المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة - تاريخ الدولة العلية العثمانية

[محمد فريد بك]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فِيمَن ولي الْخلَافَة الاسلامية قبل مُلُوك الدولة الْعلية العثمانية

- ‌الْخُلَفَاء الامويون

- ‌دولة بني امية

- ‌ظُهُور دولة العباسيين

- ‌بَنو طولون بِمصْر

- ‌ظُهُور الدولة الفاطمية بتونس

- ‌دولة بني بويه

- ‌الاخشيديون بِمصْر

- ‌الفاطميون بِمصْر

- ‌السلجوقيون

- ‌الحروب الصليبية

- ‌دولة المماليك البحرية بِمصْر

- ‌دولة المماليك الجراكسة

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي بَغْدَاد

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي مصر

- ‌دولة المماليك

- ‌ المماليك البرجية

- ‌ المماليك الشراكسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌ السلكان الْغَازِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وواقعة قوص اوه

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وَاقعَة نيكوبلي فَلَمَّا علم سجسمون ملك المجر خبر مَا حل بِبِلَاد البلغار خشِي عَليّ مَمْلَكَته اذ صَار متاخما فِي عدَّة نقط للدولة الْعلية فاستنجد باوروبا وساعده البابا واعلن

- ‌اغارة تيمورلنك على آسيا الصُّغْرَى

- ‌الفوضى بعد موت السُّلْطَان بايزيد

- ‌ انْفِرَاد السُّلْطَان

- ‌ السُّلْطَان مرادخان الثَّانِي الْغَازِي

- ‌تنازل السُّلْطَان عَن الْملك وعودته اليه

- ‌فتْنَة اسكندر بك

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌فتح جزائر اليونان ومدينة اوترانت

- ‌حِصَار مَدِينَة رودس

- ‌ترتيباته الداخلية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي بايزيد خَان الثَّانِي واخوه الامير جم

- ‌ابْتِدَاء العلاقات مَعَ دوَل اوروبا

- ‌عصيان اولاد السُّلْطَان عَلَيْهِ وتنازله عَن الْملك لِابْنِهِ سليم

- ‌ السُّلْطَان سليم الاول الْغَازِي الملقب ب ياوز أَي الْقَاطِع

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز

- ‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الاول القانوني

- ‌فتح مَدِينَة بلغراد

- ‌فتح جَزِيرَة رودس

- ‌تدَاخل الدولة الْعلية فِي بِلَاد القرم والفلاخ وفتنة الانكشارية

- ‌ابْتِدَاء المخابرات والمراسلات بَين الدولة الْعلية وَملك فرانسا

- ‌فتح بِلَاد المجر وعاصمتها

- ‌اغارة ملك النمسا على المجر وفتحه مَدِينَة بود وانتصار العثمانيين عَلَيْهِ واسترجاع المجر

- ‌ابْتِدَاء الحروب مَعَ النمسا وحصار ويانه عاصمتها اول دفْعَة

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَانِي دفْعَة

- ‌فتح مَدِينَة بَغْدَاد

- ‌الامتيازات القنصلية

- ‌خير الدّين باشا البحري وَفتح اقليمي الجزائر وتونس

- ‌اتِّحَاد فرنسا والدولة الْعلية على محاربة النمسا وَبَعض وقائع اخرى

- ‌موت زابولي ملك المجر وسفر السُّلْطَان إِلَى بود لمحاربة النمساويين

- ‌سفر الدونانمة العثمانية إِلَى فرانسا وَفتح مَدِينَة نيس

- ‌ابرام الصُّلْح مَعَ النمسا

- ‌فتح عدن

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَالِث دفْعَة

- ‌حِصَار جَزِيرَة مالطه

- ‌فتح مَدِينَة سكدوار

- ‌موت السُّلْطَان سُلَيْمَان

- ‌اسباب الانحطاط

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّانِي

- ‌فتح جَزِيرَة قبرص

- ‌وَاقعَة ليبانت البحرية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مرادخان الثَّالِث

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز رَابِع دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الثَّالِث

- ‌السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الاول وانتصار الشاه عَبَّاس

- ‌ السُّلْطَان مصطفى خَان الاول

- ‌ السُّلْطَان عُثْمَان خَان الثَّانِي وخلعه ثمَّ قَتله وارجاع السُّلْطَان مصطفى ثمَّ عَزله

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُرَاد خَان الرَّابِع

- ‌محاربة الْعَجم واستيلائهم على بَغْدَاد

- ‌ثورة الانكشارية وقتلهم الصَّدْر الاعظم حَافظ باشا وثورة فَخر الدّين الدرزي

- ‌فتح اريوان واسترجاع بَغْدَاد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي ابراهيم خَان الاول وَفتح جَزِيرَة كريد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الرَّابِع

- ‌فتح قلعة نوهزل

- ‌حِصَار مَدِينَة ويانه اخر دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الثَّالِث

- ‌معاهدة بسار وفتس

- ‌تَقْسِيم مملكة الْعَجم بَين العثمانيين والروس وعزل السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الاول وَظُهُور نادرشاه

- ‌معاهدة بلغراد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عُثْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّالِث

- ‌ وَصِيَّة بطرس الاكبر

- ‌عصيان عَليّ بك بِمصْر

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الاول

- ‌اسْتِيلَاء الروسيا على بِلَاد القرم

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّالِث

- ‌معاهدتي زشتوي وياش

- ‌بعض اصلاحات داخلية

- ‌عصيان بازوند اوغلي

- ‌دُخُول الفرنساويين مصر

- ‌خُرُوج الفرنساويين من مصر

- ‌الْفِتَن الداخلية واسبابها

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَالِي مصر

- ‌عزل السُّلْطَان سليم الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الرَّابِع

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الثَّانِي

- ‌معاهدة بخارست مَعَ الروسيا

- ‌الوهابيون ومذهبهم

- ‌محاربة مُحَمَّد عَليّ باشا للوهابيين

- ‌ابادة المماليك

- ‌عصيان عَليّ باشا وَالِي يانيه

- ‌ثورة اليونان وطلبها الِاسْتِقْلَال

- ‌سفر الْجنُود العثمانية إِلَى اليونان

- ‌تدَاخل الدول

- ‌ اتِّفَاق آق كرمان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْمُخْتَص بالافلاق والبغدان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْخَاص بالصرب

- ‌وَاقعَة ناورين

- ‌خُرُوج العساكر المصرية من موره

- ‌الغاء طَائِفَة الانكشارية

- ‌الْحَرْب مَعَ الروسيا ومعاهدة ادرنه

- ‌احتلال فرنسا لجزائر الغرب

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَحرب الشَّام الاولى

- ‌معاهدة كوتاهيه

- ‌معاهدة خونكار اسكله سي

- ‌حَرْب الشَّام الثَّانِيَة

- ‌وَاقعَة نَصِيبين

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْمجِيد خَان

- ‌اخلاء المصريين لبلاد الشَّام

- ‌مَسْأَلَة لبنان ونقتلة المارونية

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌فرمان الكلخانة

- ‌الاصلاحات الْخَيْرِيَّة

- ‌اتِّفَاق بلطه ليمان

- ‌اسباب حَرْب القرم

- ‌وَاقعَة سينوب البحرية

- ‌النمسا وَحرب القرم

- ‌اطلاق الانكليز المدافع على مَدِينَة جدة

- ‌حَادِثَة الشَّام واحتلال فرنسا لَهَا

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْعَزِيز خَان

- ‌فؤاد باشا الصَّدْر الاعظم واصلاحاته

- ‌ ثورة كريد

- ‌سفر السُّلْطَان عبد الْعَزِيز لمصر

- ‌سفر السُّلْطَان لباريس

- ‌وضع مجلة الاحكام العدلية

- ‌الفرمان الشَّامِل لجَمِيع امتيازات الخديوية المصرية

- ‌علاقات تونس مَعَ الدولة الْعلية

- ‌مَسْأَلَة قنال السويس

- ‌الاحتفال بِفَتْح قنال السويس

- ‌عزل السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌الْفَتْوَى بعزله

- ‌ السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌قتل حسن بك لكل من حُسَيْن عوني باشا وَمُحَمّد رَاشد باشا

- ‌عزل السُّلْطَان مُرَاد

- ‌صُورَة استفتاء الوزراء فِي وجوب خلع السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الثَّانِي

- ‌البرلمان العثماني الاول

- ‌حَرْب الروسيا وَبَيَان اسباب لائحة الكونت اندراسي

- ‌حَادِثَة سلانيك ولائحة برلين

- ‌ثورة البلغار وَجَوَاب اللورد دربي

- ‌حَرْب الصرب والجبل الاسود

- ‌مؤتمر الاستانة

- ‌اخلاص المجر للدولة الْعلية

- ‌لائحة لوندرة

- ‌اعلان الْحَرْب

- ‌وَاقعَة بلفنه

- ‌الاعمال الحربية فِي الاناطول

- ‌سُقُوط قارص

- ‌المخابرات الابتدائية والهدنة

- ‌حل مجْلِس النواب

- ‌احتلال انكلترا لجزيرة قبرص

- ‌الدستور العثماني

- ‌القانون الاساسي وَالسُّلْطَان عبد الحميد

- ‌اجْتِمَاع مجْلِس المبعوثين الاول

- ‌الْحَادِثَة الارتجاعية وخلع عبد الحميد

- ‌ خَليفَة الْمُسلمين وسلطان العثمانيين مُحَمَّد رشاد خَان الْخَامِس

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌الاصلاحات الْمَالِيَّة

- ‌الاصلاحات الحربية

الفصل: ‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة

‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة

وَلم ينْتَه السُّلْطَان سليم من محاربة الشِّيعَة وَفتح بِلَاد ديار بكر والموصل حَتَّى اخذ فِي الاستعداد لفتح سلطنة مصر بِمَا ان سلطانها قانصوه الغوري كَانَ تحالف مَعَ الشاه اسماعيل لمحاربة الدولة الْعلية وَلما علم سُلْطَان مصر بتأهب سُلْطَان آل عُثْمَان لمحاربته ارسل اليه رَسُولا يعرض عَلَيْهِ ان يتوسط بَينه وَبَين الْعَجم لابرام الصُّلْح فَلم يقبل بل طرد السفير بعد ان اهانه وَسَار بجيشه إِلَى بِلَاد الشَّام قَاصِدا وَادي النّيل وَكَانَ قانصوه الغوري استعد ايضا لمحاربته فتقابل الجيشان بِقرب حلب الشَّهْبَاء فِي وَاد يُقَال لَهُ مرج دابق وَهزمَ الغوري بِسَبَب وُقُوع الْخلاف بَين فرق جَيْشه الْمُؤلف من المماليك وساعدت المدافع العثمانية على النَّصْر وَقتل الغوري فِي اثناء انهزام الْجَيْش وسنه ثَمَانُون سنة وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم الاحد 25 رَجَب سنة 922 24 اغسطس سنة 1516

وَبعد هَذِه الموقعة احتل السُّلْطَان سليم بِكُل سهولة مَدَائِن حماه وحمص ودمشق وَعين بهَا وُلَاة من طرفه وقابل من بهَا من الْعلمَاء فاحسن وفادتهم وَفرق الانعامات على الْمَسَاجِد وامر بترميم الْجَامِع الاموي بِدِمَشْق وَلما صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بِهِ

ص: 192

اضاف الْخَطِيب عِنْدَمَا دَعَا لَهُ هَذِه الْعبارَة خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَهِي مستعملة فِي الْخطْبَة إِلَى الْآن

هَذَا وَلما وصل خبر موت السُّلْطَان الغوري إِلَى مصر انتخب المماليك طومان باي خلفا لَهُ وارسل اليه السُّلْطَان سليم يعرض عَلَيْهِ الصُّلْح بِشَرْط اعترافه بسيادة الْبَاب العالي على الْقطر الْمصْرِيّ فَلم يقبل بل استعد لملاقاة الجيوش العثمانية عِنْد الْحُدُود فالتقت مقدمتا الجيشين عِنْد حُدُود بِلَاد الشَّام وهزمت مُقَدّمَة المماليك واحتل العثمانيون مَدِينَة غَزَّة على طَرِيق مصر وَسَارُوا نَحْو الْقَاهِرَة حَتَّى وصلوا بِالْقربِ مِنْهَا وعسكر السُّلْطَان بجيشه فِي اواخر ذِي الْحجَّة سنة 922 بالخانقاه الْمَعْرُوفَة بالخانكة وَفِي 29 ذِي الْحجَّة سنة 922 22 يناير سنة 1517 انتشب الْقِتَال بَين الطَّرفَيْنِ بِجِهَة العادلي جِهَة الوايلي وَفِي اثناء الْقِتَال قصد طومان باي وَبَعض الشجعان مَرْكَز السُّلْطَان سليم وَقتلُوا من حوله واسروا وزيره سِنَان بك وَقَتله طومان باي بِيَدِهِ ظنا مِنْهُ انه هُوَ السُّلْطَان سليم نَفسه وَلم تَنْفَع شجاعتهم شَيْئا بل تغلب عَلَيْهِم بمدافعه ومدافعهم الَّتِي استولى عَلَيْهَا وَقت الْحَرْب

وَبعد ذَلِك بِثمَانِيَة ايام فِي يَوْم 8 محرم سنة 923 دخل العثمانيون مَدِينَة الْقَاهِرَة رغما عَن مقاومة المماليك الَّذين حاربوهم من شَارِع لآخر وَمن منزل لآخر حَتَّى قتل مِنْهُم وَمن اهالي الْبَلَد مَا يبلغ خمسين الف نسمَة

اما طومان باي فالتجأ وَمن بَقِي مَعَه إِلَى بر الجيزة وَصَارَ يناوش العثمانيين وَيقتل كل من يأسره مِنْهُم لكنه لم يلبث ان وَقع فِي ايدي العثمانيين بخيانة بعض من مَعَه وشنق بامر السُّلْطَان سليم فِي 13 ابريل سنة 1517 21 ربيع الاول سنة 923 بِبَاب زويله وَدفن بالقبر الَّذِي كَانَ اعده السُّلْطَان الغوري لنَفسِهِ وَبعد ان مكث السُّلْطَان سليم بِالْقَاهِرَةِ نَحْو شهر اقام فِي منيل الرَّوْضَة واخذ فِي زِيَارَة جَوَامِع الْمَدِينَة وكل مَا بهَا من الْآثَار ووزع على اعيان الْمَدِينَة العطايا وَالْخلْع السّنيَّة وَحضر الاحتفال الَّذِي يحصل بِمصْر سنويا لفتح الخليج الناصري عِنْد بُلُوغ

ص: 193

النّيل الدرجَة الكافية لري الاراضي المصرية ثمَّ حضر احتفال سفر الْمحمل الشريف وقافلة الْحجَّاج الَّتِي ترسل مَعهَا الْكسْوَة الشَّرِيفَة إِلَى الاراضي الحجازية وارسل الصرة الْمُعْتَاد ارسالها إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين بِقصد توزيعها على الْفُقَرَاء من عهد السُّلْطَان مُحَمَّد جلبي العثماني وابلغها إِلَى ثَمَانِيَة وَعشْرين الف دوكا

وَمِمَّا جعل لفتح وَادي النّيل اهمية تاريخية عظمى ان مُحَمَّد المتَوَكل على الله آخر ذُرِّيَّة الدولة العباسية الَّذِي حضر اجداده لمصر بعد سُقُوط مَدِينَة بَغْدَاد مقرّ خلَافَة بني الْعَبَّاس فِي قَبْضَة هولاكو خَان التتري سنة 656 هـ سنة 1091 م وَكَانَت لَهُ الْخلَافَة بِمصْر اسْما تنازل عَن حَقه فِي الْخلَافَة الاسلامية إِلَى السُّلْطَان سليم العثماني وَسلمهُ الْآثَار النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة وَهِي البيرق وَالسيف والبردة وَسلمهُ ايضا مَفَاتِيح الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَمن ذَلِك التَّارِيخ صَار كل سُلْطَان عثماني اميرا للْمُؤْمِنين وَخَلِيفَة لرَسُول رب الْعَالمين اسْما وفعلا

هَذَا وَقد جَاءَ بالجزء السَّابِع من الخطط الجديدة التوفيقية للمرحوم عَليّ باشا مبارك بِخُصُوص مَا اجراه السُّلْطَان سليم الْغَازِي من الترتبات بِمصْر مَا يَأْتِي

وَلما اخذ مصر وَرَأى غَالب حكامها من المماليك الَّذين ورثوها عَن ساداتهم رأى ان بعد الْولَايَة عَن مَرْكَز الدولة رُبمَا اوجب خُرُوج حاكمها عَن الطَّاعَة وتطلبه الِاسْتِقْلَال فَجعل حُكُومَة مصر منقسمة إِلَى ثَلَاثَة اقسام وَجعل فِي كل قسم رَئِيسا وجعلهم جَمِيعًا منقادين لكلمة وَاحِدَة هِيَ كلمة وَزِير الدِّيوَان الْكَبِير وَجعله مركبا من الباشا الْوَالِي من قبله وَمن بيكوات السَّبع وجاقات وَجعل للباشا مزية توصيل اوامر السُّلْطَان إِلَى الْمجْلس وَحفظ الْبِلَاد وتوصيل الْخراج إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَمنع كلا من الاعضاء الْعُلُوّ على صَاحبه وَجعل لاعضاء الْمجْلس مزية نقض اوامر الباشا باسباب تبدو لَهُم وعزله ان رَأَوْا ذَلِك والتصديق على جَمِيع الاوامر الَّتِي تصدر مِنْهُ فِي الامور الداخلية وَجعل حكام المديريات الاربع وَالْعِشْرين من

ص: 194

المماليك وخصهم بمزية جمع الْخراج فِي الْبِلَاد وقمع العربان وصدهم عَنْهَا والمحافظة على مَا فِي داخلها وكل ذَلِك بأوامر تصدر لَهُم من الْمجْلس وجردهم عَن التَّصَرُّف من انفسهم ولقب احدهم الْمُقِيم بِالْقَاهِرَةِ بشيخ الْبَلَد ثمَّ رتب الْخراج وقسمه اقساما ثَلَاثَة وَجعل من الْقسم الاول مَاهِيَّة عشْرين الف عسكري بالقطر من المشاة واثني عشر الْفَا من الخيالة وَالْقسم الثَّانِي يُرْسل إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَمَكَّة المشرفة وَالْقسم الثَّالِث يُرْسل إِلَى خزينة الْبَاب العالي وَلم يلْتَفت إِلَى رَاحَة الاهالي بل تَركهَا عرضة للمضار كَمَا كَانَت وَمن هَذَا التَّرْتِيب تمكنت الدولة الْعلية من ابقاء الديار المصرية تَحت تصرفها نَحْو مِائَتي سنة ثمَّ اهملت بعد ذَلِك القوانين الَّتِي وَضعهَا السُّلْطَان سليم من حِين استيلائه عَلَيْهَا وَكَانَت هِيَ الاساس وَلم تلْتَفت الدولة لما كَانَ يحصل من المماليك من الامور المخلة بالنظام فضعفت شَوْكَة الدولة وهيبتها الَّتِي كَانَت لَهَا على مصر واخذ البكوات تكْثر من المماليك وتتقوى بهَا حَتَّى فاقت بقوتها الدولة العثمانية فِي الديار المصرية فآل الامر وَالنَّهْي لَهُم فِي الْحُكُومَة وَصَارَت الدولة صورية غير حَقِيقِيَّة وَسبب ذَلِك اكثارهم من شِرَاء المماليك وَلَو كَانَت الدولة الْعلية تنبهت لهَذَا الامر ومنعت بيع الرَّقِيق لكَانَتْ الامور بَاقِيَة على مَا وَضعهَا السُّلْطَان سليم وَلَكِن غفلت عَن هَذَا الامر كَمَا غفلت عَن امور كَثِيرَة وَمن ذَلِك لحق الاهالي الذل والاهانة وَهَاجَر كثير مِنْهُم إِلَى الديار الشامية والحجازية وَغَيرهمَا وَخَربَتْ الْبِلَاد وتعطلت الزِّرَاعَة من قلَّة المزارعين وَعدم الاعتناء بتطهير الجداول والخلجان الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الخصب ونتج من ذَلِك وَمن خوف الدولة الْعلية من تمكن الباشا فِي الْحُكُومَة ان تغلبت البكوات وَصَارَت كلمتهم هِيَ النافذة وانفردوا بِالتَّصَرُّفِ اهـ

وَفِي اوائل شهر سبتمبر سنة 1517 سَافر السُّلْطَان سليم من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة الَّتِي صَارَت من ذَلِك الْوَقْت مقرّ الْخلَافَة الاسلامية الْعُظْمَى وَكَانَ سَفَره عَن طَرِيق بِلَاد الشَّام مستصحبا مَعَه آخر بني الْعَبَّاس وَعين خير بك واليا على مصر وَهُوَ اُحْدُ امراء المماليك الَّذين خانوا طومان باي وانضموا اليه وَترك

ص: 195

بِالْقَاهِرَةِ حامية كَافِيَة لحفظ الامن تَحت قيادة خير الدّين آغا الانكشاري وَفِي اثناء مروره بصحراء الْعَريش الْتفت لوزيره الاكبر يُونُس باشا الَّذِي كَانَ فتح مصر على غير رَأْيه وَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ انه قد اتم فتحهَا خلافًا لرأيه فجاوبه يُونُس باشا بَان فتحهَا لم يعد عَلَيْهِ بِشَيْء الا قتل نَحْو نصف الْجَيْش بِمَا انه سلمهَا لخائن كَانَ غَرَضه التَّمَلُّك عَلَيْهَا لنَفسِهِ فَلَا يُؤمن وَلَاؤُه للدولة فَغَضب السُّلْطَان من هَذَا الْكَلَام الموجه اليه بِصفة لوم وامر بقتْله فِي الْحَال فَقتل وَكَانَ ذَلِك فِي 6 رَمَضَان سنة 923 وَعين مَكَانَهُ بير مُحَمَّد باشا الَّذِي كَانَ معينا قَائِم مقَام السُّلْطَان فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة اثناء تغيبه فِي فتح مصر لِثِقَتِهِ بِهِ بِنَاء على مَا اظهره من اصالة الرَّأْي فِي محاربة الشاه اسماعيل

وَفِي 20 رَمَضَان سنة 923 وصل السُّلْطَان إِلَى مَدِينَة دمشق وَمكث بهَا إِلَى 22 صفر سنة 924 ثمَّ سَافر إِلَى مَدِينَة حلب بعد ان حضر الاحتفال باقامة الصَّلَاة اول مرّة فِي الْجَامِع الَّذِي اقامه بِدِمَشْق على قبر محيي الدّين بن الْعَرَبِيّ فِي 24 محرم سنة 924 25 وَبعد أَن أَقَامَ بحلب مُدَّة شَهْرَيْن سَافر قَاصِدا عَاصِمَة ملكه فوصلها فِي 17 رَجَب سنة 924 25 يوليه سنة 1518 ثمَّ ارتحل عَنْهَا إِلَى مَدِينَة ادرنه بعد عشرَة ايام قَضَاهَا فِي الاسْتِرَاحَة من اتعاب السّفر وَكَانَ وَلَده سُلَيْمَان معينا حَاكما لَهَا مُدَّة غياب وَالِده وَبعد وُصُول ابيه بِتِسْعَة ايام استأذنه الامير سُلَيْمَان فِي السّفر إِلَى ولَايَة صاروخان الْمعِين واليا عَلَيْهَا

وَفِي اثناء اقامة السُّلْطَان بِمَدِينَة ادرنه وصل اليه سفير من قبل مملكة اسبانيا ليخابره بشأن حريَّة زِيَارَة المسيحيين للقدس الشريف الَّذِي كَانَ قبلا تَابعا لسلطنة مصر وتبعها فِي دُخُولهَا تَحت ظلّ الدولة الْعلية فِي مُقَابلَة دفع الْمبلغ الَّذِي كَانَ يدْفع

ص: 196

سنويا للمماليك فاحسن السُّلْطَان مُقَابلَته وَصرح بقبوله ذَلِك إِذا ارسل ملكه رَسُولا آخر مخولا لَهُ حق ابرام معاهدة مَعَ الْبَاب العالي وَكَذَلِكَ اتى اليه فِيهَا سفير من قبل جمهورية البندقية ليدفع لَهُ خراج سنتَيْن متاخر الْخراج الْمُقَرّر عَلَيْهَا نَظِير بَقَائِهَا فِي جَزِيرَة قبرص

وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة مشتغلا بتجهيز عمَارَة بحريّة لمعاودة الكرة على جَزِيرَة رودس بحرا وَكَانَ يستعد ايضا لمحاربة شاه الْعَجم ثَانِيًا فَجمع خَمْسَة عشر الف فَارس بِمَدِينَة قيصرية وَضم اليهم ثَلَاثِينَ الف جندي من المشاة تَحت قيادة فرحات باشا بيلر بك الاناطول وارسل اليهم عددا عَظِيما من المدافع والذخائر لَكِن لم يمهله الْمنون ريثما يتم مَشْرُوع فتح جَزِيرَة رودس بل عاجله فِي رحلته من الْقُسْطَنْطِينِيَّة إِلَى ادرنه فَتوفي فِي يَوْم 9 شَوَّال سنة 926 22 سبتمبر سنة 1520 فِي السّنة التَّاسِعَة من حكمه والحادية وَالْخمسين من عمره اذ كَانَت وِلَادَته فِي سنة 975

واخفى طبيبه الخصوصي خبر مَوته عَن الْحَاشِيَة وَلم يبلغهُ الا للوزراء فَاجْتمع كل من بير مُحَمَّد باشا وَاحْمَدْ باشا ومصطفى باشا وقرروا اخفاء هَذَا الامر حَتَّى يحضر وَلَده سُلَيْمَان من اقليم صاروخان خوفًا من ان تثور الانكشارية كَمَا هِيَ عَادَتهم

فَكَانَت مُدَّة حكمه كمدة حكم جده مُحَمَّد الفاتح أَيَّام فتوحات خارجية وتنظيمات داخلية إِلَّا أَنه كَانَ ميالا لسفك الدِّمَاء فَقتل سَبْعَة من وزرائه لأسباب واهية

وَكَانَ كل وَزِير مهدد بِالْقَتْلِ لاقل هفوة حَتَّى صَار يدعى على من يرام مَوته بَان يصبح وزيرا لَهُ وَبنى كثيرا من الْجَوَامِع وحول اجمل كنائس الْقُسْطَنْطِينِيَّة إِلَى مَسَاجِد مَعَ سبق الْوَعْد من السُّلْطَان مُحَمَّد الثَّانِي الفاتح لبطريق الرّوم بِعَدَمِ مس نصف الْكَنَائِس الثَّانِي الَّذِي تَركه لَهُم بعد فتح الْمَدِينَة كَمَا مر

ص: 197