المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وضع مجلة الاحكام العدلية - تاريخ الدولة العلية العثمانية

[محمد فريد بك]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فِيمَن ولي الْخلَافَة الاسلامية قبل مُلُوك الدولة الْعلية العثمانية

- ‌الْخُلَفَاء الامويون

- ‌دولة بني امية

- ‌ظُهُور دولة العباسيين

- ‌بَنو طولون بِمصْر

- ‌ظُهُور الدولة الفاطمية بتونس

- ‌دولة بني بويه

- ‌الاخشيديون بِمصْر

- ‌الفاطميون بِمصْر

- ‌السلجوقيون

- ‌الحروب الصليبية

- ‌دولة المماليك البحرية بِمصْر

- ‌دولة المماليك الجراكسة

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي بَغْدَاد

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي مصر

- ‌دولة المماليك

- ‌ المماليك البرجية

- ‌ المماليك الشراكسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌ السلكان الْغَازِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وواقعة قوص اوه

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وَاقعَة نيكوبلي فَلَمَّا علم سجسمون ملك المجر خبر مَا حل بِبِلَاد البلغار خشِي عَليّ مَمْلَكَته اذ صَار متاخما فِي عدَّة نقط للدولة الْعلية فاستنجد باوروبا وساعده البابا واعلن

- ‌اغارة تيمورلنك على آسيا الصُّغْرَى

- ‌الفوضى بعد موت السُّلْطَان بايزيد

- ‌ انْفِرَاد السُّلْطَان

- ‌ السُّلْطَان مرادخان الثَّانِي الْغَازِي

- ‌تنازل السُّلْطَان عَن الْملك وعودته اليه

- ‌فتْنَة اسكندر بك

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌فتح جزائر اليونان ومدينة اوترانت

- ‌حِصَار مَدِينَة رودس

- ‌ترتيباته الداخلية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي بايزيد خَان الثَّانِي واخوه الامير جم

- ‌ابْتِدَاء العلاقات مَعَ دوَل اوروبا

- ‌عصيان اولاد السُّلْطَان عَلَيْهِ وتنازله عَن الْملك لِابْنِهِ سليم

- ‌ السُّلْطَان سليم الاول الْغَازِي الملقب ب ياوز أَي الْقَاطِع

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز

- ‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الاول القانوني

- ‌فتح مَدِينَة بلغراد

- ‌فتح جَزِيرَة رودس

- ‌تدَاخل الدولة الْعلية فِي بِلَاد القرم والفلاخ وفتنة الانكشارية

- ‌ابْتِدَاء المخابرات والمراسلات بَين الدولة الْعلية وَملك فرانسا

- ‌فتح بِلَاد المجر وعاصمتها

- ‌اغارة ملك النمسا على المجر وفتحه مَدِينَة بود وانتصار العثمانيين عَلَيْهِ واسترجاع المجر

- ‌ابْتِدَاء الحروب مَعَ النمسا وحصار ويانه عاصمتها اول دفْعَة

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَانِي دفْعَة

- ‌فتح مَدِينَة بَغْدَاد

- ‌الامتيازات القنصلية

- ‌خير الدّين باشا البحري وَفتح اقليمي الجزائر وتونس

- ‌اتِّحَاد فرنسا والدولة الْعلية على محاربة النمسا وَبَعض وقائع اخرى

- ‌موت زابولي ملك المجر وسفر السُّلْطَان إِلَى بود لمحاربة النمساويين

- ‌سفر الدونانمة العثمانية إِلَى فرانسا وَفتح مَدِينَة نيس

- ‌ابرام الصُّلْح مَعَ النمسا

- ‌فتح عدن

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَالِث دفْعَة

- ‌حِصَار جَزِيرَة مالطه

- ‌فتح مَدِينَة سكدوار

- ‌موت السُّلْطَان سُلَيْمَان

- ‌اسباب الانحطاط

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّانِي

- ‌فتح جَزِيرَة قبرص

- ‌وَاقعَة ليبانت البحرية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مرادخان الثَّالِث

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز رَابِع دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الثَّالِث

- ‌السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الاول وانتصار الشاه عَبَّاس

- ‌ السُّلْطَان مصطفى خَان الاول

- ‌ السُّلْطَان عُثْمَان خَان الثَّانِي وخلعه ثمَّ قَتله وارجاع السُّلْطَان مصطفى ثمَّ عَزله

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُرَاد خَان الرَّابِع

- ‌محاربة الْعَجم واستيلائهم على بَغْدَاد

- ‌ثورة الانكشارية وقتلهم الصَّدْر الاعظم حَافظ باشا وثورة فَخر الدّين الدرزي

- ‌فتح اريوان واسترجاع بَغْدَاد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي ابراهيم خَان الاول وَفتح جَزِيرَة كريد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الرَّابِع

- ‌فتح قلعة نوهزل

- ‌حِصَار مَدِينَة ويانه اخر دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الثَّالِث

- ‌معاهدة بسار وفتس

- ‌تَقْسِيم مملكة الْعَجم بَين العثمانيين والروس وعزل السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الاول وَظُهُور نادرشاه

- ‌معاهدة بلغراد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عُثْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّالِث

- ‌ وَصِيَّة بطرس الاكبر

- ‌عصيان عَليّ بك بِمصْر

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الاول

- ‌اسْتِيلَاء الروسيا على بِلَاد القرم

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّالِث

- ‌معاهدتي زشتوي وياش

- ‌بعض اصلاحات داخلية

- ‌عصيان بازوند اوغلي

- ‌دُخُول الفرنساويين مصر

- ‌خُرُوج الفرنساويين من مصر

- ‌الْفِتَن الداخلية واسبابها

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَالِي مصر

- ‌عزل السُّلْطَان سليم الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الرَّابِع

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الثَّانِي

- ‌معاهدة بخارست مَعَ الروسيا

- ‌الوهابيون ومذهبهم

- ‌محاربة مُحَمَّد عَليّ باشا للوهابيين

- ‌ابادة المماليك

- ‌عصيان عَليّ باشا وَالِي يانيه

- ‌ثورة اليونان وطلبها الِاسْتِقْلَال

- ‌سفر الْجنُود العثمانية إِلَى اليونان

- ‌تدَاخل الدول

- ‌ اتِّفَاق آق كرمان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْمُخْتَص بالافلاق والبغدان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْخَاص بالصرب

- ‌وَاقعَة ناورين

- ‌خُرُوج العساكر المصرية من موره

- ‌الغاء طَائِفَة الانكشارية

- ‌الْحَرْب مَعَ الروسيا ومعاهدة ادرنه

- ‌احتلال فرنسا لجزائر الغرب

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَحرب الشَّام الاولى

- ‌معاهدة كوتاهيه

- ‌معاهدة خونكار اسكله سي

- ‌حَرْب الشَّام الثَّانِيَة

- ‌وَاقعَة نَصِيبين

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْمجِيد خَان

- ‌اخلاء المصريين لبلاد الشَّام

- ‌مَسْأَلَة لبنان ونقتلة المارونية

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌فرمان الكلخانة

- ‌الاصلاحات الْخَيْرِيَّة

- ‌اتِّفَاق بلطه ليمان

- ‌اسباب حَرْب القرم

- ‌وَاقعَة سينوب البحرية

- ‌النمسا وَحرب القرم

- ‌اطلاق الانكليز المدافع على مَدِينَة جدة

- ‌حَادِثَة الشَّام واحتلال فرنسا لَهَا

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْعَزِيز خَان

- ‌فؤاد باشا الصَّدْر الاعظم واصلاحاته

- ‌ ثورة كريد

- ‌سفر السُّلْطَان عبد الْعَزِيز لمصر

- ‌سفر السُّلْطَان لباريس

- ‌وضع مجلة الاحكام العدلية

- ‌الفرمان الشَّامِل لجَمِيع امتيازات الخديوية المصرية

- ‌علاقات تونس مَعَ الدولة الْعلية

- ‌مَسْأَلَة قنال السويس

- ‌الاحتفال بِفَتْح قنال السويس

- ‌عزل السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌الْفَتْوَى بعزله

- ‌ السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌قتل حسن بك لكل من حُسَيْن عوني باشا وَمُحَمّد رَاشد باشا

- ‌عزل السُّلْطَان مُرَاد

- ‌صُورَة استفتاء الوزراء فِي وجوب خلع السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الثَّانِي

- ‌البرلمان العثماني الاول

- ‌حَرْب الروسيا وَبَيَان اسباب لائحة الكونت اندراسي

- ‌حَادِثَة سلانيك ولائحة برلين

- ‌ثورة البلغار وَجَوَاب اللورد دربي

- ‌حَرْب الصرب والجبل الاسود

- ‌مؤتمر الاستانة

- ‌اخلاص المجر للدولة الْعلية

- ‌لائحة لوندرة

- ‌اعلان الْحَرْب

- ‌وَاقعَة بلفنه

- ‌الاعمال الحربية فِي الاناطول

- ‌سُقُوط قارص

- ‌المخابرات الابتدائية والهدنة

- ‌حل مجْلِس النواب

- ‌احتلال انكلترا لجزيرة قبرص

- ‌الدستور العثماني

- ‌القانون الاساسي وَالسُّلْطَان عبد الحميد

- ‌اجْتِمَاع مجْلِس المبعوثين الاول

- ‌الْحَادِثَة الارتجاعية وخلع عبد الحميد

- ‌ خَليفَة الْمُسلمين وسلطان العثمانيين مُحَمَّد رشاد خَان الْخَامِس

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌الاصلاحات الْمَالِيَّة

- ‌الاصلاحات الحربية

الفصل: ‌وضع مجلة الاحكام العدلية

تولى منصب الْخلَافَة بعد المرحوم السُّلْطَان عبد الْعَزِيز وَعبد الحميد افندي خليفتنا الحالي ورشاد افندي ويوسف عز الدّين افندي والوزيران فؤاد باشا وَمُحَمّد باشا فزار الاسكندرية ومحروسة مصر ثمَّ عَاد إِلَى دَار السَّعَادَة بِالْيمن والاقبال وَكَانَ سَفَره من الاستانة بعد ان افْتتح المعرض العثماني الَّذِي اقيم بهَا لتنشيط الصَّنَائِع الوطنية فِي 10 رَمَضَان سنة 1279 1 مارس 1863 بِحُضُور ضَيفه الْكَرِيم اسماعيل باشا خدوينا الاسبق

‌سفر السُّلْطَان لباريس

وَفِي 19 صفر سنة 1284 22 يونيو سنة 1867 سَافر قَاصِدا مَدِينَة باريس الزاهية الزاهرة على دَعْوَى الامبراطور نابوليون الثَّالِث لحضور المعرض الْعَام الَّذِي اقيم فِيهَا ودعا اليه الامبراطور اغلب مُلُوك الدُّنْيَا وَكَانَ من ضمن المدعوين خديوي مصر اسماعيل باشا فابحر من الاسكندرية فِي 7 من شهر صفر الْمَذْكُور على سفينة المحروسة ليَكُون بباريس حِين قدوم جلالة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز اليها ثمَّ عَاد جلالة السُّلْطَان الْمُعظم إِلَى مقرّ خِلَافَته عَن طَرِيق وارنه فِي 6 ربيع الثَّانِي سنة 1284 7 اوغست 1867 بعد ان تغيب عَنْهَا سِتَّة اسابيع الفى فِي خلالها من حسن الملاقاة وكرم الْوِفَادَة مَا طبع عَلَيْهِ الفرنسويون واشتهر عَنْهُم

اما الاصلاحات الَّتِي اجريت فِي داخلية الممالك المحروسة فِي خِلَافَته فيعد مِنْهَا وَلَا تعد فَمِنْهَا القانون القَاضِي بِجَوَاز انْتِقَال الاراضي الميرية الخراجية والموقوفة لوَرَثَة صَاحب الْمَنْفَعَة الصَّادِر فِي 17 محرم سنة 1284 21 مايو 1867 وَهُوَ يشبه لائحة الاطيان السعيدية المصرية

‌وضع مجلة الاحكام العدلية

والقوانين الَّتِي اجازت للاجانب امتلاك العقارات وكافة الْحُقُوق العينية وَالتَّصَرُّف فِيهَا بِجَمِيعِ الممالك المحروسة بعد ان كَانَت مَمْنُوعَة عَنْهُم كُلية وَذَلِكَ فِي سنة 1285 الْمُوَافقَة سنة 1869 وَمِنْهَا وضع مجلة الاحكام الشَّرْعِيَّة ليعْمَل بهَا فِي المحاكم النظامية الَّتِي انشئت وَكَانَ جَارِيا اصلاحها وَكَانَ وضع هَذِه الْمجلة بِمَعْرِِفَة

ص: 546

لجنة من اشهر متشرعي هَذَا الْعَصْر واليك نَص التَّقْرِير الَّذِي قَدمته إِلَى مُحَمَّد امين عالي باشا الصَّدْر الاعظم فِي غرَّة محرم سنة 1286 5 مايو 1867 مَنْقُولًا من منتخبات الجوائب

لَا يخفى على حَضْرَة الصَّدْر العالي ان الْجِهَة الَّتِي تتَعَلَّق بامر الدُّنْيَا من علم الْفِقْه كَمَا انها تَنْقَسِم إِلَى مناكحات ومعاملات وعقوبة كَذَلِك القوانين السياسية للامم المتمدنة تَنْقَسِم إِلَى هَذِه الاقسام الثَّلَاثَة وَيُسمى قسم الْمُعَامَلَات مِنْهَا القانون الْمدنِي لكنه لما زَاد اتساع الْمُعَامَلَات التجارية فِي هَذِه الاعصار مست الْحَاجة إِلَى اسْتثِْنَاء كثير من الْمُعَامَلَات كالسفتجة الَّتِي يسمونها حِوَالَة وكأحكام الافلاس وَغَيرهمَا من القانون الاصلي وَوضع لهَذِهِ المستثنيات قانون مَخْصُوص يُسمى قانون التِّجَارَة وَصَارَ مَعْمُولا بِهِ فِي الخصوصيات التجارية فَقَط واما سَائِر الْجِهَات فَمَا زَالَت احكامها تجْرِي على القانون الْمدنِي وَمَعَ ذَلِك فالدعاوى الَّتِي ترى فِي محاكم التِّجَارَة إِذا ظهر شَيْء من متفرعاتها لَيْسَ لَهُ حكم فِي قانون التِّجَارَة مثل الرَّهْن وَالْكَفَالَة وَالْوكَالَة يرجع فِيهِ إِلَى القانون الاصلي وكيفما وجد مسطورا فِيهِ يجْرِي الحكم على مُقْتَضَاهُ وَكَذَا فِي دعاوى الْحُقُوق العادية الناشئة عَن الجرائم تجْرِي الْمُعَامَلَة بهَا على هَذَا المنوال ايضا وَقد وضعت الدولة الْعلية قَدِيما وحديثا قوانين كَثِيرَة تقَابل القانون الْمدنِي وَهِي وان لم تكن كَافِيَة لبَيَان جَمِيع الْمُعَامَلَات وفصلها الا ان الْمسَائِل الْمُتَعَلّقَة بقسم الْمُعَامَلَات من علم الْفِقْه هِيَ كَافِيَة وافية للاحتياجات الْوَاقِعَة فِي هَذَا الْخُصُوص ولقلما يرى بعض مشكلات فِي تَحْويل الدَّعَاوَى السَّابِق إِلَى الشَّرْع والقانون غير ان مجَالِس تَمْيِيز الْحُقُوق لما كَانَت تَحت رئاسة حكام الشَّرْع فَكَمَا ان الدَّعَاوَى الشَّرْعِيَّة تصير رؤيتها وفصلها لديهم كَذَلِك كَانَت الْموَاد النظامية الَّتِي تحال إِلَى تِلْكَ الْمجَالِس ترى وتفصل بمعرفتهم ايضا وَبِذَلِك يجْرِي حل تِلْكَ المشكلات من حَيْثُ ان اصل القوانين والنظامات الملكية ومرجعهما هُوَ علم الْفِقْه وَكثير من الخصوصيات المتفرعة والامور الَّتِي ينظر فِيهَا بِمُقْتَضى النظام ويفصل ويحسم على وفْق الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة وَالْحَال ان اعضاء مجَالِس تَمْيِيز الْحُقُوق لَا اطلَاع لَهُم على مسَائِل علم الْفِقْه فَإِذا حكمت حكام الشَّرْع الشريف فِي تِلْكَ الْفُرُوع بِمُقْتَضى الاحكام الشَّرْعِيَّة ظن الاعضاء انهم يَفْعَلُونَ مَا يشاؤون خَارِجا

ص: 547

عَن النظامات والقوانين الْمَوْضُوعَة واساءوا بهم الظَّن فَيصير ذَلِك باعثا على القيل والقال

ثمَّ ان قانون التِّجَارَة الهمايوني هُوَ دستور الْعَمَل فِي محاكم التِّجَارَة الْمَوْجُودَة فِي ممالك الدولة الْعلية واما الخصوصيات المتفرعة عَن الدَّعَاوَى التجارية الَّتِي لَا حكم لَهَا فِي قانون التِّجَارَة فَيحصل بهَا مشكلات عَظِيمَة لانه إِذا صَارَت الْمُرَاجَعَة فِي مثل هَذِه الخصوصيات إِلَى قوانين اوروبا وَهِي لَيست مَوْضُوعَة بالارادة السّنيَّة فَلَا تصير مدَار الحكم فِي محاكم الدولة الْعلية وَإِذا احيل فصل تِلْكَ المشكلات إِلَى الشَّرِيعَة الغراء فالمحاكم الشَّرْعِيَّة تصير مجبورة على اسْتِئْنَاف المرافعة فِي تِلْكَ الدَّعْوَى وَحِينَئِذٍ فَالْحكم على قَضِيَّة وَاحِدَة فِي محكمتين كل مِنْهُمَا تغاير الاخرى فِي اصول المحاكمة ينشأ عَنهُ بالطبع تشعب ومباينة فَفِي مثل هَذِه الاحوال لَا يُمكن لمحاكم التِّجَارَة مُرَاجعَة المحاكم الشَّرْعِيَّة وَإِذا قيل لاعضاء محاكم التِّجَارَة ان يراجعوا الْكتب الْفِقْهِيَّة فَهَذَا ايضا لَا يُمكن لَان هَؤُلَاءِ الاعضاء على حد سَوَاء مَعَ مجَالِس تَمْيِيز الْحُقُوق فِي الِاطِّلَاع على الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة

وَلَا يخفى ان علم الْفِقْه بَحر لَا سَاحل لَهُ واستنباط دُرَر الْمسَائِل اللَّازِمَة مِنْهُ لحل المشكلات يتَوَقَّف على مهارة علمية وملكة كُلية وعَلى الْخُصُوص مَذْهَب الْحَنَفِيَّة لانه قَامَ فِيهِ مجتهدون كَثِيرُونَ متفاوتون فِي الطَّبَقَة وَوَقع فِيهِ اختلافات كَثِيرَة وَمَعَ ذَلِك فَلم يحصل فِيهِ تَنْقِيح كَمَا حصل فِي فقه الشَّافِعِيَّة بل لم تزل مسَائِله اشتاتا متشعبة فتمييز القَوْل الصَّحِيح من بَين تِلْكَ الْمسَائِل والاقوال الْمُخْتَلفَة وتطبيق الْحَوَادِث عَلَيْهَا عسير جدا وَمَا عدا ذَلِك فانه بتبدل الاعصار تتبدل الْمسَائِل الَّتِي يلْزم بناؤها على الْعَادة وَالْعرْف مثلا كَانَ عِنْد الْمُتَقَدِّمين من الْفُقَهَاء إِذا اراد اُحْدُ شِرَاء دَار اكْتفى بِرُؤْيَة بعض بيوتها وَعند الْمُتَأَخِّرين لَا بُد من رُؤْيَة كل بَيت مِنْهَا على حِدته وَهَذَا الِاخْتِلَاف لَيْسَ مُسْتَندا إِلَى دَلِيل بل هُوَ نَاشِئ عَن اخْتِلَاف الْعرف وَالْعَادَة فِي امْر الانشاء وَالْبناء وَذَلِكَ ان الْعَادة قَدِيما فِي انشاء الدّور وبنائها ان تكون جَمِيع بيوتها مُتَسَاوِيَة وعَلى طرز وَاحِد فَكَانَت رُؤْيَة بعض الْبيُوت على هَذَا تغني عَن رُؤْيَة سائرها واما فِي هَذَا

ص: 548

الْعَصْر فَحَيْثُ جرت الْعَادة بَان الدَّار الْوَاحِدَة تكون بيوتها مُخْتَلفَة فِي الشكل وَالْقدر لزم عِنْد البيع رُؤْيَة كل مِنْهَا على الِانْفِرَاد وَفِي الْحَقِيقَة فاللازم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وامثالها حُصُول علم كَاف بِالْمَبِيعِ عِنْد المُشْتَرِي وَمن ثمَّ لم يكن الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي مثل الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة تغييرا للقاعدة الشَّرْعِيَّة وانما تغير الحكم فِيهَا بِتَغَيُّر احوال الزَّمَان فَقَط وتفريق الِاخْتِلَاف الزماني وَالِاخْتِلَاف البرهاني الْوَاقِع هُنَا وتمييزها محوج إِلَى زِيَادَة التدقيق وامعان النّظر فَلَا جرم ان الاحاطة بالمسائل الْفِقْهِيَّة وبلوغ النِّهَايَة فِي مَعْرفَتهَا امْر صَعب جدا وَلذَا انتدب جمع من فُقَهَاء الْعَصْر وفضلائه لتأليف كتب مُطَوَّلَة مثل كتاب الْفَتَاوَى التاتارخانية خَانِية والعالمكيرية الْمَشْهُورَة الان بالفتاوي الْهِنْدِيَّة وَمَعَ ذَلِك فَلم يقدروا على حصر جَمِيع الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة والاختلافات المذهبية وَفِي الْوَاقِع فان كتب الفتاوي هِيَ عبارَة عَن مؤلفات حاوية لصور مَا حصل تطبيقه من الْحَوَادِث على الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة وافتيت بِهِ الفتاوي فَمَا مر من الزَّمَان وَلَا شكّ ان الاحاطة بِجَمِيعِ الْفَتَاوَى الَّتِي افتى بهَا عُلَمَاء السَّادة الْحَنَفِيَّة فِي العصور الْمَاضِيَة عسر للغاية وَلِهَذَا جمع ابْن نجيم رَحمَه الله تَعَالَى كثيرا من الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة والمسائل الْكُلية المندرج تحتهَا فروع الْفِقْه فَفتح بذلك بَابا يسهل التَّوَصُّل مِنْهُ إِلَى الاحاطة بالمسائل وَلَكِن لم يسمح الزَّمَان بعده بعالم فَقِيه يحذو حذوه حَتَّى يَجْعَل اثره طَرِيقا وَاسِعًا واما الان فقد ندر وجود المتبحرين فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فِي جَمِيع الْجِهَات وفضلا عَن انه لَا يُمكن تعْيين اعضاء فِي المحاكم النظامية لَهُم قدرَة على مُرَاجعَة الْكتب الْفِقْهِيَّة وَقت الْحَاجة لحل الاشكالات فقد صَار من الصعب ايضا وجود قُضَاة للمحاكم الشَّرْعِيَّة الكائنة فِي الممالك المحروسة

بِنَاء على ذَلِك لم يزل الامل مُعَلّقا بتأليف كتاب فِي الْمُعَامَلَات الْفِقْهِيَّة يكون مضبوطا سهل المأخذ عَارِيا من الاختلافات حاويا للاقوال المختارة سهل المطالعة على كل اُحْدُ لانه إِذا وجد كتاب على هَذَا الشكل حصل مِنْهُ فَائِدَة عَظِيمَة عَامَّة لكل من نواب الشَّرْع وَمن اعضاء المحاكم النظامية والمأمورين بالادارة فَيحصل لَهُم بمطالعته انتساب إِلَى الشَّرْع ولدى الايجاب تصير لَهُم ملكة بِحَسب الوسع يقتدرون بهَا على التَّوْفِيق مَا بَين الدَّعَاوَى وَالشَّرْع الشريف فَيصير هَذَا الْكتاب مُعْتَبرا مرعي الاجراء فِي المحاكم الشَّرْعِيَّة مغنيا عَن وضع قانون لدعاوى الْحُقُوق الَّتِي ترى فِي المحاكم

ص: 549

النظامية وَمن اجل الْحُصُول على هَذَا المأمول عقدت سَابِقًا جمعية علمية فِي ادارة مجْلِس التنظيمات وحرر حِينَئِذٍ كثير من الْمسَائِل وَلَكِن لم تبرز إِلَى حيّز الْفِعْل فَصدق مَضْمُون قَوْلهم ان الامور مَرْهُونَة لاوقاتها حَتَّى شَاءَ الله تَعَالَى بروز مَا فِي هَذَا الْعَصْر الهمايوني الَّذِي صَار مغبوطا من جَمِيع الاعصار بِظُهُور مثل هَذِه الْآثَار الْخَيْرِيَّة المهمة ولاجل حُصُول هَذَا الامر مَعَ سَائِر الْآثَار الْحَسَنَة الْكَثِيرَة الَّتِي هِيَ من التوفيقات الجليلة السُّلْطَانِيَّة المشهودة بِعَين الافتخار للبرية احيل على عهدتنا مَعَ ضعفنا وعجزنا اتمام هَذَا الْمَشْرُوع الْجَمِيل والاثر الخيري السديد لتحصل بِهِ الْكِفَايَة فِي تطبيق الْمُعَامَلَات الْجَارِيَة على الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة على حسب احتياجات الْعَصْر وبموجب الارادة الْعلية اجْتَمَعنَا فِي دَائِرَة ديوَان الاحكام وبادرنا إِلَى تَرْتِيب مجلة مؤلفة من الْمسَائِل والامور الْكَثِيرَة الْوُقُوع اللَّازِمَة جدا من قسم الْمُعَامَلَات الْفِقْهِيَّة مَجْمُوعَة من اقوال السَّادة الْحَنَفِيَّة الموثوق بهَا وَقسمت إِلَى كتب مُتعَدِّدَة وَسميت بالاحكام العدلية وَبعد ختام الْمُقدمَة وَالْكتاب الاول مِنْهَا اعطيت نُسْخَة مِنْهُمَا لمقام مشيخة الاسلام وَنسخ اخرى لمن لَهُ مهارة وَمَعْرِفَة كَافِيَة فِي علم الْفِقْه من الذوات الفخام ثمَّ بعد اجراء مَا لزم من التَّهْذِيب وَالتَّعْدِيل فِيهَا بِنَاء على بعض ملاحظات مِنْهُم حررت مِنْهَا نُسْخَة وَعرضت على حضرتكم الْعلية والآن حصلت الْمُبَادرَة إِلَى تَرْجَمَة هَذِه الْمُقدمَة وَالْكتاب إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَمَا زَالَ الاهتمام مصروفا إِلَى تأليف بَاقِي الْكتب ايضا فلدى مطالعتكم هَذِه الْمجلة يُحِيط علمكُم العالي بَان الْمقَالة الثَّانِيَة من الْمُقدمَة هِيَ عبارَة عَن الْقَوَاعِد الَّتِي جمعهَا ابْن نجيم وَمن سلك مسلكه من الْفُقَهَاء رَحِمهم الله تَعَالَى فحكام الشَّرْع مَا لم يقفوا على نقل صَرِيح لَا يحكمون بِمُجَرَّد الِاسْتِنَاد إِلَى وَاحِدَة من هَذِه الْقَوَاعِد الا ان لَهَا فَائِدَة كُلية فِي ضبط الْمسَائِل فَمن اطلع عَلَيْهَا من المطالعين يضبطون الْمسَائِل باداتها وَسَائِر المأمورين يرجعُونَ اليها فِي كل خُصُوص وبهذه الْقَوَاعِد يُمكن للانسان تطبيق معاملاته على الشَّرْع الشريف اَوْ فِي الاقل التَّقْرِيب وَبِنَاء على ذَلِك لم تكْتب هَذِه الْقَوَاعِد تَحت عنوان كتب اَوْ بَاب بل ادرجناها فِي الْمُقدمَة والاكثر فِي الْكتب الْفِقْهِيَّة ان تذكر الْمسَائِل مخلوطة مَعَ المبادئ لَكِن فِي هَذِه الْمجلة حرر فِي اول كل كتاب مُقَدّمَة تشْتَمل على الاصطلاحات الْمُتَعَلّقَة بذلك الْكتاب ثمَّ نذْكر بعْدهَا الْمسَائِل الساذجة على التَّرْتِيب ولاجل ايضاح تِلْكَ الْمسَائِل الاساسية ادرج ضمنهَا كثير من

ص: 550

الْمسَائِل المستخرجة من كتب الفتاوي على سَبِيل التَّمْثِيل

ثمَّ ان الاخذ وَالعطَاء الْجَارِي فِي زَمَاننَا اكثره مربوط بِالشُّرُوطِ وَفِي مَذْهَب الْحَنَفِيَّة ان الشُّرُوط الْوَاقِعَة فِي صلب العقد اكثرها مُفسد للْبيع وَمن ثمَّ كَانَ اهم المباحث فِي كتاب الْبيُوع فصل البيع بِالشّرطِ وَهَذَا الامر اوجب مباحثات ومناظرات كَثِيرَة فِي جمعية هَؤُلَاءِ العاجزين وَلذَا رُؤِيَ مناسبا ايراد خُلَاصَة المباحثات الْجَارِيَة فِي ذَلِك على الْوَجْه الْآتِي

فَنَقُول ان اقوال اكثر الْمُجْتَهدين فِي حق البيع بِالشّرطِ يُخَالف بَعْضهَا بَعْضًا فَفِي مَذْهَب الْمَالِكِيَّة إِذا كَانَت الْمدَّة جزئية وَفِي مَذْهَب الْحَنَابِلَة على الاطلاق يكون للْبَائِع وَحده ان يشرط لنَفسِهِ مَنْفَعَة مَخْصُوصَة فِي الْمَبِيع لَكِن تَخْصِيص البَائِع بِهَذَا الامر دون المُشْتَرِي يرى مُخَالفا للرأي وَالْقِيَاس اما ابْن ابي ليلى وَابْن شبْرمَة مِمَّن عاصروا الامام الاعظم رضي الله عنه وانقرضت اتباعهم فَكل مِنْهُمَا رأى فِي هَذَا الشَّأْن رايا يُخَالف الرَّأْي الآخر فَابْن ابي ليلى يرى ان البيع إِذا دخله أَي شَرط كَانَ فقد فسد البيع وَالشّرط كِلَاهُمَا وَعند ابْن شبْرمَة ان الشَّرْط وَالْبيع جائزان على الاطلاق فمذهب ابْن ابي ليلى يرى مباينا لحَدِيث الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم وَمذهب ابْن شبْرمَة مُوَافق لهَذَا الحَدِيث مُوَافقَة تَامَّة لَكِن الْمُتَبَايعين رُبمَا يشرطان أَي شَرط كَانَ جَائِزا اَوْ غير جَائِز قَابل الاجراء اَوْ غير قَابل وَمن الامور الْمسلمَة عِنْد الْفُقَهَاء ان رِعَايَة الشَّرْط انما تكون بِقدر الامكان فمسالة الرِّعَايَة للشّرط قَاعِدَة تقبل التَّخْصِيص وَالِاسْتِثْنَاء وَلذَا اتخذ طَرِيق متوسط عِنْد الْحَنَفِيَّة وَذَلِكَ ان الشَّرْط يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة اقسام شَرط جَائِز وَشرط مُفسد وَشرط لَغْو بَيَان هَذَا ان الشَّرْط الَّذِي لَا يكون من مقتضيات عقد البيع وَلَا مِمَّا يُؤَيّدهُ وَفِيه نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين مُفسد وَالْبيع الْمُعَلق بِهِ يكون فَاسِدا وَالشّرط الَّذِي لَا نفع فِيهِ لَاحَدَّ الْعَاقِدين لَغْو وَالْبيع الْمُعَلق بِهِ صَحِيح لَان الْمَقْصُود من البيع وَالشِّرَاء التَّمْلِيك والتملك أَي ان يكون البَائِع مَالِكًا للثّمن وَالْمُشْتَرِي مَالِكًا للْمَبِيع بِلَا مُزَاحم وَلَا ممانع وَالْبيع الْمُعَلق بِهِ نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازعَة لَان الْمَشْرُوط لَهُ النَّفْع يطْلب حُصُوله وَالْآخر يُرِيد الْفِرَار مِنْهُ فَكَانَ البيع لَا يتم لَكِن بِمَا ان الْعرف وَالْعَادَة قَاطع للمنازعة جوز البيع مَعَ الشَّرْط الْمُتَعَارف على الاطلاق اما الْمُعَامَلَات التجارية فَهِيَ من اصلها فِي حَال مُسْتَثْنى كَمَا تقدم واكثر

ص: 551

ذَوي الْحَرْف والصنائع قد تعارفوا على مُعَاملَة مَخْصُوصَة تقررت بَينهم وَالْعرْف الطَّارِئ مُعْتَبر فَلَا يبْقى مَا يُوجب الْبَحْث الا بعض شُرُوط خَارِجَة عَن الْعرف وَالْعَادَة تشْتَرط فِي الْمُعَامَلَات المتفرقة فِي الاخذ وَالعطَاء وَلَيْسَ لهَذِهِ الْمُعَامَلَات شَأْن يُوجب الاعتناء بالبحث عَنْهَا فَمَا مست الْحَاجة فِي تيسير معاملات الْعَصْر إِلَى اخْتِيَار قَول ابْن شبْرمَة الْخَارِج عَن مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَلِهَذَا حصل الِاكْتِفَاء بِذكر الشُّرُوط الَّتِي لَا تفْسد البيع عِنْد الْحَنَفِيَّة فِي الْفَصْل الرَّابِع من الْبَاب الاول كَمَا وَقع فِي سَائِر الْفُصُول قد ذكر فِي الْمَادَّة السَّابِعَة وَالتسْعين بعد الْمِائَة والمادة الْخَامِسَة بعد الثَّمَانِينَ انه لَا يَصح بيع الْمَعْدُوم وَالْحَال ان مَا كَانَ مثل الْورْد والخرشوم من الازهار والخضروات والفواكه الَّتِي يتلاحق ظُهُور محصولاتها يَصح فِيهِ البيع إِذا كَانَ بعض محصولاتها ظهر وَبَعضهَا لم يظْهر لانه لما كَانَ ظُهُور محصولاتها دفْعَة وَاحِدَة غير مُمكن وانما تظهر افرادها وتتناقص شَيْئا بعد شَيْء اصْطلحَ النَّاس فِي الْعَامِل على بيع جَمِيع محصولاتها الْمَوْجُودَة والمتلاحقة بصفقة وَاحِدَة وَلذَا جوز الامام مُحَمَّد بن حُسَيْن الشَّيْبَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا البيع اسْتِحْسَانًا وَقَالَ اجْعَل الْمَوْجُود اصلا والمعدوم تبعا لَهُ وافتى بقوله الامام الفضلي وشمس الائمة الْحلْوانِي وابو بكر بن فضل رَحِمهم الله تَعَالَى وَحَيْثُ ان ارجاع النَّاس من عَادَتهم الْمَعْرُوفَة عِنْدهم غير مُمكن كَمَا ان حمل معاملتهم بِحَسب الامكان على الصِّحَّة اولى من نسبتها إِلَى الْفساد وَقع الِاخْتِيَار لترجيح قَول مُحَمَّد رحمه الله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَمَا هُوَ مندرج فِي الْمَادَّة السَّابِعَة بعد الْمِائَتَيْنِ

وَفِي بيع الصُّبْرَة كل مد بِكَذَا عِنْد الامام الاعظم رضي الله عنه يَصح البيع فِي مد وَاحِد فَقَط وَعند الامامين رحمهمَا الله تَعَالَى يَصح فِي جَمِيع الصُّبْرَة فمهما بلغت الصُّبْرَة يَأْخُذهَا المُشْتَرِي وَيدْفَع ثمنهَا بِحِسَاب الْمَدّ بِسعْر مَا جرى عَلَيْهِ العقد وَحَيْثُ ان كثيرا من الْفُقَهَاء مثل صَاحب الْهِدَايَة قد اخْتَارُوا قَول الامامين فِي ذَلِك تيسيرا لمعاملات النَّاس حررت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْمَادَّة الْعشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ على مُقْتَضى قَوْلهمَا واكثر مُدَّة خِيَار الشَّرْط عِنْد الامام رَحمَه الله تَعَالَى ثَلَاثَة ايام وَعند الامامين تكون الْمدَّة على قدر ماشرط المتعاقدان من الايام وَلما كَانَ قَوْلهمَا هُنَا ايضا اوفق للْحَال والمصلحة وَقع عَلَيْهِ الِاخْتِيَار وَذكر بِدُونِ مُدَّة الايام الثَّلَاثَة فِي الْمَادَّة الثلاثمائة وَهَذَا الْخلاف جَار ايضا فِي خِيَار النَّقْد الا ان عدم تَقْيِيد الْمدَّة

ص: 552

بِثَلَاثَة ايام وَصِحَّة تقييدها باكثر من ذَلِك هُوَ قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فَقَط وانما اختير قَوْله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ايضا مُرَاعَاة لمصْلحَة النَّاس كَمَا ذكر فِي الْمَادَّة الثَّالِثَة عشرَة بعد الثلاثمائة

وَعند الامام الاعظم ان المستصنع لَهُ الرُّجُوع بعد عقد الاستصناع وَعند الامام ابي يُوسُف رحمه الله انه إِذا وجد الْمَصْنُوع مُوَافقا للصفات الَّتِي بيّنت وَقت العقد فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَالْحَال انه فِي هَذَا الزَّمَان قد اتَّخذت معامل كَثِيرَة تصنع فِيهَا المدافع والبواخر الفابورات وَنَحْوهَا بالمقاولة وَبِذَلِك صَار الاستصناع من الامور الْجَارِيَة الْعَظِيمَة فتخيير المستصنع فِي امضاء العقد اَوْ فَسخه يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الاخلال بمصالح جسيمة وَحَيْثُ ان الاستصناع مُسْتَند إِلَى التعارف وَمقيس على السّلم الْمَشْرُوع على خلاف الْقيَاس بِنَاء على عرف النَّاس لزم اخْتِيَار قَول ابي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذَا مُرَاعَاة لمصْلحَة الْوَقْت كَمَا حرر فِي الْمَادَّة الثَّانِيَة وَالتسْعين بعد الثلاثمائة من هَذِه الْمجلة

فَإِذا امْر امام الْمُسلمين بتخصيص الْعَمَل بقول من الْمسَائِل الْمُجْتَهد فِيهَا تعين وَوَجَب الْعَمَل بقوله وَإِذا صَارَت هَذِه المعروضات المبسوطة لَدَى حضرتكم الْعلية قرينَة التصويب يجرى توشيح اعلى الْمجلة الملفوفة بالخط الشريف الهمايوني والامر لوَلِيّ الامر

نَاظر ديوَان الاحكام العدلية احْمَد جودت مفتش الاوقاف الهمايونية السَّيِّد خَلِيل من اعضاء شُورَى الدولة سيف الدّين من اعضاء ديوَان الاحكام العدلية السَّيِّد احْمَد حلمي من اعضاء ديوَان الاحكام العدلية

ص: 553