الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3
-
السُّلْطَان الْغَازِي
مُرَاد خَان الاول
وواقعة قوص اوه
وَفِي سنة 761 هـ سنة 1360 انْتقل إِلَى الدَّار الْآخِرَة السُّلْطَان اورخان الْغَازِي وسنه 81 سنة وَمُدَّة حكمه 35 سنة بعد ان ايد الدولة بفتوحاته الجديدة وتنظيماته العديدة وترتيباته المفيدة وَدفن فِي مَدِينَة بورصة حَيْثُ دفن مُلُوك آل عُثْمَان السِّتَّة الاول وَتَوَلَّى بعده ابْنه السُّلْطَان مُرَاد الاول الْمَوْلُود سنة 726 هـ = 1326 م وَكَانَت فَاتِحَة اعماله احتلال مَدِينَة انقرة مقرّ سلطنة القرمان وَذَلِكَ ان سُلْطَان هَذَا الاقليم واسْمه عَلَاء الدّين اراد انتهاز فرْصَة انْتِقَال الْملك من السُّلْطَان اورخان إِلَى ابْنه السُّلْطَان مُرَاد لاثارة حمية الامراء المستقلين وتحريضهم على قتال العثمانيين ليدكوا صروح مجدهم ويقوضوا اركان ملكهم الْآخِذ فِي الامتداد يَوْمًا فيوما فَكَانَت عَاقِبَة دسائسه ان فقد اهم مدائنه وَبعد ضياعها ابرم الصُّلْح مَعَ السُّلْطَان مُرَاد ليحفظ مَا بَقِي لَهُ من الاملاك وزوجه ابْنَته لتمكين عرى الِاتِّحَاد بَينهمَا اما فِي اوروبا فَفتح البكلر بك لالة شاهين مَدِينَة ادرنه فِي سنة 1361 م سلمهَا قائدها الرُّومِي بعد قتال قَلِيل لما دَاخله من الْيَأْس من استخلاصها ولاهمية موقعها الجغرافي ووجودها على ملتقى ثَلَاثَة انهر نقل اليها السُّلْطَان تَحت المملكة
العثمانية واستمرت عَاصِمَة لَهَا إِلَى ان فتحت مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة سنة 1453 م وَفتح ايضا مَدِينَة فيلبه عَاصِمَة الرومللي الشرقية وَفتح القاضد افرينوس بك مدينتي وردار وكلجمينا باسم سُلْطَان العثمانيين وَبِذَلِك صَارَت مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة محاطة من جِهَة اوروبا باملاك آل عُثْمَان وفصلت عَن بَاقِي الامارات المسيحية الصَّغِيرَة الَّتِي كَانَت شبه جَزِيرَة البلقان مجزأَة بَينهَا وَصَارَت الدولة الْعلية متاخمة لامارات الصرب والبلغار والبانيا المستقلة
فاضطرب لذَلِك الْمُلُوك المسيحيون المجاورون للدولة الْعلية وطلبوا من البابا اوربانوس الْخَامِس ان يتوسط لَدَى مُلُوك اوروبا الغربيين ليساعدوهم على محاربة الْمُسلمين واخراجهم من اوروبا خوفًا من امتداد فتوحاتهم إِلَى مَا وَرَاء جبال البلقان اذ لَو اجتازوها بِدُونِ مُعَارضَة ومقاومة فِي مضايقها لم يقو اُحْدُ بعد ذَلِك على ايقاف تيار فتوحاتهم ويخشى بعْدهَا على جَمِيع ممالك اوروبا من العثمانيين فلبى البابا استغاثتهم وَكتب لجَمِيع الْمُلُوك بالتأهب لمحاربة الْمُسلمين وحرضهم على محاربتهم محاربة دينية حفظا للدّين المسيحي من الفتوحات الاسلامية
لَكِن لم ينْتَظر اوروك الْخَامِس الَّذِي عين ملكا على الصرب بعد دوشان الْقوي وُصُول المدد اليه من اوروبا بل اسْتَعَانَ بامراء بوسنة والفلاخ وَبِعَدَد
عَظِيم من فرسَان المجر وَسَار بهم لمهجمة مَدِينَة ادرنة عَاصِمَة الممالك العثمانية معللين النَّفس بالانتصار على العثمانيين ومؤملين النَّصْر عَلَيْهِم لاشتغال الْملك مُرَاد بمحاصرة مَدِينَة بيجا بِالْقربِ من بورصة بآسيا الصُّغْرَى فَلَمَّا وصل خبر تقدمهم إِلَى آذان العثمانيين قابلوهم على شاطيء نهر ماريتزا وفاجأوهم فِي لَيْلَة مظْلمَة بِقُوَّة عَظِيمَة القت الرعب فِي قُلُوبهم واوقعتهم فِي حيص بيص وَلم يَلْبَثُوا الا قَلِيلا حَتَّى ولوا الادبار تاركين الثرى مخضبا بدمائهم وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 866 هـ سنة 1363 م اما السُّلْطَان مُرَاد فَكَانَ فِي هَذِه الاثناء مشتغلا بِالْقِتَالِ فِي بِلَاد آسيا الصُّغْرَى حَيْثُ فتح عدَّة مدن ثمَّ عَاد إِلَى مقرّ سلطنته لتنظيم مَا فَتحه من الاقاليم والبلدان كَمَا هُوَ شَأْن الفاتح الْحَكِيم الَّذِي لَا يَكْتَفِي بِفَتْح الْبِلَاد وَضرب الذلة والمسكنة على سكانها بل كَانَ ينسج على منوال ابيه وجده أَي يستريح بضع سِنِين من عناء الْفَتْح ليرتب جيوشه ويكمل من نقص مِنْهَا مستشهدا فِي ساحة النَّصْر وَلما عظم شَأْن الدولة خشيها مجاوروها خُصُوصا الضُّعَفَاء مِنْهُم فَأرْسلت جمهورية راجوزه فِي سنة 1365 إِلَى السُّلْطَان مُرَاد رسلًا امضوا مَعَه
معاهدة ودية وتجارية تعهدوا فِيهَا بِدفع جِزْيَة سنوية قدرهَا 500 دوكا ذهب وَهَذِه اول معاهدة امضيت بَين العثمانيين والدول المسيحية وَفِي سنة 1379 م اتَّحد لازارجر بلينانوفتش الَّذِي تربع على تخت مملكة الصرب بعد قتل اوروك مَعَ سيسمان امير البلغار على مقاتلة العثمانين ومحاربتهم لكنهما بعد عدَّة مناوشات خَفِيفَة تحققا فِي خلالها عجزهما عَن مكافحة العساكر الاسلامية ابرما الصُّلْح مَعَ السُّلْطَان على ان يتَزَوَّج السُّلْطَان بنت امير البلغار وعَلى ان يدْفع لَهُ الاميران خراجا سنويا معينا
وَلما توفّي البكلر بك لالة شاهين عين مَحَله ديمورطاش باشا وينسب إِلَى هَذَا الْوَزير تنظيم فرق الخيالة العثمانيين الْمُسَمَّاة سيباه على نظام جَدِيد وَاخْتَارَ ان تكون اعلامهم باللون الاحمر الَّذِي لَا يزَال شعار الدولة العثمانية حَتَّى الْآن واقطع كل نفر مِنْهُم جُزْءا من الارض يزرعه اصحابه الاصليون مسيحيين كَانُوا اَوْ مُسلمين فِي مُقَابلَة دفع جعل معِين لصَاحب الاقطاع وَذَلِكَ بِشَرْط ان يسكن الجندي فِي ارضه وَقت السّلم ويستعد للحرب عِنْد الِاقْتِضَاء على نَفَقَته وان يقدم ايضا جنديا آخر مَعَه وَكَانَ كل اقطاع لم يتَجَاوَز ايراده اسنوي عشْرين الف غرش يُسمى تيمار وَمَا زَاد ايراده على ذَلِك يُسمى زعامت وَكَانَت هَذِه الاقطاعات لَا يَرِثهَا الا الذُّكُور من الاعقاب وَإِذا انقرضت الذُّرِّيَّة الذُّكُور ترجع إِلَى الْحُكُومَة وَهِي تقطعها إِلَى جندي آخر بِنَفس هَذِه الشُّرُوط
ولاجل ان يكون للسُّلْطَان مُرَاد حلفاء بَين من بَقِي مُسْتقِلّا من امراء آسيا
الصغر زوج وَلَده بايزيد الملقب بييلدرم أَي الْبَرْق بنت امير كرميان وَهُوَ قدم للسُّلْطَان مَدِينَة كوتاهيه الشهيرة بِصفة مهر لابنته كَمَا هِيَ عَادَة الافرنج الْآن وَفِي ابْتِدَاء سنة 1381 م ابتدأت الفتوحات ثَانِيًا واخذت سَيرهَا الاول فألزم السُّلْطَان امير اقليم الحميد بالتنازل لَهُ عَن بِلَاده وَحَارب ديمورطاش باشا الصرب والبلغار لتأخيرهما فِي دفع الْخراج الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَفتح مَدَائِن موناستر وبرلبه واستيب وَوَقعت مَدِينَة صوفيا فِي قَبْضَة العثمانيين بعد محاصرة استمرت ثَلَاث سنوات من سنة 1381 م إِلَى سنة 1383 م وعقب ذَلِك فتح الصَّدْر الاعظم خير الدّين باشا مَدِينَة سلانيك الشهيرة وَفِي هَذِه الاثناء تمرد صاووجي اُحْدُ اولاد السُّلْطَان على وَالِده بالاتحاد مَعَ اندرونيكوس ابْن امبراطور الرّوم حنا باليولوج الَّذِي كَانَ وَالِده حرمه من الْملك بعده واوصى بِهِ إِلَى ابْنه الاصغر امانويل وتحزب مَعَهُمَا بعض من اضلهم الطمع والغرور غير ناظرين إِلَى ان هَذَا الشقاق الداخلي لَا يكون وَرَاءه الا ضعف الدولة وَتمكن اعدائها من الِاسْتِظْهَار عَلَيْهَا لَكِن لم يدع السُّلْطَان الشَّفَقَة
الوالدية تتغلب عَلَيْهِ بل ارسل لمحاربة وَلَده المتمرد من قهره هُوَ ومحاربيه وَقَتله وَجَمِيع من حازبه من اشراف الرّوم وَطلب من ملك الرّوم قتل ابْنه ففقأ عَيْنَيْهِ ونفاه حَتَّى مَاتَ وَلما مَاتَ الْقَائِد خير الدّين باشا اشهر قواد الدولة ظن متاخموها انه لم يبْق لَدَيْهَا من القواد من يرد كيدهم فِي نحرهم فاتحد عَلَاء الدّين امير القرمان الَّذِي سبق ذكره مَعَ بعض الامراء المستقلين واستعدوا لِلْقِتَالِ وابتدؤوا المناوشات لَكِن لم يمهلهم السُّلْطَان مُرَاد بل ارسل اليهم ديمورطاش باشا فحاربهم وقهرهم فِي سهل قونيه واخذ عَلَاء الدّين اسيرا وَلَوْلَا توَسط ابْنَته الَّتِي كَانَ تزَوجهَا السُّلْطَان مُرَاد عقب الْمُحَاربَة الاولى لجرده من املاكه وَلَكِن مُرَاعَاة لزوجته لم ياخذ مِنْهُ شَيْئا هَذِه الدفعة بل اقره فِي املاكه بِشَرْط دفع الْجِزْيَة وَكَانَ ذَلِك سنة 1386 م اما فِي اوروبا فَاتخذ الصرب وجود اعظم قواد السلطنة وجيوشها بالاناضول فرْصَة لمحاربة العساكر العثمانية ففاز الصرب اولا فِي سنة 1387 م وَكَانَ سيسمان قرال أَي امير البلغار يتأهب للانضمام إِلَى لازار ملك الصرب اذ فاجأ الْوَزير عَليّ باشا ديوش البلغار واحتل ترنوه وشومله والجأ سيسمان إِلَى الْفِرَار والاحتماء فِي مَدِينَة
نيكوبلي سنة 1388 وَبعد ان جمع شَمل مَا بَقِي من جيوشه دَاخل هَذِه الْمَدِينَة اراد محاربة العثمانيين ثَانِيَة فَخرج من نيكوبلي وهاجم الجيوش الاسلامية مهاجمة يائس فَانْهَزَمَ هزيمَة لم يقم لَهُ بعْدهَا قَائِمَة وَوَقع اسيرا فضم السُّلْطَان مُرَاد نصف بِلَاده اليه وَلم يَأْمر بقتْله بل منحه نعْمَة الْحَيَاة ورتب لَهُ مَا يقوم بمعاشه مراعيا فِي ذَلِك مقَامه السَّابِق وعينه حَاكما شبه مُسْتَقل على النّصْف الْبَاقِي 1389 م وَلما علم لازار ملك الصرب بانخذال رَفِيقه قرال البلغار مَال بجيوشه قَلِيلا جِهَة الغرب للانضمام إِلَى امراء البانيا الارنؤد فَلم يُمكنهُ السُّلْطَان مُرَاد من ذَلِك بل جد السّير فِي طلبه حَتَّى لحقه فِي سهل قوص اوه سنة 1389 م وانتشب الْقِتَال بَين الجيشين بِحَالَة يشيب من هولها الْولدَان دَافع فِي خلاله الصربيون دفاع الابطال وَبقيت الْحَرْب بَينهمَا سجالا مُدَّة من الزَّمن تناثرت فِيهَا الرؤوس وزهقت النُّفُوس واخيرا فر صهر الْملك لازار الْمَدْعُو فوك برانكوفتش وَمَعَهُ عشرَة آلَاف فَارس والتحق بِجَيْش الْمُسلمين فدارت الدائرة على الصربيين وجرح لازار وَوَقع اسيرا فِي ايدي العثمانيين فَقَتَلُوهُ وبهذه الْوَاقِعَة المهمة الَّتِي بَقِي دكرها شهيرا فِي اوروبا باسرها زَالَ اسْتِقْلَال الصرب كَمَا فقدت البلغار والرومللي والاناضول استقلالها من قبل وكما ستفقد اليونان وَغَيرهَا الِاسْتِقْلَال فِيمَا بعد وَبعد تَمام النَّصْر وَالْغَلَبَة للعثمانيين كَانَ السُّلْطَان مُرَاد يمر من بَين الْقَتْلَى اذ قَامَ من بَينهم جندي صربي اسْمه ميلوك كوبلوفتش وَطعن السُّلْطَان بخنجر طعنة كَانَت هِيَ القاضية عَلَيْهِ بعد قَلِيل فَسقط الْقَاتِل قَتِيلا تَحت سيوف الانكشارية لَكِن لم يفدهم قَتله شَيْئا اذ اسْلَمْ السُّلْطَان الرّوح بعد ذَلِك بِقَلِيل بعد ان ضم كثيرا من الْبِلَاد إِلَى مَا تَركه
لَهُ وَالِده السُّلْطَان اورخان مِمَّا مر بَيَانه وَكَانَت وَفَاته فِي 15 شعْبَان سنة 791 هـ 8 اكتوبر سنة 1388 م عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَبَلغت مُدَّة حكمه ثَلَاثِينَ سنة ونقلت جثته إِلَى مَدِينَة بورصة