الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُقُوط قارص
وَفِي اواخر شهر سبتمبر سنة 1877 اتخذ الجنرال لوريس مليكوف خطة الهجوم ثَانِيًا وَلعدم ارسال جيوش جَدِيدَة إِلَى مُخْتَار باشا واستشهاد عدد كَبِير من جُنُوده فِي هَذِه الوقائع المستمرة لم يُمكنهُ مقاومة الجيوش الروسية الجديدة الَّتِي لم يضنها التَّعَب بل رَجَعَ الْقَهْقَرَى قَاصِدا مَدِينَة ارضروم فَتَبِعَهُ الْقَائِد الروسي وهزمه فِي موقع يُقَال لَهُ آلاجه طاغ ثمَّ حاصر مَدِينَة قارص ثَانِيًا وَفتحهَا عنْوَة فِي 18 نوفمبر سنة 1877 بعد ان حاول من بهَا الْخُرُوج من وسط المدافع الروسية وغنم مِنْهَا ثَلَاثمِائَة مدفع تَقْرِيبًا
اما مُخْتَار باشا بعد ان جَاءَ لمساعدة قارص وانتصر عَلَيْهِ الاعداء فِي موقعة دوة بيون فِي 4 نوفمبر عَاد إِلَى ارضروم حَيْثُ حصره الْعَدو وَمنع وُصُول المدد اليه
وبمجرد وُصُول خبر سُقُوط قارص فِي نوفمبر وبلفنه فِي 10 دسمبر ايقن الصربيون ان الْفَوْز والنجاح سيكونان فِي جَانب الروسيا وَلم يتأخروا فِي اعلان الْحَرْب على الدولة صَاحِبَة السِّيَادَة عَلَيْهِم الَّتِي لم ترتكب نحوهم اثما الا احترام دينهم ولغتهم واوصل هَذَا الاعلان إِلَى الْبَاب العالي المسيو كريستين سفير الصرب فِي الاستانة فِي 14 دسمبر سنة 1877 اعني بعد سُقُوط بلفنه باربعة ايام وسارت عساكرهم على الْفَوْر للانضمام إِلَى جيوش الروسيا الَّتِي بَعثهمْ إِلَى هَذِه الْحَرْب اذ
ان الْبُرْنُس ميلان لم يعلنها الا بعد ان تقَابل مَعَ امبراطور الروسيا وَاتفقَ مَعَه على مَا يُعْطي لَهُ بعد الْحَرْب جَزَاء خيانته
وقابل الْبَاب العالي هَذَا الْعَدو الْجَدِيد مُقَابلَة عَدو منتظر من يَوْم لآخر
وَفِي 20 دسمبر سنة 1877 ارسل الْبَاب العالي لاهالي الصرب منشورا يظْهر لَهُم فِيهِ غدر حكومتهم وخيانتها وانها تسوقهم إِلَى الدمار والبوار بِدُونِ سَبَب مُطلقًا ويخبرهم بَان جلالة السُّلْطَان متبوعه الاعظم قد امْر بعزله من منصب الامارة جَزَاء عدم محافظته على العهود بعد ان عفت عَنهُ الدولة اكثر من مرّة فَلم يعبأ الْبُرْنُس بِهَذَا الْعَزْل بل اسْتمرّ على محاربة متبوعه إِلَى ان انْتَهَت الْحَرْب وَثَبت فِي وظيفته وزيدت امتيازاته بمساعدة الدول ومنح لقب ملك كَمَا سترى وَمن جِهَة اخرى فان امارة الْجَبَل الاسود لم تتفق مَعَ الْبَاب العالي على الصُّلْح قبل اعلان الروسيا الْحَرْب كَمَا ذكرنَا وَلذَلِك اشْترك جيشها فِي الْقِتَال بكيفية كَانَت نتيجتها تَعْطِيل جُزْء لَيْسَ بِقَلِيل من عَسَاكِر الدولة فِي محاربته وَعدم امكان هَذَا الْجُزْء محاربة الروسيا فِي جِهَات البلقان وَمن ذَلِك يَتَّضِح للمطالع مَا كَانَ بَين الجيشين المتحاربين من التَّفَاوُت هَذَا تساعده رومانيا والصرب والجبل الاسود جهارا وَجَمِيع المسيحيين التَّابِعين للدولة الْعلية باوروبا سرا والدول تتمنى لَهُ النجاح والفلاح وَذَلِكَ بمفرده لَا مساعد وَلَا صديق وجيوشه اضناها التَّعَب وَالنّصب فِي محاربة الامارات والولايات المسيحية الَّتِي ثارت قبل الْحَرْب اطاعة للدسائس الخارجية وَمَعَ هَذِه المميزات فقد فازت الجيوش العثمانية اكثر من مرّة ودافعت دفاعا اضْطر الْعَدو قبل الصّديق إِلَى الاقرار بشجاعتها وَالِاعْتِرَاف بثباتها فِي وَاقعَة بلفنه وَغَيرهَا مِمَّا يعد مِنْهَا وَلَا تعد مَا يَكْفِي لقطع لِسَان كل مكابر خوان
وَلما توالت الْحَوَادِث الْمَذْكُورَة طلب الْبَاب العالي من الدول التَّوَسُّط بَينه وَبَين الروسيا لابرام الصُّلْح وحقن دِمَاء الْعباد وارسل بذلك منشورا إِلَى الدول السِّت الْعِظَام فَلم يرد لَهُ جَوَاب شاف بل كَانَت كل مِنْهَا تود انكسار الدولة تَمامًا قبل التدخل فِي الصُّلْح حَتَّى يُمكنهَا التهام قِطْعَة من املاكها نَظِير توسطها
وَبعد ذَلِك اسْتمرّ الْقِتَال فِي قلب الشتَاء بِدُونِ انْقِطَاع رغما عَن تكاثر الثَّلج وصعوبة مُرُور المدافع وبسبب سُقُوط مَدِينَة بلفنه وخلو الجيوش الروسية الَّتِي كَانَت
محاصرة لَهَا من الاشغال وجهت جَمِيع جيوشها إِلَى مَا وَرَاء جبال البلقان للاغارة على بِلَاد البلغار والرومللي الشرقية واحتلال مدائنها الحصينة بمساعدة الْجَيْش الصربي فاجتاز الجنرال جوركو جبال البلقان وَدخل مَدِينَة صوفيا عَاصِمَة البلقان فِي 4 يناير سنة 1878 ثمَّ احتل مَدِينَة فليبه فِي مسَاء 15 من هَذَا الشَّهْر واخيرا دخلت مُقَدّمَة فرقة الجنرال سكوبلف مَدِينَة ادرنة فِي 20 مِنْهُ وَمِنْهَا سَار الروس نَحْو الاستانة وتقدموا بِدُونِ ان يَجدوا مُعَارضَة تذكر إِلَى مَسَافَة خمسين كيلومترا فَقَط من عَاصِمَة الْخلَافَة الْعُظْمَى
وَفِي هَذِه الاثناء كَانَ اهالي الْجَبَل الاسود قد احتلوا مَدِينَة انتيباري ووصلوا إِلَى ضواحي اشقودره وَدخل الصربيون مَدِينَة نيش وَلذَلِك لم تَرَ الدولة الْعلية بدا من طلب الصُّلْح وَقبُول مَا يَطْلُبهُ الْعَدو لعدم قدرتها على اسْتِمْرَار الْقِتَال وتبديد جيوشها ووصول الْعَدو إِلَى ضواحي الاستانة
وَحَيْثُ قد انتهينا من ذكر الوقائع الحربية بغاية الايجاز فلنشرح الْآن مَا جرى بَين الطَّرفَيْنِ المتحاربين والدول من المخابرات السياسية تاركين شرح تفصيلات هَذِه الْحَرْب بحذافيرها إِلَى حضرات الضباط المصريين الافاضل الَّذين رافقوا المرحوم حسن باشا وحضروا اغلب وقائعها وَعَلمُوا اسباب انتصار الروس العسكرية وَغَيرهَا واننا نرجو انهم لَا يعدموننا ذَلِك وَكلهمْ من الْفُضَلَاء النبلاء الَّذين يُمكنهُم بَيَان مَا لَا يمكننا ذكره لعدم خبرتنا فِي الامور العسكرية وَيَكُونُونَ بذلك قد قَامُوا بِخِدْمَة عَظِيمَة نَحْو الْملَّة الاسلامية عُمُوما
اما مَا تحمله الْمُسلمُونَ من انواع الايذاء والتعدي من قبل البلغاريين بِمُجَرَّد سماعهم باقتراب الجيوش الروسية فمما يعجز الْقَلَم عَن وَصفه وَلذَا هَاجر اغلب الْمُسلمين إِلَى الاستانة هربا مِمَّا كَانُوا ينتظرونه وَوَقع فِيهِ فريق مِنْهُم من النهب وَالْقَتْل