المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الطّهارة قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}. يُشْتَرَطُ - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌ ‌كتابُ الطّهارة قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}. يُشْتَرَطُ

‌كتابُ الطّهارة

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} . يُشْتَرَطُ لِرَفع الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ: مَاءٌ مُطْلَقٌ،

===

(كتاب الطهارة)

الكتابُ والكَتْبُ: مصدران، صَرَّح به جماعة، تقول: كَتَب يَكتُب كَتْبًا وكِتابًا، ومادَّةُ (كتب) يَدُور معناها على الجمع، ومنه قولهم: تَكتَّبت بنو فلانٍ: إذا اجتمعوا، وكتب: إذا خَطَّ بالقلم؛ لما فيه من اجتماع الكلمات والحروفِ.

وهو في اصطلاح الْمُصنِّفين: اسمٌ لجنسٍ من الأحكام ونحوِها، مشتملةٌ على أنواعٍ مختلفةٍ؛ كالطهارة المشتملةِ على مياهٍ، وآنيةٍ، ووضوءٍ، وغسلٍ وغيرِها.

ويُعَبَّر عن تلك الأنواعِ تارةً بـ (بابٍ)، وتارةً بـ (فصلٍ)، إلَّا أن المصنِّفَ لم يُترجِم للمياه بِـ (بابٍ)، ولا (فصلٍ)، وكذا الاجتهادُ، والآنيةُ، وكان ينبغي أن يُترجِم لها؛ كغيرها من الأنواع.

والطهارة في اللغة: النظافة، وفي الاصطلاح كما قاله في "الدقائق" و"شرح المهذب": رفعُ حدثٍ، أو إزالةُ نَجَسٍ، أو ما في معناهما (1)؛ أي: كالغَسْلة الثانيةِ والثالثةِ، والطهارةِ المسنونةِ، وطهارةِ المستحاضةِ، والتيممِ ونحوِها، فهي طهاراتٌ لا تَرْفَع حدثًا، ولا تُزيلُ نَجَسًا، لكنّها لمّا وقعت بنية القربة. . صارت في معنى الفعل الواجب.

(قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} بدأ بها تبركًا وتيمنًا بالشافعي رضي الله عنه؛ إذ من عادتِه إذا كان في الباب آيةٌ. . تلاها، أو خبرٌ. . رواه، أو أثرٌ. . ذكره، ثم رَتَّب عليه مسائلَ الباب، وتبعه في "المحرّر"، وحذفه المصنفُ في باقي الأبواب.

(يشترط لرفع الحدث والنجس ماء مطلق) فلا يصحّان بما لا يقع عليه اسمُ الماء؛

(1) دقائق المنهاج (ص 31)، المجموع (1/ 119).

ص: 105

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

كالخَلِّ، ونبيذ التمرِ، ولا بما يقع عليه مع التقييد؛ كماء الوردِ، والأُشْنانِ.

أمّا الحدثُ: فلقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، أمر الله تعالى بالتيمم عند فقدِ الماءِ، فدلَّ على منعه بغيره، ونقل ابن المنذر وغيرُه الإجماعَ على اشتراطه في الحدث (1)، وأما النجَس: فلحديث: "صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ"(2).

فصفةُ الإطلاق لازمةٌ للفظ (الماء) ما لم يُقيَّد وإن لم يُصرَّح بها، وحينئذ فيكون الماءُ المأمورُ به ماء مطلقًا، فيخرج المقيَّد بمفهوم الصفةِ، والمأمورُ لا يَخرُج عن الأمر إلَّا بامتثال ما أُمِرَ به.

وكان ينبغي أن يقول: (ونحوهما) ليتناول طهارةَ دائمِ الحدثِ، والوضوءَ المجدَّدَ، والأغسالَ المسنونةَ، وغَسْلَ الميت، وغُسْلَ الذِّمِّيَّة والمجنونةِ؛ لتَحِلَّ للزوج، ونحوَ ذلك، فإنها طهارات لا تَرفع حدثًا، ولا تُزيل نَجَسًا، ويُشترط لها الماءُ.

وكان الأولى أن يقول: (وإزالة نَجَس) لأن النَّجَس لا يوسف بالرفع في اصطلاحهم.

وخرج بقوله: (ماء) الترابُ، فإنّه مُبِيحٌ لا رافعٌ، والاستنجاءُ بالأحجار، فإنّه تخفيفٌ مَعفوٌّ عن أثر النجاسةِ فيه، لا إزالة.

وأبدل المصنفُ قولَ "المحرّر": (ولا يجوز) بـ (يشترط) لأنه لا يلزم من عدم الجوازِ الاشتراطُ، قاله في "الدقائق"(3).

واعتُرض: بأنه في "شرح المهذب" ذكر: أن لفظةَ (يجوز) تُستعمل تارةً بمعنى الحِلِّ، وتارةً بمعنى الصحة، وتارةً بمعناهما، وهذا الموضعُ مما يَصلُح للأمرين (4).

وأجيب: بأن لفظةَ (يشترط) تقتضي تَوقُّفَ الرفعِ على الماء، ولفظة (لا يجوز)

(1) الإجماع (ص 29).

(2)

أخرجه البخاري (219)، ومسلم (284) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

دقائق المنهاج (ص 31).

(4)

المجموع (1/ 119).

ص: 106

وَهُوَ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ. فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنَىً عَنْهُ -كَزَعْفَرَانٍ- تغيُّرًا يَمْنَعُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ. . غَيْرُ طَهُورٍ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الاسْمَ، وَلَا مُتَغيّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ،

===

متردِّدةٌ بين تلك المعاني ولا قرينةَ، فالتعبير بـ (يشترط) أولى.

(وهو) أي: الماء المطلقُ (ما يقع عليه اسمُ ماء بلا قيدٍ) بإضافة؛ كماءِ وردٍ، أو بصفة؛ كماءٍ دافقٍ، أو بلامِ عهدٍ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ" يعني: المنِيَّ (1).

وهذا التفسيرُ صحّحه المصنفُ في "أصل الروضة"، و"شرح المهذب"، ونَصَّ عليه في البويطي، وحكى الرافعي وجهين من غيرِ ترجيحٍ: أحدهما: هذا، والثاني: أنه الباقي على أوصافِ خلقتِه (2).

(فالمتغير بمستغنى عنه -كزعفران- تغيرًا يمنع إطلاق اسم الماء. . غيرُ طهور) وإن كَثُر؛ لفقد الإطلاقِ بإضافته إلى مُخالطٍ؛ إذ يقال: ماءُ زعفَرانٍ مثلًا.

ولا فرق في التغير بين الحسي والتقديري، حتى لو وقع في الماء ما يوافقه في الصفاتِ؛ كماءِ وردٍ منقطعِ الرائحةِ، فلم يَتغير. . قُدِّر بمخالفٍ وسطٍ، فإن غَيَّره. . سلبه الطهوريةَ على الأصح.

ويستثنى من المستغنى عنه: المتغير بأوراق الأشجارِ المتناثرةِ، وبالملح المائي؛ فإنه لا يضرُّ على الأصحِّ.

(ولا يضر تغيرٌ لا يمنع الاسمَ) وهو التغير اليسير؛ لإطلاق اسمِ الماءِ عليه، وقيل: يَضُرُّ، وهو قضيةُ إطلاقِ العراقيين.

(ولا متغيرٌ بمكث وطينٍ وطحلَب، وما في مقره وممره) من زِرْنيخ ونحوه وإن فَحُش التغير؛ إذ لا يمكن صَوْنُ الماءِ عن ذلك.

وقضيةُ كلامه: العفوُ عن الطين والطُّحْلَبِ وإن لم يكونا في المقرِّ والممرِّ، وهو في الطين كذلك كما يجيء في التراب.

(1) أخرجه البخاري (130)، ومسلم (313) عن أم سلمة رضي الله عنها.

(2)

الشرح الكبير (1/ 9 - 10)، روضة الطالبين (1/ 7)، المجموع (1/ 121).

ص: 107

وَكَذَا مُتَغَيِّر بِمُجَاوِرٍ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِي الأَظْهَرِ. وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ.

===

وأما في الطُّحلب: فلا، بل لو أخرج الطُّحلب أو الزِّرنيخ ونحوهما، ودقَّ ناعمًا، وألقي فيه وغَيَّرَه. . ضرَّ على الأصحِّ في "شرح المهذب" وغيره (1).

(وكذا متغير بمجاوِر؛ كعود ودهن، أو بتراب طُرِحَ فيه في الأظهر)

أما المجاورُ: فلأنه تَغيَّر بما لم يَختلطْ به، فأشبه التَّغيُّرَ بجيفةٍ قريبةٍ من الماء، ووجهُ مقابلِه: القياسُ على التَّغيُّر بالمخالط، وأما التراب: فلأنه مأمورٌ به في نجاسةِ الكلب، فلو كان يَسلُب. . لَما أمر به، ووجه مقابلهِ: تَغيُّره بمخالطٍ يَستغني الماءُ عنه، فأشبه الزَّعفَران.

(ويكره المشمَّسُ) أي: استعماله في البدن في الطهارة وغيرِها تَنْزيهًا؛ لما رواه الشافعي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يكره الاغتسالَ به، وقال: إنه يُورث البَرَصَ، ورواه الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا، لكنه ضعيف (2)، وقيل: لا يكره، واختاره المصنفُ، وقال في "شرح المهذب": إنه الصوابُ، وفي "التنقيح": إنه الصحيح المختارُ (3).

وعلى الأول: إنما يكره بقُطْرٍ حارٍّ، قال القاضي: وفي وقتٍ حارٍّ، في إناءٍ مُنطبعٍ، وهو: كل ما طرق؛ كالنحاس، إلَّا الذهبَ والفضةَ على الأصحِّ؛ لصفاء جوهرِهما.

ولو لم نَجِدْ غيرَ مشمَّس. . وجب استعمالُه مع عدم الكراهة؛ كما قاله ابن عبد السلام.

والمشمَّس في الحِياضِ والبِرَكِ غيرُ مكروهٍ بالاتفاق، ولا يشترط تغطيةُ رأسِ الإناءِ، ولا قصدُ التشميسِ على الأصحِّ.

وإذا برد. . زالت الكراهةُ على الأصحِّ في "الروضة"، وقال في "الشرح

(1) المجموع (1/ 154).

(2)

الأم (2/ 7)، سنن الدارقطني (1/ 38).

(3)

المجموع (1/ 131).

ص: 108

وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطهَارَةِ -قِيلَ: وَنَفْلِهَا-: غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ، فَإِنْ جُمِعَ قُلَّتَيْنِ. . فَطَهُورٌ فِي الأَصَحِّ. وَلَا تنجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ نَجِسٍ، فَإِنْ غَيَّرَهُ. . فَنَجِسٌ،

===

الصغير": (الأظهر: بقاؤها)(1).

(والمستعملُ في فرض الطهارة -قيل: ونفلها- غيرُ طهور في الجديد).

اختلفوا في تعليله، فقيل: لتأدي فرضِ الطهارةِ به، ويُعبَّر عنه بانتقال المانع، وهو الأصحُّ، وقيل: لتأدي العبادةِ به، فعلى الأولِ: المستعملُ في مسنوناتِ الطهارةِ طهورٌ دون المستعملِ في غُسلِ كافرةٍ عن حيضٍ أو نفاسٍ لتَحِلَّ لزوجِها المسلمِ؛ لأنه استُعمل في فرضٍ، وعلى الثاني: ينعكس الحكمُ.

والقديم: أنه طهورٌ استُعمل في فرض الطهارةِ أو نفلها؛ لأن الطهورَ ما تتكرر منه الطهارةُ؛ كالقَتول والضَّروب، ولأنه ماءٌ باقٍ على إطلاقه، فكان طهورًا كما لو غَسَلَ به ثوبًا طاهرًا.

(فإن جُمعَ قلتين. . فطهورٌ في الأصح) كالماء النَّجِس، بل أولى، والثاني: لا؛ لأن وصف الاستعمالِ لا يزول.

(ولا تنجس قلتا الماء بملاقاة نَجِس) لحديث: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ. . لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا" صححه الحفاظُ (2).

(فإن غَيَّره. . فنجِس) بالإجماع، سواءٌ أقَلَّ التغيُّرُ أم كَثُرَ، سواءٌ المخالِطُ والمجاوِرُ، سواءٌ تَغيَّر حِسًّا أم تقديرًا؛ كما تقدم نظيرُه في التغير بالطاهرات، إلّا أنّا هنا نُقدِّر النجاسةَ مخالفة في أغلظ الصفات، وهناك في أوسطها، وهنا نكتفي بأدنى تغيرٍ، وهناك لا بدّ من فُحْشه.

وقد يوهم كلامُه تَنجُّس كلِّه بتغير بعضِه، وقال الرافعي في "الكبير":(إنه ظاهرُ المذهبِ)، لكن صحح في "شرح المهذب" وغيره: أن المتغير نَجِسٌ، وأما

(1) روضة الطالبين (1/ 11).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 133)، وابن حبان (1249)، وأحمد (2/ 38)، وأبو داوود (63)، وابن ماجه (517) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 109

فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَاءٍ. . طَهُرَ، أَوْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ. . فَلَا، وَكَذَا تُرَابٌ وَجِصٌّ فِي الأَظْهَرِ. وَدُونَهُمَا يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ، فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ وَلَا تَغَيُّرَ. . فَطَهُورٌ، فَلَوْ كُوِثِرَ بِإِيرَادِ طَهُورٍ فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا. . لَمْ يَطْهُرْ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ.

===

الباقي: فإن كان قلتين. . لم يَنجُس، وإلاّ. . تنَجَّس؛ لأن هذا المتغيرَ بالنجاسة لا يزيد على عين النجاسةِ الجامدةِ، وقوَّاه في "الشرح الصغير"(1).

(فإن زال تغيره بنفسه أو بماء) زِيد فيه أو نُقِص منه، فدخله الريحُ أو الشمسُ فزال التغير (. . طهر) لزوال العلة، وهي التغير.

(أو) زال (بمسك وزعفران) أو خلٍّ (. . فلا) يطهر؛ لأنا لا ندري أن أوصافَ النجاسةِ زالتْ، أو غلب عليها المطروحُ فسترها.

ومن هذا التعليل لم يحسن تعبيرُ "الكتاب" لأن تقديرَه وإن زال بالمسك. . لم يطهر؛ لأنا نشك في زواله، وذلك متهافت، وعبارةُ "المحرّر"، و"الشرح"، و"الروضة" سالمةٌ من ذلك؛ فإنها: وإن طرح فيه مسك أو زعفران فلم يوجد التغير. . لم يطهر (2).

(وكذا ترابٌ وجصٌّ في الأظهر) للشك في أنه ساترٌ أو مزيلٌ، وفيه ما مرَّ، ومحلُّ الخلاف: في حال الكدورة، فإن صفا ولا تغيُّر به. . طهر قطعًا؛ كما قاله في "شرح المهذب"(3).

(ودونهما ينجس بالملاقاة) وإن لم يتغير؛ لمفهوم حديثِ القلتين المارِّ (4).

(فإن بلغهما بماء) ولو نَجِسًا ومستعملًا (ولا تغير. . فطهور)(5) لأن الكثرةَ دافعةٌ للنجاسة، وخرج بقوله:(بماء) المائعاتُ.

(فلو كوثر) المتنجس القليلُ (بإيراد طهور) عليه (فلم يبلغهما) أي: القلتين (. . لم يطهر) لأنه ماءٌ قليل فيه نجاسةٌ، (وقيل: طاهر لا طهور) لأنه متنجسٌ

(1) الشرح الكبير (1/ 49 - 50)، المجموع (1/ 163 - 164).

(2)

المحرّر (ص 8)، الشرح الكبير (1/ 46)، روضة الطالبين (1/ 20 - 21).

(3)

المجموع (1/ 192).

(4)

في (ص 109).

(5)

في (د): (ولا تغير به).

ص: 110

وَيُسْتَثْنَى: مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ، فَلَا تنجِّسُ مَائِعًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا فِي قَوْلٍ: نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ. قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْجَارِي كَرَاكِدٍ، وَفِي الْقَدِيمِ: لَا يَنْجُسُ بِلَا تَغيُّرٍ. وَ (الْقُلَّتَانِ): خَمْسُ مِئَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ

===

وَرَدَ عليه الماءُ فطهره؛ كثوب متنجس.

(ويستثنى ميتة لا دم لها سائل) عند ذبحها؛ بناءً على نجاستها بالموت، وهو الأصحُّ؛ كذباب وبراغيثَ وخنافسَ وعقربٍ ووَزَغٍ، لا ضِفْدع وحيّة، (فلا تُنجِّس مائعًا على المشهور) للمشقة وعُسر الاحتراز، والثاني: تنُجِّسه؛ كسائر الميتاتِ النجسةِ.

ومحلُّ الأول: إذا لم تغيره، فإن غيرته. . نَجَّسته على الأصحِّ عند المصنف، ومحلُّه أيضًا: ما إذا لم يُطرَح، فإن طُرح قصدًا. . لم يُعف عنه؛ كما جزم به في "الشرح الصغير".

(وكذا في قولٍ: نَجَسٌ لا يدركه طرف) لقلته؛ كنقطة بولٍ وما تَعلَّق برِجلِ ذبابةٍ من نجاسةٍ؛ لعُسر الاحتراز، (قلت: ذا القول أظهر، والله أعلم) لما ذكرناه، ووجه مقابله: القياسُ على سائر النجاسات.

(والجاري كراكد) فيما مرَّ من التفرقة بين القليلِ والكثيرِ، والعبرةُ بالجرية نفسِها لا بمجموع الماءِ، فإذا كانت الجرية، وهي الدفعة التي عند حافتي النهر في العرض دون قلتين تنجست بملاقات النجاسة؛ لمفهوم حديث القلتين المار، فإنه لم يفصل فيه بين الجاري والراكد (1).

(وفي القديم: لا يَنجُس بلا تغير) لأن الجاريَ واردٌ على النجاسةِ، فلا يَنجُس إلَّا بالتغير؛ كالماء الذي تُزال به النجاسةُ، كذا علَّله الرافعى (2)، وقضيتُه: كونُه طاهرًا لا طَهورًا؛ كالغسالة، فليتأمل.

(والقلتان: خمس مئة رطل بغدادي) لما رواه الشافعي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرٍ. . لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ"، ثم روى الشافعي عن ابن

(1) في (ص 109).

(2)

في "الشرح الكبير"(1/ 56 - 57).

ص: 111

تَقْرِيبًا فِي الأَصَحِّ. وَالتَّغَيُّرُ الْمُؤَثِّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ: طَعْمٌ، أَوْ لَوْن، أَوْ رِيحٌ. وَلَوِ اشْتبَهَ: مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ. . اجْتَهَدَ

===

جريج أنه قال: رأيتُ قلال هجر، فالقلة منها تَسَعُ قِربتين أو قربتين وشيئًا (1).

فاحتاط الشافعي، وحسب (الشيء) نصفًا؛ لأنه لو كان فوقَ النصفِ. . لقال تَسَعُ ثلاثَ قِربٍ إلَّا شيئًا، فإنه عادةُ أهل اللسانِ، فيكون جملةُ القلتين خمسَ قِرب.

ثم إن القِربة لا تزيد غالبًا على مئة رطلٍ برطل بغدادَ، فيكون المجموعُ ما ذكره المصنفُ، وبالدمشقي مئة وثمانية أرطالٍ وثلث على رأي الرافعي في رطل بغدادَ، وعلى رأي المصنفِ مئة وسبعة أرطال وسبع رطل.

وبالمساحة ذراعٌ وربعٌ طولًا وعرضًا وعمقًا في مستوي الأضلاع فإن اختلف. . فبحسابه، وذكر بعضهم أنهما ذراعان طولًا في دور ذراع في مدورٍ كبئرٍ، والمرادُ: ذراعُ الآدمي، وطوله شبران تقريبًا.

(تقريبًا في الأصح) لما سبق، فعلى هذا يُعفى عن رطلين فقط على الأشهر في "زيادة الروضة"(2)، والثاني: أنه تحديدٌ؛ كنصاب السرقة.

(والتغير المؤثر) حسًّا أو تقديرًا (بطاهر أو نَجِس: طعم، أو لون، أو ريح) أي: تكفي أحدُ الأوصافِ، وهو في النَّجِس إجماعٌ، وفي الطاهر أظهر الأقوال.

(ولو اشتبه ماء طاهر بنجِس. . اجتهد) لأنه شرطٌ من شروط الصلاةِ، يمكن التوصلُ إليه بالاجتهاد، فوجب الاجتهادُ فيه عند الاشتباه؛ كالقِبلة.

وللاجتهاد شروط:

الأول: بقاءُ الوقتِ، فلو ضاق عن الاجتهاد. . تيَمَّم وصلَّى وأعاد، قاله العمراني في "البيان"(3)، الثاني: بقاء المشتبهين، فإن صُبَّ أحدُهما أو انصبَّ بنفسه. . لم يجتهد على الأصحِّ عند المصنف، بل يَتيمَّم ويصلِّي بلا إعادةٍ، الثالث: أن يكون الإناءان لواحدٍ، فلو اشتبه إناءان لاثنين لكل واحدٍ إناءٌ. . تَوضَّأ كلُّ واحدٍ بإنائه، قاله بعضُهم.

(1) الأم (1/ 11).

(2)

روضة الطالبين (1/ 19).

(3)

البيان (1/ 59).

ص: 112

وَتَطَهَّرَ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ، وَقِيلَ: إِنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ. . فَلَا، وَالأَعْمَى كَبَصيرٍ فِي الأَظْهَرِ. أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ. . لَمْ يَجْتَهِدْ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يُخْلَطَانِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ. أَوْ وَمَاءُ وَرْدٍ. . تَوَضَّأَ بِكُلٍّ مَرَّةً،

===

ولو حذف لفظة (ماء). . لكان أخصرَ وأشملَ، فإن الثياب والأطعمةَ والترابَ كذلك.

(وتَطهَّر بما ظَنَّ طهارتَه) بأمارةٍ؛ كاضطرابٍ أو رَشاشٍ أو تَغيُّرٍ أو قربِ كلبٍ، فيغلب على الظن نجاسةُ هذا وطهارةُ غيره، (وقيل: إن قدَر على طاهرٍ بيقينٍ) كأن كان على شطِّ البحرِ (. . فلا) يجوز له الاجتهادُ، لأنه قادرٌ على تأدي الفرضِ بيقينٍ، فلا يسوغ تأديتُه بالاجتهاد؛ كمن بمكةَ ولا حائلَ بينَه وبين الكعبةِ، والأصحُّ: الجوازُ.

والفرقُ: أن القبلة في جهة واحدةٍ، فإذا قدَر عليها. . كان طلبُه لها في غيرها عبثًا، ولأن اليقين هناك في محلِّ الاجتهاد، وهنا بخلافه، ولأن الماءَ مالٌ، وفي الإعراض عنه تفويتُ ماليتِه مع إمكانها، بخلاف القبلة.

(والأعمى كبصير في الأظهر) لإمكان الوقوفِ على الأماراتِ باللمس، والشمِّ، والاستماعِ، واعوجاج الإناءِ، واضطراب الغطاءِ، فجاز له الاجتهادُ؛ كالوقت، والثاني: لا يجتهد؛ لأن النظر له أثرٌ في حصول الظنِّ بالمجتهَد فيه، وقد فقده فلم يجز؛ كالقبلة.

(أو) اشتبه (ماءٌ وبولٌ. . لم يجتهد على الصحيح) لأن الاجتهاد يقوي ما في النفس؛ من الطهارة الأصلية، والبول لا أصل له في الطهارة، فامتنع العمل به، والثاني: يجوز؛ كالماء النجِس، (بل يُخلطان) أو يُريقهما (ثم يتيمم) لئلَّا يتيمم ومعه ماء طاهرٌ بيقين.

(أو وماءُ وردٍ. . توضأ بكلٍّ مرةً) ليتيقن استعمالُ الطهور، ولا يجتهد؛ إذ لا أصلَ له في التطهير.

واغتفر التردد في النية لمقام العذر؛ كنسيان إحدى الخمسِ، ويندفع الترددُ المذكورُ، بأن يأخذ غَرفةً من هذا وغَرفةً من هذا، ويغسل خدَّه الأيمنَ بيمناه،

ص: 113

وَقِيلَ: لَهُ الاجْتِهَادُ. وَإِذَا اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ. . أَرَاقَ الآخَرَ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَلغيَّرَ ظَنُّهُ. . لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي عَلَى النَّصِّ، بَلْ يَتَيَمَّمُ بِلَا إِعَادَة فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أَخْبَرَ بِتَنَجُّسِهِ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَبيَنَ السَّبَبَ، أَوْ كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا. . اعْتَمَدَهُ

===

والأيسرَ بيسراه دفعةً من غير خلطٍ ناويًا في تلك الحالةِ، ثم يعيد غَسل وجهِه، ويُكمل وضوءَه بأحدهما، ثم يتوضأ بالآخر، فيصح وضوءُه وجزمه بالنية.

(وقيل: له الاجتهاد) كالطهور مع المتنجِّس، والفرق على الأول ما مرَّ.

(وإذا استَعمل ما ظنَّه. . أراقَ الآخرَ) ندبًا، إن لم يحتج إلى شربه؛ لئلَّا يَغلَط فيستعمله، أو يتغير اجتهادُه فيشوِّش عليه.

(فإن تركه وتغير ظنُّه) بأن ظن ثانيًا طهارةَ ما ظنَّ نجاستَه أولًا (. . لم يعمل بالثاني على النص) لأنه إن لم يغسل ما أصاب الأول. . صلَّى مع يقين النجاسةِ، وإن غسله. . كان نقضًا للاجتهاد بمثله، وقال ابن سريج: يُعمل به؛ كالقبلة، وهذا حكمٌ جديدٌ، فلا نقضَ إذًا، ولهذا لا يعيد الصلاةَ الأولى.

(بل يتيمم) لأنه ممنوعٌ من استعماله (بلا إعادة) للصلاة الثانيةِ (في الأصح) لأنه تيَمَّم لها وليس معه ماءٌ طاهرٌ بيقينٍ، والثاني: يعيد؛ لأن معه ماءً طاهرًا بحكم الاجتهادِ.

ومحلُّ تصحيح الأولِ: إذا لم يَبق من الأول شيءٌ، فإن بقي منه بقية. . وجبت الإعادة إذا حضرت صلاة أخرى على الأصحِّ.

ومحلُّ الخلاف: في الإعادة للمسافر، أمّا الحاضرُ. . فيعيد قطعًا، نَبَّه عليه صاحبُ "المعين".

(ولو أخبر بتنجُّسه مقبولُ الرواية)(1) ولو امرأةً وعبدًا (وبَيَّن السببَ) كأن قال: (رأيتُ الكلبَ قد شرب منه)، سواء كان عاميًّا أو فقيهًا، موافقًا أو مخالفًا.

(أو كان فقيهًا موافقًا) ولم يُبيِّن السببَ (. . اعتمده) لأنه خبرٌ يغلب على الظنّ التنجيس، والإخبار به من أخبار الدين، فوجب الرجوع فيه إلى المخبر؛ كأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم.

(1) في (ب) و (د): (ولو أخبره بتنجسه).

ص: 114

وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ، إِلَّا ذَهَبًا وَفِضَّةً فَيَحْرُمُ،

===

فإن انتفى التبيين والموافقة؛ كقول الحنفي: (هذا نجِس). . لم يعتمده؛ لجواز أن يكون مستندُه ولوغَ ذئبٍ ونحوه من السباع التي يقولون بنجاسة أفواهها، ونحن نخالفُهم فيها.

(ويحلّ استعمالُ كلِّ إناءٍ طاهرٍ) بالإجماع.

وأورد على طرده: الإناءُ المغصوبُ وجلدُ الآدمي المحترم، فإنهما طاهران ولا يحلّ استعمالُهما.

وأجيب عن الأول: بأن المرادَ: الحلُّ وعدمُه من حيث كونُه إناءً، والمغصوب تحريمه لمعنىً آخر، وهو تحريم مِلك الغير إلَّا برضاه، وفيه نظر، فإنه لا يحتاج على هذا إلى التقييد بالطاهر؛ إذ تحريم النجس بتنجيس المظروف لا لذاته، وعن الثاني: بأنه نادرٌ، فلم يندرج في العموم.

وأورد على مفهومه: ما لو وسع إناءٌ نَجِسٌ قلتين فأكثر. . فإنه يحل استعمالُه في الماء؛ كما قاله في "التنقيح"، ويحل استعمالُه أيضًا في اليابسات مع الكراهة؛ كما في "زوائد الروضة"(1).

وأجيب عنه: بأن في استعمال النجس تفصيلًا؛ وهو الكراهةُ في الجافِّ، والحرمةُ في الرَّطْب والمائع وإن كثر، والماء القليل، والجواز في الماء الكثير؛ فقد خالف حكمُه حكمَ الإناء الطاهر وهو إطلاق الحلّ.

(إلا ذهبًا وفضةً. . فيحرم) بالإجماع، وسواء الرجل والمرأة، والإناء الكبير والصغير، حتى الميل، إلَّا أن يحتاج إليه لجلاء عينه. . فيحلّ، قاله الماوردي.

ويحرم على الولي سقيُ الصغير بإناءِ ذهبٍ أو فضةٍ، وهل تحريمه لعينه أم للسرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء؛ فيه خلاف، والراجح: الأول.

وتظهر فائدة الخلاف في النحاس المموَّه بهما، وعكسه، قاله الرافعي (2).

(1) روضة الطالبين (1/ 44).

(2)

الشرح الكبير (1/ 92).

ص: 115

وَكَذَا اتِّخَاذُهُ فِي الأَصَحِّ. وَيَحِلُّ الْمُمَوَّهُ فِي الأَصَحِّ، وَالنَّفِيسُ - كَيَاقُوتٍ - فِي الأَظْهَرِ. وَمَا ضُبِّبَ بِذهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً لِزِينةٍ. . حَرُمَ، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدَرِ الْحَاجَةِ. . فَلَا، أَوْ صَغِيرَةً لِزينَةٍ، أَوْ كَبِيرَةً لِحَاجَةٍ. . جَازَ فِي الأَصَحِّ.

===

وقضيته: ترجيح الحلّ في الأولى والتحريم في الثانية، لكن صحح في "زيادة الروضة" الحلّ فيهما (1).

(وكذا اتخاذه) من غير استعمالٍ (في الأصح) لأن ما لا يجوز استعمالُه. . لا يجوز اتخاذُه؛ كآلة اللهو، والجامعُ بينهما: أن النفس تدعو إلى استعمالهما، والثاني: لا؛ لأن النهي إنما ورد في الاستعمال لا الاتخاذ.

(ويحلّ) الإناء (المموه) الذي لا يحصل منه بالعرض على النار شيءٌ (في الأصح) بناء على أن التحريم للعين؛ لاستهلاكه، ولا يخفى، فلا يحصل به الخيلاء ولا كسر قلوب الفقراء، والثاني: لا؛ بناءً على أنه للخيلاء، فإن حصل منه بالعرض على النار شيء. . حرم قطعًا.

(و) يحل (النفيس؛ كياقوت في الأظهر) لأنه لا يعرفه إلا الخواصُّ، فلا خيلاءَ، والثاني: يحرم؛ إذ هو أعظم في السرف من الذهب والفضة.

(وما ضبب بذهبٍ أو فضةٍ ضبةً كبيرةً لزينة. . حَرُم) للكبر وعدمِ الحاجة، وعبارة "المحرّر":(وإن كانت كبيرةً وفوقَ قدرِ الحاجةِ)(2)، فيؤخذ منها: تحريمُ الضبةِ الكبيرةِ إذا كان بعضُها للزينة، وبعضُها للحاجة وإن كان مقدارُ الزينة صغيرًا، ولا يؤخذ من عبارة الكتاب.

(أو صغيرةً بقدر الحاجةِ. . فلا) تحرم ولا تكره؛ للصغر مع الحاجة، وقد صحّ:(أن أنسًا رضي الله عنه سَلْسَلَ قَدَح رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا انصدع بفضةٍ، وشرب فيه صلى الله عليه وسلم (3).

(أو صغيرةً لزينة أو كبيرةً لحاجة. . جاز في الأصح) مع الكراهة، أما في الأولى:

(1) روضة الطالبين (1/ 44 - 45).

(2)

سقطت العبارة من "المحرر"(ص 9 - 10) المطبوع.

(3)

أخرجه البخاري (5638) عن أنس رضي الله عنه.

ص: 116

وَضَبَّةُ مَوْضِعِ الاسْتِعْمَالِ كَغَيْرِهِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: تَحْرِيمُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقًا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

فلقدرة معظم الناس على مثلها، وأما في الثانية: فلظهور قصد الحاجةِ دون الزينة، والثاني: يحرم، أما في الأولى: فلكونها للزينة، وأما في الثانية: فلكبرها.

ومعنى الحاجة: غرض إصلاح موضعِ الكسر، دون التزيين، ولا يعتبر العجز عن التضبيب بغير الفضة.

وأصلُ الضبة: أن ينكسر الإناء فيوضعَ على موضع الكسر نحاسٌ أو فضةٌ أو غيرُهما؛ ليمسكه، ثم توسع الفقهاءُ فأطلقوه على إلصاقه به وإن لم ينكسر، ويُرجَع في الصغيرة والكبيرة للعرف على الأصحِّ في "زيادة الروضة"(1).

(وضبةُ موضعِ الاستعمال كغيره في الأصح) إذ الاستعمال منسوب إلى الإناء كله، والثاني: إن كانت في موضع الاستعمال. . حرم؛ لمباشرتها بالاستعمال المنهي عنه.

(قلت: المذهب: تحريمُ ضبة الذهبِ مطلقًا، والله أعلم) لأن الخبر إنما ورد في الفضة، وباب الفضة أوسع؛ بدليل جواز الخاتم للرجل منها.

* * *

(1) روضة الطالبين (1/ 45).

ص: 117