الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5
-
انْفِرَاد السُّلْطَان
مُحَمَّد جلبي الْغَازِي بِالْملكِ
وَبِذَلِك انْفَرد مُحَمَّد الْمَوْلُود سنة 781 هـ 1379 م بِمَا بَقِي من بِلَاد آل عُثْمَان واشتهر فِي التَّارِيخ باسم السُّلْطَان مُحَمَّد جلبي الْغَازِي وَيعْتَبر بعض المؤرخين السُّلْطَان مُحَمَّد الاول خَامِس سلاطين آل عُثْمَان وَلم يعتبروا اخوته لكَوْنهم لم يَلْبَثُوا فِي الْملك مُدَّة طَوِيلَة وَذَلِكَ لعدم الْخَلْط فِي تعداد مُلُوك هَذِه الدولة وَلم يراع الْبَعْض الآخر هَذَا التَّرْتِيب بل اعتبرهم ملوكا وَلذَلِك وجد اخْتِلَاف بَين كتب المؤرخين فِي عدد سلاطين الدولة العثمانية لَكِن الْمُتَّفق عَلَيْهِ هُوَ عدم اعْتِبَار من نَازع السُّلْطَان مُحَمَّد جلبي فِي الْملك من اخوته وعده هُوَ خَامِس سلاطين الدولة الْعلية
هَذَا وَقد كَانَت مُدَّة حكم السُّلْطَان مُحَمَّد كلهَا حروبا داخلية لارجاع الامارات الَّتِي اسْتَقَلت فِي مُدَّة الفوضى الَّتِي اعقبت موت السُّلْطَان بايزيد فِي الاسر وحافظ على محالفة ملك الرّوم الَّذِي لَوْلَا مساعدته لَهُ لخيف على عرى الدولة الْعلية من الانفصام ورد لَهُ الْبِلَاد الَّتِي فتحهَا اخوه مُوسَى وَاسْتمرّ على محافظته لعهده إِلَى آخر عمره
وَمِمَّا يُؤثر عَن هَذَا السُّلْطَان انه اسْتعْمل الحزم مَعَ الْحلم فِي مُعَاملَة من قهرهم مِمَّن شقّ عَصا طَاعَة الدولة فانه لما قهر امير بِلَاد القرمان وَكَانَ قد اسْتَقل عَفا عَنهُ بعد ان اقْسمْ لَهُ على الْقُرْآن الشريف بَان لَا يخون الدولة فِيمَا بعد وَعَفا عَنهُ ثَانِيَة بعد ان حنث فِي يَمِينه
وَكَذَلِكَ لما حَارب قره جُنَيْد الَّذِي كَانَ حَاكم ازمير من قبل السُّلْطَان بايزيد وقهره عَفا عَنهُ وتناسى كل مَا وَقع مِنْهُ وعينه حَاكما لمدينة نيكوبلي
وَظهر فِي ايام هَذَا الْملك شخص يُسمى بدر الدّين من الْعلمَاء الْمَشْهُورين فِي ذَلِك الْوَقْت وَكَانَ معينا بوظيفة قَاضِي عَسْكَر فِي جَيش مُوسَى اخي السُّلْطَان مُحَمَّد وَبعد انهزام مُوسَى كَمَا سبق ذكره الزم بالاقامة فِي مَدِينَة ازنيك ثمَّ هرب مِنْهَا وابتدأ فِي نشر مذْهبه المؤسس على الْمُسَاوَاة فِي الاموال والامتعة وَهَذَا الْمَذْهَب اشبه شَيْء بآراء بعض اشتراكيي هَذَا الْوَقْت فَتَبِعَهُ خلق كثير من الْمُسلمين والمسيحيين وَغَيرهم لانه كَانَ يعْتَبر جَمِيع الاديان على السوَاء وَلَا يفرق بَينهَا بل كَانَ عِنْده جَمِيع النَّاس اخوة مهما اخْتلفت مذاهبهم واديانهم واستعان فِي نشر مذْهبه هَذَا بشخص يدعى بيرقليجه مصطفى وَآخر يُقَال ان اصله يَهُودِيّ واسْمه طورلاق كَمَال واشتهر امْرَهْ بِسُرْعَة وَكثر عدد تابعيه حَتَّى خيف على المملكة العثمانية من امتداد مذْهبه فارسل اليه السُّلْطَان مُحَمَّد الْقَائِد سيسمان ابْن امير البلغار الَّذِي دخل فِي دين الاسلام وَعين حَاكما لمدينة سمسون مَعَ جَيش جرار لمحاربة اتِّبَاع بدر الدّين فَظهر عَلَيْهِ بيرقليجة مصطفى وَقَتله وَلما علم السُّلْطَان بذلك جمع الجيوش وارسل وزيره الاول الْمَدْعُو بايزيد باشا لمحاربة هَذِه الفئة فَصَارَ اليها وقابل مصطفى فِي ضواحي ازمير فحاربه فِي موقع يُقَال لَهُ قره بورنو وقهره واخذه اسيرا ثمَّ قَتله وَكَثِيرًا من اتِّبَاعه
وَفِي هَذِه الاثناء ضبط بدر الدّين فِي بِلَاد مقدونية بعد مقاومة شَدِيدَة وشنق
فِي سنة 1417 م وَبِذَلِك اطفئت هَذِه الْفِتْنَة وَلم يبْق لَهَا بعد ذَلِك من خبر وَكَانَ شنق رَئِيس هَذِه الْفِتْنَة بِنَاء على فَتْوَى افتى بهَا مَوْلَانَا سعيد اُحْدُ تلامذة التَّفْتَازَانِيّ وَهَذَا نَصهَا كَمَا جَاءَ فِي تَارِيخ همر من اتاكم وامركم جَمِيعًا على رجل يُرِيد ان يشق عصاكم وَيفرق جماعتكم فَاقْتُلُوهُ وَلم يهدأ بَال السُّلْطَان مُحَمَّد بعد انتصاره على بدر الدّين واشياعه حَتَّى ظهر اخوه مصطفى الَّذِي لم يُوقف لَهُ على اثر بعد وَاقعَة انقره الَّتِي اسر فِيهَا والدهم السُّلْطَان بايزيد الاول وطالبه بِالْملكِ وانضم اليه قره جُنَيْد الَّذِي سبق ذكر عَفْو السُّلْطَان عَنهُ وامده بِجُنُود ارسلها اليه امير الفلاخ سعيا وَرَاء ايجاد الْفِتَن فِي دَاخل الممالك العثمانية فاغار الامير مصطفى على اقليم تساليا بِبِلَاد اليونان لكنه لم يقو على مقاومة جنود اخيه السُّلْطَان مُحَمَّد فَدخل فِي مَدِينَة سلانيك وَكَانَت عَادَتْ إِلَى مملكة الرّوم بعد موت السُّلْطَان بايزيد واحتمى عِنْد حاكمها الْمعِين من قبل ملك الرّوم فَطلب السُّلْطَان تَسْلِيمه فابى ملك الرّوم ذَلِك ووعده ان يحفظه وَلَا يُطلق سراحه مَا دَامَ السُّلْطَان على قيد الْحَيَاة فَقبل السُّلْطَان مُحَمَّد هَذَا الاقتراح ورتب لاخيه راتبا سنويا وَلَقَد ذهب بعض المؤرخين إِلَى ان مصطفى هَذَا لم يكن ابْن السُّلْطَان بايزيد بل شخص انتحل لنَفسِهِ هَذِه الصّفة طَمَعا فِي الْملك الا ان المؤرخ العثماني الْمَدْعُو نشري وَكَثِيرًا من مؤرخي الرّوم قَالُوا بِصِحَّة نسبه وَمِمَّا يُؤَيّد هَذَا القَوْل تعْيين راتب لَهُ من قبل السُّلْطَان وَبلغ من كرم السُّلْطَان وحلمه انه عَفا عَن قره جُنَيْد نَفسه وعدة من محازبيه فِي سنة 1419 م وَكَانَت هَذِه الْفِتْنَة آخر الحروب الداخلية الَّتِي خضبت اراضي الدولة الْعلية بدماء العثمانيين بِسَبَب إغارة تيمورلنك عَلَيْهَا
وَبعد ذَلِك بذل السُّلْطَان مُحَمَّد جلبي قصارى جهده فِي محو آثَار هَذِه الْفِتَن باجرائه الترتيبات الداخلية الضامنة لعدم حُدُوث شغب فِي الْمُسْتَقْبل وبينما كَانَ
السُّلْطَان مشتغلا بِهَذِهِ المهام السلمِيَّة فاجأه الْمَوْت فِي سنة 824 هـ سنة 1421 م فِي مَدِينَة ادرنه فَاسْلَمْ الرّوح وعمره 43 سنة بعد ان اوصى بِالْملكِ لِابْنِهِ مُرَاد الَّذِي كَانَ حِينَئِذٍ فِي اماسيا
وخوفا من حُصُول مَا لَا تحمد عقباه لَو علم موت السُّلْطَان مُحَمَّد مَعَ وجود ابْنه مُرَاد فِي بِلَاد آسيا اتّفق وزيراه ابراهيم وبايزيد على اخفاء مَوته عَن الْجند حَتَّى يحضر ابْنه فاشاعا ان السُّلْطَان مَرِيض وارسلا لِابْنِهِ فَحَضَرَ بعد وَاحِد واربعين يَوْمًا واستلم مقاليد الدولة
واشتهر السُّلْطَان مُحَمَّد بحبه للعلوم والفنون وَهُوَ اول ملك عثماني ارسل الْهَدِيَّة السنوية إِلَى امير مَكَّة الَّتِي يُطلق عَلَيْهَا اسْم الصرة حَتَّى الْآن وَهِي عبارَة عَن قدر معِين من النُّقُود نرسل إِلَى الامير لتوزيعه على فُقَرَاء مَكَّة وَالْمَدينَة لَكِن لم تكن بِالْقدرِ الَّذِي بلغته الْآن وَقد قَالَ بعض المؤرخين ان السُّلْطَان سُلَيْمَان الاول هُوَ اول من ارسل الصرة فِي سنة 923 هـ سنة 1517 م بعد فتح مصر وَلَكِن اتّفق من يوثق بهم من المؤرخين خُصُوصا صولاق زَاده على ان السُّلْطَان مُحَمَّد جلبي هُوَ اول من ارسلها وَدفن السُّلْطَان بعد مَوته فِي مَدِينَة بورصة