الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاميرال ستوبفورد وَبعد ان عنفه على تذبذبه الَّذِي حصل مِنْهُ ونفاقه الَّذِي اداه إِلَى ان يتبع الاقوى شَوْكَة وَعدم حفظه للعهود امْر بارساله وتابعيه مَعَ قَلِيل من عائلته إِلَى جَزِيرَة مالطة وَلم يجبهُ إِلَى مَا طلبه من ارساله إِلَى ايطاليا اَوْ فرنسا فوصل هَذِه الجزيرة فِي 6 رَمَضَان سنة 1256 اول نوفمبر سنة 1840 وَكَانَ عمره اذ ذَاك خمْسا وَثَمَانِينَ سنة وَمضى مَا بَقِي من عمره مفكرا فِي اسباب زَوَال النِّعْمَة وَسُوء عَاقِبَة التذبذب وان الاحواط للانسان والاجدر بِهِ ان يحافظ على عهوده لانه لَو مَاتَ مَعَ الْمُحَافظَة عَلَيْهَا لمات بالشرف وَالْمجد وَلَو عَاشَ مَعَ الْخِيَانَة والتلون لعاش مَعَ الفضيحة والعار وَتُوفِّي فِي سنة 1267 سنة 1850 فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَدفن فِي غلطه
اخلاء المصريين لبلاد الشَّام
هَذَا ولنقل بالاختصار ان المراكب الانكليزية والعساكر المختلطة الَّتِي انزلت إِلَى الْبر فِي عدَّة مَوَاضِع تمكنت من اخذ جَمِيع المدن الْوَاقِعَة على الْبَحْر واخراج المصريين مِنْهَا حَتَّى لم ير مُحَمَّد عَليّ باشا بدا من الاذعان إِلَى مطَالب اوروبا وانه من الْعَبَث الْمَحْض مقاومة الدول المتحدة فاصدر اوامره إِلَى وَلَده ابراهيم باشا بِعَدَمِ تَعْرِيض عساكره لِلْقِتَالِ وَالْمَوْت بِلَا فَائِدَة وباستدعاء الْجنُود المعسكرة فِي حُدُود الشَّام والانجلاء عَنْهَا مَعَ اتِّخَاذ انواع الاحتراس الْكُلِّي من الْعَرَب وسكان الْجَبَل فَبلغ ابراهيم باشا هَذِه الاوامر إِلَى القواد جَمِيعهم واخذ الْجنُود فِي الرُّجُوع من كل فج وصاروا يتجمعون حول قائدهم الاعظم الَّذِي قادهم غير مرّة إِلَى النَّصْر وَالظفر وَبعد ذَلِك قسم الْجَيْش عدَّة فرق كل مِنْهَا تَحت امرة اُحْدُ مِمَّن اشْتهر من القواد بالبسالة والتبصر فِي عواقب الامور وَسَار الْكل رَاجِعين إِلَى مصر تاركين الْبِلَاد الَّتِي سَفَكُوا فِيهَا دِمَاءَهُمْ وَتركُوا فِيهَا قُبُور اخوانهم
وَكَانَ ابْتِدَاء الْجَيْش فِي الرُّجُوع إِلَى مصر فِي شَوَّال سنة 1256 اواسط شهر دسمبر سنة 1840 وَوصل الْكل إِلَى الْقَاهِرَة بعد ان ذاقوا مرَارَة النصب وتحملوا انواع الذل والتعب وقاسوا شَدِيد الوصب مِمَّا تكل عَن وَصفه الاقلام وَلَا تحيط بنعته الاوهام ويكدر الاذهان فضلا عَن موت كثير مِنْهُم فِي الطَّرِيق بِسَبَب مناوشات
الْعَرَب الَّذين زَادَت قحتهم وجراءتهم لما تحققوا عدم تمكن المصريين من العودة وَرَاءَهُمْ واقتفاء آثَارهم وَمَعَ ذَلِك فقد تمكن سُلَيْمَان باشا من ارجاع مائَة وَخمسين مدفعا بخيولها إِلَى مصر وَكثير من خُيُول السَّوَارِي الَّتِي هلك قسم عَظِيم مِنْهَا بِسَبَب الْعَطش وَشدَّة التَّعَب
واما ابراهيم باشا وفرقته فَلم يُمكنهُم العودة إِلَى الْقَاهِرَة من طَرِيق صحراء الْعَريش لشدَّة مَا لاقوه اثناء مرورهم فِي فلسطين من مُعَارضَة الْعَرَب لَهُم وسدهم الطَّرِيق عَلَيْهِم واحتلالهم جَمِيع القناطر المبنية على الانهر حَتَّى اضْطر لمحاربتهم فِي كل يَوْم بل وَفِي كل سَاعَة
واخيرا وصل مَدِينَة غَزَّة بعد ان اسْتشْهد فِي الطَّرِيق ثَلَاثَة ارباع من مَعَه وَكثير من المستخدمين الملكيين الَّذين ارادوا الرُّجُوع إِلَى وطنهم مَعَ عائلاتهم فَلَمَّا وصل غَزَّة كتب لوالده اشعارا بقدومه وَطلب مِنْهُ ارسال مَا يلْزم لَهُ من المراكب لنقل فرقته إِلَى الاسكندرية وَمَا يلْزم لمؤونتهم وملبسهم
وَفِي اثناء هَذِه الْمدَّة عرض الكومودور نابير على مُحَمَّد عَليّ باشا ان الْحُكُومَة الانكليزية تسْعَى لَدَى الْبَاب العالي فِي اعطاء مصر لَهُ ولورثته لَو تنازل عَن الشَّام ورد الدونانمة التركية إِلَى الدولة الْعلية فامتثل لهَذَا الامر وَقبل هَذِه الشُّرُوط لحفظ مصر لذريته وَتمّ بَينهمَا الِاتِّفَاق فِي 2 شَوَّال سنة 1256 27 نوفمبر سنة 1840
وَلم يقبل الْبَاب العالي هَذَا الِاتِّفَاق الا بعد تردد واحجام وتداول عدَّة مخاطبات بَينه وَبَين وكلاء الدول الاربع المتحدة المجتمعين بِمَدِينَة لوندره بِصفة مؤتمر وَصدر بذلك فرمان همايوني فِي تَارِيخ 21 ذِي الْقعدَة سنة 1256 14 يناير سنة 1841 هَذَا نَصه نقلا عَن قَامُوس جلاد
رَأينَا بسرور مَا عرضتموه من الْبَرَاهِين على خضوعكم وتأكيدات امانتكم وَصدق عبوديتكم لذاتنا الشاهانية ولمصلحة بابنا العالي فطول اختباركم وَمَا لكم
من الدِّرَايَة باحوال الْبِلَاد الْمسلمَة ادارتها لكم من مُدَّة مديدة لَا يتركان لنا ريبا بانكم قادرون بِمَا تبدونه من الْغيرَة وَالْحكمَة فِي ادارة شؤون ولايتكم على الْحُصُول من لدنا الشاهاني على حُقُوق جَدِيدَة فِي تعطفاتنا الملوكية وثقتنا بكم فتقدرون فِي الْوَقْت نَفسه احساناتنا اليكم قدرهَا وتجتهدون ببث هَذِه المزايا الَّتِي امتزتم بهَا فِي اولادكم وبمناسبة ذَلِك صممنا على تثبيتكم فِي الْحُكُومَة المصرية المبينة حُدُودهَا فِي الخريطة المرسومة لكم من لدن صدرنا الاعظم ومنحناكم فضلا على ذَلِك ولَايَة مصر بطرِيق التَّوَارُث بِالشُّرُوطِ الْآتِي بَيَانهَا
مَتى خلا منصب الْولَايَة المصرية تعهد الْولَايَة إِلَى من تنتخبه سدتنا الملوكية من اولادكم الذُّكُور وتجري هَذِه الطَّرِيقَة نَفسهَا بِحَق اولاده وهلم جرا وَإِذا انقرضت ذريتكم الذُّكُور لَا يكون لاولاد نسَاء عائلتكم الذُّكُور حق ايا كَانَ فِي الْولَايَة وارثها وَمن وَقع عَلَيْهِ من اولادكم الانتخاب لولاية مصر بالارث بعدكم يجب عَلَيْهِ الْحُضُور إِلَى الاستانة لتقليده الْولَايَة الْمَذْكُورَة على ان حق التَّوَارُث الممنوح لوالي مصر لَا يمنحه رُتْبَة وَلَا لقبا اعلى من رُتْبَة سَائِر الوزراء ولقبهم وَلَا حَقًا فِي التَّقَدُّم عَلَيْهِم بل يُعَامل بِذَات مُعَاملَة زملائه وَجَمِيع احكام خطنا الشريف الهمايوني الصَّادِر عَن كلخانة وكافة القوانين الادارية الْجَارِي الْعَمَل بهَا اَوْ تِلْكَ الَّتِي سيجرى الْعَمَل بموجبها فِي ممالكنا العثمانية وَجَمِيع العهود المعقودة اَوْ الَّتِي ستعقد فِي مُسْتَقْبل الايام بَين بابنا العالي والدولة المتحابة يتبع الاجراء على مقتضاها جَمِيعهَا فِي ولَايَة مصر ايضا وكل مَا هُوَ مَفْرُوض على المصريين من الاموال والضرائب يجرى تَحْصِيله باسمنا الملوكي
ولكي لَا يكون اهالي مصر وهم من بعض رعايا بابنا العالي معرضين للمضار والاموال والضرائب غير القانونية يجب ان تنظم تِلْكَ الاموال والضرائب الْمَذْكُورَة بِمَ يُوَافق حَالَة ترتيبها فِي سَائِر الممالك العثمانية وَربع الايرادات الناتجة من الرسوم الجماركية وَمن بَاقِي الضرائب الَّتِي تتحصل فِي الديار المصرية يتَحَصَّل بِتَمَامِهِ وَلَا
يخصم مِنْهُ شَيْء ويؤدى إِلَى خزينة بابنا العالي العامرة وَالثَّلَاث ارباع الْبَاقِيَة تبقى لولايتكم لتقوم بمصاريف التَّحْصِيل والادارة المدنية والجهادية وبنفقات الْوَالِي وبأثمان الغلال الملزومة مصر بتقديمها سنويا إِلَى الْبِلَاد المقدسة مَكَّة وَالْمَدينَة وَيبقى هَذَا الْخراج مستمرا دَفعه من الْحُكُومَة المصرية بطريقة تأديته المشروحة مُدَّة خمس سنوات تبتدئ من عَام 1257 أَي من يَوْم 12 فبراير سنة 1841 وَمن الْمُمكن تَرْتِيب حَالَة اخرى بشأنهم فِي مُسْتَقْبل الايام تكون اكثر مُوَافقَة لحالة مصر الْمُسْتَقْبلَة وَنَوع الظروف الَّتِي رُبمَا تَجِد عَلَيْهَا
وَلما كَانَت وَاجِبَات بابنا العالي الْوُقُوف على مِقْدَار الايرادات السنوية والطرق المستعملة فِي تَحْصِيل العشور وَبَاقِي الضرائب وَكَانَ الْوُقُوف على هَذِه الاحوال يسْتَلْزم تعْيين لجنة مراقبة وملاحظة فِي تِلْكَ الْولَايَة فَينْظر فِي ذَلِك فِيمَا بعد ويجرى مَا يُوَافق ارادتنا السُّلْطَانِيَّة
وَلما كَانَ من اللُّزُوم ان يعين بابنا العالي ترتيبا لصك النُّقُود لما فِي ذَلِك من الاهمية بِحَيْثُ لَا يعود يحدث فِيهَا خلاف لَا من جِهَة الْعيار وَلَا من جِهَة الْقيمَة اقْتَضَت ارادتي السّنيَّة ان تكون النُّقُود الذهبية والفضية الْجَائِز لحكومة مصر ضربهَا باسمنا الشاهاني معادلة للنقود المضروبة فِي ضربخانتنا العامرة بالاستانة سَوَاء كَانَ من قبيل عيارها اَوْ من قبيل هيئتها وطرزها
وَيَكْفِي ان يكون لمصر فِي اوقات السّلم ثَمَانِيَة عشر الف نفر من الْجند للمحافظة فِي داخلية مصر وَلَا يجوز ان تتعدى ولايتكم هَذَا الْعدَد وَلَكِن حَيْثُ ان قوات مصر العسكرية معدة لخدمة الْبَاب العالي كأسوة قوات المملكة العثمانية الْبَاقِيَة فيسوغ ان يُزَاد هَذَا الْعدَد فِي زمن الْحَرْب بِمَا يرى مُوَافقا فِي ذَلِك الْحِين على انه بِحَسب الْقَاعِدَة الجديدة المتبعة فِي كَافَّة ممالكنا بشأن الْخدمَة العسكرية بعد ان تخْدم الْجند مُدَّة خمس سنوات يستبدلون بسواهم من العساكر الجديدة فَهَذِهِ الْقَاعِدَة يجب اتباعها ايضا فِي مصر بِحَيْثُ ينتخب من العساكر الجديدة الْمَوْجُودَة
فِي الْخدمَة حَالا عشرُون الف رجل ليبدؤوا الْخدمَة فيحفظ مِنْهَا ثَمَانِيَة عشر الف رجل فِي مصر وَترسل الالفان إِلَى هُنَا لاداء مُدَّة خدمتهم وَحَيْثُ ان خمس الْعشْرين الف رجل وَاجِب استبدالهم سنويا فَيُؤْخَذ سنويا من مصر اربعة آلَاف رجل حسب الْقَاعِدَة المقررة من نظام العسكرية حِين سحب الْقرعَة بِشَرْط ان تسْتَعْمل فِي ذَلِك وَاجِبَات الانسانية والنزاهة والسرعة اللَّازِمَة فَيبقى فِي مصر ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة جندي من الْجنُود الجديدة والاربعمائة يرسلون إِلَى هُنَا وَمن اتم خدمته من الْجنُود الْمُرْسلَة إِلَى هَذَا الطّرف وَمن الْجنُود الْبَاقِيَة فِي مصر يرجعُونَ إِلَى مساكنهم وَلَا يسوغ طَلَبهمْ للْخدمَة مرّة ثَانِيَة وَمَعَ كَون مناخ مصر رُبمَا يسْتَلْزم اقمشة خلاف الاقمشة المستعملة لملبوسات العساكر فَلَا باس من ذَلِك فَقَط يجب ان لَا تخْتَلف هَيْئَة الملابس والعلائم التمييزية ورايات الْجنُود المصرية عَن مثلهَا من ملابس ورايات بَاقِي الْجنُود العثمانية وَكَذَا ملابس الضباط وعلائم امتيازهم وملابس الملاحين وعساكر البحرية المصرية ورايات سفنها يجب ان تكون مماثلة لملابس ورايات وعلائم رجالنا وسفننا
وللحكومة المصرية ان تعين ضباطا بَريَّة وبحرية حَتَّى رُتْبَة الملازم اما مَا كَانَ اعلى من هَذِه الرُّتْبَة فالتعيين اليها رَاجع لارادتنا الشاهانية
وَلَا يسوغ لوالي مصر ان ينشئ من الْآن فَصَاعِدا سفنا حربية الا باذننا الخصوصي وَحَيْثُ ان الامتياز الْمُعْطى بوراثة ولَايَة مصر خاضع للشروط الْمُوَضّحَة اعلاه فَعدم تَنْفِيذ اُحْدُ هَذِه الشُّرُوط مُوجب لابطال هَذَا الامتياز والغائه للْحَال وَبِنَاء على ذَلِك قد اصدرنا خطنا هَذَا الشريف الملوكي كي تقدروا انتم واولادكم قدر احساننا الشاهاني فتعتنوا كل الاعتناء باتمام الشُّرُوط المقررة فِيهِ وتحموا اهالي مصر من كل فعل اكراهي وتكفلوا امنهم وسعادتهم مَعَ الحذر من مُخَالفَة اوامرنا الملوكية واخبار بابنا العالي عَن كل الْمسَائِل المهمة الْمُتَعَلّقَة بالبلاد الْمَعْهُودَة ولايتها لكم اهـ
وَلَقَد منحه الْبَاب العالي ايضا ولايات النّوبَة ودارفور وكردفان وسنار مُدَّة حَيَاته بِدُونِ ان تنْتَقل إِلَى ورثته كمصر بِمُقْتَضى فرمان شاهاني اصدر فِي الْيَوْم الَّذِي اصدر فِيهِ الفرمان الاول اعني فِي 13 فبراير سنة 1841 هَذَا نَصه
ان سدتنا الملوكية كَمَا توضح فِي فرماننا السلطاني السَّابِق قد ثبتكم على ولَايَة مصر بطرِيق التَّوَارُث بِشُرُوط مَعْلُومَة وحدود مُعينَة وَقد قلدتكم فضلا على ولَايَة مصر ولَايَة مقاطعات النّوبَة ودارفور وكردفان وسنار وَجَمِيع توابعها وملحقاتها الْخَارِجَة عَن حُدُود مصر وَلَكِن بِغَيْر حق التَّوَارُث فبقوة الاختبار وَالْحكمَة الَّتِي امتزتم بهَا تقومون بادارة هاته المقاطعات وترتيب شؤونها بِمَا يُوَافق عدالتنا وتوفير الاسباب الآيلة لسعادة الاهلين وترسلون فِي كل سنة قَائِمَة إِلَى بابنا العالي حاوية بَيَان الايرادات السنوية جَمِيعهَا
وَحَيْثُ انه يحدث من وَقت لآخر ان تهجم الْجنُود على قرى المقاطعات الْمَذْكُورَة فيأسرون الفتيان من ذُكُور واناث ويبقونهم فِي قَبْضَة يدهم لِقَاء رواتبهم وَحَيْثُ ان هَذِه الامور مِمَّا تُفْضِي مَعهَا الْحَال لَيْسَ فَقَط لانقراض اهالي تِلْكَ الْبِلَاد وخرابها بل انها أُمُور مُخَالفَة للشريعة الحقة المقدسة وكلا هَاتين الْحَالَتَيْنِ لَيست اقل فظاعة من امْر آخر كثير الْوُقُوع وَهُوَ تَشْوِيه الرِّجَال ليقوموا بخفر الْحَرِيم ذَلِك مِمَّا لَا ينطبق على ارادتنا السّنيَّة مَعَ مناقضته كل المناقضة لمبادئ الْعدْل والانسانية المنتشرة من يَوْم جلوسنا المأنوس على عرش السلطنة الْعلية فَعَلَيْكُم مداركة هَذِه الامور بِمَا يَنْبَغِي من الاعتناء لمنع حدوثها فِي الْمُسْتَقْبل وَلَا يبرح عَن بالكم ان فِيمَا عدا بعض اشخاص توجهوا إِلَى مصر على اسطولنا الملوكي قد عَفَوْت عَن جَمِيع الضباط والعساكر وَبَاقِي المأمورين الْمَوْجُودين فِي مصر نعم ان بِمُوجب فرماننا السلطاني السَّابِق تَسْمِيَة الضباط المصرية لما فَوق رُتْبَة المعاون يسْتَلْزم الْعرض عَنْهَا لاعتابنا الملوكية الا انه لَا بَأْس من ارسال بَيَان باسم من رقيتم من ضباط جنودكم إِلَى بابنا العالي كي ترسل لَهُم الفرمانات المؤذنة بتثبيتهم فِي رتبهم هَذَا مَا نطقت بِهِ ارادتنا السامية فَعَلَيْكُم الاسراع فِي الاجراء على مقتضاها اهـ
فَقبل مُحَمَّد عَليّ باشا كل هَذِه الشُّرُوط وَلَو عَن غير رضَا ثمَّ طلب من الدول
ان تساعده فِي تَخْفيف بَعْضهَا وتغيير الْبَعْض الآخر فَقبلت ذَلِك وارسلت إِلَى الْبَاب العالي لائحة بتاريخ 13 مارس سنة 1841 طلبت مِنْهُ بهَا ان يعامله على حسب مَا هُوَ مدون بملحق معاهدة 15 يوليو سنة 1840 وبلائحة 30 يناير سنة 1841 فتنازلت الحضرة السُّلْطَانِيَّة بِمُقْتَضى لائحة ارسلت للدول بتاريخ 19 ابريل سنة 1841 بتحوير فرمانها الصَّادِر فِي 13 فبراير سنة 1841 هَذِه صورتهَا
ان الحضرة السُّلْطَانِيَّة الفخيمة تلقت مَا تعطفت عَلَيْهَا بِهِ الدول المتحالفة من النصائح هَذِه الدفعة ايضا وبمناسبتها قد منحت مُحَمَّد عَليّ باشا احسانا جَدِيدا هُوَ التكرم مِنْهَا باعطائه الامتيازات الاتية وَلكنهَا قد اشْترطت عَلَيْهِ الانقياد التَّام إِلَى جَمِيع الوثائق والمعاهدات المبرمة حَالا وَالَّتِي ستبرم اسْتِقْبَالًا فِيمَا بَين الْبَاب العالي والدول المتحالفة وعَلى ذَلِك اصبحت ولَايَة مصر تنْتَقل بالارث لمُحَمد عَليّ باشا واولاده واولاد اولاده الذُّكُور بِصُورَة ان يتَوَلَّى الاكبر فالاكبر فيقلده الْبَاب العالي منصب الْولَايَة كلما خلا هَذَا المنصب من وَال وَقد تنازل الْبَاب العالي عَن استيلائه على ربع ايرادات مصر وسيعين فِيمَا بعد قيمَة الْخراج الْوَاجِب على ولَايَة مصر دَفعه وترتيب مِقْدَاره وَطَرِيقَة تَحْصِيله بِمَا يُنَاسب حَالَة ايرادات الْولَايَة اما عَمَّا خص التسميات فِي الرتب الْمُخْتَلفَة فِي العسكرية المصرية فمرخص لمُحَمد عَليّ باشا ان يمنحها من نَفسه حَتَّى رُتْبَة الاميرالاي فَقَط اما التَّسْمِيَة لما فاق على هَذِه الرُّتْبَة فَيجب عَلَيْهِ ان يعرض بشانه إِلَى الْبَاب العالي
اما مَا كَانَ مُتَعَلقا الادارة الداخلية وَكَانَ اتِّبَاعه وَاجِبا فِي مصر كاتباعه فِي سَائِر الممالك العثمانية فَيظْهر ان مُحَمَّد عَليّ باشا لَا يرغب التَّكَلُّم بِشَأْنِهِ بِمَا يَنْبَغِي من الصراحة مَعَ كَونه قد سبق تَقْرِير ذَلِك فِي العقد الْمُفْرد التَّابِع لمعاهدة المحالفة وَلَكِن كي لَا يدع الْبَاب العالي سَبِيلا للدول المتحالفة بالتضرر مِنْهُ بامر من الامور كَمَا لَو حدث ان ارْتكب مُحَمَّد عَليّ فِي الْمُسْتَقْبل اعمالا مُخَالفَة لنقطة مهمة مُسندَة على المعاهدة المحكي عَنْهَا قد قرر وزراء الْبَاب العالي وَالْحَالة على ماذكر امرا شَدِيد الاهمية هُوَ ان تطلب بادئ ذِي بُدِئَ الايضاحات والتقريرات الصَّرِيحَة
بِهَذَا الصدد وَلذَلِك تحرر هَذَا لسعادتكم رَجَاء اعطاء الايضاحات والتقريرات الْمَذْكُورَة من قبلكُمْ خطا اهـ
وَلما اقرت الدول على هَذَا التحوير بِمُقْتَضى لائحة تاريخها 18 ربيع الاول سنة 1257 10 مايو سنة 1841 اصدرت الحضرة الشاهانية فرمانا آخر فِي 11 ربيع آخر سنة 1257 2 يونيو سنة 1841 مؤيدا لما فِي الفرمان السَّابِق وَفِي غرَّة جُمَادَى الآخر سنة 1257 21 يوليو سنة 1841 صدر فرمان آخر يَجْعَل مِقْدَار مَا تَدْفَعهُ الْحُكُومَة المصرية إِلَى الدولة الْعلية سنويا ثَمَانِينَ الف كيسة
ثمَّ اخذت فرنسا وانكلترا تسعيان فِي ابطال شُرُوط معاهدة خونكاراسكله سي القاضية بَان يكون لمراكب الروسيا حق الْمُرُور من بوغازي البوسفور والدردنيل فِي أَي وَقت شَاءَت
وَبعد مخابرات طَوِيلَة اتّفقت الدول اجْمَعْ بِمَا فِيهَا الروسيا على ان لَا يكون لاحداهن هَذَا الْحق مُطلقًا بل تبقى بوغازات الاستانة مقفلة امام جَمِيع الدول وامضيت بذلك معاهدة بتاريخ 23 جُمَادَى الاولى سنة 1257 13 يوليو سنة 1841 بَين الْبَاب العالي والنمسا وفرنسا وبريطانيا الْعُظْمَى والروسيا والبروسيا دعيت بمعاهدة البوغازات وَبِذَلِك تَسَاوَت الروسيا بباقي الدول وفقدت كل مَا اكْتَسبهُ بمساعيها السَّابِقَة وهاك صُورَة هَذِه المعاهدة
البند الاول ان جلالة السُّلْطَان يعلن عزمه وتصميمه على حفظ وَاتِّبَاع الْقَاعِدَة الْقَدِيمَة فِي الْمُسْتَقْبل الَّتِي بموجبها منعت جَمِيع مراكب الدول الاجنبية الحربية من الْمُرُور من بوغازي البوسفور والدردنيل وانه مَا دَامَ فِي حَالَة السّلم لَا يسمح لأي مركب حَرْبِيّ اجنبي بالمرور من هذَيْن البوغازين
ويعلن كل من جلالة امبراطور النمسا وَملك المجر وبوهميا وَملك الفرنساويين وملكة بريطانيا الْعُظْمَى وارلانده المتحدة وَملك البروسيا وامبراطور جَمِيع الروسيا باحترام هَذَا الْعَزْم الصَّادِر من جلالة السُّلْطَان وَاتِّبَاع الْقَاعِدَة المقررة سَابِقًا
البند الثَّانِي وَقد تقرر انه مَعَ الاقرار بِعَدَمِ جوازمس هَذِه الْقَاعِدَة المقررة قَدِيما فان السُّلْطَان يحفظ لنَفسِهِ الْحق كَمَا كَانَ لَهُ ذَلِك فِي السَّابِق فِي اصدار فرمانات بِجَوَاز مُرُور بعض السفن الحربية الْخَفِيفَة لتَكون فِي خدمَة سفارات الدول المتحابة
البند الثَّالِث وَكَذَلِكَ يحفظ جلالة السُّلْطَان لذاته الشَّرِيفَة الْحق فِي تَبْلِيغ صُورَة هَذَا الِاتِّفَاق لجَمِيع الدول الَّتِي بَينهَا وَبَين الْبَاب العالي العثماني صلَة مَوَدَّة ودعوتهم إِلَى الْقبُول باحكامه
البند الرَّابِع يصير التَّصْدِيق على هَذَا الِاتِّفَاق فِي مَدِينَة لوندره وتتبادل التصديقات عَلَيْهِ بعد شَهْرَيْن اَوْ قبل ذَلِك ان امكن
وبمقتضى ذَلِك قد امضاه مندوبو الدول الْمَذْكُورَة وبصموا عَلَيْهِ اختامهم تحريرا فِي مَدِينَة لوندره فِي 13 يوليو سنة 1841 ميلادية الامضاءآت