الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29
-
السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الرَّابِع
ابْن السُّلْطَان عبد الحميد الاول الْمَوْلُود سنة 1193 هـ سنة 1779 م وكلف الْمُفْتِي بتبليغ السُّلْطَان سليم خبر عَزله فَذهب اليه وبلغه ذَلِك مظْهرا اسفه من هَذِه الْحَادِثَة الجبرية فَقبل السُّلْطَان وَذهب إِلَى سرايه الخصوصية وتفرق الْجنُود النظامية شذر مذر واهمل هَذَا الْمَشْرُوع الْجَلِيل لعدم مُوَافَقَته لاغراض الانكشارية وَمن حازبهم
وَلم يكن السُّلْطَان مصطفى الا كآلة يديرها مبغضو النظام الْجَدِيد كَيفَ شاؤا تبعا لاهوائهم فَثَبت الوزراء الَّذِي لم يقتلُوا فِي الثورة فِي وظائفهم وَاعْتمد تعْيين قباقجي اوغلي حَاكما لجَمِيع قلاع البوسفور فاعاد الانكشارية قدورهم إِلَى ثكناتهم دلَالَة على ارتياحهم مِمَّا حصل وخلودهم إِلَى الرَّاحَة والسكينة
وَلما وصلت انباء هَذِه الثورة إِلَى الجيوش العثمانية المشتغلة بمحاربة الروس عِنْد نهر الطونة شَمل الانكشارية السرُور لابطال النظام الْجَدِيد وَلما رَأَوْا من قائدهم الْعَام وَهُوَ الصَّدْر الاعظم حلمي ابراهيم باشا عدم الِاسْتِحْسَان لما حصل قَتَلُوهُ واقاموا مَكَانَهُ جلبي مصطفى باشا فَوَقع الفشل فِي الجيوش وَلَوْلَا وجود اغلب جيوش الروسيا فِي المانيا لمحاربة الامبراطور نابليون الَّذِي كَانَت تَخِر عروش الْمُلُوك امامه سجدا لكَانَتْ نتائج هَذِه الحروب اوخم مِمَّا سبقها وَمن حسن الْحَظ ايضا أَن وصل فِي اثناء ذَلِك خبر انتصار نابليون على الروس ومحالفيهم فِي وَاقعَة فريدلاند فِي 6 ربيع الثَّانِي سنة 1222 3 يونيه سنة 1807
فتقهقرت الْجنُود الروسية المحتلة لولاية البغدان من غير مَا حَرْب وَلَا قتال
وعقب ذَلِك حصل الصُّلْح بَين فرنسا والروسيا بِمُقْتَضى معاهدة تلسيت فِي اول جُمَادَى الاول سنة 1222 7 يوليو سنة 1807 الَّتِي جَاءَ البند الثَّانِي وَالْعِشْرين وَمَا بعده مِنْهَا أَن الروسيا تكف عَن محاربة الدولة حَتَّى يتوسط نابليون بَين الطَّرفَيْنِ وانه بِمُجَرَّد مَا امضيت الْهُدْنَة الابتدائية تخلي جيوش الروسيا ولايتي الافلاق والبغدان بِدُونِ أَن تدْخلهَا الجيوش العثمانية حَتَّى يتم الصُّلْح نهائيا وَجَاء فِي المعاهدة السّريَّة الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا نابليون واسكندر الاول قَيْصر الروسيا إِن لم يقبل الْبَاب العالي توَسط فرنسا بِسَبَب الْحَوَادِث الاخيرة الَّتِي حدثت بالاستانة أَو إِن لم يتم الْمَقْصُود بكيفية مرضية بعد قبُول هَذَا التَّوَسُّط بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فتتحد فرنسا مَعَ الروسيا على سلخ جَمِيع الولايات العثمانية بأوروبا مَا عدا الاستانة وَمَا حولهَا وتقسيمها فِيمَا بَينهمَا مَعَ ارضاء النمسا بِجُزْء يسير وَكَيْفِيَّة ذَلِك التَّقْسِيم أَن يكون لفرنسا بِلَاد بوسنه والبانيا الارنؤود وابيروس وبلاد اليونان ومقدونيا وللنمسا بِلَاد الصرب وللروسيا الافلاق والبغدان والبلغار واقليم تراس لغاية نهر ماريتسا رَاجع مؤلف المسيو لافاليه على تَارِيخ الدولة الْعلية
وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه المعاهدة من الاضرار بِحُقُوق الدولة الْعلية والتخلي عَنْهَا وَتركهَا بمفردها امام الروسيا رغما عَن وعود فرنسا السَّابِقَة الَّتِي كَانَت سَببا فِي اثارة هَذِه الْحَرْب وناهيك مَا جَاءَ فِي المعاهدة السّريَّة من تَقْسِيم الاملاك المحروسة فَيظْهر للمطالع أَن كل وعود الاجانب للشرقيين وعود عرقوبية وسراب كَاذِب يحسبه الظمآن مَاء وَإِن اظهارهم لنا الْوَلَاء والصداقة لم يكن إِلَّا لنوال امانيهم والفوز بغاياتهم فالعاقل من لم يتَمَسَّك بذيل وعودهم وَلَا يخالج فكره
أَن دولة اوروبية تود خيرا أَو تبغي صلاحا لدولة أَو أمة شرقية مُطلقًا والحوادث التاريخية الَّتِي ذكرت وستذكر فِي هَذَا الْكتاب اكبر شَاهد فلعلها تكون عِبْرَة لمن تذكر
هَذَا ثمَّ ارسل نابليون فِي 3 جُمَادَى الاولى سنة 1222 9 يوليو سنة 1807 الجنرال جلليمينو اُحْدُ اركان حربه إِلَى الجيوش العثمانية والروسية المتحاربة لتبليغهم المعاهدة الْمَذْكُورَة وَعرض توَسط الدولة الفرنساوية عَلَيْهِم فَقبل الْفَرِيقَانِ بذلك وَفِي 19 جُمَادَى الثَّانِيَة سنة 1222 24 اغسطس امضيت بَينهمَا بِحُضُور الْمَنْدُوب الفرنساوي هدنة ابتدائية وَمَعَ ذَلِك فَلم تخل الروسيا ولايتى الافلاق والبغدان وَهُوَ اول اخلال بِشُرُوط معاهدة تلسيت وَلذَا لم يُمكن الْفَرِيقَانِ أَن يتَّفقَا على شُرُوط الصُّلْح النهائي لَكِن لم يسْتَأْنف الْقِتَال إِلَّا بعد سنتَيْن لاشتغال كل فريق مِنْهُمَا بِمَا هُوَ اهم من ذَلِك
ولنرجع إِلَى ذكر مَا حصل فِي الاستانة بعد نجاح ثورة قباقجي اوغلي فَنَقُول إِنَّه لم يمض قَلِيل حَتَّى وَقع الْخلاف بَين رُؤَسَاء الثورة فاتحد اولا قباقجي اوغلي مَعَ الْمُفْتِي على عزل الْقَائِم مقَام مصطفى باشا فعزل وَأبْعد إِلَى خَارج الْبِلَاد واقيم مَكَانَهُ من يدى طَاهِر باشا ثمَّ عزل لرغبته الْمُحَافظَة على حُقُوق وظيفته وسافر إِلَى روستجق والتجأ إِلَى حاكمها مصطفى باشا البيرقدار وَكَانَ هَذَا الاخير من محازبي السُّلْطَان سليم وَيَوَد ارجاعه لمنصة الاحكام فكاشف بذلك جلبي مصطفى باشا الصَّدْر الاعظم وَبَاقِي الوزراء واقنعهم بِوُجُوب مجازاة الْمُفْتِي وقباقجي مصطفى على تهييج الْجنُود الْغَيْر منتظمة وعزل السُّلْطَان والاستئثار بالسلطة فوافقه على هَذَا الامر كل من كاشفهم بِهِ واصدر الصَّدْر حكما على قباقجي مصطفى قَاضِيا باعدامه ووكل على تنفيذه اُحْدُ رجال المؤامرة واسْمه حاجي عَليّ وَهُوَ تعهد بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ عنْوَة وَسَار إِلَى الاستانة فِي مائَة فَارس بَيْنَمَا كَانَ البيرقدار قاصدها فِي سِتَّة عشر الف جندي عَن طَرِيق ادرنه وَلما وصل حاجي إِلَى ضواحي الاستانة علم أَن قباقجي مصطفى مُقيم فِي قصر لَهُ خَارج الْمَدِينَة فهاجمه وَقَتله ثمَّ ابرز لجنوده حكم الصَّدْر الاعظم اخبرهم أَنه عين قائدا لَهُم فَلم يقبلُوا بذلك بل احاطوا بِهِ وبمن مَعَه من الفرسان وكادوا يأسرونه لَوْلَا
مَا اظهره من الشجَاعَة الَّتِي تمكن بهَا من التَّخَلُّص واللحاق بالبيرقدار وَكَانَ قد وصل هُوَ والصدر الاعظم إِلَى الاستانة وعسكر خَارِجهَا
وَلما علم السُّلْطَان بِهَذِهِ الوقائع خشِي من تعدِي الثورة عَلَيْهِ ووصول ضررها اليه وامر بعزل الْمُفْتِي وَصرف جنود قباقجي مصطفى الْغَيْر منتظمة الَّتِي عضدته على عزل السُّلْطَان سليم فأظهر البيرقدار الِاكْتِفَاء بِمَا حصل وَلم يكاشف احدا بعزمه على اعادة السُّلْطَان سليم إِلَى عرش الْخلَافَة الْعُظْمَى واشاع أَنه عازم على العودة إِلَى روستجق لَكِن فِي صَبِيحَة 4 جُمَادَى الاولى سنة 1223 28 يونيو سنة 1808 القي الْقَبْض على شلبي مصطفى باشا الصَّدْر الاعظم وَسَار بجيوشه إِلَى السراي السُّلْطَانِيَّة وَطلب ارجاع السُّلْطَان سليم الثَّالِث إِلَى الْملك فامر السُّلْطَان مصطفى بقتْله والقاء جثته إِلَى الثائرين كي يكفوا عَن الثورة لما يعلمُونَ ان الَّذِي يُرِيدُونَ ارجاعه قد دخل فِي خبر كَانَ لَكِن اتى الامر على عكس مَا كَانَ يؤمل فقد زَاد الثائرون هياجا وَنَادَوْا على الْفَوْر بعزل السُّلْطَان مصطفى الرَّابِع وحجزه فِي نفس السراي الَّتِي كَانَ محجوزا بهَا السُّلْطَان سليم فعزل بعد أَن حكم ثَلَاثَة عشر شهرا وَقتل فِي سرايه بعد ذَلِك بِقَلِيل واقيم بعده مَحْمُود الثَّانِي