الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْحَرْب فِي صفر سنة 488 وَبعد وَفَاته وَقع الْخلف بَين ولديه رضوَان ودقاق بِبِلَاد الشَّام واستقل اخيرا كل مِنْهُمَا بِبَعْض المدن وَفِي محرم سنة 490 قتل ارسلان ارغول اخو ملكشاه الَّذِي كَانَ اسْتَقل بخراسان بعد موت اخيه قَتله بعض غلمانه فاستولى بركيارق على بِلَاده واقطعها لاخيه سنجر
الحروب الصليبية
وبسبب هَذِه الحروب المتواصلة وانقسام الحكومات الاسلامية على بَعْضهَا طمع فيهم الافرنج وعقدوا النِّيَّة على محاربتهم محاربة دينية لاستخلاص مَدِينَة الْقُدس مِنْهُم فَأتوا برا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة قَاعِدَة مملكة الرّوم الشرقية واستولوا عَلَيْهَا ثمَّ عدوا الْبَحْر واتوا إِلَى بِلَاد الشَّام وانتصروا فِي طريقهم على الامير السلجوقي الَّذِي كَانَ مُسْتقِلّا بقونية وَمَا جاورها وفتحوا مَدِينَة انطاكية فِي جُمَادَى
71 -
الاولى سنة 491 ثمَّ دخلُوا المعرة وحمص واستولوا اخيرا على مَدِينَة الْقُدس فِي لَيْلَة الْجُمُعَة 23 شعْبَان سنة 492 15 يوليه سنة 1099 وولوا جودفروا الفرنساوي ملكا عَلَيْهَا وَفِي اثناء ذَلِك كَانَ مُلُوك آل سلجوق لاهين عَن مقاومة الافرنج بالحروب الداخلية العائلية اذ ثار على باركيارق اخ لَهُ اسْمه مُحَمَّد وحاربه وهزمه فهرب بركيارق إِلَى خُرَاسَان فحاربه اخوه سنجر وهزمه ايضا فارتحل عَنْهَا قَاصِدا جرجان وَكَانَ ذَلِك فِي خلال سنتي 492 و 493 ثمَّ فِي السّنة التالية انتصر بركيارق على اخيه مُحَمَّد فِي 3 جُمَادَى الْآخِرَة فالتجأ مُحَمَّد إِلَى اخيه سنجر وحاربا اخاهما بركيارق فهزماه وتبعاه إِلَى بَغْدَاد فدخلاها وارتحل هُوَ عَنْهَا قَاصِدا الْموصل والخليفة المستظهر لَا هم لَهُ الا الْخطْبَة لمن ينتصر مِنْهُم وقطعها عَمَّن يغلب كَأَن لَا نَاقَة لَهُ فِيهَا وَلَا جمل مَعَ انه لَو اجْتهد فِي التَّأْلِيف بَين هَؤُلَاءِ الاخوة الثَّلَاثَة والاتحاد مَعَهم على محاربة الافرنج المهاجمين لبلادهم لما تمكنوا
من امتلاك قدر ذِرَاع مِنْهَا وَبَقِي الْحَال على هَذِه الْحَالة بَين اولاد ملكشاه تَارَة يتحاربون واخرى يتصالحون إِلَى ان مَاتَ بركيارق فِي 2 ربيع الاول سنة 498 وَقبل وَفَاته اسْتحْلف الْعَسْكَر لوَلَده ملكشاه الَّذِي كَانَ عمره ارْبَعْ سنوات وَثَمَانِية اشهر فَلم يقبل مُحَمَّد بن ملكشاه اخو باركيارق بذلك وَاتفقَ مَعَ بعض القواد فعزلوا ملكشاه بن باركيارق وَصَارَت السلطنة لمُحَمد بن ملكشاه بن الب ارسلان ابْن دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق وَفِي غُضُون هَذِه الحروب الداخلية ملك الافرنج مَدِينَة سروج من اعمال الجزيرة وعكا وقنسرين فِي سنة 494 وفتحوا فِي السّنة التالية مَدِينَة طرسوس وَفِي سنة 496 فتحُوا جبيل وَغَيرهَا من بِلَاد الشَّام لعدم وجود القوى الكافية لمقاومتهم ثمَّ دخلُوا مَدِينَة طرابلس فِي 11 ذِي
الْحجَّة سنة 503 ومدينة صيدا فِي سنة 504 وصالحهم اهل حلب وحماه على مِقْدَار معِين من المَال
هَذَا وَفِي 24 ذِي الْحجَّة سنة 511 توفّي السُّلْطَان مُحَمَّد السلجوقي وعهد بالسلطنة لِابْنِهِ مَحْمُود وَفِي 16 ربيع الآخر سنة 512 توفّي الْخَلِيفَة المستظهر وبويع بعده ابْنه ابو مَنْصُور فضل ولقب بالمسترشد بِاللَّه وَفِي خِلَافَته وَقعت عدَّة حروب بَين السُّلْطَان مَحْمُود السلجوقي واخيه دَاوُد وَبَعض اعمامه سفكت فِيهَا دِمَاء الْمُسلمين وتوطدت فِي اثنائها اقدام الافرنج فِي جِهَات الشَّام واسسوا بهَا امارات مسيحية فِي اورشليم وحمص وانطاكية وطرابلس ثمَّ وَقع الْخلف بَين الافرنج لتباين مقاصدهم وَاخْتِلَاف اجناسهم بَين نورمانديين وفرنساويين والمانيين وايطاليين وانكليز فضعفت سطوتهم رغما عَن توارد الْجنُود اليهم تقودها سلاطينهم واعاظم قوادهم وَمن جِهَة اخرى ظهر فِي هَذِه الظروف عماد الدّين زنكي صَاحب الْموصل وايد شوكته وسطوته فِي الْبِلَاد الْمُجَاورَة لَهُ وَاسْتولى على عدَّة امارات اسلامية ثمَّ عزم على اخراج الافرنج من بِلَاد الشَّام فقصد اولا مَدِينَة حمص وَفتحهَا عنْوَة سنة 532 واستخلص مِنْهُم اغلب بِلَاد الاسلام ثمَّ ارسل إِلَى مصر اُحْدُ قواده واسْمه اسد الدّين شيركوه بِنَاء على استنجاد شاور وَزِير الْخَلِيفَة العاضد الفاطمي لمساعدته على خصومه الَّذين كَانُوا ينازعونه الوزارة فاتى اليها شيركوه وَبعد ان هزم خصوم شاور قَتله فِي ربيع الآخر سنة 564 وَتَوَلَّى هُوَ فِي الوزارة ثمَّ مَاتَ وَتَوَلَّى يُوسُف صَلَاح الدّين ابْن اخيه نجم الدّين ايوب
وَفِي 5 ربيع الآخر سنة 541 قتل عماد الدّين صَاحب الْموصل فخلفه سيف الدّين غَازِي إِلَى ان توفّي فِي اواخر سنة 544 فَتَوَلّى بعده اخوه نور الدّين مَحْمُود
وَلما مَاتَ العاضد فِي 10 محرم سنة 567 قطع صَلَاح الدّين خطْبَة الفاطميين وَصَارَ هُوَ سُلْطَانا على مصر وتلقب بِالْملكِ النَّاصِر وخطب للخليفة العباسي وَبِذَلِك انْتَهَت دولة الفاطميين بعد ان مكثت 271 سنة تَقْرِيبًا تولى الْخلَافَة فِي اثنائها اربعة عشر خَليفَة وهم الْمهْدي والقائم والمنصور والمعز والعزيز وَالْحَاكِم وَالظَّاهِر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد وَصَارَت الْخلَافَة للعباسيين بِدُونِ مُنَازع وَلم تفترق الْخلَافَة إِلَى الْآن وستبقى كَذَلِك بِفضل الله وَلما توفّي نور الدّين زنكي فِي 11 شَوَّال سنة 569 خَلفه صَلَاح الدّين على الشَّام والجزيرة وَجَمِيع الْبِلَاد الَّتِي كَانَت تَابِعَة لنُور الدّين واشتغل بمحاربة الافرنج فانتصر عَلَيْهِم فِي عدَّة مواقع واخذ مِنْهُم مَدِينَة الْقُدس ودخلها فِي 27 رَجَب سنة 583 12 اكتوبر سنة 1187
هَذَا ولنرجع إِلَى ذكر آل سلجوق فَنَقُول ان السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه توفّي فِي شَوَّال سنة 525 وَعين بعده ابْنه مَحْمُود فحاربه عَمه مَسْعُود واستمرت الحروب بَينهمَا مُدَّة كَانَ الْفَوْز فِيهَا لمسعود فَملك بَغْدَاد وَفِي 17 ذِي الْقعدَة سنة 529 قتل جمَاعَة من الباطنية الْخَلِيفَة المسترشد اثناء محاربة وَقعت
بَينه وَبَين مَسْعُود السلجوقي الْمُتَقَدّم ذكره وبويع بعده ابو جَعْفَر الْمَنْصُور ولقب بالراشد بِاللَّه وَلم يمْكث فِي الْخلَافَة الا نَحْو سنة ثمَّ عَزله السُّلْطَان مَسْعُود فِي منتصف الْقعدَة سنة 530 وَبَايع مَكَانَهُ مُحَمَّد بن المستظهر ولقبوه المقتفي لأمر الله وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من خلفاء بني الْعَبَّاس
وَفِي 25 رَمَضَان سنة 532 قتل الْخَلِيفَة الراشد بن المستظهر وَكَثُرت الْفِتَن والقلاقل فِي خلَافَة المقتفي وتفرق ملك السلجوقيين واشتغل امراؤهم بمحاربة بَعضهم فاستقل الْخَلِيفَة نوعا بِبَغْدَاد وَالْعراق لعدم وجود من يزاحمه من السلجوقيين اَوْ غَيرهم وَبَقِي مرتاح البال بِالنِّسْبَةِ لمن سبقه من الْخُلَفَاء إِلَى ان مَاتَ فِي فرَاشه فِي ثَانِي ربيع الاول سنة 555 وبويع بعده ابْنه يُوسُف ولقب المستنجد بِاللَّه وَفِي خِلَافَته وَخِلَافَة ابيه علا شَأْن آل زنكي واستخلصوا اغلب الْبِلَاد الَّتِي ملكهَا الافرنج واتى صَلَاح الدّين الايوبي مصر كَمَا مر وَحَارب الافرنج وردهم عَن سواحلها وَصَارَ صَاحب النّفُوذ الاوفر فِيهَا
وَفِي 9 ربيع الآخر سنة 566 توفّي المستنجد وبويع ابْنه ابو مُحَمَّد الْحسن ولقب المستضئ بِأَمْر الله وَاشْترط عَلَيْهِ عضد الدّين ابو الْفرج الَّذِي كَانَ استاذ دَار ابيه ان يكون وزيرا لَهُ وَابْنه كَمَال الدّين استاذ دَاره والامير قطب الدّين اميرا للعسكر فَقبل لمستضيء بذلك وَوَقع فِي حجرهم وفقد مَا كَانَ لِأَبِيهِ المستنجد وجده المقتفي من بعض الْحُرِّيَّة والاستقلال وَفِي خِلَافَته انقرضت دولة الفاطميين فِي مصر بِمَوْت العاضد وخطب للعباسيين بهَا فِي ثَانِي جُمُعَة من محرم سنة 567
أَي فِي 14 مِنْهُ واستقل بهَا صَلَاح الدّين بن ايوب وَلم يتْرك للعباسيين سوى الْخطْبَة وَفتح شمس الدولة توران شاه بن ايوب اخو صَلَاح الدّين بِلَاد الْيمن وَلما توفّي نور الدّين فِي 11 شَوَّال سنة 569 استولى صَلَاح الدّين على اغلب بِلَاده واقطعها لاخوته واولاد عمومته وَفتح كثيرا من الْبِلَاد الَّتِي ملكهَا الافرنج حَتَّى لم يبْق لَهُم الا مَدِينَة الْقُدس وَبَعض قرى صَغِيرَة وَفِي 2 ذِي الْقعدَة سنة 575 توفّي الْخَلِيفَة المستضيء وبويع ابْنه النَّاصِر لدين الله وَفِي خِلَافَته اسْتردَّ صَلَاح الدّين الايوبي اغلب الْبِلَاد الَّتِي كَانَت فِي يَد الافرنج واستخلص مِنْهُم الْقُدس الشريف ودخله يَوْم الْجُمُعَة 27 رَجَب سنة 583 12 اكتوبر سنة 1187 وَاسْتمرّ على الْفَتْح الْغَزْو إِلَى ان مَاتَ بِدِمَشْق يَوْم الاربعاء 26 صفر سنة 589 3 مارس سنة 1193 وبموته تَفَرَّقت املاكه وانفرط عقد انتظامها واستقل كل من اولاده وَكَانُوا سَبْعَة عشر بِجُزْء مِنْهَا فاستقل بِمصْر الْملك الْعَزِيز عماد الدّين عُثْمَان واستقل الافضل نور الدّين عَليّ بِدِمَشْق فضعف حَال الاسلام بَعْدَمَا بلغه من الْقُوَّة ايام النَّاصِر صَلَاح الدّين الايوبي ثمَّ وَقع الْخلف بَين اولاده وطمع كل مِنْهُم فِيمَا فِي يَد اخيه وَلَو بِالْحَرْبِ والقتال فاتحد الْعَزِيز صَاحب مصر مَعَ عَمه الْعَادِل صَاحب الكرك على محاربة الافضل صَاحب دمشق فحاربوه واخرجوه مِنْهَا وَبَقِي فِيهَا الْعَادِل وَعَاد الْعَزِيز إِلَى مصر مكتفيا بِالْخطْبَةِ وَالسِّكَّة ثمَّ توفّي الْملك الْعَزِيز فِي محرم سنة 595 وَخَلفه ابْنه الْملك الْمَنْصُور وَكَانَ عمره تسع سِنِين ولصغر سنه ارتأى امراء الدولة استدعاء اُحْدُ امراء بني
79 -
ايوب ليَكُون وزيرا لَهُ فَاخْتَارُوا الافضل الَّذِي كَانَ صَاحب دمشق وكاتبوه فَحَضَرَ مسرعا ثمَّ قصد دمشق للانتقام من عَمه الْملك الْعَادِل واتحد مَعَ اخيه الظَّاهِر صَاحب حلب على محاربة الْعَادِل فحاصرا دمشق مُدَّة ثمَّ وَقع الْخلف بَينهمَا وَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى بِلَاده فتبع الْعَادِل الافضل وجيوشه إِلَى مصر وهزمه واكرهه على الْخُرُوج مِنْهَا وَصَارَ هُوَ وزيرا للْملك الْمَنْصُور بن الْعَزِيز ثمَّ غدر بالمنصور واخرجه من مصر سنة 599 واستقل هُوَ بِمصْر ودمشق وَمَا حولهَا وَصَارَ لَهُ اغلب بِلَاد اخيه النَّاصِر صَلَاح الدّين وَبَقِي ملكه فِي ازدياد وشأنه فِي ارتقاء إِلَى ان توفّي فِي 7 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 615 وعمره خمس وَسَبْعُونَ سنة قَضَاهَا فِي محاربة الافرنج وَصد غاراتهم عَن بِلَاد الاسلام وَخَلفه فِي مصر ابْنه الْملك الْكَامِل وَفِي دمشق الْملك الْمُعظم عِيسَى وَخلف من الْبَنِينَ سِتَّة عشر ولدا غير الْبَنَات
وَفِي 10 رَمَضَان سنة 615 30 نوفمبر سنة 1218 ضايق الافرنج الصليبيون ثغر دمياط وفتحوه عنْوَة وَجعلُوا الْجَامِع كَنِيسَة فابتنى الْملك الْكَامِل قلعة حَصِينَة بِالْقربِ مِنْهَا سَمَّاهَا المنصورة وَهِي مَدِينَة المنصورة مَرْكَز مديرية الدقهلية الْآن ليراقب حركات الافرنج وَيمْنَع تقدمهم دَاخل الديار المصرية فَلم يَجْسُر الصليبيون على مهاجمتها وَلَبِثُوا ينتظرون المدد من بِلَادهمْ إِلَى ان ارْتَفَعت مياه النّيل فِي صيف سنة 618 فَقطع الْمُسلمُونَ جسوره وطغى المَاء على معسكر الافرنج وَحَال بَينهم وَبَين دمياط قَاعِدَة اعمالهم وصاروا فِي ضيق شَدِيد فاخذوا يخابرون الْملك الْكَامِل على ان يردوا اليه ثغر دمياط بِشَرْط ان لَا يفتك بهم فَقبل الْكَامِل بذلك وسلمت اليه مَدِينَة دمياط فِي 19 رَجَب سنة 618 8 سبتمبر سنة 1202 واقيمت شَعَائِر
الاسلام فِي جوامعها كَمَا كَانَت عَلَيْهِ قبل
هَذَا وَفِي اول شَوَّال سنة 622 توفّي الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَكَانَت مدَّته نَحْو سبع واربعين سنة وَكَانَ مُسْتقِلّا بالعراق صارفا همته للمحافظة عَلَيْهِ وَلم يحارب الافرنج اصلا وَفِي مدَّته ظهر التتر وَخَرجُوا من بِلَادهمْ الْوَاقِعَة غرب بِلَاد الصين فِي سنة 617 هجرية تَحت قيادة رئيسهم جنكيزخان فقصدوا اولا بِلَاد خوارزم وفتحوها وملكوا بُخَارى وسمرقند وغزنة بعد محاربات عنيفة ثمَّ سَارَتْ فرقة إِلَى بِلَاد الروس الشمالية وملكوها وَبقيت فِي ملكهم إِلَى اواخر الْقرن الْخَامِس عشر للميلاد وَيُقَال ان الْخَلِيفَة النَّاصِر هُوَ الَّذِي استدعاهم من بِلَادهمْ لمحاربة خوارزمشاه فجر بذلك على الاسلام اجْمَعْ من المصائب مَا لم يطْرَأ عَلَيْهِ ابدا لانهم كَانُوا يقتلُون الْمُسلمين ويسبون نِسَاءَهُمْ ويخربون الْجَوَامِع ويحرقون الْكتب النفيسة ويرتكبون انواع الْمُنْكَرَات جهارا
وَبعد موت الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله بُويِعَ ابْنه ابو النَّصْر مُحَمَّد ولقب الظَّاهِر بِأَمْر الله وَلم تطل مدَّته فانه توفّي فِي 14 رَجَب سنة 623 وبويع بعد مَوته ابْنه ابو جَعْفَر الْمَنْصُور ولقب الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَفِي خِلَافَته اخذ امْر الاسلام فِي الضعْف بعد ان بلغ من الْقُوَّة مبلغا عَظِيما حَتَّى استخلصوا مَدِينَة الْقُدس من الافرنج وَسبب هَذَا الضعْف انقسام اولاد صَلَاح الدّين الايوبي واخوته ومحاربتهم بَعضهم بَعْضًا طَمَعا فِي امتلاك مَدِينَة اَوْ قَرْيَة غير ناظرين إِلَى الاجانب المحتلين بعض بِلَاد الشَّام يتربصون الفرص للانقضاض عَلَيْهِم واسترجاع مَدِينَة الْقُدس ثَانِيًا فَلَمَّا توفّي الْملك الْمُعظم ابْن الْملك الْعَادِل بن ايوب فِي ذِي الْقعدَة سنة 624 صَاحب دمشق وَخَلفه ابْنه النَّاصِر دَاوُد اتَّحد الْملك الْكَامِل صَاحب مصر واخوه الْملك الاشرف على انتزاع دمشق من يَد النَّاصِر ابْن اخيهما الْمُعظم وليتمكن الْكَامِل من التفرغ لمحاربة النَّاصِر
ويأمن جَانب الافرنج فِي اثناء محاربته لَهُ كَاتب الامبراطور فريدريك امبراطور الالمان وَصَاحب صقلية على ان يهادنه سِتّ سنوات ويسلمه مَدِينَة الْقُدس وَبَعض المدن الاخرى بِشَرْط عدم التَّعَرُّض للجامع الاقصى وَلَا لجَمِيع الْمُسلمين وَاتفقَ مَعَ الامبراطور على ذَلِك وَسلمهُ مَدِينَة الْقُدس فِي ربيع الآخر سنة 626 مارس سنة 1229 بِدُونِ حَرْب مَعَ ان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين بذل النَّفس والنفيس فِي استخلاصها مِنْهُم سنة 583 وَسلمهَا هُوَ اليهم غنيمَة بَارِدَة ليحارب ابْن اخيه وينتزع بعض بِلَاده مِنْهُ وَبعد ان تمّ تَسْلِيم الْقُدس إِلَى الافرنج بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة الَّتِي تلْحق الْعَار بِالْملكِ الْكَامِل مدى الدَّهْر وَتسود صَحَائِف تَارِيخه جمع جيوشه حول مَدِينَة دمشق وَاسْتولى عَلَيْهَا فِي جُمَادَى الاولى فتمت لَهُ امنيته ونال بغيته بعد ان ضحى الْبِلَاد الَّتِي صرف صَلَاح الدّين عمره فِي استخلاصها من يَد الافرنج فَانْظُر ايها القاريء نتيجة الانقسام امام الْعَدو ونبذ الِاتِّحَاد والتضافر ظهريا ثمَّ قضى الْملك الْكَامِل بَقِيَّة عمره فِي محاربة اخوته واقاربه وَمَات فِي 21 رَجَب سنة 635 فعين الْجند والامراء بعده ابْنه الْملك الْعَادِل فَأتى إِلَى مصر لَكِن لم تطل مدَّته بل قبض عَلَيْهِ فِي 8 ذِي الْقعدَة سنة 637 بدسيسة اخيه الْملك الصَّالح ايوب وَوصل الصَّالح إِلَى مصر فِي 24 مِنْهُ وَاسْتقر بهَا وَاسْتمرّ الْملك الْعَادِل مسجونا إِلَى ان توفّي سنة 645 وَفِي هَذِه الاثناء تقدم التتر فِي بِلَاد الاسلام وامتلكوا جَمِيع بِلَاد فَارس ووصلت طلائعهم إِلَى الْعرَاق وَفِي 10 جُمَادَى الْآخِرَة سنة 640 توفّي الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه ابو جَعْفَر الْمَنْصُور وبويع بعده ابْنه ابو احْمَد عبد الله ولقب المستعصم
بِاللَّه وَهُوَ الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من خلفاء بني الْعَبَّاس بعد عبد الله بن المعتز وَالسَّابِع وَالثَّلَاثِينَ لَو اسقط ابْن المعتز من عدادهم والمستعصم بِاللَّه هُوَ آخر من ولي الْخلَافَة الاسلامية من العباسيين بِبَغْدَاد وَفِي خِلَافَته انتصر الصَّالح ايوب على الافرنج بِقرب غَزَّة سنة 642 هجرية سنة 1244 واستخلص مَدِينَة الْقُدس الَّتِي كَانَ سلمهَا الْملك الْكَامِل اليهم سنة 626 فحولوا انظارهم إِلَى الْقطر الْمصْرِيّ واتى اليه لويس التَّاسِع ملك فرنسا وَمَعَهُ جَيش عَظِيم واحتل ثغر دمياط بِدُونِ كثير عناء فِي 21 صفر سنة 647 5 مايو سنة 1249 فتحصن الصَّالح ايوب فِي المنصورة لردهم عَن الْقَاهِرَة وَفِي اثناء الاستعداد لِلْقِتَالِ توفّي الصَّالح فِي لَيْلَة الاحد 14 شعْبَان سنة 647 فاخفت زَوجته شَجَرَة الدّرّ خبر مَوته إِلَى ان حضر من الشَّام وَلَده توران شاه الَّذِي خَلفه فِي ملك مصر وَفِي اوائل محرم سنة 648 ابريل سنة 1250 انتصر الْمُسلمُونَ على الافرنج بِقرب المنصورة واخذوا ملك فرنسا اسيرا مَعَ كثير من امراء الفرنساويين وحجز الْملك فِي دَار فَخر الدّين بن لُقْمَان كَاتب الانشاء ووكل بِهِ طواشي يُسمى صبيح