الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32
-
السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْعَزِيز خَان
الْمَوْلُود فِي 14 شعْبَان سنة 1245 8 فبراير سنة 1830 وَفِي 18 ذِي الْحجَّة سنة 1277 7 يونيه سنة 1861 توجه فِي موكب حافل إِلَى ضريح سَيِّدي ابي ايوب الانصاري وَهُنَاكَ تقلد السَّيْف السلطاني على مَا جرت بِهِ الْعَادة وَمِنْه سَار لزيارة قبر السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد الثَّانِي فاتح الاستانة ثمَّ قبر وَالِده السُّلْطَان مَحْمُود الثَّانِي رحمهم الله جَمِيعًا وَكَانَت فَاتِحَة اعماله انه اقر الوزراء فِي مراكزهم مَا عدا نَاظر الجهادية رضَا باشا فانه ابدل بنامق باشا وهاك تَرْجَمَة امْر بَقَاء الوزراء المؤرخ 23 ذِي الْحجَّة سنة 1277 2 يوليو سنة 1861 نقلا عَن منتخبات الجوائب جَرِيدَة شبه رسمية
وزيري سمير الْمَعَالِي مُحَمَّد امين عالي باشا
قد صَار هَذ الْمرة بالارادة الأزلية جناب مَالك الْملك جلوسنا على تخت اجدادنا الْعِظَام الْمُؤَيد بالسعادة وَالْبخْت ولكو درايتك وصداقتك من المجرب ابقي خطب الصدارة الجسيم فِي عُهْدَة رويتك وَكَذَا سَائِر الوكلاء والمأمورين مقررين على مناصبهم ثمَّ اني باكمال سَعَادَة الْحَال بمنة تَعَالَى لدولتنا الْعلية واستحصال رفاهية الْحَال والراحة لاتباع سلطتنا السّنيَّة اجمالا بِلَا اسْتثِْنَاء وبحصول هَذِه الامنية الْخَيْرِيَّة وبكون القوانين الاساسية العدلية المؤسسة على تَأْمِين النَّفس وَالْعرض وَالْمَال لجَمِيع سكان الممالك المحروسة مُؤَكدَة ومؤيدة من طرفنا اعلن مَا ذكر للْجَمِيع وَمن حَيْثُ ان الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة الَّتِي هِيَ عَدَالَة مَحْضَة مدَار لتأييد السلطانة السّنيَّة اَوْ اساس
لشوكتها حَالَة كَون احكامها المنيفة لجميعنا دَلِيلا على طَرِيق السَّلامَة كَانَت الدقة الزَّائِدَة فِي الامور الشَّرْعِيَّة مَطْلُوبا لنا قطعا وَلما كَانَ الْبَاعِث لبَقَاء كل دولة ولتزايد شوكتها وراحتها كَون رعيتها مطاوعة للقوانين الْمَوْضُوعَة وان لَا يتَجَاوَز الصغار والكبار مِنْهَا دَائِرَة وظيفتها وحقها كَانَ محققا لدينا ان الَّذين يسلكون فِي هَذَا الطَّرِيق يكونُونَ مظْهرا للمكافأة كَمَا ان الَّذين يوجدون فِي حركات مُخَالفَة تحيق بهم المجازاة وَبِنَاء على هَذَا كَون الداعين والعباد والمأمورين جَمِيعًا فِي دولتنا الْعلية ان يستقيموا فِي خدمتهم ويوفوا وظائف ماموريتهم بالصداقة هُوَ من جملَة اوامرنا الْمُؤَكّدَة السُّلْطَانِيَّة وَمن الْمُسلم كَون الْمصَالح الْعَظِيمَة الدولية قرينا لحسن النتيجة بِتَوْفِيق حَضْرَة موفق الامور وباقدام اركان الدولة واتفاقهم وان ايصال الامور لدولتنا الْعلية مَدَنِيَّة كَانَت اَوْ مَالِيَّة إِلَى دَرَجَة الانتظام والمضبوطية انما هُوَ بِكَمَال التشبث بِهَذِهِ الْقَاعِدَة الْمسلمَة يَعْنِي كَونه مَنُوطًا بالاهتمام والغيرة من طرف الْجَمِيع على وَجه الاسْتقَامَة والخلوص وَمن طرفنا نَحن ايضا مَنُوط بالهمة والنظارة على أَي وَجه كَانَ وبالاتباع التَّام من جَانب كل دَائِرَة وادارة لَهما الْمَخْصُوصَة السُّلْطَانِيَّة الَّتِي تصرف فِي حق اندفاع المشكلات الْمَالِيَّة عَن قريب بعون الله تَعَالَى وَهِي الَّتِي عرضت مُنْذُ مُدَّة ناشئة عَن اسباب مُخْتَلفَة وَكَذَا يعلم بانه لم يكن لذاتنا فكر وامل سوى اعادة شَأْن دولتنا وَزِيَادَة اعْتِبَارهَا المالي ورفاهية اتباعنا الْغَرَض المتعاقب من خُصُوص المتصرفات الْكَامِلَة فِي استحصال اموال الدولة وصرفها والاصلاحات الْمُوجبَة لوقايتها من التّلف والسرف عَبَثا والدقة فِي مُحَافظَة عساكرنا الْبَريَّة والبحرية الَّتِي هِيَ احدى اسباب الشَّوْكَة لدولتنا الْعلية واستكمال رفاهيتهم فِي كل حَال وَمحل وَصرف المجهود وقتا فوقتا فِي تَأْكِيد المناسبات والموالاة معالدولة الاجنبية الَّذين هم محبو سلطتنا السّنيَّة وَكَذَا الرِّعَايَة لاحكام المعاهدات المنعقدة مستمرة وَالْحَاصِل ان علم الْجَمِيع بَان وظائف الاسْتقَامَة والعفة والصداقة والغيرة هِيَ اساس الْعَمَل والباعث للفلاح والسلامة فِي ادارة الدولة فِي كل جِهَة وَفرع لَهَا كل ذَلِك من ارادتنا القطعية واني اعلن ايضا حَيْثُ كَانَ مرادي السلطاني لَا يقبل الِاسْتِثْنَاء كَانَ الَّذين هم من الاديان والاجيال الْمُخْتَلفَة يرَوْنَ عُمُوما من طرفنا الهمايوني دقة مُتَسَاوِيَة فِي الْعَدَالَة والتأمين والهمة وَحسن الْحَال واكرر ان التَّوَسُّع التدريجي الَّذِي هُوَ ترقيات صَحِيحَة توجب غِبْطَة
حَال الْجَمِيع فِي ظلّ سلطتنا لاسباب الثروة واليسار الْعَظِيمَة الَّتِي انْعمْ الله بهَا على ملكنا وَكَذَا قَضِيَّة الِاسْتِقْلَال المهمة لدولتنا الْعلية من اعز الافكار عندنَا وفقنا جَمِيعًا الْفَيَّاض الْمُطلق بِحرْمَة حَبِيبه الاكرم آمين فِي 23 ذِي الْحجَّة سنة 1277 اهـ
وَيُؤْخَذ من نَص هَذَا الامر ان السُّلْطَان رحمه الله كَانَ يود السّير على خطة اسلافه من اصلاح الاحوال ومعاملة جَمِيع الرعايا على السوَاء بِدُونِ نظر لجنسهم اَوْ دينهم حَتَّى لَا يكون لدول اوروبا سَبِيل للتدخل فِي شؤون الدولة بِحجَّة طلب هَذِه الْمُسَاوَاة ثمَّ انشأ نشان شرف جَدِيد لمكافأة من يقوم بِخِدْمَة الدولة وَالْملَّة وَالدّين بِكُل صداقة وامانة وَدعَاهُ بالعثماني نِسْبَة إِلَى السُّلْطَان الْغَازِي عُثْمَان الاول رَأس هَذِه الدولة المحروسة الملحوظة بالعناية الربانية يحيطها سياج التعطفات الالهية حَتَّى ان تَأَلُّبُ جَمِيع الدول المسيحية عَلَيْهَا لم يزدها الا رسوخا وثباتا وَقد اراحها هَذَا التدخل نوعا مَا بفصل بعض العناصر الْمُغَايرَة للعنصر الاسلامي فِي الْجِنْس وَالدّين عَنْهَا فانها كَانَت اهم الشواغل للدولة مَعَ عدم وُصُول أَي فَائِدَة مِنْهَا اليها
ولنذكر هُنَا قبل تَفْصِيل مَا حصل بالدولة من الاصلاحات تَحت رِعَايَة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز مَا جرى من المناقشات وَدَار من المخابرات بَين الْبَاب العالي والدول بشأن امارات الْجَبَل الاسود والصرب والافلاق والبغدان فَنَقُول
الْجَبَل الاسود انه لما تجزأت مملكة الصرب الاصلية عقب موت الْملك دوشان وَقتل وَلَده اوروك اسْتَقل اُحْدُ اشراف الصرب بِبِلَاد الْجَبَل الاسود وَاسْمهَا تشيرنا جوره وجزء عَظِيم من بِلَاد الصرب وَجعل مقرّ حكومته مَدِينَة اشقودرة ثمَّ لما فتحهَا العثمانيون وطردوه مِنْهَا تحصن بِالْجَبَلِ وَبِه امكنه صد هجمات العثمانيين عَنهُ لوعورة المسالك وصعوبة المفاوز وَبِذَلِك لم يَتَيَسَّر للدولة ضم هَذَا الاقليم بِنَوْع قَطْعِيّ مُطلقًا
وَفِي سنة 1499 انْتَقَلت حُكُومَة الْجَبَل إِلَى ايدي رَئِيس الاساقفة وانحصرت السلطة الدِّينِيَّة والملكية فِي شخص وَاحِد وابتدأت العلاقات بَينه وَبَين الروسيا لِاتِّحَاد الدّين وَالْمذهب وَبِحسن سياسة الامبراطور بطرس الاكبر صَارَت هَذِه العلاقات الحبية شَبيهَة بتابعية سياسية اذ صَار يتظلم اليه الاهالي لَو اعْتدى عَلَيْهِم حاكمهم اَوْ مسهم بِسوء
وَنَفس رَئِيس الاساقفة كَانَ يتَوَجَّه عِنْد تنصيبه إِلَى مَدِينَة سان بطرسبورج ليثبته القيصر فِي وظيفته الدِّينِيَّة بِصفة رَئِيس ديني لجَمِيع الاورثوذكس
وَلما تعين الْبُرْنُس دانيلو اَوْ دانيال حَاكما لهَذَا الْجَبَل فصل السلطة الملكية عَن الدِّينِيَّة مَعَ بَقَاء وَظِيفَة رَئِيس الاساقفة فِي العائلة الاميرية وَمن بعْدهَا فِي اقدم العائلات الشَّرِيفَة ولتجرد دانيلو عَن الصّفة الدِّينِيَّة تقرب من النمسا جارته لتساعده على حفظ استقلاله بِمَا ان الدولة الْعلية ارادت اتِّخَاذ هَذَا التَّغْيِير فِي حُكُومَة الْبِلَاد سَببا للتدخل فِيهَا وَتَقْرِير سيادتها عَلَيْهَا وارسلت الْقَائِد الشهير عمر باشا لمحاربة دانيلو سنة 1853 قبل ان يشْتَغل بمحاربة الروسيا وَلَوْلَا توَسط النمسا والروسيا لاحتل عمر باشا جَمِيع بِلَاده لَكِن ظروف الاحوال اضطرت الْبَاب العالي لايقافه قبل تتميم ماموريته اتبَاعا لمشورة اوروبا
وَلما انْعَقَد مؤتمر باريس بعد انْتِهَاء حَرْب القرم كَمَا مر طلب الامير دانيلو من مندوبي الدول الِاعْتِرَاف باستقلاله فَلم يحز طلبه قبولا لديهم بل نصحوا لَهُ بالانقياد للدولة وَهِي فِي مُقَابلَة ذَلِك تعطيه جزأ قَلِيلا من بِلَاد الهرسك لتوسيع حُدُوده وتمنحه رُتْبَة مشير وترتب لَهُ مُرَتبا ماليا على سَبِيل المساعدة فحنق لعدم نوال استقلاله لكنه الْتزم بالانصياع لنصائح اوروبا خوفًا من عدم مساعدتها لَهُ لَو حاربته الدولة
وَفِي سنة 1858 حصلت عدَّة وقائع حربية بَين اهالي الْجَبَل وعساكر الدولة بِسَبَب عدم الِاتِّفَاق على الْحُدُود فتدخلت الدول ومنعت الْحَرْب وعينت لجنة من مندوبيها ومندوب من طرف الدولة وَآخر من حُكُومَة الْجَبَل لفصل الْحُدُود ففصلتها ثمَّ قتل الْبُرْنُس دانيلو فِي 25 محرم سنة 1277 13 اغسطس سنة 1860 عَن بنت واخ فاستلم زِمَام الاحكام الْبُرْنُس نيقولا ابْن اخيه ميركو ولمناسبة حُصُول بعض حركات ثورية فِي بِلَاد الهرسك ثار لمساعدتهم كثير من اهالي الْجَبَل بايعاز من الْبُرْنُس ميركو فسحقهم عمر باشا الَّذِي ارسله الْبَاب العالي لاخماد ثورة الهرسك ثمَّ حاصر امارة الْجَبَل من جَمِيع جهاتها وامر الْبُرْنُس نيقولا ان يحل الجيوش الَّتِي جمعهَا على الْحُدُود والايضطر هُوَ لتفريقها وَلما لم يصغ الامير لهَذَا الْبَلَاغ اغار عمر باشا على بِلَاد الْجَبَل من ثَلَاث جِهَات فِي آن وَاحِد وَجعل الثَّلَاث فرق تَحت قيادة عَبده باشا ودرويش باشا وحسين عوني باشا
وبهذه المناورة العسكرية المهمة الْتَقت الجيوش الثَّلَاثَة فِي قلب الْجَبَل بعد ان هزمت وَفرقت كل مَا وقف فِي طريقها وَلم يكن بذلك للبرنس نيقولا بُد من امضاء الشُّرُوط الَّتِي عرضت عَلَيْهِ من قبل عمر باشا للتوقيع عَلَيْهَا فامضاها رغم انفه فِي 4 ربيع الاول سنة 1279 30 اغسطس سنة 1862
وَمن اهم مَا جَاءَ بهَا ان لَا يُقيم ميركو وَالِد الْبُرْنُس نيقولا فِي بِلَاد الْجَبَل مُطلقًا وان تبني الدولة حصونا وقلاعا على الطَّرِيق الموصلة بَين مَدِينَة اشقودره وبلاد الهرسك مارة بِبِلَاد الْجَبَل وبدأت الْجنُود العثمانية على الْفَوْر فِي بِنَاء حصن دَاخل بِلَاد الْجَبَل على هَذَا الطَّرِيق الامر الَّذِي لم يسْبق لَهَا اصلا فِي هَذِه الْبِلَاد
لَكِن تعرضت الدول لنفاذ هَذِه المعاهدة بِحجَّة انها مجحفة بِحُقُوق امة مسيحية وَطلبت من الْبَاب العالي بِكُل الحاح خُصُوصا فرنسا والروسيا عدم ابعاد الْبُرْنُس ميركو عَن بِلَاده فتساهل شَفَقَة مِنْهُ لكنه صمم على بِنَاء الْحُصُون بِالصّفةِ المشروحة وَمَعَ ذَلِك فخوفا من تدخل الدول بِالْقُوَّةِ كَمَا حصل فِي بِلَاد الشَّام اعلن الْبَاب العالي الامير فِي 23 رَمَضَان سنة 1280 2 مارس سنة 1864 انه يتنازل عَن بِنَاء القلاع بارضه مؤقتا إِذا تعهد الامير بِحِفْظ هَذِه الطَّرِيق والتعويض ماليا عَمَّا يسلب من اموال التُّجَّار
العثمانيين فاجاب الامير نيقولا هَذَا الطّلب منشرحا بِمَا ان وجود الجيوش العثمانية فِي وسط بِلَاده يضعف استقلالها وَيُمِيت همتهم وشجاعتهم
وَلم يهدم العثمانيون القلعة الَّتِي اقيمت فِي وسط بِلَاد الْجَبَل الا فِي محرم سنة 1281 يونيو سنة 1864 بعد ان اقاموا على الْحُدُود قلعة منيعة على قمة عالية تصل مقذوفات مدافعها إِلَى ابعاد شاسعة من بِلَاد الْجَبَل وَبِذَلِك انْتَهَت هَذِه الحروب وهدأت بِلَاد الهرسك ايضا
بِلَاد الصرب انه بِمُقْتَضى المعاهدات السَّابِقَة ومعاهدة باريس الاخيرة المؤرخة 30 مارس سنة 1856 تكون جَمِيع بِلَاد الصرب مُسْتَقلَّة تَحت سيادة الْبَاب العالي وَيكون للدولة حق فِي وضع حامية فِي سِتّ قلاع بِمَا فِيهَا قلعة مَدِينَة بلغراد عَاصِمَة الصرب وَاشْترط فِيمَا بعد ان لَا يسكن الْمُسلمُونَ خَارِجا عَن هَذِه الْحُصُون انْظُر لهَذَا التعصب
لَكِن لم تتبع هَذِه النُّصُوص تَمامًا بل اقام كثير من الْمُسلمين بَين منَازِل المسيحيين
ووزع الباشا الْقَائِد للحامية عدَّة قره قولات فِي الْمَدِينَة لحمايتهم وَلما حصلت ثورة الهرسك سنة 1861 ومابعدها وتبعها حَرْب الْجَبَل الاسود خشِي الْبَاب العالي من مساعدة الصربيين للثائرين فَجمع على الْحُدُود عددا عَظِيما من جيوش الباشيبوزوق وَلعدم انتظام هَؤُلَاءِ الْجنُود حصلت عدَّة مشاجرات بَينهم وَبَين اهالي الصرب سَالَتْ فِيهَا الدِّمَاء وَلما وصل خبر هَذِه المناوشات إِلَى بلغراد تذمر الاهالي واظهروا الْعَدَاوَة للعثمانيين وَحدث فِي غُضُون ذَلِك ان تعدى اُحْدُ الاهالي فِي 12 الْحجَّة سنة 1278 10 يونيو سنة 1862 على جندي عثماني فَقتله الجندي وتعصب كل فريق لَاحَدَّ الْفَرِيقَيْنِ وحصلت مقتلة كَادَت تعم الْبَلَد فَتدخل الْقَائِد العثماني بجُنُوده وَبعد ان احتمى جَمِيع الْمُسلمين الساكنين بَين النَّصَارَى فِي القلعة مَعَ نِسَائِهِم واطفالهم سلط الباشا مدافع القلعة على الْمَدِينَة واطلقها عَلَيْهَا مُدَّة ارْبَعْ سَاعَات مُتَوَالِيَات ثمَّ تدخل القناصل بَين الْفَرِيقَيْنِ فابطلوا اطلاق القنابل وَقبل الباشا اخلاء قره قولات الْمَدِينَة واقتصار الْمُسلمين على السكن دَاخل حُدُود القلعة وَبعد هَذِه الْحَادِثَة ارسل الْبُرْنُس ميشيل خطابا بتاريخ 11 محرم سنة 1279 9 يوليو سنة 1862 إِلَى اللورد رسل نَاظر خارجية انكلترا يطْلب مِنْهُ التَّوَسُّط لَدَى الْبَاب العالي لحسم هَذِه النَّازِلَة فاجابه اللورد بِمَا يُؤْخَذ مِنْهُ عدم تعضيد الْحُكُومَة الانكليزية لَهُ فِي طلباته وانها تنصح لَهُ بالانصياع لاوامر الدولة صَاحِبَة السِّيَادَة
ثمَّ بِنَاء على الحاح فرنسا والروسيا انْعَقَد بالاستانة مؤتمر من مندوبي الدول الموقعة على معاهدة باريس وَبعد مناقشات طَوِيلَة طلب فِي خلالها مَنْدُوب فرنسا انجلاء العثمانيين من قلعة بلغراد بِدُونِ ان يعضده بَاقِي المندوبين تقرر بالاغلبية اخلاء قلعتين من الْجنُود العثمانية وبقائها فِي ارْبَعْ قلاع فَقَط وَهِي بلغراد وسمندريه وَفتح
اسلام وشباتس وان لَا يتداخل القواد العثمانيون فِي ادارة الْبِلَاد الداخلية مُطلقًا وان يلْزم الْمُسلمُونَ القاطنون خَارج القلاع الاربع الْمَذْكُورَة بِبيع ممتلكاتهم والمهاجرة عَن الْبِلَاد اَوْ الاقامة فِي حُدُود الْحُصُون وعَلى حُكُومَة الصرب ان تدفع لَهُم تعويضات عَن ذَلِك وامضى بذلك اتِّفَاق بتاريخ 11 ربيع اول سنة 1279 6 سبتمبر سنة 1862 ابلغ إِلَى الصرب فِي دسمبر من السّنة الْمَذْكُورَة وغني عَن الْبَيَان ان تحظير الاقامة فِي الصرب على الْمُسلمين من اقبح ضروب التعصب الَّتِي يرمينا بهَا الاوروبيون وَلَكِن سيحفظ التَّارِيخ هَذِه الْحَوَادِث الدَّالَّة على براءتنا مِنْهُ واتصافهم بِهِ دون غَيرهم
ولايتي الافلاق والبغدان ذكرنَا ان هَاتين الولايتين انتخبتا الْبُرْنُس كوزا اميرا عَلَيْهِمَا خلافًا لشروط معاهدة باريس وَا الْبَاب العالي تساهل فِي الِاعْتِرَاف بِهَذَا الانتخاب بِنَوْع الِاسْتِثْنَاء بِشَرْط انه بعد هَذَا الْبُرْنُس تعود الامور إِلَى ماجاء بمعاهدة باريس ونقول الْآن كوزا تسمى بعد ذَلِك بالبرنس جَان السكندر الاول وَفِي اواخر سنة 1861 صدر فرمان يُجِيز لَهُ تَوْحِيد ادارة الامارتين ايضا وَبِأَن يكون لَهما مجْلِس نواب وَاحِد ووزارة وَاحِدَة ثمَّ سعى هَذَا الامير فِي اصلاح الشؤون الداخلية وحول انظاره إِلَى مَسْأَلَة الاوقاف المخصصة للاديرة وَالْكَنَائِس وَبَعض الاديرة الْخَارِجَة عَن الْبِلَاد مثل دير جبل طورسينا وديراثوس بِبِلَاد التّرْك والاماكن المقدسة بِمَدِينَة اورشليم فَإِن هَذِه الاملاك بلغت نَحْو جُزْء من ثَمَانِيَة من مَجْمُوع اطيان الْبِلَاد وايرادها يذهب خَارِجهَا إِلَى بطريرق الاستانة ليوزع على هَذِه الاديرة فَقَالَ
الْبُرْنُس بِضَم جَمِيع هَذِه الاوقاف إِلَى جَانب الْحُكُومَة وَهِي تقوم بِدفع مبلغ معِين لنفقات الْكَنَائِس الداخلية والاعمال الْخَيْرِيَّة الاهلية فَقَط وَلَا تدفع شَيْئا للاديرة الخارجية وعضده مجْلِس النواب وَعُمُوم الاهالي فِي هَذَا الْمَشْرُوع لَكِن عَارضه فِيهِ بطريرق الاستانة وَجَمِيع الرهبان وتداخلت الدول وَالْبَاب العالي فعضده فريق وعارضه اخر واخيرا لما رأى الامير ان الاقدام اضمن لنجاح مشروعه اصدر امرا ساميا فِي سنة 1863 بمصادرة املاك الاوقاف باجمعها وخوفا من اعْتِرَاض الْبَاب العالي عرض عَلَيْهِ فِي 30 ربيع الاول سنة 1280 14 سبتمبر سنة 1863 دفع مبلغ اربعة وَثَمَانِينَ مليون قِرْش إِلَى بطريرق الاستانة تكون فَائِدَته السنوية بِمَثَابَة تعويض عَمَّا كَانَ يخص الاديرة الخارجية من ايراد الاوقاف بِشَرْط ان هاته الاديرة تقدم حسابا عَن الاوجه الَّتِي صرفت فِيهَا هَذِه الْفَائِدَة وان تخصص حُكُومَة رومانيا مبلغ عشرَة ملايين قِرْش يبْنى بهَا فِي الاستانة مستشفى ومدرسة لجَمِيع المسيحيين ايا كَانَ مَذْهَبهم فَلم يقبل البطريق ذَلِك وَبعد مداولات طَوِيلَة وتبادل مخاطبات سياسية كَثِيرَة اقترح الْبَاب العالي على حُكُومَة رومانيا ان تبلغ التعويض إِلَى مائَة وَخمسين مليون قِرْش فَقبلت لَكِن اصر القسوس على ابائهم وَلم يعبأ الامير بِهَذَا الاباء بل جد فِي طَرِيق الاصلاح وَعرض على مجْلِس الامة امْر مصادرة الاوقاف فَصدق عَلَيْهِ فِي 12 ربيع الثَّانِي سنة 1280 26 دسمبر 1863 ثمَّ فِي 17 الْحجَّة سنة 1280 24 مايو سنة 1864 قرر هَذَا الْمجْلس ان يكون تعْيين القسوس على اخْتِلَاف درجاتهم بِمَعْرِِفَة حُكُومَة الامارة وشكل لمعاقبتهم لَو وَقعت مِنْهُم امور مُغَايرَة للقوانين الدِّينِيَّة مَجْلِسا دينيا سينود واناط محاكمتهم فِي الامور الدُّنْيَوِيَّة بِمَجْلِس التَّمْيِيز الاعلى
وَبِذَلِك اسْتَقل الاكليروس فِي رومانيا اسْتِقْلَالا تَاما وَلم يبْق لبطريرق الاستانة اقل سيطرة عَلَيْهِ وايد الْبَاب العالي هَذِه التغييرات واعترف ضمنا بِأَن لحكومة رومانيا الْحق فِي تَغْيِير نظاماتها وقوانينها الداخلية بِدُونِ استشارة الْبَاب مسبقا واعتمادا على ذَلِك ادخل الْبُرْنُس عدَّة اصلاحات مهمة تباعا فحور قانون الانتخابات بكيفية خولت حق الانتخاب لكثير من الاهالي لم يكن هَذَا الْحق ممنوحا لَهُم من قبل وَجعل
التَّعْلِيم اجباريا وَفتح عدَّة مدارس عالية مَدَنِيَّة وعسكرية ومستشفيات واصدر قانونا بِجعْل قيد المواليد والوفيات وعقود الانكحة مُخْتَصًّا بالمأمورين الملكيين بعد ان كَانَ تَابعا للكنائس لَكِن لعدم توفر الثروة فِي الْبِلَاد وَكَثْرَة الضرائب تذمر عَلَيْهِ الاهالي فَاسْتعْمل الشدَّة فِي معاقبة كل من اظهر عدم الرِّضَا من اعماله حَتَّى كثرت الشكوى مِنْهُ وَكتب اليه الصَّدْر الاعظم فؤاد باشا بتدخل الدولة لرفع الْمَظَالِم عَن الاهالي لَو اسْتمرّ الْحَال على هَذَا المنوال
وَلما زَاد فِي طغيانه وَصَارَ يصدر الاوامر الْعَالِيَة واللوائح بِدُونِ عرضهَا على مجْلِس النواب تآمر عَلَيْهِ عدَّة من الاعيان تَحت رئاسة المسيو روزتي مدير جَرِيدَة رومانول وحصروه فِي قصره فِي مسَاء يَوْم 6 شَوَّال سنة 1282 22 فبراير سنة 1866 والزموه الاستقالة فَقدم استعفاءه ثمَّ اجْتمع بباريس فِي 22 شَوَّال الْمُوَافق 10 مارس مندوبون من الدول المصادقة على عُهْدَة سنة 1856 للنَّظَر فِي كَيْفيَّة انتخاب خلف للامير جَان اسكندر الاول فاجمعوا الا الروسيا على وجوب تَوْحِيد حُكُومَة الولايتين خلافًا لما جَاءَ فِي المعاهدة الْمَذْكُورَة بِشَرْط ان لَا يكون الامير عَلَيْهَا اجنبيا بل من اشرف ابناء الْبِلَاد لَكِن لم يذعن اهالي رومانيا لهَذَا الْقَرار بل انتخبوا فِي 3 الْحجَّة 20 ابريل الْبُرْنُس شارل دي هوهنزولرن من عائلة بروسيا الملوكية اميرا لَهُم وَهُوَ ملك هَذِه الْبِلَاد الْآن واعطى لَهُ لقب ملك بعد حَرْب الروسيا الاخيرة كَمَا سَيَجِيءُ
اما السَّبَب فِي تشبث الدول فِي تَقْوِيَة هَذِه الامارة وسعي الروسيا فِي عدم ضم الولايتين المكونتين لَهَا إِلَى بعضهما ان الدول ترى هَذَا الرَّأْي لتَكون امارة رومانيا بِمَثَابَة حاجز حُصَيْن ضد تقدم الروسيا نَحْو الاستانة خُصُوصا وان اهالي رومانيا لم يَكُونُوا من العنصر السلافي الروسي فيصعب على الروسيا استمالتهم إِلَى سياستها لتمسكهم بجنسيتهم وخوفهم من تغلب الْجِنْس الصقالبي السلاقي عَلَيْهِم وَهَذَا السَّبَب عينه كَانَ الْبَاعِث لدول اوروبا على تشكيل امارة البلغار لتَكون حاجزا ثَانِيًا بعد رومانيا وعَلى مساعدة البلغار ضد الروسيا فِي هَذ السنين الاخيرة