المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحرب مع الروسيا ومعاهدة ادرنه - تاريخ الدولة العلية العثمانية

[محمد فريد بك]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فِيمَن ولي الْخلَافَة الاسلامية قبل مُلُوك الدولة الْعلية العثمانية

- ‌الْخُلَفَاء الامويون

- ‌دولة بني امية

- ‌ظُهُور دولة العباسيين

- ‌بَنو طولون بِمصْر

- ‌ظُهُور الدولة الفاطمية بتونس

- ‌دولة بني بويه

- ‌الاخشيديون بِمصْر

- ‌الفاطميون بِمصْر

- ‌السلجوقيون

- ‌الحروب الصليبية

- ‌دولة المماليك البحرية بِمصْر

- ‌دولة المماليك الجراكسة

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي بَغْدَاد

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي مصر

- ‌دولة المماليك

- ‌ المماليك البرجية

- ‌ المماليك الشراكسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌ السلكان الْغَازِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وواقعة قوص اوه

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وَاقعَة نيكوبلي فَلَمَّا علم سجسمون ملك المجر خبر مَا حل بِبِلَاد البلغار خشِي عَليّ مَمْلَكَته اذ صَار متاخما فِي عدَّة نقط للدولة الْعلية فاستنجد باوروبا وساعده البابا واعلن

- ‌اغارة تيمورلنك على آسيا الصُّغْرَى

- ‌الفوضى بعد موت السُّلْطَان بايزيد

- ‌ انْفِرَاد السُّلْطَان

- ‌ السُّلْطَان مرادخان الثَّانِي الْغَازِي

- ‌تنازل السُّلْطَان عَن الْملك وعودته اليه

- ‌فتْنَة اسكندر بك

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌فتح جزائر اليونان ومدينة اوترانت

- ‌حِصَار مَدِينَة رودس

- ‌ترتيباته الداخلية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي بايزيد خَان الثَّانِي واخوه الامير جم

- ‌ابْتِدَاء العلاقات مَعَ دوَل اوروبا

- ‌عصيان اولاد السُّلْطَان عَلَيْهِ وتنازله عَن الْملك لِابْنِهِ سليم

- ‌ السُّلْطَان سليم الاول الْغَازِي الملقب ب ياوز أَي الْقَاطِع

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز

- ‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الاول القانوني

- ‌فتح مَدِينَة بلغراد

- ‌فتح جَزِيرَة رودس

- ‌تدَاخل الدولة الْعلية فِي بِلَاد القرم والفلاخ وفتنة الانكشارية

- ‌ابْتِدَاء المخابرات والمراسلات بَين الدولة الْعلية وَملك فرانسا

- ‌فتح بِلَاد المجر وعاصمتها

- ‌اغارة ملك النمسا على المجر وفتحه مَدِينَة بود وانتصار العثمانيين عَلَيْهِ واسترجاع المجر

- ‌ابْتِدَاء الحروب مَعَ النمسا وحصار ويانه عاصمتها اول دفْعَة

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَانِي دفْعَة

- ‌فتح مَدِينَة بَغْدَاد

- ‌الامتيازات القنصلية

- ‌خير الدّين باشا البحري وَفتح اقليمي الجزائر وتونس

- ‌اتِّحَاد فرنسا والدولة الْعلية على محاربة النمسا وَبَعض وقائع اخرى

- ‌موت زابولي ملك المجر وسفر السُّلْطَان إِلَى بود لمحاربة النمساويين

- ‌سفر الدونانمة العثمانية إِلَى فرانسا وَفتح مَدِينَة نيس

- ‌ابرام الصُّلْح مَعَ النمسا

- ‌فتح عدن

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَالِث دفْعَة

- ‌حِصَار جَزِيرَة مالطه

- ‌فتح مَدِينَة سكدوار

- ‌موت السُّلْطَان سُلَيْمَان

- ‌اسباب الانحطاط

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّانِي

- ‌فتح جَزِيرَة قبرص

- ‌وَاقعَة ليبانت البحرية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مرادخان الثَّالِث

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز رَابِع دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الثَّالِث

- ‌السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الاول وانتصار الشاه عَبَّاس

- ‌ السُّلْطَان مصطفى خَان الاول

- ‌ السُّلْطَان عُثْمَان خَان الثَّانِي وخلعه ثمَّ قَتله وارجاع السُّلْطَان مصطفى ثمَّ عَزله

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُرَاد خَان الرَّابِع

- ‌محاربة الْعَجم واستيلائهم على بَغْدَاد

- ‌ثورة الانكشارية وقتلهم الصَّدْر الاعظم حَافظ باشا وثورة فَخر الدّين الدرزي

- ‌فتح اريوان واسترجاع بَغْدَاد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي ابراهيم خَان الاول وَفتح جَزِيرَة كريد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الرَّابِع

- ‌فتح قلعة نوهزل

- ‌حِصَار مَدِينَة ويانه اخر دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الثَّالِث

- ‌معاهدة بسار وفتس

- ‌تَقْسِيم مملكة الْعَجم بَين العثمانيين والروس وعزل السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الاول وَظُهُور نادرشاه

- ‌معاهدة بلغراد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عُثْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّالِث

- ‌ وَصِيَّة بطرس الاكبر

- ‌عصيان عَليّ بك بِمصْر

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الاول

- ‌اسْتِيلَاء الروسيا على بِلَاد القرم

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّالِث

- ‌معاهدتي زشتوي وياش

- ‌بعض اصلاحات داخلية

- ‌عصيان بازوند اوغلي

- ‌دُخُول الفرنساويين مصر

- ‌خُرُوج الفرنساويين من مصر

- ‌الْفِتَن الداخلية واسبابها

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَالِي مصر

- ‌عزل السُّلْطَان سليم الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الرَّابِع

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الثَّانِي

- ‌معاهدة بخارست مَعَ الروسيا

- ‌الوهابيون ومذهبهم

- ‌محاربة مُحَمَّد عَليّ باشا للوهابيين

- ‌ابادة المماليك

- ‌عصيان عَليّ باشا وَالِي يانيه

- ‌ثورة اليونان وطلبها الِاسْتِقْلَال

- ‌سفر الْجنُود العثمانية إِلَى اليونان

- ‌تدَاخل الدول

- ‌ اتِّفَاق آق كرمان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْمُخْتَص بالافلاق والبغدان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْخَاص بالصرب

- ‌وَاقعَة ناورين

- ‌خُرُوج العساكر المصرية من موره

- ‌الغاء طَائِفَة الانكشارية

- ‌الْحَرْب مَعَ الروسيا ومعاهدة ادرنه

- ‌احتلال فرنسا لجزائر الغرب

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَحرب الشَّام الاولى

- ‌معاهدة كوتاهيه

- ‌معاهدة خونكار اسكله سي

- ‌حَرْب الشَّام الثَّانِيَة

- ‌وَاقعَة نَصِيبين

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْمجِيد خَان

- ‌اخلاء المصريين لبلاد الشَّام

- ‌مَسْأَلَة لبنان ونقتلة المارونية

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌فرمان الكلخانة

- ‌الاصلاحات الْخَيْرِيَّة

- ‌اتِّفَاق بلطه ليمان

- ‌اسباب حَرْب القرم

- ‌وَاقعَة سينوب البحرية

- ‌النمسا وَحرب القرم

- ‌اطلاق الانكليز المدافع على مَدِينَة جدة

- ‌حَادِثَة الشَّام واحتلال فرنسا لَهَا

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْعَزِيز خَان

- ‌فؤاد باشا الصَّدْر الاعظم واصلاحاته

- ‌ ثورة كريد

- ‌سفر السُّلْطَان عبد الْعَزِيز لمصر

- ‌سفر السُّلْطَان لباريس

- ‌وضع مجلة الاحكام العدلية

- ‌الفرمان الشَّامِل لجَمِيع امتيازات الخديوية المصرية

- ‌علاقات تونس مَعَ الدولة الْعلية

- ‌مَسْأَلَة قنال السويس

- ‌الاحتفال بِفَتْح قنال السويس

- ‌عزل السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌الْفَتْوَى بعزله

- ‌ السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌قتل حسن بك لكل من حُسَيْن عوني باشا وَمُحَمّد رَاشد باشا

- ‌عزل السُّلْطَان مُرَاد

- ‌صُورَة استفتاء الوزراء فِي وجوب خلع السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الثَّانِي

- ‌البرلمان العثماني الاول

- ‌حَرْب الروسيا وَبَيَان اسباب لائحة الكونت اندراسي

- ‌حَادِثَة سلانيك ولائحة برلين

- ‌ثورة البلغار وَجَوَاب اللورد دربي

- ‌حَرْب الصرب والجبل الاسود

- ‌مؤتمر الاستانة

- ‌اخلاص المجر للدولة الْعلية

- ‌لائحة لوندرة

- ‌اعلان الْحَرْب

- ‌وَاقعَة بلفنه

- ‌الاعمال الحربية فِي الاناطول

- ‌سُقُوط قارص

- ‌المخابرات الابتدائية والهدنة

- ‌حل مجْلِس النواب

- ‌احتلال انكلترا لجزيرة قبرص

- ‌الدستور العثماني

- ‌القانون الاساسي وَالسُّلْطَان عبد الحميد

- ‌اجْتِمَاع مجْلِس المبعوثين الاول

- ‌الْحَادِثَة الارتجاعية وخلع عبد الحميد

- ‌ خَليفَة الْمُسلمين وسلطان العثمانيين مُحَمَّد رشاد خَان الْخَامِس

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌الاصلاحات الْمَالِيَّة

- ‌الاصلاحات الحربية

الفصل: ‌الحرب مع الروسيا ومعاهدة ادرنه

قَاصِدين الهجوم على المدافع للاستيلاء عَلَيْهَا فَقَذَفْتُ عَلَيْهِم من صيب قللها مَا اوقعهم فِي الفشل وايقنوا مَعَه أَن لَا طَاقَة لَهُم على مقاومتها فعكفوا إِلَى ثكناتهم طَالِبين النجَاة لَكِن انى لَهُم ذَلِك وَقد سلطت افواه المدافع عَلَيْهَا فهدمتها واشعلت فِيهَا النيرَان حَتَّى دمرتها على من التجأ اليها وَبِذَلِك انْتَهَت هَذِه الْفِتْنَة المريعة

وَفِي الْيَوْم التَّالِي صدر فرمان سلطاني بابطال فئتهم كُلية وملابسها واصطلاحاتهاواسمها من جَمِيع الممالك المحروسة وَنُودِيَ بذلك فِي الشوارع وصدرت الاوامر إِلَى جَمِيع الولايات بالتفتيش على كل من بَقِي مِنْهُم واعدامه أَو نَفْيه إِلَى اطراف الْبِلَاد حَتَّى لَا تبقى مِنْهَا بَاقِيَة وَمن ثمَّ اخذ السُّلْطَان فِي تَرْتِيب وتنظيم الجيوش بهمة لم يمسسها ملال وَعين لادخال هَذِه التنظيمات لجنة من اكابر الوزراء وقلد حُسَيْن باشا الَّذِي كَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي ابادة الانكشارية قائدا عَاما لَهُم سر عَسْكَر وبذل السُّلْطَان ومشيروه اهتمامهم حَتَّى لم تمض السّنة الا وَقد تمّ تنظيم عشْرين الف وتمت المعدات لابلاغهم فِي ختام السّنة التالية مائَة وَعشْرين الْفَا

‌الْحَرْب مَعَ الروسيا ومعاهدة ادرنه

هَذَا ولنرجع إِلَى ذكر الدولة الروسية وَبَيَان مَا تمّ بِالنِّسْبَةِ لليونان واستقلالها فَنَقُول بِمُجَرَّد مَا اعلنت الروسيا الْحَرْب سَارَتْ جيوشها الَّتِي كَانَت منتظرة ومتأهبة على الْحُدُود واجتازت نهر بروث الْفَاصِل بَين املاك الدولتين واحتلت مَدِينَة ياش عَاصِمَة البغدان

وَفِي 28 الْقعدَة سنة 1243 13 يونيو سنة 1828 دخلت بوخارست عَاصِمَة الافلاق وقبضت على حاكمي الولايتين وَصَارَت ادارتهما فِي ايدي مندوبين من طرفهما وَبعد ذَلِك احتلت الجيوش الروسية الْبِلَاد العثمانية إِلَى نهر الطونه وعدة مدن وَاقعَة على ضفتيه واجتازته بِدُونِ كثير ممانعة ثمَّ حاصرت مَدِينَة وارنه برا وبحرا لعدم وجود مراكب عثمانية تحميها من جِهَة الْبَحْر بعد وَاقعَة ناورين واتى القيصر نقولا بِذَاتِهِ لمراقبة الْحصار وَبعد قَلِيل سَار فِي جَيش عَظِيم لمحاصرة السِّرّ عَسْكَر حُسَيْن باشا فِي مَدِينَة شومله واحتل مَدِينَة اسكي استانبول للتمكن من كَمَال محاصرتها لكم لم يلبث أَن رفع عَنْهَا

ص: 431

الْحصار لما شَاهده من انتظام الجيوش الجديدة وَجمع كل قواه حول مَدِينَة وارنه وَقد تمكن القبودان باشا عزت مُحَمَّد من ادخال المدد اليها بحرا رغما عَن مراقبة السفن الروسية وَدخل هُوَ ايضا اليها وَتَوَلَّى الدفاع عَنْهَا واتى من جِهَة الْبر السِّرّ عَسْكَر حُسَيْن باشا لاشغال المحاصرين لَهَا وَلذَلِك كَاد القيصر ييأس من دُخُولهَا لَوْلَا خِيَانَة اُحْدُ القواد الْمَدْعُو يُوسُف باشا فانه سلمهَا إِلَى الروس فِي اول ربيع الثَّانِي سنة 1244 11 اكتوبر سنة 1728 والتجأ إِلَى بِلَادهمْ فِرَارًا من الْعقَاب وليتمتع بثمرة خيانته وَمن جِهَة آسيا احتل الروس عدَّة قلاع وحصون اهمها قلعة قارص الشهيرة ثمَّ توقف الْقِتَال بِسَبَب اشتداد الْبرد وتراكم الثلوج اَوْ بالاختصار فقد شهد الروس انفسهم أَن نتائج الْحَرْب كَانَت اقل مِمَّا كَانُوا ينتظرون وَمَا ذَلِك الا لالغاء طَائِفَة الانكشارية وترتيب الجيوش الجديدة واطاعتها لاوامر رؤسائها اطاعة عمياء

وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا كتبه المسيو بوتزودي بورجو سفير الْحُكُومَة الروسية بباريس فِي رِسَالَة مؤرخة فِي نوفمبر سنة 1828 وملخصها أَن الْجنُود الروسية لاقت من الجيوش العثمانية الجديدة مَا لم تعانه قبلا من الانكشارية وَلَو تَأَخَّرت الروسيا فِي اشهار الْحَرْب على الْبَاب العالي سنة وَاحِدَة لما امكنها أَن تتحصل على النتائج الَّتِي تحصلت عَلَيْهَا فِي هَذِه السّنة اهـ

وَفِي ذَلِك برهَان كَاف على اصابة رَأْي السُّلْطَان مَحْمُود الْغَازِي واصالة فكره فِي الغاء طَائِفَة الانكشارية لَكِن لم تكن الجيوش المنتظمة كَافِيَة لاستمرار الْقِتَال لقلَّة عَددهَا بِالنِّسْبَةِ لجيوش الروسية الْكَثِيرَة الْعدَد وَلذَلِك لما استؤنف الْقِتَال

ص: 432

فِي ربيع سنة 1829 كَانَ الْفَوْز غَالِبا للجيوش الروسية رغما عَمَّا بذله القواد العثمانيون من المهارة فِي ضروب الْقِتَال وَمَا اظهرته الْجنُود المنتظمة من الثَّبَات والانتظام

ولنقل بِاخْتِصَار بِدُونِ تَفْصِيل جَمِيع الوقائع الَّتِي حصلت بَين الجيشين فِي فَصلي الرّبيع والصيف أَن الجيوش الروسية اجتازت نهر الطونه ثمَّ اخترقت جبال البلقان بعد أَن تغلبت على من عارضها من الجيوش العثمانية واخيرا وصلت إِلَى مَدِينَة ادرنه واحتلتها عنْوَة وَعند ذَلِك لم يبْق امامها عائق يوقفها عَن التَّقَدُّم إِلَى مَدِينَة الاستانة المحمية الا عدم رَغْبَة الدولة فِي سُقُوطهَا فِي ايدي الروسيا واتفاقها ضمنا على اضعاف الدولة الْعلية إِلَى حد لَا يُمكنهَا مَعَه التَّقَدُّم والارتقاء مَعَ بَقَائِهَا عقبَة فِي سَبِيل الروسيا وحاجزا بَينهَا وَبَين الْبَحْر الابيض الْمُتَوَسّط وَلذَلِك لما رات أَن الروس قد اقتربوا مِنْهَا وصاروا على طريقها وسيصلون اليها لَا محَالة لَو لم يتدخلوا بِشدَّة تخابرت مَعَ الدولتين المتحاربتين فأوقفت الروسيا جيوشها ودارت المخابرات بَينهمَا بتوسط مملكة بروسيا حَتَّى تمّ الصُّلْح وامضينت بِهِ معاهدة بِمَدِينَة ادرنة فِي 15 ربيع الاول سنة 1245 14 سبتمبر سنة 1729 هَذَا نَصهَا

البند 1 كل عَدَاوَة ومجافاة بقيت لغاية الْآن بَين الدولتين تَنْقَطِع من تَارِيخ هَذَا الْيَوْم سَوَاء كَانَت بَريَّة اَوْ بحريّة ويخلفها الصُّلْح الابدي والمحبة وَحسن الْمُوَافقَة بَين جلالة امبراطور وبادشاه جَمِيع الروسيا وَبَين عَظمَة امبراطور وبادشاه العثمانيين وَكَذَا بَين الْوَارِثين والمتعاقبين على عرش المملكتين ويبذل الطرفان الساميان المتعاقدان مَا فِي وسعهما من الانتباه الزَّائِد لمنع جَمِيع مَا من شَأْنه توليد الشقاق بَين رعاياهما وَيقومَانِ بتنفيذ جَمِيع شُرُوط معاهدة الصُّلْح الحالية بغاية الْعِنَايَة ويعتنيان ايضا بِأَنَّهَا لَا تنكث بِأَيّ كَيْفيَّة سَوَاء كَانَت مُبَاشرَة أَو غير مُبَاشرَة

البند 2 حَيْثُ ان جلالة امبراطور وبادشاه جَمِيع الروسيا يُرِيد ان يبرهن لِعَظَمَة امبراطور وبادشاه العثمانيين على اخلاص ميوله الودية فَيُعِيد إِلَى الْبَاب العالي امارة البغدان بحدودها الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا قبل ابْتِدَاء الْحَرْب الَّتِي انْتَهَت بالمعاهدة الحالية وامارة الافلاق ومقاطعة قره جه ادوه بِدُونِ أَي اسْتثِْنَاء والبلغار

ص: 433

واقليم دوبروجه من الدانوب لغاية الْبَحْر مَعَ مَدَائِن سيلستريه وحرصو وماجين وايزا كنجه وتولتتا وباباطاغ وبازارجق ووارنه وبرافودي وَجَمِيع المدن والضياع والقرى التابعة لَهَا وَجَمِيع بِلَاد البلقان من امينه بورنو لغاية قزار والاقليم الممتد من بِلَاد البلقان إِلَى الْبَحْر الاسود مَعَ مَدَائِن سليمنا وتشامبولي وايدا وكرنيات وميسيمبزيا واوكهيولي وبورجاس وسيزيبولي وقرق قلدس وادرنة ولوله وبورجاس واخيرا جَمِيع الْبِلَاد والضياع والقرى وعموما جَمِيع الامكنة الَّتِي احتلتها جنود الروسيا من بِلَاد الرومللي

البند 3 يسْتَمر نهر بروث لِأَن يكون الْحَد الْفَاصِل بَين الدولتين من النقطة الَّتِي يمس فِيهَا تخوم البغدان لغاية التقائه مَعَ الدانوب وَمن هَذَا الْمَكَان تتجه التخوم بمحاذاة مجْرى الدانوب لغاية مصب ماري جرجس بِحَيْثُ أَن جَمِيع الجزائر المتكونة بِفُرُوع هَذَا النَّهر الْمُخْتَلفَة تكون ملكا للروسيا واما الشاطئ الايمن مِنْهُ فَيبقى تَابعا للباب العثمانية كالسابق وَمَعَ ذَلِك فقد اتّفق على أَن الشاطئ الايمن الْمَذْكُور من الْمَكَان الَّذِي فِيهِ ينْفَصل فرع ماري جرجس عَن فرع سولينيه يبْقى غير مسكون على بعد ساعتين من هَذَا النَّهر وَأَن لَا يشيد بِهِ مبان من أَي نوع كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الجزائر الَّتِي تبقى فِي ملك دولة الروسيا وَيسْتَثْنى من ذَلِك الكورنتينات الَّتِي تعْمل فِيهَا وَلَا يسمح مُطلقًا بِأَن يشيد فِيهَا أَي بِنَاء آخر وَلَا استحكامات ومراكب الدولتين التجارية يكون لَهَا الْحق فِي الملاحة بالدانوب فِي جَمِيع طوله والمراكب الحاملة للْعلم العثماني يُمكنهَا أَن تدخل بِدُونِ ممانعة فِي مصبي قبلي وسولينيه اما مصب ماري جرجس فتمر فِيهِ مراكب الدولتين الحربية والتجارية وَلَكِن المراكب الحربية الروسية لَا يُمكنهَا عِنْد صعودها فِي الدانوب

ص: 434

أَن تتجاوز مَحل التقائه مَعَ البروث

البند 4 بِمَا أَن مقاطعات الكرج والامريثيا ومنكريل وجوريل وَغَيرهَا من مقاطعات القوزاق منضمة من سِنِين عديدة وعَلى الدَّوَام إِلَى المملكة الروسية بِمَا ان هَذِه الدولة قد اكْتسبت بالمعاهدة المبرمة مَعَ دولة الْعَجم ببلدة تورامان جاي فِي 10 فبراير سنة 1828 خلاف ذَلِك خانات اريفان وناخيتشيفان فالدولتان العليتان المتعاقدتان قد علمتا ضَرُورَة تَحْدِيد ممالكهما فِي هَذِه الْجِهَة بِحَيْثُ أَن هَذَا التَّحْدِيد يكون معينا تعيينا تَاما ضَامِنا لاجتناب كل اخْتِلَاف اَوْ نزاع فِي الْمُسْتَقْبل وَقد شرعتا من جِهَة اخرى فِي اتِّخَاذ الطّرق الفعالة لرد هجمات وَصد غارات الامم الْمُجَاورَة الَّتِي كَانَت تجريها لغاية الْوَقْت الْحَاضِر وَالَّتِي كَانَت غَالِبا السَّبَب الوحيد فِي نقض الصلات الودية وَحسن الْمُجَاورَة بَين الدولتين وَبِنَاء على ذَلِك فقد اتّفق بَين حكومتي الدولة الامبراطورية الروسية وَبَين الْبَاب العالي العثماني بِأَن تكون حُدُود ولايات المملكتين بآسيا من الْآن فَصَاعِدا خطا يتبع الْحُدُود الحالية لاقليم جوريل من ابْتِدَاء الْبَحْر الاسود ثمَّ يصعد لغاية حُدُود مقاطعة اميريثيا وَمن هُنَاكَ يعرج نَحْو الاتجاه الاكثر استقامة لغاية مَكَان التقاء حُدُود ولايات اخلتزيك وقارص مَعَ ولايات الكرج بِحَيْثُ تكون مَدِينَة اخلتزيك وقلعتها فِي شمال هَذَا الْخط على مَسَافَة لَيست بِأَقَلّ من ساعتين اما جَمِيع الْبلدَانِ الكائنة فِي الْجنُوب والغرب من خطّ التَّحْدِيد الْمَذْكُور الْقَرِيبَة من ولايتي قارص وطرابزون بِمَا فِيهَا الْجُزْء الاعظم من ولَايَة اخلتزيك فانها تبقى على الدَّوَام تَحت حكم الْبَاب العالي واما الْبِلَاد الكائنة فِي الشمَال والشرق من الْخط الْمَذْكُور الْقَرِيبَة من الكرج واميريثيا وجوريل وَكَذَلِكَ جَمِيع شواطيء الْبَحْر الاسود من مصب نهر قوبان لغاية ميناء ماري نقولا بِمَا فِيهَا هَذِه الميناء فانها تبقى إِلَى الابد تَحت حكم المملكة الروسية فبناء على ذَلِك ترد حُكُومَة الروسيا الامبراطورية إِلَى الْبَاب العالي بَاقِي ولَايَة اخلتزيك وَكَذَا مَدِينَة وَولَايَة قارص وايضا مَدِينَة وَولَايَة بايزيد ومدينة وَولَايَة ارضروم وَجَمِيع الاماكن المحتلة لَهَا جيوش الروسيا وَالَّتِي تُوجد خَارِجا عَن الْخط الْمَذْكُور اعلاه

البند 5 حَيْثُ ان امارتي البغدان والافلاق قد قبلتا ان تَكُونَا تَحت سيادة

ص: 435

الْبَاب العالي بِمُقْتَضى القوانين الاساسية للامارتين وَبِمَا ان دولة الروسيا قد ضمنت نجاحهما فقد صَار الِاتِّفَاق على انهما تحفظان جَمِيع الامتيازات والاختصاصات الَّتِي ضمنت لَهما سَوَاء كَانَت بِمُقْتَضى القوانين الاساسية للبلاد اَوْ بِحَسب نَص المعاهدات المبرمة بَين الدولتين اَوْ المؤيدة بالخطوط الشَّرِيفَة الصادرة فِي ازمنة مُخْتَلفَة وَبِنَاء على ذَلِك تتمتع هَاتَانِ الدولتان بِالْحُرِّيَّةِ الدِّينِيَّة وبالامن العمومي وَيكون لَهما ادارة اهلية مُسْتَقلَّة بحريّة التِّجَارَة واما الْقُيُود اللَّازِم اضافتها إِلَى الاشتراطات الْمُتَقَدّمَة لضمان تمتّع هذَيْن الاقليمين بحقوقهما فقد اتّفق عَلَيْهَا فِي العقد الْمُنْفَصِل الْمرْفق بِهَذَا الْمُعْتَبر كجزء من المعاهدة الحالية

البند 6 بِمَا ان الظروف الَّتِي حصلت من ابْتِدَاء عقد اتِّفَاق آق كرمان لم تسمح للباب العالي بالاهتمام فِي تَنْفِيذ مَا جَاءَ بِالْعقدِ الْمُنْفَصِل الْمُخْتَص بالصرب الملحق بالبند 5 من الِاتِّفَاق الْمَذْكُور فَهُوَ يتعهد بكيفية جلية بِأَن يقوم بتتميمها بِدُونِ ادنى امهال وبالضبط الاتم وخصوصا فِي ان يُعِيد السِّتَّة اقسام الْمُنْفَصِلَة عَن الصرب اليها حَتَّى تتمتع هَذِه الامة الصادقة الطائعة بالراحة والرفاهية اما الفرمان الْمُوشى بالخط الشريف الَّذِي يصدر بتنفيذ الْقُيُود الْمَذْكُورَة فَيُرْسل إِلَى دولة الروسيا الامبراطورية وتعلن بِهِ رسميا فِي ميعاد شهر من تَارِيخ التَّصْدِيق على هَذِه المعاهدة

البند 7 يتمتع رعايا الروسيا فِي سَائِر انحاء المملكة العثمانية برا وبحرا بحريّة التِّجَارَة التَّامَّة الَّتِي تكفلها لَهُم المعاهدات المبرمة سَابِقًا بَين الدولتين العظيمتين الْمُتَعَاقدين وَلَا يَصح مس حريَّة التِّجَارَة بِأَيّ وَجه كَانَ وَلَا يُمكن ان تعطل فِي أَي حَال من الاحوال وَلَا بِأَيّ حجَّة كَانَت وَلَا يضيق نطاقها مُطلقًا وَلَا بِسَبَب أَي قَرَار اَوْ تَعْدِيل سَوَاء كَانَ من جِهَة الادارة اَوْ من جِهَة الْقَضَاء فِي داخلية الْبِلَاد والرعايا والسفن والتجار الروسيون يكونُونَ فِي حمى من كل شدَّة فِي الْمُعَامَلَة وَيبقى الرعايا الروسيون تَحت السلطة القضائية والبوليس الخاصين بوزير وقناصل الروسية واما المراكب الروسية فَلَا يحصل بهَا مُطلقًا أَي تفتيش من جِهَة الْحُكُومَة العثمانية لَا فِي شاسع الْبحار وَلَا فِي دَاخل أَي ميناء اَوْ مورده مِمَّا

ص: 436

يدْخل تَحت حكم الْبَاب العالي وكل انواع المتجر اَوْ الغلال الْمَمْلُوكَة لَاحَدَّ رعايا الروسيا يُمكن بيعهَا بِكُل حريَّة بعد تسديد عوائد الجمارك عَنْهَا بِمُقْتَضى التعريفات اَوْ ان تنزل إِلَى الْبر فِي مخازن صَاحبهَا اَوْ عميله بل وَيصِح نقلهَا على سفن اخرى ايا كَانَت جنسيتها بِدُونِ ان يحْتَاج التَّابِع الروسي فِي هَذِه الْحَالة لَان يشْعر الْحُكُومَة الْمَحَلِّيَّة وَلَا ان يطْلب اذنا بذلك مُطلقًا وَقد اتّفق اتِّفَاقًا صَرِيحًا على ان انواع الْقَمْح الْآتِيَة من الروسيا تتمتع بِنَفس هَذِه الامتيازات وان نقلهَا من اراضي الدولة لأي جِهَة لَا يحصل فِيهِ اقل صعوبة اَوْ ممانعة مُطلقًا وَلَا بِأَيّ حجَّة وَمَا عدا ذَلِك فيتعهد الْبَاب العالي بِأَن يتيقظ بِكُل اعتناء إِلَى عدم حُصُول أَي تَعْطِيل مهما كَانَت طَبِيعَته للتِّجَارَة والملاحة فِي الْبَحْر الاسود على الْخُصُوص وللوصول إِلَى هَذَا الْغَرَض يعْتَرف ويعلن بِأَن الْمُرُور فِي قنال الْقُسْطَنْطِينِيَّة وببوغاز الدردنيل يكون بحريّة تَامَّة وانهما مفتوحان للسفن الروسية الحاملة للْعلم التجاري سَوَاء كَانَت مشحونة اَوْ مصبرة وَسَوَاء كَانَت آتِيَة من الْبَحْر الاسود بِقصد الدُّخُول فِي الْبَحْر الابيض الْمُتَوَسّط اَوْ عابرة من الْبَحْر الابيض الْمُتَوَسّط تُرِيدُ الدُّخُول فِي الْبَحْر الاسود وَمَا دَامَت هَذِه السفن تجارية فمهما كَانَت كَبِيرَة وَمهما كَانَ قدرهَا لَا تكون معرضة لادنى مَانع اَوْ لأي تعد كَمَا تقرر ذَلِك اعلاه وتتفق الدولتان على اتِّخَاذ انجح الطّرق للتوقي من أَي تَأْخِير فِي تَخْلِيص المراسلات الضرورية فبناء على نفس هَذِه الْقَاعِدَة يعلن بِأَن الْمُرُور من قنال الْقُسْطَنْطِينِيَّة وبوغاز الدردنيل يكون حرا ومفتوحا لجَمِيع المراكب التجارية التابعة للممالك الْمَوْجُودَة فِي حَالَة الصُّلْح مَعَ الْبَاب العالي سَوَاء كَانَت متوجهة نَحْو الموانئ الروسية الَّتِي على الْبَحْر الاسود اَوْ آتِيَة مشحونة اَوْ مصبرة وَذَلِكَ بِمُقْتَضى الشُّرُوط عينهَا الَّتِي اشْترطت بِخُصُوص السفن الحاملة للْعلم الروسي

واخيرا بِمَا ان الْبَاب العالي يعْتَرف بِمَا لحكومة الروسيا الامبراطورية من الْحق فِي ان تتأكد من الضمانة التَّامَّة لهَذِهِ الْحُرِّيَّة التجارية وَمن الملاحة فِي الْبَحْر الاسود بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّة فَهُوَ يعلن على رُؤُوس الاشهاد بِأَنَّهُ لَا يحصل فِي ذَلِك مُطلقًا من جِهَته ادنى عائق مهما كَانَ وَلَا بِأَيّ حجَّة كَانَت ويتعهد خُصُوصا بِأَنَّهُ لَا يستبيح لذاته من الْآن فَصَاعِدا ايقاف اَوْ القاء الْقَبْض على السفن المشحونة اَوْ المصبرة

ص: 437

سَوَاء كَانَت روسية اَوْ تَابِعَة للْمَالِك الَّتِي لَا تكون الدولة العثمانية مَعهَا فِي حَالَة حَرْب معلن حينما تكون مارة بقنال الْقُسْطَنْطِينِيَّة وبوغاز الدردنيل لأجل أَن تتَوَجَّه من الْبَحْر الاسود إِلَى الْبَحْر الابيض الْمُتَوَسّط اَوْ بِالْعَكْسِ

وَإِذا حصل لَا سمح الله مُخَالفَة لبَعض الاشتراطات الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا البند الحالي بِدُونِ ان تنَال طلبات وَزِير الروسيا بِهَذَا الشَّأْن الترضية التَّامَّة فِي اسرع وَقت فالباب العالي يعْتَرف مقدما لحكومة الروسيا الامبراطورية بَان لَهَا الْحق فِي ان تعْتَبر هَذَا الْخلف كعمل عدائي وان لَهَا الْحق فِي ان تقَابل الدولة العثمانية بِمثلِهِ

البند 8 بِمَا ان الوفاقات الَّتِي اشْترطت سَابِقًا فِي البند السَّادِس من اتِّفَاق آق كرمان الَّتِي موضوعها تنظيم وتصفية طلبات الرعايا والتجار التَّابِعين للطرفين بِخُصُوص تعويضات الخسائر الَّتِي نشأت فِي ازمنة مُخْتَلفَة من حَرْب سنة 1806 لم تنفذ وَبِمَا ان التِّجَارَة الروسية من مُنْذُ عقد اتِّفَاق آق كرمان الْمُتَقَدّم ذكره قد حصل لَهَا خسائر جسيمة اخرى بِسَبَب الترتيبات الَّتِي صدرت بِخُصُوص الملاحة فِي البوسفور فقد اتّفق وتقرر بِأَن الْبَاب العالي العثماني يدْفع لحكومة الروسية الامبراطورية تعويض هَذِه الاضرار والخسائر فِي مُدَّة ثَمَانِيَة عشر شهرا وَفِي مواعيد تعين فِيمَا بعد مبلغ مليون وَخَمْسمِائة الف دوقة هولاندية بِحَيْثُ ان تسديد هَذَا الْمبلغ يمْنَع كل طلب اَوْ ادِّعَاء صادر من احدى الدولتين المتعاقدتين بِخُصُوص الظروف الْمَذْكُورَة اعلاه ضد الاخرى

البند 9 بِمَا ان طول مُدَّة الْحَرْب الَّتِي انْتَهَت بِخَير بِعقد هَذِه المعاهدة قد تسبب عَنهُ لحكومة الروسيا الامبراطورية مصاريف جسيمة فالباب العالي يعْتَرف بضرورة تَقْدِيم تعويض مُوَافق لتِلْك الْحُكُومَة وَلِهَذَا فانه عدا عَن تنازله عَن قِطْعَة صَغِيرَة من الاراضي فِي آسيا الْمَذْكُورَة فِي البند 4 وَالَّتِي قبلت حُكُومَة الروسيا باستلامها من اصل التعويض الْمَذْكُور فَإِن الْبَاب العالي يتعهد بِأَن يدْفع لَهَا مبلغا من النُّقُود يقدر فِيمَا بعد بِاتِّفَاق الطَّرفَيْنِ

البند 10 بِمَا ان الْبَاب العالي قد اعلن تمسكه التَّام باشتراطات المعاهدة المبرمة فِي لوندره بتاريخ 6 يوليو سنة 1827 بَين الروسيا وبريطانيا الْعُظْمَى

ص: 438

وفرنسا فَهُوَ يقبل ايضا بِالْعقدِ الَّذِي تقرر فِي 22 مارس سنة 1829 باتحاد جَمِيع هَذِه الممالك فِيمَا يتَعَلَّق بِخُصُوص اساس المعاهدة الْمَذْكُورَة وَهَذَا العقد يشْتَمل على التنظيمات القنصلية المختصة بتنفيذها نهائيا فَفِي حَال تبادل التَّصْدِيق على معاهدة الصُّلْح الحالية وَبعد استلام كل طرف نسخته يعين الْبَاب العالي مفوضين سياسيين لكَي يتفقوا مَعَ مفوضي حُكُومَة الروسيا الامبراطورية وحكومتي انكلتره وفرنسا بِقصد اجراء تَنْفِيذ الاشتراطات والتنظيمات الَّتِي سبق الْكَلَام عَلَيْهَا

البند 11 بعد التوقيع على معاهدة الصُّلْح الحالية بَين الدولتين مُبَاشرَة وتبادل تَصْدِيق الْملكَيْنِ عَلَيْهَا يشرع الْبَاب العالي فِي اخذ الاحتياطات الضرورية لتنفيذ الاشتراطات الَّتِي تحتوي عَلَيْهَا بالسرعة وبوجه الدقة وخصوصا بندي 3 و 4 الخاصين بالحدود الْمعينَة لفصل المملكتين عَن تعضهما سَوَاء كَانَ فِي اوروبا اَوْ فِي آسيا وَكَذَا بندي 5 و 6 المختصين بامارات البغدان والافلاق والصرب وَمَتى جَاءَ الْوَقْت الَّذِي فِيهِ يُمكن اعْتِبَار هَذِه البنود الْمُخْتَلفَة كَأَنَّهَا تنفذت فَحُكُومَة الدولة الروسية الامبراطورية تشرع فِي الْجلاء عَن اراضي الدولة العثمانية بِنَاء على الْقَوَاعِد المقررة بِعقد مُنْفَصِل يكون جزئا متمما من معاهدة الصُّلْح الحالية اما ادارة ونظام الامور الَّتِي تكون قد تقررت فِي هَذِه الامارات فِي الْحَال تَحت رِعَايَة الدولة الروسية الامبراطورية فانها تبقى ثَابِتَة لغاية انجلائها انجلاء تَاما من الاقاليم المحتلة وَالْبَاب العالي العثماني لَا يُمكنهُ ان يتداخل فِيهَا بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت

البند 12 بعد التوقيع على معاهدة الصُّلْح الحالية تُعْطى الاوامر فِي الْحَال إِلَى قواد جيوش الطَّرفَيْنِ الْبَريَّة والبحرية بِمَنْع الْحَرْب اما الوقائع الَّتِي تحصل بعد التوقيع على المعاهدة الحالية فَتعْتَبر كانها لم تحصل وَلَا تستدعي ادنى تَغْيِير فِي الشُّرُوط الَّتِي تشْتَمل عَلَيْهَا وبمثل ذَلِك جَمِيع الاماكن الَّتِي تأخذها جيوش احدى الدولتين العظيمتين المتعاقدتين فِي هَذِه الْمدَّة فانها تُعَاد بِدُونِ ادنى امهال

البند 13 بِمَا ان الطَّرفَيْنِ الفخيمين الْمُتَعَاقدين قد اعادا فِيمَا بَينهمَا روابط الْمَوَدَّة الْخَالِصَة فانهما يمنحان عفوا عموميا لجَمِيع رعاياها مهما كَانَت ظروف احوالهم وجنسيتهم وَكَانُوا قد اشْتَركُوا فِي اثناء الْحَرْب الَّتِي انْتَهَت بِحَمْد الله

ص: 439

فِي هَذِه الايام فِي الاعمال العسكرية اَوْ تظاهروا سَوَاء بسلوكهم اَوْ بآرائهم بالميل نَحْو اُحْدُ الطَّرفَيْنِ الْمُتَعَاقدين

وَبِنَاء على هَذَا فَأَي شخص من اولئك لَا يحصل لَهُ تكدير وَلَا يحاكم لَا بِالنِّسْبَةِ لشخصه وَلَا فِي امواله بِسَبَب سلوكه السالف وَلكُل مِنْهُم ان يسْتَردّ الاملاك الَّتِي كَانَ يمتلكها سَابِقًا وان يتمتع بهَا مطمئنا تَحت حماية القوانين والا فَلهُ الْخِيَار بِأَن يتَخَلَّص مِنْهَا فِي مُدَّة ثَمَانِيَة عشر شهرا لكَي ينْتَقل بعائلته وامواله المنقولة إِلَى أَي قطر شَاءَ بِدُونِ ان يقاسي ظلما اَوْ مَوَانِع بِأَيّ وَجه كَانَ

وَمَا عدا ذَلِك فانه يمنح لرعايا الطَّرفَيْنِ القاطنين فِي الْبِلَاد الْمُعَادَة إِلَى الْبَاب العالي اَوْ المتنازل عَنْهَا لدولة الروسيا الملوكية مُدَّة ثَمَانِيَة عشر شهرا ايضا ابْتِدَاء من تَارِيخ تبادل التَّصْدِيق على معاهدة الصُّلْح لكَي يتصرفوا فِي مملوكاتهم المكتسبة سَوَاء كَانَ قبل الْحَرْب اَوْ فِي مُدَّة وُقُوعه مَتى رَأَوْا ذَلِك مُوَافق لَهُم وليخرجوا بنقودهم ومنقولاتهم من ممالك احدى الدولتين المتعاقدتين إِلَى ممالك الاخرى وَبِالْعَكْسِ

البند 14 جَمِيع اسرى الْحَرْب مَعَهُمَا كَانَت جنسيتهم وظروف احوالهم رجَالًا كَانُوا اَوْ نسَاء الَّذين يوجدون عِنْد الدولتين يجب اخلاء سبيلهم بِدُونِ اقل فديَة اَوْ دفع شَيْء عَنْهُم وَذَلِكَ بعد تبادل التَّصْدِيق على معاهدة الصُّلْح الحالية مُبَاشرَة وَيسْتَثْنى من ذَلِك النَّصَارَى الَّذين يعتنقون الدّيانَة المحمدية برضاهم واختيارهم فِي ممالك الْبَاب العالي وَكَذَلِكَ الْمُسلمُونَ الَّذين يعتنقون برضاهم واختيارهم الدّيانَة النَّصْرَانِيَّة فِي ممالك الدولة الروسية

وَهَكَذَا يكون الاجراء ايضا فِي شَأْن الرعايا الروسيين الَّذين يقعون بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت فِي الاسر بعد التوقيع على هَذِه المعاهدة ويوجدون فِي ممالك الْبَاب العالي وَكَذَا دولة الروسيا الامبراطورية تتعهد من جِهَتهَا ايضا بِأَن تعْمل بِمُوجب الطَّرِيقَة عينهَا بِالنّظرِ لرعايا الْبَاب العالي

وَلَا يَقْتَضِي مُطلقًا دفع المبالغ الَّتِي تكون انفقتها احدى الدولتين العظيمتين المتعاقدتين على الاسارى بل كل مِنْهُمَا يزودهم بِجَمِيعِ مَا يكون ضَرُورِيًّا لَهُم

ص: 440

لسفرهم لغاية الْحُدُود وَهُنَاكَ يحصل التبادل فيهم بِوَاسِطَة مأمورين مُعينين من كلا الطَّرفَيْنِ

البند 15 جَمِيع المعاهدات والاتفاقات والاشتراطات المقررة الَّتِي ابرمت فِي اعصار مُخْتَلفَة بَين حُكُومَة الروسيا الامبارطورية وَالْبَاب العالي العثماني مَا عدا البنود الَّتِي تخَالف المعاهدة الصلحية الحالية فانها تبقى مَعْمُولا بهَا بِكُل قُوَّة مَعَانِيهَا ومبانيها ويتعهد الطرفان الفخيمان المتعاقدان بِأَن يعتنيا بملاحظتها الملاحظة التَّامَّة وَعدم مخالفتها مُطلقًا

البند 16 المعاهدة الحالية هَذِه يصدق عَلَيْهَا الخ

مُلْحق مُخْتَصّ بولايتي الافلاق والبغدان تَارِيخه 14 سبتمبر سنة 1829

زِيَادَة على اتِّفَاق الحكومتين العظيمتين المتعاقدتين على جَمِيع مَا اشْترط بِالْعقدِ الْمُنْفَصِل عَن الِاتِّفَاق المبرم فِي آق كرمان الْمُخْتَص بكيفية انتخاب وُلَاة البغدان والافلاق فقد اعترفنا بضرورة اعطاء ادارة هَاتين الامارتين اساسا اعظم ثباتا واكثر مُوَافقَة للصالح الْحَقِيقِيّ فِي هَاتين الولايتين وللوصول لهَذَا الْغَرَض قد اتّفق وتقرر نهائيا بِأَن مُدَّة حكم الْوُلَاة لَا تكون ابدا مَقْصُورَة على سبع سنوات كَمَا كَانَ حَاصِلا فِي الْمَاضِي بل انهم يتقلدون من الْآن فَصَاعِدا هَذَا المنصب مُدَّة حياتهم لما مَا عدا احوال الاستعفاء اَوْ الْعَزْل بِسَبَب الارتكابات الْمَنْصُوص عَنْهَا فِي العقد الْمُنْفَصِل الْمَذْكُور

ينظم الْوُلَاة الاحوال الداخلية لولاياتهم بِكَمَال الْحُرِّيَّة بالاستشارة مَعَ دواوينهم بِدُونِ ان يتمكنوا من مس الْحُقُوق الْمَضْمُونَة للقطرين بالخطوط الشَّرِيفَة بِأَدْنَى شَيْء وَبِدُون ان يَكُونُوا مشوشين فِي ادارتهم الداخلية بِأَيّ مُخَالف لهَذِهِ الْحُقُوق ثمَّ ان الْبَاب العالي يعد ويتعهد بِأَنَّهُ يتيقظ تيقظا تَاما إِلَى عدم مس الامتيازات الممنوحة إِلَى البغدان والافلاق بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت بِوَاسِطَة قواده المجاورين لحدودهما وَأَن لَا يتَحَمَّل أَي تدخل مِنْهُم فِي احوال الامارتين وان يمْنَع كل توغل من سكان الشاطئ الايمن من نهر الطونة فِي التخوم البغدانية اَوْ الافلاقية وَيعْتَبر كجزء مكمل لهَذِهِ التخوم جَمِيع الجزائر الْمُجَاورَة للشاطئ الايسر من الدانوب ومجرى

ص: 441

هَذَا النَّهر يعْتَبر حدا للامارتين من ابْتِدَاء مدخله فِي الممالك العثمانية لغاية التقائه مَعَ نهر البروت

ولاجل التثبت جيدا من عدم اسْتِبَاحَة تخوم البغدان والافلاق فان الْبَاب العالي يتعهد بِأَن لَا يبْقى بهَا أَي مَكَان مُحصن وان لَا يسمح بتشييد أَي بِنَاء لرعاياه الْمُسلمين على الشاطئ الايسر للدانوب وَبِنَاء على ذَلِك فقد تقرر تقريرا لَا تَغْيِير مَعَه فِي امتداد جَمِيع هَذَا الشاطيء وَفِي الافلاق الْكَبِيرَة اَوْ الصَّغِيرَة وَكَذَا فِي البغدان لَا يُمكن لأي مُسلم ان يتَّخذ مسكنا ثَابتا فِي بقْعَة مِنْهَا وانما يقبل فِيهَا التُّجَّار الحاملون لفرمانات فَقَط ليشتروا على حسابهم الْخَاص من تينك الولايتين المحصولات الضرورية لمقطوعية الْقُسْطَنْطِينِيَّة اَوْ اشياء اخرى

اما الْبِلَاد التركية الْوَاقِعَة على الشاطئ الايسر للدانوب فانها تسلم إِلَى الافلاق لتنضم من الْآن فَصَاعِدا إِلَى هَذِه الْولَايَة وَكَذَا الْحُصُون الْمَوْجُودَة من سَابق على هَذَا الشاطئ لَا يُمكن اعادتها ثَانِيًا وَيجْبر الَّذين يمتلكون عقارات غير مغتصبة من الْغَيْر سَوَاء كَانَت فِي هَذِه المدن اَوْ فِي أَي نقطة غَيرهَا على الشاطئ الايسر الْمَذْكُور على بيعهَا للوطنيين فِي مُدَّة ثَمَانِيَة عشر شهرا وَحَيْثُ ان حُكُومَة الامارتين متمتعة بِجَمِيعِ امتيازات الادارة الداخلية المستقلة فيمكنها بِكُل حريَّة ان تقيم كردونات حواجز صحية وقورنتينات محاجر بمحاذاة طول الدانوب وَفِي امكنة اخرى على حسب الْبِلَاد الَّتِي تحْتَاج لذَلِك بِدُونِ ان يتَمَكَّن اُحْدُ من الاجانب الآتين اليها سَوَاء كَانَ مُسلما اَوْ نَصْرَانِيّا ان يتخلى عَن مُلَاحظَة الْقَوَاعِد الصحية بِكُل دقة اما من جِهَة مصلحَة القورنتينات وَكَذَا من جِهَة التيقظ للامن بالحدود واستتباب النظام فِي المدن والارياف وتنفيذ القوانين والقرارات فانه يُمكن لحكومة كل ولَايَة ان تستخدم عددا من الحرس الْمُسلمين الَّذين تَدْعُو اليهم الضَّرُورَة ليقوموا بأعباء هَذِه الْوَظَائِف وَعدد هَؤُلَاءِ الحراس والاعتناء بشأنهم يُقرر بِمَعْرِِفَة الْوُلَاة بالِاتِّفَاقِ مَعَ دواوينهم بِمُقْتَضى الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة

حَيْثُ ان الْبَاب العالي مشغوف برغبته المخلصة بِأَن يدْخل فِي الامارتين جَمِيع انواع الرَّاحَة الممكنة لَهما ولوقوفه على انواع الظُّلم والتعديات الَّتِي تحصل فيهمَا بِسَبَب الْمُؤَن الْمَطْلُوبَة للقسطنطينية وللقلاع الْقَائِمَة على ضفاف الدانوب

ص: 442

واحتياجات الترسخانة فَهُوَ قد تنازل بِالْكُلِّيَّةِ عَن حَقه فِي هَذَا الْخُصُوص وَبِنَاء عَلَيْهِ فالافلاق والبغدان قد عوفيتا ابديا من تَقْدِيم الْحُبُوب والمحصولات الاخرى والاغنام واخشاب الْبناء الَّتِي كَانَتَا ملزمتين بتوريدها سَابِقًا وبهذه المثابة لَا يُطَالب سكان هَاتين الولايتين فِي أَي حَال من الاحوال بعمال للاشتغال بتشييد الْحُصُون وَلَا لأي سخرة مهما كَانَ نوعها وَلَكِن لكَي تعوض الخزينة الملوكية عَن الخسائر الَّتِي يُمكن ان تتكبدها من ترك كل حُقُوقهَا الْمَذْكُورَة فقد تقرر ان يدْفع كل من البغدان والافلاق سنويا للباب العالي نَظِير ذَلِك مبلغا من النُّقُود يتَعَيَّن مِقْدَاره فِيمَا بعد بِاتِّفَاق الطَّرفَيْنِ هَذَا بِخِلَاف الْجِزْيَة السنوية الَّتِي يجب على الامارتين دَفعهَا إِلَى الْبَاب العالي باسم خراج وَغَيره بِمُقْتَضى عبارَة الخطوط الشَّرِيفَة المحررة فِي سنة 1802 وَكَذَلِكَ فانه عِنْد تَجْدِيد الْوُلَاة بِسَبَب الْمَوْت اَوْ الاستعفاء والعزل القانوني للمقلد فالولاية الَّتِي يحصل فِيهَا ذَلِك تجبر بِأَن تدفع للباب العالي مبلغا مكافئا للخراج السنوي للولاية الْمُقَرّر بالخطوط الشَّرِيفَة وَمَا عدا هَذِه المبالغ فَلَا يطْلب من الْبِلَاد وَلَا من الْوُلَاة أَي خراج آخر وَلَا تعْيين وَلَا هَدِيَّة بِوَجْه من الْوُجُوه

بِمَا ان التوريدات المنوه عَنْهَا اعلاه قد الغيت فسكان الامارتين يتمتعون بحريّة التِّجَارَة تمتعا تَاما بمحصولات ارضهم وبصناعتهم الْمُشْتَرط ذَلِك بِالْعقدِ الْمُنْفَصِل من اتِّفَاق آق كرمان بِدُونِ ادنى تضييق مَا خلا التحوطات الَّتِي يتخذها الْوُلَاة بالاتحاد مَعَ دواوينهم ويرون انه من الضَّرُورِيّ تقريرها لعدم وُقُوع الْقَحْط فِي الْبِلَاد ويمكنهم ان يسافروا بحريّة على الدانوب بمراكبهم الخصوصية مصحوبين ببطاقة الْجَوَاز من حكومتهم ويتوجهوا للاتجار فِي المدن والموانئ الاخرى التابعة للباب العالي بِدُونِ ان يحصل لَهُم تَعب اَوْ نصب من جباة الْخراج وَلَا ان يَكُونُوا معرضين لأي امْر آخر ظلمي

وَزِيَادَة على ذَلِك فان الْبَاب العالي عِنْدَمَا تَأمل جَمِيع المصائب الَّتِي تحملتها البغدان والافلاق وتحركت فِيهِ عواطف الانسانية بكيفية خُصُوصِيَّة قد قبل بإعفاء سكان هَاتين الامارتين من دفع الْخراج السنوي وتوريده للخزينة مُدَّة سنتَيْن ابْتِدَاء من الْيَوْم الَّذِي تنجلي فِيهِ الجيوش الروسية تَمامًا عَن الامارتين

ص: 443

واخيرا فان الْبَاب العالي لما لَهُ من الرَّغْبَة فِي تَمْكِين الرَّفَاهِيَة فِي الْمُسْتَقْبل بالامارتين بِجَمِيعِ الكيفيات فَهُوَ يتعهد تعهدا صَرِيحًا بِأَن يُوَافق على اللوائح الادارية الَّتِي تقررت بِنَاء على رغبات مجَالِس اعيان السكان وَذَلِكَ فِي مُدَّة احتلال جيوش الدولة الامبراطورية للامارتين وَبِأَنَّهُ يعْتَبر اتِّخَاذ تِلْكَ القرارات فِي الْمُسْتَقْبل اساسا لسن الاحكام الداخلية فِي الولايتين مَا دَامَت هَذِه القرارات لَا تشْتَمل على ادنى مُخَالفَة لحقوق سيادة الْبَاب العالي كَمَا هُوَ مَفْهُوم

فَلهَذَا نَحن الموقعين على هَذَا المفوضين السياسيين عَن جلالة امبراطور وبادشاه جَمِيع الروسيا بالِاتِّفَاقِ مَعَ المفوضين السياسيين عَن الْبَاب العالي العثماني قد قَررنَا بِخُصُوص البغدان والافلاق الشُّرُوط الْمَذْكُورَة اعلاه الَّتِي هِيَ نتيجة البند 5 من معاهدة الصُّلْح المبرمة فِي ادرنه بَيْننَا وَبَين المفوضين السياسيين العثمانيين وَبِنَاء على هَذَا فَالْعقد الحالي الْمُنْفَصِل قد تحرر الخ

فَيظْهر للمطالع ان اهم مَا جَاءَ بِهَذِهِ المعاهدة ان نهر البروث يبْقى حدا بَين المملكتين كَمَا كَانَ قبلا وان تتنازل الدولة الْعلية للروسيا عَن مصبات نهر الطونة وَمَا حولهَا من الاراضي وَعَن وَادي الخور والقلعة الَّتِي بِهِ فِي حُدُود الاناطول لتَكون مَانِعا للتواصل بَين بِلَاد الدولة وقبائل الجركس المستقلة لتتمكن الروسيا من الِاسْتِيلَاء على بِلَادهمْ فِي الْمُسْتَقْبل وان يكون للروسيا حق الملاحة من الْبَحْر الاسود إِلَى الْبَحْر الابيض أَي حق الْمُرُور من بوغازي البوسفور والدردنيل بِدُونِ ان يفتش عُمَّال الدولة مراكبهم وان تُعْطِي الدولة إِلَى تجار الروس الَّذين اصابهم ضَرَر بِسَبَب الحروب تعويضا ماليا قدره سِتَّة عشر مليون فرنك تَقْرِيبًا وان يكون تعْيين امراء ولايتي الافلاق والبغدان لمُدَّة حياتهم وَعدم عزلهم الا لأسباب قَوِيَّة وباتحاد الروسية والدولة مَعَ حفظ جَمِيع الْحُقُوق والامتيازات المعطاة لهاتين الولايتين بِمُقْتَضى العهود السَّابِقَة وان تمنح ولَايَة الصرب الامتيازات المبينة فِي معاهدة آق كرمان اما بِخُصُوص اليونان فَقبل السُّلْطَان التَّصْدِيق على كل مَا جَاءَ فِي الِاتِّفَاق الَّذِي امْضِي بَين الدول فِي لوندره سنة 1727 م وان يعين بعد اتمام الصُّلْح مَنْدُوبًا مرخصا من طرفه للاتفاق مَعَ مندوبي فرنسا والروسيا

ص: 444

وانكلترا على حُدُود هَذِه المملكة اليونانية الجديدة الَّتِي اوجدتها رَغْبَة الدولة فِي اضعاف الدولة الاسلامية الوحيدة وتخليص جَمِيع المسيحيين الْمَوْجُودين ببلادها من سلطتها وتحريضهم على طلب الِاسْتِقْلَال مُكَافَأَة لَهَا على عدم تعرضها لدينهم وعوائدهم ومجازاة لَهَا على هَذِه الغلطة السياسية وَلَا اقول غير ذَلِك لِأَن عَملهَا هَذَا منطبق كل الانطباق على قَوَاعِد الْعدْل واصول الانسانية الا ان السياسة فِي عرف الدول الاوروبية لَا تعترف بِهَذِهِ المبادئ الجليلة بل تنظر إِلَى الْغَايَة الْمَقْصُودَة بِقطع النّظر عَن طَرِيق الْوُصُول اليها وَقد قَالُوا فِي امثالهم الْجَارِيَة حَتَّى على السّنة الاطفال ان الْغَايَة تبرر الْوَاسِطَة ايا كَانَت هَذِه الْوَاسِطَة وَلَو الحقت الخراب والدمار لَا بِبَعْض الافراد بل بِأمة بأجمعها اَوْ بِأَكْثَرَ من امة وَاحِدَة

هَذَا ثمَّ اضيف إِلَى هَذِه المعاهدة ذيل ذكر فِيهِ ان مبلغ التعويض الَّذِي اتّفق على دَفعه للتجار الروسيين يدْفع على ارْبَعْ سنوات وان تدفع الدولة مبلغ خَمْسَة ملايين جنيه انكليزي تعويضا حَرْبِيّا للروسيا على عشرَة اقساط سنوية مُتَسَاوِيَة وان تبقى الجيوش الروسية فِي الممالك العثمانية ثمَّ تنسحب مِنْهَا تدريجيا فتنجلي عَن مَدِينَة ادرنه بعد دفع الْقسْط الاول وَترجع إِلَى مَا وَرَاء جبال البلقان بعد دفع الثَّانِي وَإِلَى مَا وَرَاء نهر الطونه بعد دفع الثَّالِث وتخلي امارة البلغار وَلَا تتخلى تَمامًا عَن ولايتي الافلاق والبغدان الا بعد دفع آخر قسط أَي بعد عشر سنوات وان يرحل جَمِيع السكان الْمُسلمين القاطنين بِهَاتَيْنِ الولايتين ويبيعوا مَا لَهُم بهَا من الْعقار وَالْمَنْقُول فِي مَسَافَة ثَمَانِيَة عشر شهرا

واخيرا فِي 7 ذِي الْحجَّة سنة 1245 30 مايو سنة 1830 اعلن الْبَاب العالي بتصديقه على الشُّرُوط الْمُدَوَّنَة فِي الِاتِّفَاق الَّذِي امْضِي بَين الدولة فِي لوندره فِي نوفمبر سنة 1828 القَاضِي باستقلال اليونان

يَتَّضِح للمطالع من ذَلِك ان الروسيا وان لم تَأْخُذ شَيْئا يذكر من املاك الدولة بِمُقْتَضى هَذِه المعاهدة الا ان مَا وَضعته فِيهَا من الشُّرُوط كَانَت تقصد بهَا اضعاف الدولة بكيفية لَا يُمكنهَا مَعهَا اتمام النظامات العسكرية وَلَا تَجْدِيد عمارتها البحرية الَّتِي دمرت فِي وَاقعَة ناورين كَمَا سبق واتى لَهَا ذَلِك وَهِي ملتزمة بِدفع هَذِه الغرامة الحربية الفادحة بِالنِّسْبَةِ لماليتها والجيوش الاجنبية محتلة جُزْءا عَظِيما من

ص: 445

بلادها وفصلت عَنْهَا اليونان تَمامًا والافلاق والبغدان والصرب تَقْرِيبًا وَمَا بَقِي لَهَا اثقلت كَاهِله الضرائب اللَّازِمَة للحرب الداخلية والخارجية

هَذَا ثمَّ سَار السُّلْطَان فِي خطة الاصلاحات الداخلية بهمة لَا يعتريها ملال وعزيمة لَا يقعدها كلال فَأبْطل طوائف السلاحدارية والعلوفه جيه وَبَاقِي الطوائف الْغَيْر منتظمة وَصَارَ الْجَيْش كُله مؤلفا من جنود منتظمة مسلحة باتقن الاسلحة والغيت جَمِيع الامتيازات السَّابِقَة وَلم تُؤثر على السُّلْطَان أَي مُعَارضَة بل كَانَ يجازي كل من آنس مِنْهُ اقل انتقاد على الاصلاحات الجديدة باشد الْعقَاب وصارم الْعَذَاب حَتَّى انه لما رأى ان جمَاعَة البكطاشية محازبة للانكشارية واستعملت نفوذها فِي تهييج الاهالي امْر بالغائها وابطال جَمِيع تكاياها فالغيت وشتت اعضاؤها فِي اطارف الدولة حَتَّى لَا يخْشَى من تجمعهم بالاستانة وَقتل ثَلَاثَة من رؤسائها النافذي الْكَلِمَة بِنَاء على فَتْوَى شَرْعِيَّة وَمن جِهَة اخرى اخذ فِي تغير العوائد الْقَدِيمَة وَاتِّبَاع المستحسن من عوائد اوروبا فاستبدل الْعِمَامَة بالطربوش الروني وتزيى بالزي الاوروبي وامر بِأَن يكون هُوَ الزي الرسمي فِي العسكرية والمدنية واسس وساما دَعَاهُ وسام الافتخار واخيرا تجول بِذَاتِهِ فِي ممالكه باوروبا ليسبطلع احوالها وَيقف على حقائق الامور وشكاوة الاهالي وبالاختصار فانه سَار سير من يردي مجاراة اوروبا فِي نظاماتها وَعدم الْوُقُوف حَال تقدم الدولة الاخرى بِسُرْعَة لعلمه ان الْوُقُوف فِي مثل هَذِه الظروف هُوَ عين التَّأَخُّر وَلَو لم يكن لَهُ من الايادي الْبيض على الممالك المحروسة الا الغاء طَائِفَة الانكشارية لكفى ذَلِك لتخليد اسْمه فِي بطُون التَّارِيخ مشكورا ممدوحا إِلَى ابد الآبدين وَزِيَادَة على ذَلِك احيا مَا اقامه السُّلْطَان مصطفى الثَّالِث من مدارس الطوبجية بعد ان صَارَت دوارس وانشاء مدرسة حربية لتخريج الضباط على مِثَال مدرسة سانسير الفرنساوية الَّتِي اسسها نابوليون الاول بفرنسا لتربية اولاد

ص: 446