الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ مسح الخُفِّ
يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ لِلْمُقِيمِ: يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ: ثَلَاثَةً بِلَيَالِيهَا، مِنَ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسٍ، فَإِنْ مَسَحَ حَضَرًا ثُمَّ سَافَرَ أَوْ عَكَسَ. . لَمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ سَفَرٍ.
===
(باب مسح الخف)
الأصل فيه: أحاديث؛ منها: حديث جرير البَجَلِي قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم تَوضّأ، ومسح على خُفيه) متفق عليه (1).
قال الترمذي: (وكان يُعجبهم حديثُ جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة) أي: فلا يكون الأمر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخًا للمسح، كما صار إليه بعض الصحابة (2).
(يجوز في الوضوء للمقيم يومًا وليلةً وللمسافر) سفر قصر (ثلاثة بلياليها) لحديث علي في ذلك، أخرجه مسلم (3).
وخرج بـ (الوضوء): الغسلُ، فإنه لا يتكرر، فلا يشقّ نزع الخفّ لأجله، بخلاف الوضوء، وهذا في السليم.
أما دائم الحدث إذا تطهر، ثم لبس الخفّ، ثم أحدث غيرَ حدثه الدائم. . حلَّ له المسحُ لفريضة واحدة ونوافلَ على الأصحِّ، فلو أحدث بعد فعل الفريضة. . مسح ولم يصلِّ به إلَّا النوافلَ فقط.
(من الحدث بعد لبس) فلو أحدث ولم يمسح حتى انقضت المدة. . لم يجز المسح حتى يستأنف لبسًا على طهارة، وما لم يحدث. . لم تُحسب المدة ولو بقي شهرًا مثلًا؛ لأنها عبادة مؤقتة، فكان ابتداء وقتها من حين جواز فعلها؛ كالصلاة.
(فإن مسح حضرًا، ثم سافر، أو عكس) أي: مسح سفرًا ثم أقام (. . لم يستوف مدة سفر) بل يقتصر على مدة مقيم في الأولى، وكذا في الثانية إن أقام قبل
(1) صحيح البخاري (387)، صحيح مسلم (272).
(2)
سنن الترمذي (93).
(3)
صحيح مسلم (276).
وَشَرْطُهُ: أَنْ يُلْبَسَ بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ، سَاتِرَ مَحَلِّ فَرْضِهِ، طَاهِرًا، يُمْكِنُ تِبَاعُ الْمَشْي فِيهِ لِتَرَدُّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَاتِهِ، قِيلَ: وَحَلَالًا.
===
استيفائها، فإن أقام بعد ذلك. . أجزأه المسح فيما مضى وإن زاد على يوم وليلة؛ لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر، فيغلب فيها حكمُ الحضر؛ كما لو كان مقيمًا في أحد طرفي صلاته. . لا يجوز له القصرُ.
(وشرطه) أي: جواز المسح (أن يلبس بعد كمال طهر) لحديث أبي بكرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما)، قال الشافعي والخطابي: إنه صحيح الإسناد (1)، وشمل تنكيرُه الطهرَ التيممَ، والحكم فيه: أنه إن كان لإعواز الماء. . لم يستفد به المسح، بل إذا وجد الماء. . لزمه نزعُه، والوضوءُ الكامل على الأصحِّ، وإن كان لمرض ونحوه. . فكدائم الحدث، وقد مرّ حكمُه.
(ساترَ محل فرضه) من جميع الجوانب، إلّا من الأعلى على الصحيح، ويجزئ الشفافُ؛ كالزجاج إن أمكن متابعةُ المشي عليه، بخلاف رؤية المبيع من ورائه.
(طاهرًا) فلا يصحّ على نَجِس، ولا مُتنجِّس؛ لأنه لا يمكن الصلاةُ فيه.
(يمكن تباع المشي فيه لتردد مسافر لحاجاته) لأن المسح عليه إنما شُرع لحاجة اللابس إلى استدامته، والاستدامةُ إنما تتأتى فيما هذا شأنه، فلو تعذر المشيُ فيه لثقله؛ كحديد، أو غلظه؛ كخشبة عظيمة. . امتنع المسحُ عليه، أو لسعته أو ضيقه. . فكذا في الأصحِّ، فإن كان الضيق يتسع بالمشي. . جاز قطعًا.
وضبط الشيخ أبو محمد في "التبصرة" أقل ما يكفي المشي عليه بمسافة القصر، واعتمده في "المهمات"(2).
(قيل: وحلالًا) فلا يصح على مغصوب ونحوه؛ لأن الرخص لا تُناط بالمعاصي؛ كسفر المعصية، والأصح: أنه لا يشترط؛ لأن المعصية لا تختص باللباس، فلم تمنع الصحة؛ كالذبح بسكين مغصوب.
(1) أخرجه ابن خزيمة (192)، وابن حبان (1324).
(2)
المهمات (2/ 350).
وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ مَاءً فِي الأَصَحِّ، وَلَا جُرْمُوقَانِ فِي الأَظْهَرِ، وَيَجُوزُ مَشْقُوقُ قَدَمٍ شُدَّ فِي الأَصَحِّ. وَيُسَنُّ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ خُطُوطًا، وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ يُحَاذِي الْفَرْضَ،
===
(ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء في الأصح) لأنه لا يُعدُّ حائلًا، والثاني: يجزئ؛ كما لو تخرقت الظِّهارة والبِطانة من موضعين غيرِ متحاذيين. . فإنه يجوز وإن نفذ البللُ، ولا يضرُّ نفوذ الماء من موضع الخرز.
وهل المراد بالماء بلل المسح أو الماء إذا صب عليه؟ وجهان حكاهما القمولي، وجزم في "شرح المهذب" بالثاني (1).
وكان الأولى حذف لفظة (منسوج) ليعمّ.
(ولا جرموقان في الأظهر) لندرة الحاجة إليه، فلا تتعلق به هذه الرخصةُ العامة، والثاني: يجزئ؛ لأن الحاجة قد تَدعو إليه؛ لبرد ووَحَلٍ.
ومحل الخلاف: إذا كان كلٌّ منهما صالحًا للمسح عليه، فإن لم يَصلح واحدٌ منهما للمسح عليه. . لم يصحَّ قطعًا، وإن صلح الأعلى دون الأسفل. . صحَّ المسح عليه، والأسفل كلِفافة، وإن صلح الأسفل دون الأعلى. . صح إن وصل البللُ إليه، ولم يكن قصد الأعلى فقط.
(ويجوز مشقوق قدم شُدّ) بالشَرَج، وهي العرى، بحيث لم يظهر من محل الفرض شيء (في الأصح) لحصول الستر، وتيَسُّر المشي فيه، والثاني: المنع؛ كما لو لفّ على القدم قطعةً من أدم، وأحكمها بالشدّ.
(ويسن مسح) ظاهر (أعلاه وأسفله خطوطًا) للاتباع؛ كما أخرجه أبو داوود (2)، ويسن مسح العقب أيضًا.
(ويكفي مسمى مسح) لأن المسح ورد مطلقًا، ولم يصحّ في تقديره شيءٌ، فتعين الاكتفاء بما ينطلق عليه الاسمُ، ولو غسله. . أجزأه على الأصح مع الكراهة.
(يحاذي الفرض) من الظاهر؛ لأنه بدلٌ عن الغسل، فلو مسح باطن
(1) المجموع (1/ 569).
(2)
سنن أبي داوود (165) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
إِلَّا أَسْفَلَ الرِّجْلِ وَعَقِبَهَا. . فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ. قُلْتُ: حَرْفُهُ كَأَسْفَلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ. فَإِنْ أَجْنَبَ. . وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ، وَمَنْ نَزَعَ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ. . غَسَلَ قَدَمَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ: يَتَوَضَّأُ.
===
ما يحاذي الفرض. . لم يُجْزِه قطعًا.
(إلا أسفل الرجل وعقبَها. . فلا على المذهب) لأن البابَ بابُ اتباع، ولم يرد الاقتصار على الأسفل، وقيل: يكفي؛ لأنهما محلّ الفرض، فأشبها الأعلى.
(قلت: حرفه كأسفله، والله أعلم) لاشتراكهما في عدم الرؤية غالبًا.
(ولا مسح لشاكّ في بقاء المدة) لأن الأصل غسل الرجلين، والمسحَ رخصة بشرائطَ، فإذا وقع الشكُّ في الشرط. . عاد الأصلُ.
(فإن أجنب. . وجب تجديد لُبس) بعد الغسل إن أراد المسح؛ لحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا ألّا ننزع خفافَنا ثلاثةَ أيام ولياليَهن، إلَّا من جنابة)(1).
(ومن نزع وهو بطهر المسح. . غسل قدميه) لأن الأصل غسلهما، والمسح بدل، فإذا قدر على الأصل. . زال حكمُ البدل؛ كالمتيمم بعد وجود الماء (2)، (وفي قول: يتوضأ) لأن الوضوء عبادة يُبطلها الحدثُ، فيبطل كلها ببطلان بعضها؛ كالصلاة.
وقال في "شرح المهذب": الأقوى: ما اختاره ابن المنذر، أنه لا يلزمه غسل القدمين ولا الوضوء ما لم يُحدث (3)، وحكاه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني في الأصول وجهًا لنا (4).
* * *
(1) أخرجه الترمذي (96)، والنسائي (1/ 83 - 84)، وابن ماجه (478) عن صفوان بن عسال رضي الله عنه.
(2)
بلغ مقابلة على أصل مؤلفه عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).
(3)
المجموع (1/ 592).
(4)
في (ب) و (د): (وجهًا ثالثًا).