الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فؤاد باشا الصَّدْر الاعظم واصلاحاته
قد ذكرنَا انه لما تولى السُّلْطَان عبد الْعَزِيز منصب الْخلَافَة الْعُظْمَى ابقى مُحَمَّد امين عالي باشا فِي الصدارة الْعُظْمَى لَكِن لم يلبث ان اقاله تبعا للظروف فِي جُمَادَى الاولى سنة 1278 نوفمبر سنة 1861 وَعين فؤاد باشا صَدرا اعظم وَلم تدم صدارته الاولى بل فصل عَنْهَا وَبعد بعض تقلبات اعيد اليها بعد بضعَة شهور فبذل جهده فِي اصلاح الْمَالِيَّة الَّتِي كَانَت على شفا الافلاس بِسَبَب الدُّيُون الْكَثِيرَة الَّتِي اقترضتها الدولة فِي ايام السُّلْطَان مَحْمُود الثَّانِي وَعبد الْمجِيد بِسَبَب انشاء القوائم الَّتِي هِيَ عبارَة عَن اوراق صَغِيرَة ملونة بالوان مُخْتَلفَة كل مِنْهَا بِقِيمَة مَعْلُومَة من النُّقُود ولبيان سوء الاحوال الْمَالِيَّة نقُول انه لما انتشبت حَرْب اسْتِقْلَال اليونان ودمرت الدول دونانماتها ظلما وتعصبا التزمت الدولة لتجديد مراكبها وتقوية جيوشها إِلَى اصدرا القوائم الْمَالِيَّة فاصدرت اولا فِي سنة 1830 اوراقا بمبلغ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ الف كيسة بفائدة ثَمَانِيَة فِي الْمِائَة سنويا تستهلك فِي ثَمَانِي سنوات ثمَّ بِسَبَب حروب الشَّام بَين مصر والدولة مَا تيَسّر لَهَا اسْتِهْلَاك هَذَا الْقدر بل اصدرت اوراقا بِلَا فَائِدَة وامتنعت عَن دفع الْفَائِدَة عَن الاوراق الاصلية وتوالى بعد ذَلِك اصدار الاوراق فِي كل سنة تَقْرِيبًا
وَلما تربع السُّلْطَان عبد الْمجِيد فِي دست الْخلَافَة اراد سحب القوائم الا ان حَرْب القرم وَمَا جرته على الدولة من المصاريف الباهظة مَنعه عَن تتميم مشروعه واضطرته الاحوال إِلَى الِاسْتِدَانَة من اوروبا للْقِيَام باعباء الْحَرْب ثمَّ استغرقت المصاريف كل الْقَرْض فاصدر قَوَائِم جَدِيدَة وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا المنوال وكل سنة تزداد الدُّيُون الخارجية والقوائم الداخلية حَتَّى ولي فؤاد باشا منصب الصدارة فاقنع جلالة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز بضرورة ابطال القوائم وتسوية جَمِيع الدُّيُون بكيفية منتظمة فاصدر السُّلْطَان فرمانا عَالِيا فِي 20 رَجَب سنة 1278 21 يناير سنة 1862 لفؤاد باشا باصلاح الْمَالِيَّة واعمال ميزانية سنوية لايرادات ومصروفات الدولة ثمَّ فِي 19 الْحجَّة سنة 1278 17 يونيو سنة 1862 اصدر اليه فرمانا آخر اهم مَا جَاءَ بِهِ سحب القوائم باجمعها وتصفية جَمِيع الدُّيُون السائرة وَدفع بدل القوائم نقودا ذهبية اَوْ فضية بِقِيمَة اربعين فِي الْمِائَة وسهاما جَدِيدَة بِقِيمَة السِّتين فِي الْمِائَة الْبَاقِيَة
واقترضت الدولة لاتمام هَذِه العملية الْمَالِيَّة ثَمَانِيَة ملايين جنيها انكليزيا وَلما لم تف اقترضت ثَمَانِيَة اخرى بِوَاسِطَة البنك العثماني الَّذِي تأسس فِي هَذِه الغضون ولكثرة المصاريف فِي الاصلاحات الداخلية وَغَيرهَا كثرت الدُّيُون وتراكمت وَصَارَ دفع الكوبونات الْفَوَائِد حملا ثقيلا على عاتق ميزانية الدولة فامر السُّلْطَان بالاقتصاد من جَمِيع فروع الميزانية حَتَّى من المبالغ المخصصة لسرايته الْخَاصَّة وَبِذَلِك امكن نَاظر الْمَالِيَّة مصطفى فَاضل باشا الْقيام بِدفع الْفَوَائِد واخيرا لعدم مُوَافقَة نَاظر الْمَالِيَّة لفؤاد باشا على مشروعاته الْمَالِيَّة عزل مصطفى باشا فَاضل وَعين كاني باشا مَكَانَهُ فَقدم هَذَا الاخير بالاتحاد مَعَ فؤاد باشا تقريرا إِلَى السُّلْطَان بتاريخ 21 شَوَّال سنة 1281 19 مارس سنة 1865 قَاضِيا بانشاء هَذَا التَّقْرِير وسجل بِمُقْتَضَاهُ اربعون مليون جنيها عثمانيا لَكِن لم يَأْتِ زمن دفع الكوبون الا والخزينة ناضبة لَا يُوجد بهَا مَا يَكْفِي لدفعه فاضطرت الدولة إِلَى اصدار سِهَام جَدِيدَة بِوَاسِطَة البنك العثماني بمدينتي باريس ولوندره فاصدرها البنك فِي شعْبَان سنة 1282 دسمبر سنة 1865 بفائدة 12 فِي الْمِائَة ولضعف الثِّقَة بمالية الدولة لم يقدم اصحاب الاموال على الاكتتاب وَلم يتَحَصَّل من هَذِه السِّهَام الجديدة الا مايكفي لدفع الكوبون الْمُسْتَحق فَقَط ولاستمرار هَذَا الضّيق وَعدم وجود النُّقُود الكافية للمصروفات الضرورية سعى بِهِ ارباب الغايات لَدَى جلالة السُّلْطَان وافهموه ان هَذَا الْعسر نَاشِئ عَن سوء تَدْبِير فؤاد باشا للمالية فَعَزله واستبدله بِمُحَمد رشدي باشا واصدر لَهُ فرمانا بذل بتاريخ 21 محرم سنة 1283 5 يونيو سنة 1866 فسعى مرَّتَيْنِ فِي اصدار قرض لتسوية الدُّيُون السائرة وَلم ينجح واخيرا اتّفق مَعَ البنك العثماني على ان يدْفع البنك فَوَائِد الدُّيُون