الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]
تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ،
…
===
(فصل: تجب الكفارة بإفساد صوم يوم من رمضان بجماع (1) أثم به بسبب الصوم) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ هلكت، قال:"وَمَا أَهْلَكَكَ؟ ". قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال:"هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ " قال: لا، قال:"هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ "، قال: لا، قال:"فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ "، قال: لا، ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر، وهو الزِّنْبيل، قال:"تَصَدَّقْ بِهَذَا" قال: على أفقر منا؟ ! فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:"أذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" متفق عليه (2).
وفي رواية أبي داوود: (أتي بعَرَق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعًا)(3)، قال البيِهقي: وهي أصحّ من رواية من روى فيه (عشرين صاعًا)(4)، وهو إجماع إلا من شذَّ.
والقيود المذكورة سيشرحها المصنف، وكان ينبغي أن يقيد الصومَ بصوم نفسه؛
(1) أهمل قيد التمام تبعًا لـ "المحرر" وذكره في "الروضة"[2/ 374] و"أصلها"[3/ 226] فقال: بجماع تام، قيل: واحترز به عن الجماع فيما دون الفرج، وهو ضعيف، فإنه لا يطلق عليه اسم الجماع الشرعي حقيقة، فلا يحتاج إلى إخراجه، وقيل: احترز به عن المرأة، فإن الكفارة لا تجب عليها وإن فسد صومها بالجماع؛ لأن فساده حصل قبل تمامه؛ فإنها أفطرت بإدخال بعض الحشفة، وردَّ: بأن الجماع شرعًا لا يصدر إلّا بدخول الحشفة، وأيضًا فقد صوروا إفساد صومها بالجماع التام؛ فإنه يولج فيها وهي نائمة فتستيقظ، أو ناسية فتتذكر، أو مكرهة فتقدر على الدفع ثم تستديم مطاوعة، ومع ذلك لا كفارة عليها، فعدم وجوب الكفارة عليها ليس لانتفاء الجماع التام. اهـ هامش (أ).
(2)
صحيح البخاري (1936)، صحيح مسلم (1111) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
سنن أبي داوود (2393) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
سنن البيهقي (4/ 223).
وَلَا كَفَّارَةَ: عَلَى نَاسٍ، وَلَا مُفْسِدِ غَيْرِ رَمَضَانَ، أَوْ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، وَلَا مُسَافِرٍ جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الأَصَحِّ، وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْلَ فَبَانَ نَهَارًا،
===
ليخرج ما لو جامع المسافر ونحوه امرأته ففسد صومها؛ فإنه لا كفارة عليه بإفساده على الأظهر، ويرد على عكس الضابط: إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام .. فإن الأصحَّ في "شرح المهذب": أن الصوم لم ينعقد، فالجماع لم يُفسد صومًا، ومع ذلك تجب الكفارة (1).
(ولا كفارةَ على ناسٍ) لأن صومه لم يفسد بذلك، وهذا محترز قوله:(بإفساد)، بل لا كفارة أيضًا على الصحيح وإن جعلناه مفسدًا، لعدم الإثم.
(ولا مفسدِ غيرِ رمضان) من نذر، أو قضاء، أو كفارة؛ لأن النصَّ وردَ في رمضان، وهو مخصوص بفضائل لا يشاركه غيرُه فيها، فلا يصح قياس غيره عليه، وهذا ما احترز عنه بقوله:(من رمضان).
(أو بغير جماع) كالأكل وغيره؛ لأن النصَّ ورد في الجماع، وغيرُه ليس في معناه، وهذا ما احترز عنه بقيد (الجماع).
(ولا مسافرٍ جامع بنية الترخص) لأنه لم يأثم؛ لوجود القصد مع الإباحة.
(وكذا بغيرها في الأصح) لأن الإفطار مباحٌ له؛ فيصير شبهة في درء الكفارة، والثاني: يلزمه؛ لأن الرخصة لا تحصل بدون قصدها، والمريض في ذلك كالمسافر، وهذا محترز قوله:(أثم به) كذا قيل: وفيه نظر؛ فإنه إذا لم ينو .. يأثم؛ كما صرح به في "التتمة"، ونقله المحب الطبري عن الأصحاب، واقتضاه كلام الرافعي (2)؛ فتردُ هذه على الضابط.
نعم؛ يمكن الاحتراز به عن جماع الصبي.
(ولا على من ظنّ الليلَ فبان نهارًا) وذلك بأن ظنّ بقاء الليل، أو دخوله فجامع، ثم بان خلافه؛ لانتفاء الإثم، قال الإمام: ومن أوجب الكفارة على الناسي
(1) المجموع (6/ 316).
(2)
الشرح الكبير (3/ 232).
وَلَا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الأَصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ، وَلَا مَنْ زَنَى نَاسِيًا، وَلَا مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا. وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ،
===
بالجماع .. يقول مثله هنا؛ لتقصيره في البحث (1).
وفي "الشرح" و"الروضة": ينبغي أن يكون عدم وجوب الكفارة فيما إذا ظنّ دخول الليل مفرعًا على تجويز الإفطار، والحالة هذه، وإلا .. فتجب الكفارة؛ وِفاءً بالضابط المذكور (2).
(ولا من جامع بعد الأكل ناسيًا، وظن أنه أفطر به) لأنه وطيء وهو يعتقد أنه غير صائم.
وقوله: (ناسيًا) متعلق بـ (الأكل).
(وإن كان الأصح: بطلان صومه) بهذا الجماع؛ كما لو جامع على ظنّ بقاء الليل فبان خلافه، والثاني: لا يبطل؛ كما لو سلّم من ركعتين من الظهر ناسيًا، وتكلم عامدًا .. لا تبطل صلاته.
أما إذا علم أنه لا يفطر به، ثم جامع في يومه .. فيفطر، وتجب الكفارة قطعًا.
(ولا مَنْ زنى ناسيًا) للصوم، هذا ذكره الغزالي، فتبعه في "المحرر"، ولا حاجة إليه؛ لأنه داخل في قوله السابق:(ولا كفارة على ناسٍ)، فعدم الكفارة عليه؛ لعدم فطره لا جَرَمَ أن الرافعي في "الشرح" فرَّعه على القول بأن الجماع ناسيًا مُفسدٌ (3)، وحينئذ فيكون بيانًا لما احترز عنه بقوله:(بسبب الصوم)؛ لأن الإثم بسبب الزنا خاصة.
(ولا مسافرٍ أفطر بالزنا مُترخِّصًا) لأن الفطر جائزٌ له، وإثمه بسبب الزنا لا بسبب الصوم.
(والكفارة على الزوج عنه) دونها؛ لأنه عليه السلام لم يأمر بها زوجة المجامع
(1) نهاية المطلب (4/ 37).
(2)
الشرح الكبير (3/ 231)، روضة الطالبين (2/ 378).
(3)
الوجيز (ص 127)، المحرر (ص 115)، الشرح الكبير (3/ 231).
وَفِي قَوْلٍ: عَنْهُ وَعَنْهَا، وَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَي. وَتلزَمُ مَنِ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ
===
أهلَه مع مشاركتها له في السبب (1)؛ لأنه جاء في رواية: (هلكت وأهلكت)(2)، ولو وجب عليها .. لبينَّه؛ كما في الرجل، (وفي قول: عنه وعنها) أي: يلزمهما كفارة واحدة ويتحملها الزوج؛ لمشاركتها له في السبب؛ كما هو ظاهر الخبر.
ومحل هذا القول: إذا لم يكونا من أهل الصيام، فإن كانا من أهله؛ لكونهما معسرين أو مملوكين .. لزم كلّ واحد صومُ شهرين؛ لأن العبادة البدنية لا تتحمل، وإن كان من أهل العتق والإطعام، وهي من أهل الصيام .. فالأصحُّ: أنه يجزيء عنها إلا أن تكون أمة؛ فإنه لا يجزيء العتق عنها على الصحيح.
ومحله أيضًا: إذا كانت زوجة؛ كما يرشد إليه قوله: (على الزوج)، أما الموطوءة بالشبهة والمزني بها .. فلا يتحمل عنها قطعًا، ولو كان الزوج مجنونًا .. لم يلزمها شيء على القول الأول، ويلزمها على الثاني؛ لأن الزوج ليس أهلًا للتحمل.
(وفي قول: عليها كفارة أخري) قياسًا على الرجل؛ لتساويهما في السبب، ولأنها عقوبة، فاشتركا فيها؛ كحد الزنا، وهذا في غير المتحيرة، أما هي .. فلا كفارة عليها على الأصحِّ في "زيادة الروضة" في (باب الحيض)(3).
ومحل هذا القول والذي قبله: إذا كانت المرأة صائمة، ومكَّنت طائعة عالمة، فإن كانت مفطرة، أو نائمة صائمة .. فلا كفارة عليها قطعًا، ولا يبطل صومها.
ومحلهما أيضًا: إذا وطئت في قبلها، فإن وطئت في الدبر .. فلا كفارة عليها وفاقًا، نقله ابن الرفعة عن القاضيين أبي الطيب وأبي علي البَنْدَنيجي ثم قال:(وكذا حكم إتيان الرجل في الدبر)(4). (وتلزم من انفرد برؤية الهلال وجامع في يومه) لهتكه حرمةَ يومٍ من رمضان عنده بالجماع.
(1) سبق تخريجه أول الفصل (ص 585).
(2)
أخرجها البيهقي في "الكبري"(4/ 227).
(3)
روضة الطالبين (1/ 160).
(4)
كفاية النبيه (6/ 340).
وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ .. لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ. وَحُدُوثُ السَّفَرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا الْمَرَضُ عَلَي المَذْهَبِ. وَيَجِبُ مَعَهَا قَضَاءُ يَوْمِ الإِفْسَادِ عَلَي الصَّحِيحِ، وَهِيَ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ .. فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا،
===
(ومن جامع في يومين .. لزمه كفارتان) لأن كلَّ يوم عبادة منفردة، فلا تتداخل كفارتاهما؛ كحجتين إذا جامع فيهما، فإن تكررَ الجماعُ في يوم واحد .. فلا تعدد.
(وحدوث السفر بعد الجماع لا يُسقط الكفارة) لأن السفر المنشأ في أثناء النهار لا يبيح الفطر، فعروضه لا يؤثر فيما وجب من الكفارة.
(وكذ المرض على المذهب) لهتكه حرمة صوم اليوم بذلك، والثاني: يسقط؛ لأن حدوث المرض يبيح الفطر؛ فتبيَّن به أن الصوم لم يقع واجبًا، وهذه هي الطريقة الصحيحة، والطريقة الثانية: القطع بالأول؛ كالسفر.
وحدوثُ الجنون، والموت، والحيض، والنفاس يسقطها على الأظهر، وصورة طروء الحيض والنفاس مُفرَّعةٌ على قول الوجوب عليها.
(ويجب معها) أي: مع الكفارة (قضاءُ يومِ الإفساد على الصحيح) لأنه إذا وجب على المعذور؛ فعلي غيره أولى، وروي أبو داوود أنه عليه السلام أمر به الأعرابي (1)، والثاني: لا يجب؛ لانجبار الخلل الحاصل بالكفارة، والثالث: إن كفَّر بالصوم .. دخل فيه القضاء، وإلا .. لم يدخل؛ لاختلاف الجنس.
قال الإمام: ولا خلاف في أن المرأة يلزمها القضاءُ إذا لم تلزمها الكفارة، ولا يتحمل الزوج؛ لأن الكفارة إذا كانت صومًا .. لم يتحملها على القول بإيجابها على المرأة، فالقضاء أولى (2).
(وهي) يعني: كفارة الوقاع في رمضان (عتق رقبة، فإن لم يجد .. فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع .. فإطعام ستين مسكينًا) للحديث المارّ (3)، وهذه الخصال الثلاث صفتها مذكورة في (كتاب الظهار).
(1) سنن أبي داوود (2393) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
نهاية المطلب (4/ 40).
(3)
في (ص 585).
فَلَوْ عَجَزَ عَنِ الْجَمِيعِ .. اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الأَظْهَرِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ .. فَعَلَهَا. وَالأَصحُّ: أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنِ الصَّوْمِ إِلَى الإِطْعَامِ؛ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتهِ إِلَى عِيَالِهِ
===
(فلو عجز عن الجميع .. استقرَّت في ذمته في الأظهر) لأنه عليه السلام أمر الأعرابي أن يكفر بما دفعه إليه مع إخباره بعجزه (1)، فدلَّ على أنها ثابتة في الذمة مع العجز، والثاني: لا، بل تسقط؛ كزكاة الفطر، ولأنه عليه السلام لم يذكر ذلك للأعرابي مع جهله بالحكم.
وأجيب عنه: بأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز ولو قدر على البعض.
قال الدارمي في "الاستذكار": إن قلنا: إذا لم يقدر على الكلّ فهو في ذمته .. فههنا أولى، وإن قلنا: يسقط .. فوجهان: أحدهما: يسقط، فلا يخرج شيئًا، والثاني: لا يسقط، فعلى هذا وجهان: أحدهما: يخرج ما معه، ولا شيء عليه، والثاني: يكون في ذمته الباقي.
(فإذا قدر على خصلةٍ .. فعلها) كما لو كان قادرًا عليها حال الوجوب.
(والأصح: أن له العدولَ عن الصوم إلى الإطعام؛ لشدّة الغُلْمة) أي: الحاجة إلى النكاح؛ لأن حرارة الصوم وشدة الغُلْمة قد يفضيان به إلى الوقاع ولو في يوم واحد من الشهرين، فيقتضي استئنافهما، وهو حرج شديد، وفي الحديث:(وهل أُتيت إلا من الصوم)(2)، والثاني: لا؛ لأنه قادر على الصوم، فلم يجز العدول عنه؛ كصوم رمضان.
(وأنه لا يجوز للفقير صرفُ كفارته إلى عياله) كالزكوات، وسائر الكفارات، والثاني: يجوز؛ لأنه عليه السلام قال للمجامع: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"(3).
وأجيب عنه بأجوبة؛ منها: أنه ليس في الحديث ما يدلّ على وقوع التمليك، وإنما أراد أن يملكه ليكفر به؛ فلمَّا أخبره بحاله .. تصدق به عليه.
* * *
(1) سبق تخريجه في (ص 585).
(2)
أخرجه البزار (8073) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي "سنن أبي داوود"(2213) عن سلمة بن صخر رضي الله عنه نحوُه.
(3)
سبق تخريجه في (ص 585).