلُوا، وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّساءِ تأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: عَيْنٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
الجماعة؛ كما صرح به الرافعي في (الأذان)(1).
(فتجب بحيث يظهر الشعارُ في القرية) فيكفي في القرية الصغيرة إقامتها في موضع، وفي الكبيرة في مَحالّ، ولا تسقط بفعلها في البيوت في الأصحِّ، ولو أقامها طائفة يسيرة من أهل البلد وأظهروها في كل البلد، ولم يحضرها جمهور المقيمين بالبلد .. حصلت الجماعة، وأقل جماعة يسقط بها الفرض عن الباقين .. اثنان، وقيل: ثلاثة (2).
(فإن امتنعوا كلهم .. قوتلوا) لتركهم المفروض، والمقاتل لهم الإمام أو نائبه دون الآحاد، وإذا قلنا: إنها سنة .. لم يقاتلوا على الأصحِّ.
(ولا يتأكد الندب للنساء تأكدَه للرجال في الأصح) لأن الجماعة لا تتأتى غالبًا إلا بالخروج إلى المساجد، وقد تكون فيه مشقة عليهن ومفسدة لهن، وعلى هذا: فلا يكره لهن تركها ويكره للرجال، والثاني: يتأكد لهن أيضًا؛ لعموم الأدلة السابقة.
(قلت: الأصح المنصوص) في "الأم"(3)(أنها فرضُ كفاية) لما سلف، وحمل دليل السنية على ما إذا كان هناك عذر من مرض ونحوه.
(وقيل: عينٍ، والله أعلم) لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتمامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ" متفق عليه (4).
وقضية إطلاقه: أنه لا فرق بين المقيم والمسافر، وهو المنصوص في "الأم"(5)
(1) الشرح الكبير (1/ 410).
(2)
بلغ مقابلة على خط مؤلفه عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).
(3)
الأم (2/ 292).
(4)
صحيح البخاري (644)، صحيح مسلم (651/ 252) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
الأم (2/ 291).
وَفِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ، وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ
===
ما حكاه السبكي وغيره، لكن جزم في "التحقيق" تبعًا للإمام بعدم فرضيتها في حق المسافر (1).
نعم؛ يستثنى من إطلاقه الخلاف مسائل: منها: العبيد، فليست فرضًا في حقهم قطعًا، وكذا المقضية، والعراة، وهل الأفضل في حق العراة الجماعة أو الانفراد؟ رجح الرافعي الجماعة (2)، ورجح المصنف: أن الجماعة وتركها سيان، ثم قال:(فلو كانوا عُمْيًا أو في ظلمة .. استحب لهم الجماعة قطعًا)(3).
(وفي المسجد لغير المرأة أفضلُ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ" متفق عليه (4).
ولأن المسجد مشتمل على الشرف وكثرة الجماعة.
نعم؛ صلاته في بيته جماعة أفضل من صلاته في المسجد منفردًا.
وقضية إطلاقه: أن المسجد أفضل وإن كانت الجماعة في خارجه أكثر، وبه صرح الماوردي (5)، وقال القاضي أبو الطيب: إذا كانت جماعة المنزل أكثر .. فهو أفضل، وقال الأَذْرَعي: إن ظاهر النص يشير إليه، وله شواهد من السنة وكلام الأصحاب.
أما المرأة: فجماعتها في بيتها أفضل؛ لقوله عليه السلام: "لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْر لَهُنَّ" رواه أبو داوود وصححه الحاكم (6).
وما كان من بيتها أستر .. فهو أفضل أيضًا، فإن حضرت المسجد .. كُره لمشتهاة ولشابة، لا لغيرهما عند أمن الفتنة، وإذا استأذنت وليًا أو زوجًا .. كُره إذنه حيث يُكره لها، وإلا .. نُدب، وإذا أرادته .. كُره الطيب وفاخر الثياب.
(وما كثر جمعه أفضل) لقوله عليه السلام: "صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكِى منْ
(1) التحقيق (ص 257)، نهاية المطلب (2/ 366).
(2)
الشرح الكبير (2/ 39).
(3)
روضة الطالبين (1/ 285).
(4)
صحيح البخاري (731)، صحيح مسلم (781) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(5)
الحاوي الكبير (2/ 384).
(6)
سنن أبي داوود (567)، المستدرك (1/ 209) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
إِلَّا لِبدْعَةِ إِمَامِهِ أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ لِغَيْبَتِهِ. وَإِدْرَاكُ تَكْبيرَةِ الإِحْرَامِ فَضيلَةٌ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إِمَامِهِ، وَقِيلَ: بِإِدْراكِ بَعْضِ الْقِيَامِ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ رُكُوعٍ. وَالصحِيحُ: إِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ
===
صلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ .. فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى الله تَعَالَى" رواه أبو داوود وصححه ابن حبان (1).
(إلّا لبدعةِ إمامِه) كالمعتزلي وغيره، وهكذا كل من لا يعتقد بعض الأركان" قال أبو إسحاق: بل الانفراد أفضل.
(أو تَعطُّل مسجدٍ قريبٍ لغببته) أي: تعطله عن الجماعة؛ لكونه إمامًا، أو لأن الناس يحضرون بحضوره، فقليل الجمع فيه أولى؛ لما فيه من هجرانه.
(وإدراكُ تكبيرة الإحرام فضيلةٌ) لورود الحث على ذلك عن السلف، وفيه حديث ضعيف في "الترمذي"(2).
(وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه) مع حضوره أيضًا تكبيرة الإمام من غير وسوسة ظاهرة؛ كما قاله في "شرحِ المهذب"(3)، فإن أخر .. لم يدركها؛ لقوله عليه السلام:"إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ .. فَكَبِّرُوا" متفق عليه (4)، والفاء للتعقيب.
(وقيل: بإدراك بعض القيام) لأنه محل التكبيرة الأولى، (وقيل: بأول ركوعٍ) لأن حكمه حكمُ قيامها؛ بدليل إدراك الركعة بإدراكه مع الإمام، والوجهان فيمن لم يحضر إحرام الإمام، . فأما من حضره .. فقد فاتته فضيلة التكبيرة وإن أدرك الركعة، حكاه في "زيادة الروضة" عن "البسيط" وأقرَّه (5)
(والصحيح: إدراك الجماعة) في غير الجمعة (ما لم يسلم) الإمام وإن لم يجلس
(1) سنن أبي داوود (554)، صحيح ابن حبان (2056)، وأخرجه النسائي (2/ 104 - 105)، وابن ماجه (790) عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
(2)
سنن الترمذي (241) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
المجموع (4/ 179).
(4)
صحيح البخاري (378)، صحيح مسلم (411) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5)
روضة الطالبين (1/ 342).
وَلْيُخَفِّفِ الإِمَامُ مَعَ فِعْلِ الأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ، إِلَّا أَنْ يَرْضَى بتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ. وَيُكْرَهُ: التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوع أَوِ التَّشَهُّدَ الأَخِيرِ بِدَاخِلٍ .. لَمْ يُكْرَهِ انْتِظَارُهُ فِي الأَظْهَرِ إِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ، وَلَمْ يَفْرُقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ
===
معه؛ لأنه قد أدرك معه ما يعتد له به، وهو النية وتكبيرة الإحرام، فحصلت له به الجماعة؛ كما لو أدرك ركعة، والثاني: لا يدرك إلا بركعة؛ لأن ما دونها لا يُحسب من صلاته، ورُدَّ بما سبق.
(وليخفف الإمام مع فعل الأبعاض والهيئات) لقوله عليه السلام: "إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ .. فَلْيُخَفِّفْ" متفق عليه (1).
(إلّا أن يرضى بتطويله) جميع المقتدين وهم (محصورون) فلا يخفف، بل يستحب التطويل؛ لانتفاء علة التخفيف، وحكى ابن كَجٍّ وغيره وجهًا: أن التخفيف أفضل مطلقًا حتى للمنفرد.
(ويكره التطويل ليلحق آخرون) للإضرار بالحاضرين، ولتقصير المتأخرين.
(ولو أحسَّ في الركوع أو التشهد الأخيرِ بداخلٍ .. لم يكره انتظارُه في الأظهر) لأنه يدرك الركعة إن كان في الركوع، ويدرك فضيلة الجماعة إن كان في التشهد، ويستثنى الركوع الثاني من الكسوف، فلا انتظار فيه؛ إذ لا تحصل بإدراكه الركعةُ على الأصحِّ، والثاني: يكره؛ لما فيه من التطويل على الحاضرين، وكلام الرافعي في "الشرح" يقتضي ترجيحه، واختاره السبكي؛ لأن فيه تشريكًا في العبادة، واقتضى كلام "المهمات": أن الأكثرين عليه (2).
(إن لم يبالغ فيه) فإن بالغ -بأن طول تطويلًا لو وُزِّع على جميع الصلاة .. لظهر له أثر محسوس في الكل- .. كره، فلو ظهر في الركوع خاصة ولم يظهر في الجميع .. فهو موضع القولين (ولم يَفْرُق بين الداخلِين) بل يقصد به التقرب إلى الله تعالى، لا التودد إلى الداخل، وحيث انتظر لا بقصد القربة .. بطلت صلاته بالاتفاق؛ كما
(1) صحيح البخاري (703)، صحيح مسلم (467) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
الشرح الكبير (2/ 146)، المهمات (3/ 292).
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا. وَيُسَنُّ لِلْمُصلِّي وَحْدَهُ -وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الأَصَحِّ-: إِعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا،
===
نقله في "الكفاية"؛ للتشريك (1).
وأشار بقوله: (بداخل) إلى أنه إذا كان خارج المسجد .. لا ينتظر قطعًا، وهو كذلك، قال المحب الطبري: وعلته التطويل، قال: لكنه مُنتقَض بالخارج القريب؛ لصغر المسجد، والداخل البعيد؛ لسعته، والوجه: مراعاة هذا التفصيل. انتهى.
(قلت: المذهب: استحباب انتظاره، والله أعلم) ونقله في "شرح المهذب" عن الأكثرين (2)؛ لأنه تحصيل مصلحة للغير بلا مضرة، فكان مستحبًا؛ كرفع الصوت بالأذان، وتكبيرة الإحرام.
(ولا ينتظر في غيرهما) أي: في غير الركوع والتشهد الأخير؛ لفقدان المعنى المذكور، قال في "شرح المهذب": بل يكره، قال: وإذا انتظر وطول .. لا تبطل انتهى (3).
ومحله: في غير الاعتدال والجلوس بين السجدتين؛ لقصرهما؛ كما تقرر في موضعه.
(ويسن للمصلي وحده -وكذا جماعةً في الأصح-: إعادتها مع جماعة يُدركها) لعموم قوله عليه السلام للرجلين الذين لم يصليا معه صلاةَ الصبح، وقالا: إنهما صلياها في رَحلهما: "إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتيتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ .. فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ" رواه أبو داوود، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم (4)، والثاني: لا تسن فيما إذا صلى جماعة؛ لحصول فضيلة الجماعة، فلا معنى للإعادة، بخلاف المنفرد.
وقوله: (مع جماعة) يُفهم: أنه لا يستحب إعادتها مع منفرد، وليس كذلك،
(1) كفاية النبيه (3/ 579).
(2)
المجموع (4/ 200).
(3)
المجموع (4/ 201).
(4)
سنن أبي داوود (575)، سنن الترمذي (219)، صحيح ابن حبان (1564)، المستدرك (1/ 244 - 245) عن يزيد بن الأسود رضي الله عنه.
وَفَرْضُهُ الأُولَى فِي الْجَدِيدِ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ. وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا -وَإِنْ قُلْنَا: سُنَّة- إِلأَ لِعُذْرٍ عَامٍّ؛ كَمَطَرٍ
===
بل هو مستحب جزمًا ولو كان صلى أولًا في جماعة؛ لتحصل له فضيلة الجماعة.
ويستثنى: صلاة الجنازة؛ فإنه لا تسن إعادتها على الصحيح؛ كما سيأتي، وكذلك الجمعة لا تجوز إعادتها؛ لأن الجمعة لا تقام بعد أخرى، ومحل استحباب الإعادة: إذا كان الوقت باقيًا، فأما بعد فواته .. فلا قطعًا، قاله صاحب "المعين".
قال صاحب "المذاكرة": ويلزم عليه: أنه لا تسن إعادة المغرب؛ تفريعًا على الجديد، وهو ضيق وقتها، وإطلاق المصنف يشمل وقت الكراهة، وهو الأصحُّ، وأطلق المصنف الإعادة ومراده: المعنى اللغوي، وهو الأداء، لا المصطلح عليه في الأصول (1).
(وفرضه الأُولى في الجديد) للحديث المار، ولسقوط الخطاب بها، والقديم: أنه إحداهما لا بعينها، والله تعالى يحتسب ما شاء منهما، وربما قيل: يحتسب أكملهما.
(والأصح) على الجديد (أنه ينوي بالثانية الفرضَ) لأنه إنما أعادها؛ لينال ثوابَ الجماعة في فرض وقته، وإنما ينال ذلك إذا نوى الفرض، والثاني: لا ينوي الفرض بل ينوي الظهر أو العصر مثلًا؛ لأن الأمر بنية الفرضية مع اعتقاد وقوع خلافه مُحالٌ، وهذا هو الراجح؛ كما قاله في "الروضة" و"شرح المهذب"(2).
(ولا رخصةَ في تركها) يعني: الجماعة (وإن قلنا: سنةٌ) لتأكدها (إلّا لعذر) لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ .. فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ" رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم (3).
(عام؛ كمطر) تحصل بالخروج معه مشقة؛ كما قيده الرافعي في الكلام على
(1) الإعادة عند أهل الأصول: هي العبادة الواقعة في الوقت إذا كانت مسبوقة بأداء مختل، وهو: ما فُقد فيه ركنٌ أو شرط. اهـ هامش (أ).
(2)
روضة الطالبين (1/ 344)، المجموع (4/ 196).
(3)
سنن ابن ماجه (793)، صحيح ابن حبان (2064)، المستدرك (1/ 245 - 246) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ بِالَّليْلِ، وَكَذَا وَحَلٌ شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ خَاصٍّ؛ كَمَرَضٍ، وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ، وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ، وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ، وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَمُلَازَمَةِ غَرِيمِ مُعْسِرٍ،
===
المرض (1)، وكثلج يَبُلُّ الثوبَ؛ لحديث ابن عباس فيه في "الصحيحين"(2).
(أو ريحٍ عاصفٍ بالليل) لما فيه من المشقة، والعاصفة هي الشديدة، (وكذا وَحَلٌ شديدٌ على الصحيح) ليلًا ونهارًا؛ لأنه أشق من المطر، والثاني: أنه ليس بعذر؛ لإمكان الاعتداد له بالنعال المطبقة ونحوها، والتقييد بالشديد وقع في "الكتاب" و"الروضة" و"أصليهما"(3)، وأطلق في "شرح المهذب" و"التحقيق" الوَحَلَ، ولم يقيده بالشديد (4)، قال الأَذْرَعي: وهو الوجه.
(أو خاصٍّ؛ كمرض) لأنه عليه الصلاة والسلام لما مرض .. ترك الصلاة بالناس أيامًا كثيرة (5).
ولا يشترط بلوغ المرض حدًا يُسقط القيام في الفرض، بل يشترط أن تحصل له مشقة؛ كمشقة الماشي في المطر.
(وحرٍّ وبردٍ شديدين) لأن المشقة فيهما كالمشقة في المطر والوَحَل بل أزيد، وعدّ في "الروضة" و"أصلها" هذين من الأعذار العامة (6)، وهو أَوْجَهُ.
(وجوعٍ وعطشٍ ظاهرين، ومدافعةِ حدثٍ) لما مر في آخر (شروط الصلاة).
(وخوفِ ظالمٍ على نفسٍ أو مالٍ) له أو لمن يلزمه الذب عنه؛ دفعًا للضرر.
(وملازمةِ غريمِ معسرٍ) هو بإضافة (غريم) إلى (معسر) أي: ملازمة غريمه له وهو معسر، ومحل هذا: إذا عَسُرَ عليه إثباتُ إعساره، وإلا .. لم يعذر؛ كما قاله في "البسيط".
(1) الشرح الكبير (2/ 151).
(2)
صحيح البخاري (901)، صحيح مسلم (699).
(3)
المحرر (ص 52)، روضة الطالبين (1/ 345)، الشرح الكبير (2/ 299).
(4)
المجموع (4/ 176)، التحقيق (ص 259).
(5)
أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418) عن عائشة رضي الله عنها.
(6)
روضة الطالبين (1/ 345)، الشرح الكبير (2/ 153).
وَعُقُوبَةٍ يُرْجَى تَرْكُهَا إِنْ تغيَّبَ أَيَّاما، وَعُرْيٍ، وَتأَهُّبٍ لِسَفَرٍ مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ،
===
(وعقوبةٍ يُرجى تركُها إن تغيّب أيامًا) يَسكن فيها غيضُ المستحق؛ كالقصاص وحدّ القذف وغيرهما مما يقبل العفو، بخلاف ما لا يقبله؛ كحدّ الزنا والسرقة.
(وعُرْيٍ) وإن وجد ما يستر عورته؛ لأن عليه مشقة في مشيه بغير ثوب يليق به، كذا علله في "شرح المهذب"(1)، ويؤخذ منه: أن ما لا يليق به -كالقَبَاء في حق الفقيه- كالمعدوم، قال شيخنا: وبه صرح بعضهم (2).
(وتأهبٍ لسفرٍ مع رُفقةٍ تَرحل) للمشقة في التخلف عنهم للجماعة.
(وأكلِ ذي ريحٍ كريهٍ) إذا لم تمكن إزالته بعلاج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ .. فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ" رواه مسلم (3).
وروى الطبراني في أصغر معاجمه: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْخُضْرَاوَاتِ: الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ وَالْفُجْلِ
…
" الحديث (4).
واحترز بالكريه: عما إذا طُبخت هذه الأشياء .. فإنه لا يعذر بأكلها؛ كما صرح به في "المحرّر"(5)، وقد يؤخذ من كلام المصنف: سقوط الجماعة بالبَخَر والصُّنان المستحكم بطريق الأولى، وفي البرص والجذام -عافانا الله منه- نظر، قال الإسنوي:(والظاهر: عدم السقوط)(6).
ودخول المسجد للذي أكل ما سبق مكروه، كذا جزم به في "الروضة" آخر (7)
(1) المجموع (4/ 178).
(2)
قال هذه العبارة قبله الإمام الإسنوي في "المهمات"(3/ 301).
(3)
صحيح مسلم (564)، وهو عند البخاري أيضًا برقم (855) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(4)
المعجم الصغير (1/ 21 - 22).
(5)
المحرر (ص 52).
(6)
المهمات (3/ 302).
(7)
في غير (ب): (قبيل) ولعل الصواب ما أثبت.