الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتخليص المسيحيين مِنْهُم من سُلْطَان الْمُسلمين الَّذين مَا ارتكبوا مَعَهم اثما الا عدم التَّعَرُّض لدينهم ولغتهم والمحافظة على جنسيتهم فقوبلوا بالكفران
حَرْب الصرب والجبل الاسود
قد علم الْقَارئ مِمَّا سلف ان الروسيا كَانَت تسْعَى بالاشتراك مَعَ بَاقِي الدول المسيحية لايجاد الاضطرابات الداخلية فِي بِلَاد الدولة الْعلية الاسلامية لاضعافها وَلما رَأَتْ ان مساعيها فِي البوسنه والهرسك من جِهَة وبلاد البلغار من جِهَة اخرى كَادَت تعود بالخيبة والفشل اوعزت إِلَى اميري الصرب والجبل الاسود باعلان الْحَرْب على الدولة حَتَّى إِذا حارباها وفازا عَلَيْهَا بالغلبة الامر لَا يتصوره الْعقل دخلت بجيوشها الجرارة فِي ميدان الْقِتَال واتمت اذلال الدولة الْعلية حماها الله من مكايدهم وان نصر الله الجيوش الاسلامية على الصرب والجبل الاسود تدخلت الروسيا بجيوشها لمساعدتها ضد الدولة صَاحِبَة السِّيَادَة عَلَيْهِمَا فَكَانَ قصد الروس حِينَئِذٍ اعلان الْحَرْب على الدولة بِاتِّفَاق الدول ان لم تكن جَمِيعهَا فالمانيا والنمسا بالتحقيق اذ كَانَت انظار الاخيرة تطمح إِلَى توسيع حُدُودهَا من جِهَة بِلَاد البوسنه والهرسك ويساعدها الْبُرْنُس دي بسمارك وَزِير المانيا الاول على ذَلِك ليوجد للنمسا مصَالح فِي الشرق وَيجْعَل لَهَا فَائِدَة فِي المدافعة عَن الاستانة من ان تحتلها الروسيا وَلَا يظنّ الْقَارئ ان عمل بسمارك هَذَا مَبْنِيّ على اخلاص للدولة الْعلية معَاذ الله بل انه يُرِيد معاكسة الروسيا فِي الشرق وَعدم تمكينها من احتلال الاستانة انتقاما مِنْهَا لمَنعه عَن محاربة فرنسا ثَانِيًا سنة 1875 للاجهاز عَلَيْهَا حِين مَا رأى نشأتها بعد حَرْب سنة 1870 وَسنة 1871 وقيامها بِدفع الغرامة الحربية الْبَالِغ قدرهَا مِائَتي مليون جنيها قبل المواعيد المحددة فِي معاهدة فرانكفورت هَذَا وَلما اوعز إِلَى الصرب والجبل الاسود باعلان الْحَرْب على الدولة اخذ اميراهما بالاستعداد وَشِرَاء الاسلحة والمدافع وَجمع الجيوش وتدريبها وارسلت الروسيا اُحْدُ قوادها الجنرال تشرنايف الَّذِي فتح مَدِينَة تشقاند فِي
اواسط بِلَاد آسيا إِلَى بِلَاد الصرب ليقود زِمَام جيوشها فَذهب اليها مَعَ كثير من الضباط الروسيين الموظفين فِي الْجَيْش الْعَامِل وَكَانُوا يقالون مؤقتا من خدمَة الْجَيْش الروسي للالتحاق بالجيش الصربي وبذا كَانَت الروسيا هِيَ الَّتِي تحارب الدولة الْعلية باسم الصرب وَكَانَ الْحَال كَذَلِك فِي امارة الْجَبَل وَلما رات الدولة هَذِه الاستعدادات جمعت جَيْشًا جرارا مؤلفا من اربعين الف مقَاتل بِمَدِينَة نيش لصد الصربيين لَو تعدوا الْحُدُود
وَفِي 8 يونيه سنة 1876 ارسل الْبَاب العالي إِلَى اميري الصرب والجبل يطْلب مِنْهُمَا الافادة عَن سَبَب جمع هَذِه الجيوش فاجابه بَان ذَلِك لمنع تعدِي قبائل الارنؤود على حدودهم وَحفظ الامن فِي الدَّاخِل من جِهَة ولجمع الدولة جيوشها على حُدُود بلادهما من جِهَة اخرى مَعَ ان الدولة لم تجمع عساكرها الا بعد ان آنست مِنْهُمَا العداء وَمَعَ ذَلِك فاكتفت الدولة بِهَذَا الْجَواب الركيك الْمَعْنى والمبنى
ثمَّ لما كملت استعدادت الامارتين الحربية طلب الْبُرْنُس ميلان امير الصرب من الدولة ان تناط جيوشه باخماد الثورة فِي البوسنه والهرسك بِمَا ان وجود العساكر العثمانية بهما مهدد لامن بِلَاده وَطلب الْبُرْنُس نقولا امير الْجَبَل ان تتنازل لَهُ الدولة عَن جُزْء من اراضي الهرسك وَلما لم تقبل الدولة هَذِه الطلبات الَّتِي لم يقدم على طلبَهَا الا كل عَالم برفضها جاعلها سَببا للحرب المصمم عَلَيْهَا اجتازت الجيوش الصربية الْحُدُود تَحت قيادة الجنرال تشرنايف الروسي فِي اول يوليه سنة 1876 وَكَذَلِكَ جيوش الْجَبَل الاسود بِدُونِ ان تتعرض لَهُم الدول بَان تقيم الْحجَّة على هَذَا الْعَمَل العدائي بل تربصت حَتَّى إِذا فَازَ اعداء الدولة عضدت الدولة طلباتهم وان باؤوا بالخسران حفظت لَهُم بِلَادهمْ ومنعت الدولة من مجازاتهم على تعديهم بِدُونِ سَبَب الا دسائس الروسيا والدول المعضدة لَهَا
ولنذكر هُنَا بِكُل اخْتِصَار ملخص الاعمال الحربية والوقائع العسكرية الَّتِي حصلت بَين جيوش الدولة المظفرة والعساكر المصرية الَّتِي ارسلت للاشتراك
مَعهَا فِي الْحَرْب ومقاسمتها النَّصْر وَالْفَخْر من جِهَة وعساكر الثائرين وضباطهم الروسيين من جِهَة اخرى فَنَقُول
ان الْحَرْب مَعَ الْجَبَل الاسود لم يَتَّسِع نطاقها لوعورة جبالها وَلعدم امكان حُصُول وقائع مهمة بهَا بَين جيوش منتظمة بل كَانَ كل مَا حصل بهَا عبارَة عَن مناوشات يكون فِيهَا كل من الفريقيين طورا غَالِبا وَتارَة مَغْلُوبًا فانه كَانَ يتَعَذَّر على الجيوش العثمانية اقتفاء اثر الثائرين فِي المفاوز الوعرة ويستحيل على الجبليين اجتياز صُفُوف الجيوش المحدقة ببلادهم من كل فج وَلذَلِك فَلم تعد مساعدة الجبليين بفائدة تذكر على الصرب اما من جِهَة الصرب فقد اجْمَعْ المؤرخون العسكريون ان الجنرال تشرنايف ارْتكب خطأ عَظِيما واثما كَبِيرا فِي عدم جمع جيوشه فِي النقطة الوحيدة الَّتِي تصل بِلَاد البوسنه والهرسك بباقي بِلَاد الدولة الْعلية فيتحد مَعَ ثائري هَاتين الولايتين ويمكنه بِكُل سهولة الانضمام إِلَى عَسَاكِر الْجَبَل الاسود الا انه لم يتبع هَذِه الخطة الَّتِي اشار بهَا عَلَيْهِ بعض القواد بل جزأ قوته إِلَى ارْبَعْ فرق اغار هُوَ باحداها على الطَّرِيق المؤدية إِلَى صوفية عَاصِمَة بِلَاد البلغار الْآن وَكَانَ ينْسب اليه انه يُرِيد ان يعين واليا مُخْتَارًا عَلَيْهَا لَكِن مَا شهده البلغاريون من بسالة رجال الدولة مَنعهم عَن مساعدته فخاب مسعاه وبسبب تَفْرِيق جيوشه لم يَأْتِ يَوْم عَاشر يوليه الا وَقد انْهَزَمت الْفرق الاربع بهمة وشجاعة عُثْمَان باشا الْغَازِي وَعبد الْكَرِيم باشا السردار الاكرم
وَبعد ان ردَّتْ جيوش الثائرين على عَقبهَا فكر عبد الْكَرِيم باشا فِي تَوْجِيه قواه لافتتاح مَدِينَة بلغراد عَاصِمَة الصرب وَلذَلِك صمم اولا على احتلال مدينتي الكسيناس ودليجراد الواقعتين على طَرِيق العاصمة وَفصل الْفرْقَة الْقَائِد لَهَا
تشرنايف عَن الْفرْقَة الَّتِي كَانَت معسكرة بِمَدِينَة زايتسا وَتَحْت قيادة لاشانين وَحَيْثُ ان فصل هَاتين الْفرْقَتَيْنِ وَقطع كل اتِّصَال بَينهمَا لَا يكون الا باحتلال مَدِينَة نياشيواز صدر اوامره إِلَى احْمَد ايوب باشا وَسليمَان خيري باشا بالتوجه نَحْوهَا من جِهَتَيْنِ مختلفتين وَفتحهَا بعد الانضمام إِلَى بعضهما فصدعوا بامره وفتحوا الْمَدِينَة عنْوَة فِي يَوْم 3 اغسطس بعد ان انتصروا فِي عدَّة وقائع مَشْهُورَة ثمَّ استراحت الجيوش نَحْو اسبوعين بِدُونِ محاربات مهمة
وَمن 20 اغسطس استؤنفت الْحَرْب ثَانِيَة بِكُل شدَّة واستمرت اربعة ايام مُتَوَالِيَة لم يُمكن الجيوش المظفرة فِي اثنائها فتح مَدِينَة الكسيناس وَلذَلِك اقر رايه بعد مُشَاورَة من مَعَه من القواد على عدم اضاعة الْوَقْت امام هَذِه الْمَدِينَة الحصينة ومدينة دليجراد وانتقال الجيوش على ضفة نهر موراوا الْيُسْرَى بِدُونِ ان يشْعر بهم الْعَدو وَالسير نَحْو مَدِينَة بلغراد توا وَبعد هَذَا الْقَرار امْر احْمَد ايوب باشا بعبور هَذَا النَّهر
وَفِي اثناء هَذِه المناورة المهمة الَّتِي رُبمَا كَانَ يتَوَقَّف عَلَيْهَا النجاح استمرت المناوشات مَعَ الْجَيْش الصربي من 25 إِلَى 29 اغسطس حَتَّى تمت بِدُونِ ان يشْعر الْعَدو مُطلقًا بذلك الا لما اجتازت جَمِيع الجيوش العثمانية النَّهر وَلم يجد امامه احدا فَلَمَّا علم باتمام هَذِه الْحَرَكَة العسكرية المهمة عبر النَّهر بجيوشه خلف العثمانيين فِي اول سبتمبر سنة 1876 فلاقوه لِقَاء الْعَدو الْقَادِر وصوبوا اليه مدافعهم حَتَّى اوقعوا الفشل فِي صُفُوف الصربيين وَولى كثير مِنْهُم الادبار وركنت الايات برمتها إِلَى الْفِرَار قبل ان يصاب مِنْهَا نفر وَاحِد
وَفِي مسَاء هَذَا الْيَوْم الَّذِي لم يقم بعده للصرب قَائِمَة وَالَّذِي جعل الجيوش على مقربة من بلغراد اذ لم يعد يمْنَعهَا مَانع عَن الْوُصُول اليها واحتلالها وَردت اوامر سَرِيَّة من الاستانة إِلَى عبد الْكَرِيم باشا بتوقيف الْقِتَال وَعدم الزَّحْف على
عَاصِمَة الصرب ريثما تاتيه اوامر جَدِيدَة لتدخل الدول بَين الْفَرِيقَيْنِ وَبَيَان ذَلِك ان الْبُرْنُس ميلان امير الصرب طلب من قناصل الدول لَدَيْهِ فِي 24 اغسطس سنة 1876 مخابرة دولهم بِأَن تتوسط بَينه وَبَين الدولة الْعلية منعا لسفك الدِّمَاء وخوفا من ان يلْحقهُ عَار الْغَلَبَة فابلغت القناصل دولهم هَذَا الطّلب وَهِي فاتحت الْبَاب العالي فِي هَذَا الْخُصُوص فَلم يجبها حَتَّى فرق عبد الْكَرِيم باشا جَمِيع الجيوش الصربية وَلم يبْق لَهُ معَارض فِي طَرِيق بلغراد فاوعز اليه سرا بالتوقف مؤقتا وابلغ سفراء الدول فِي 14 سبتمبر سنة 1876 انه لَا يقبل الصُّلْح الا بعدة شُرُوط اهمها اولا ان ياتي امير الصرب إِلَى مقرّ الْخلَافَة الْعُظْمَى ليقدم وَاجِبَات الخضوع والعبودية إِلَى السدة الْعلية السُّلْطَانِيَّة ثَانِيًا أَن القلاع الاربع الَّتِي دُخُول حق احتلالها إِلَى الصرب فِي سنة 1852 م 1283 هـ مَعَ بَقَائِهَا تَابِعَة للدولة تحتلها ثَانِيًا الجيوش العثمانية ثَالِثا ان يلغى الرديف فِي بلادالصرب وان لَا يزِيد عدد الْجَيْش الصربي عَن عشرَة آلَاف مقَاتل وبطاريتي مدافع لحفظ الامن الداخلي لَيْسَ الا فَلَمَّا وصل هذاالجواب إِلَى الدول لم تقبل هَذِه الاقتراحات قولا بانها مجحفة بامتيازات الصرب اجحافا كليا وَزِيَادَة على رفضها زَادَت على مااقترحته بِخُصُوص الصرب طلبات اخرى بِخُصُوص البوسنه والهرسك والبلغار الَّتِي اطفئت ثورتهم من مُدَّة وَبعد ان اتّفقت جَمِيع الدول السِّت الموقعة على معاهدة سنة 1856 القاضية بالمحافظة على سَلامَة الدولة الْعلية الَّتِي مَعْنَاهَا فِي عرفهم تقسيمها ارسل اللورد دربي وَزِير خارجية انكلترا إِلَى السّير هنري ليوت سفيرها فِي الاستانة رِسَالَة بامضائه امْرَهْ بتوصيلها إِلَى الْبَاب العالي فاوصلها اليه فِي 25 سبتمبر الْمَذْكُور مضمونها ان طلبات الدولة الْعلية لَا يُمكن قبُولهَا بِالْكُلِّيَّةِ وان الدول ترغب ارجاع حَالَة الصرب والجبل الاسود إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل الْحَرْب وان تمْضِي الدولة مَعَ الدول السِّت اتِّفَاقًا بتأسيس ادارة وطنية مُسْتَقلَّة فِي البوسنه والهرسك حَتَّى يكون للاهالي حق مراقبة اعمال ماموري الْحُكُومَة وموظفيها وَكَذَلِكَ فِي بِلَاد البلغار وايقاف الْحَرْب فَوْرًا مَعَ الصرب وَبعد ان تداول وزراء الدولة فِي هَذِه الطلبات الَّتِي لَا تقبلهَا أَي دولة فازت على عدوها بالنصر فِي ميادين الْقِتَال واهرقت دِمَاء رجالها حفظا لكرامتها وشرفها من تعدِي هَذَا الْعَدو تخومها بِدُونِ ان تبدي الدول حراكا اجاب الْبَاب العالي