الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رُبمَا كَانَ ذَلِك باتفاقهم
وَفِي السَّاعَة الثَّالِثَة صباحا ذهب السُّلْطَان مُرَاد فِي عربة بَين صُفُوف الاهالي إِلَى سراي بشكطاش حَيْثُ استمرت الْمُبَايعَة ثَلَاثَة ايام مُتَوَالِيَة
وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز
وَلَقَد اخْتلفت الاقوال فِي كَيْفيَّة موت هَذَا السُّلْطَان وَكَثُرت الرِّوَايَات عَن ذَلِك فَمن قَائِل انه قتل نَفسه لعدم انتظام قواه الْعَقْلِيَّة بعد خلعه وَمن قَائِل ان الَّذين تَآمَرُوا على خلعه ارتكبوا هَذَا الامر الفظيع فَقَتَلُوهُ خيفة ان يسْعَى فِي الرُّجُوع إِلَى منصة الاحكام اما الْحَقِيقَة فمغمضة نَتْرُك كشف الستار عَنْهَا لمن يَأْتِي بَعدنَا ونكتفي بِذكر الرِّوَايَة الَّتِي تناقلتها الالسن والجرائد فِي ذَلِك الْحِين
وَذَلِكَ انه شاع اَوْ اشاع ارباب الغايات ان قد اصابته رحمه الله امراض دماغية يَوْم خلعه فاضطربت احواله وَكَانَ يتخيل ان البواخر الراسية فِي البوغاز تطلق النَّار على الْعَدو فزاده ذَلِك قلقا وَلم يسْتَطع الرقاد فِي لَيْلَة الاحد التالية لعزله فَلَمَّا اصبح الصَّباح ذهب إِلَى الْحمام كعادته ثمَّ إِلَى الْبُسْتَان ثمَّ رَجَعَ إِلَى حجرته وَصَارَ يَأْمر بِفَتْح الشبابيك والابواب ثمَّ يخرج إِلَى الْبُسْتَان وَيعود ثمَّ يخرج ثَانِيًا كَأَن الدُّنْيَا ضَاقَتْ امامه برحبها ثمَّ حاول الْخُرُوج إِلَى شاطئ الْبَحْر فَرَآهُ الضَّابِط الَّذِي كَانَ يحرس الْبَاب فَقَالَ لَهُ بلطف لَا اذن بِالْخرُوجِ ياسيدي فهدده بغدارة كَانَت فِي يَده ثمَّ دخل وَيُقَال ان هَذِه الْحَادِثَة كَانَت سَببا فِي ازدياد اعراض الْخلَل وَاسْتشْهدَ اصحاب هَذَا الرَّأْي بِبَعْض خُدَّامه وحجابه فَقَالُوا انه رحمه الله كَانَ يتَوَهَّم ان عدوا هاجم عَلَيْهِ وانه يجب على العساكر ان تمانعه وتطارده وعَلى البواخر ان توجه نيرانها على هَذَا الْعَدو المفاجئ
واخيرا طلب من احدى الْجَوَارِي مقصا ومرآة ليقص اطراف لحيته كَمَا كَانَت عَادَته فاحضرتهما لَهُ من والدته وانصرفت ثمَّ رأى والدته تنظره من وَرَاء فَغَضب وامرها بالانصراف وَبعد ذَلِك حضر اُحْدُ اعوانه فَأخذ يحادثه فِي مَسْأَلَة مهاجمة الْعَدو الَّتِي كَانَ يتخيلها وَفِي اثناء الحَدِيث اخذ المقص وَقطع بِهِ عرقا من ذراعه الايمن فحاول العون مَنعه وَلما لم يتَمَكَّن ذهب وَاخْبَرْ والدته وَلما خرج العون قفل السُّلْطَان الشبابيك والابواب وَقطع عرق ذراعه الايسر واضطجع
على متكأ حَتَّى تصفى دَمه وَلما شاع هَذَا الْخَبَر وَعلا صريخ الْجَوَارِي اتى الوزراء وَبعد ان شاهدوا الْحَالة استدعوا لجنة طبية من مشاهير الاطباء وَمن ضمنهم اطباء سفراء الدول وَبعد الْكَشْف عَلَيْهِ طبع الْكَشْف ووزع على الْعُمُوم وَنشر فِي الجرائد ليعلم النَّاس كَيْفيَّة مَوته
وَفِي السَّاعَة الْخَامِسَة عَرَبيا نقلت جثته إِلَى سراي طوبقبو وَكَانَ رحمه الله قد نقل مِنْهَا إِلَى سرَايَة اخرى فِي يَوْم السبت السَّابِق لوفاته بِنَاء على طلبه وَهُنَاكَ غسلت وجهزت
وَفِي السَّاعَة الْعَاشِرَة شيعت جنَازَته وَدفن بجوار ابيه السُّلْطَان مَحْمُود رحمهمَا الله
وَمِمَّا يُوجد شكا فِي انه قتل نَفسه بِسَبَب اختلال قواه الْعَقْلِيَّة مَا كتبه للسُّلْطَان مُرَاد قبل وَفَاته بِيَوْم وَاحِد يطْلب مِنْهُ الِانْتِقَال من طوبقبو فانه لَا يُؤْخَذ من عِبَارَته ان بِهِ اقل اضْطِرَاب عَقْلِي واليك صُورَة هَذِه الْكِتَابَة نقلا عَن منتخبات الجوائب
بعد اتكالي على الله تَعَالَى وجهت اتكالي عَلَيْك فاهنئك بجلوسك على تخت السلطنة وابين لَك مَا بِي من الاسف على اني لم اقدر على ان اخدم الامة حسب مرادها فأؤمل انك انت تبلغ هَذِه الارب وانك لَا تنسى اني تشبثت بالوسائل الفعالة لصيانة المملكة وَحفظ شرفها واوصيك بَان تتذكر ان من صيرني إِلَى هَذِه الْحَالة هم العساكر الَّذين سلحتهم انا بيَدي وَحَيْثُ كَانَ من دأبي دَائِما الرِّفْق بالمظلومين وشملهم بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي تَقْتَضِيه الانسانية ارغب اليك ان تنقذني من هَذَا الْمَكَان الضّيق الْمَعْنى بتَشْديد النُّون الَّذِي صرت اليه وَتعين لي محلا اكثر ملاءمة لي واهنئك بِأَن الْملك انْتقل إِلَى ذُرِّيَّة اخي عبد الْمجِيد خَان الامضاء عبد الْعَزِيز
وَمن جِهَة اخرى فَإِن استدعاء الوزراء لاطباء القناصل يدل ايضا انهم كَانُوا معتقدين ان الامة تصدق قَوْلهم بانه قتل نَفسه فعمدوا إِلَى تَقْوِيَة قَوْلهم بِهَذَا الْكَشْف الطبي الْموقع عَلَيْهِ اطباء السفارات مِمَّا يعْتَبر اقرارا من الدول وَتَصْدِيقًا لروايتهم وَمَعَ ذَلِك فَلَا يُمكن الْجَزْم الْآن بانه قتل شَهِيد الدسائس اَوْ انتحر تخلصا من الْحَيَاة بعد خلعه لعدم وجود الادلة الكافية على الْقطع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى الْيَوْم