الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليها باختيارهم واخذ الانكشارية يقفون امام سرايه وَقت تَعْلِيم العساكر ويهزؤون بهم تَارَة ويهددونهم اخرى وحسين باشا لَا يعبأ بهم بل جد فِي طَرِيقه وَسَار فِي مشروعه وَلما سَار بونابرت من مصر إِلَى الشَّام سَافر هُوَ إِلَى عكا مَعَ فرقته فَكَانَت العساكر النظامية فِي مُقَدّمَة المدافعين وَمن اشدهم بَأْسا على جيوش الفرنساويين وَلما عَادوا من مَدِينَة عكا تخفق عَلَيْهِم رايات النَّصْر امْر السُّلْطَان ان تكون نَفَقَتهم على الْحُكُومَة وان يُزَاد عَددهمْ لما تحَققه جلالته من فَائِدَة النظام فِي الجندية بِإِزَاءِ جيوش اوروبا المنتظمة ثمَّ انتهز فرْصَة وجود اكبر قواد الانكشارية بِمصْر لمحاربة الفرنساويين واصدر امرا ساميا خطّ شرِيف قَاضِيا بفصل المدفعية عَن الانكشارية وتنظيمها وَيكون مقرهم فِي الاستانة وان يكون لكل مِنْهُم موسيقى عسكرية وامام لتعليم الدّين واقامة الصَّلَاة وان يَبْنِي قشلاقان احدهما باسكدار وَالْآخر ببيو كدره وان يخصص للصرف عَلَيْهِم جَمِيع الاقطاعات العسكرية الَّتِي تنْحَل بِمَوْت اصحابها وتعود للحكومة ثمَّ اصدر اوامره إِلَى عبد الرَّحْمَن باشا وَالِي بِلَاد القرمان بتأليف عدَّة الايات وتدريبها على النظام الْجَدِيد فصدع بالامر بِكُل اهتمام حَتَّى لم تمض ثَلَاث سنوات الا وَقد تمّ تنظيم ثَمَانِيَة الايات كَامِلَة الْعدَد وَالْعدَد
الْفِتَن الداخلية واسبابها
ولنأت هُنَا على تَلْخِيص مَا كَانَ وَاقعا بِبِلَاد الصرب والارنؤد من الْفِتَن ليَكُون الْقَارئ مطلعا على حَالَة الدولة الداخلية وَمَا بهَا من مُوجبَات التقهقر الَّتِي اساسها الاصلي عدم السَّعْي وَقت الْفَتْح فِي محو عصبيات الامم الْمُخْتَلفَة بعد الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا ببذل الْجهد فِي اضعاف ثمَّ تلاشي لغتهم وعوائدهم حَتَّى يصير
الْكل امة وَاحِدَة عثمانية فَنَقُول
لما فتحت بِلَاد الصرب نهائيا بعد وَاقعَة قوص اوه الشهيرة اعطيت كَافَّة اراضيها اقطاعات إِلَى الفرسان العثمانية سباه أَي انها تبقى تَحت يَد ملاكها الاصليين المسيحيين بِشَرْط دفع جعل اَوْ خراج معِين لمن اعطيت لَهُ وَترك لَهُم حق انتخاب مَشَايِخ بِلَادهمْ فاستبد مَعَهم ملتزمو الاقطاعات وعاملوهم مُعَاملَة نفرت قُلُوبهم واوجدت فيهم محبَّة الاسقلال فَكثر مِنْهُم قطاع الطّرق
وَلما انتشبت الْحَرْب الاخيرة بَين الدولة والنمسا والروسيا هَاجر كثير مِنْهُم إِلَى بِلَاد المجر وانخرطوا فِي سلك الجندية النمساوية لمحاربة الدولة وَلما وضعت الْحَرْب اوزارها عَادوا إِلَى بِلَادهمْ بعد ان تمرنوا على فنون الْحَرْب وضروب الْقِتَال وَاشْرَبُوا حب الِاسْتِقْلَال الْحُرِّيَّة وَبعد عودتهم اضطهدهم الانكشارية لرفعهم السِّلَاح ضد دولتهم فِي صُفُوف اعدائها وَلَو ان الْبَاب العالي عَفا عَنْهُم عفوا عموميا الا ان هَذِه الفئة الْمفْسدَة اتَّخذت ذَلِك سَببا لنهب قرى الصرب والتعدي عَلَيْهِم بكافة انواع الاهانة
وَلما اشْتَكَى الاهالي من هَذِه الْمَظَالِم امرت الدولة وَالِي بلغراد بمعاقبة الانكشارية واخراجهم من اراضي الصرب قاطبة فَلم يمتثلوا هَذِه الاوامر وَلذَا حاربهم الْوَالِي بمساعدة السباه وتغلب عَلَيْهِم واخرجهم من ولَايَة بلغراد بعد ان قتل رئيسهم دُلي احْمَد فالتجأوا إِلَى بازوند اوغلي الَّذِي سبق ذكر تمرده واستقلاله تَقْرِيبًا بِولَايَة وَدين وَهُوَ توَسط لَهُم لَدَى الْبَاب العالي واستحصل لَهُم على الاذن بالعودة إِلَى بلغراد بِشَرْط مُلَازمَة الهدوء والسكينة لكِنهمْ لم يرجِعوا عَن غيهم بل بِمُجَرَّد عودتهم استأنفوا اضطهادهم للصرب ثمَّ تطاولوا إِلَى محاصرة مَدِينَة بلغراد بمساعدة بازوند اوغلي ودخلوها عنْوَة وَقتلُوا واليها وانتشروا فِي اطراف الْبِلَاد يعيثون فِي الارض فَسَادًا
وَلما ضَاقَ الصربيون ذرعا اجْتَمعُوا للدفاع عَن ارواحهم واموالهم واعراضهم وانتخبوا لَهُم رَئِيسا من اهلهم وَهُوَ جورج بتروفتش وطاردوا الانكشارية
حَتَّى ابعدوهم عَن الاراضي والقرى وَصَارَ لَا يُمكنهُم الْخُرُوج من المدن لتربص الاهالي لَهُم
ثمَّ ارسل الْبَاب العالي إِلَى بكير باشا وَالِي بوسنه يَأْمُرهُ بمساعدة الصرب ومحاربة الانكشارية وطردهم ثَانِيَة من بلغراد فَأتى بجيشه وحاصرها مَعَ بتروفتش حَتَّى دخلاها واخرجا الانكشارية مِنْهَا
وَبعد ذَلِك رَجَعَ باكير باشا إِلَى ولَايَته وَمن ذَلِك الْحِين لم ترجع السكينَة إِلَى بِلَاد الصرب بل تألبوا جماعات تَحت رئاسة بتروفتش للدفاع عَن انفسهم وَلم يهدأ لَهُم بَال حَتَّى تحصلوا على الِاسْتِقْلَال الاداري ثمَّ السياسي كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه
وَفِي هَذِه الاثناء كَانَت الاضطرابات سائدة فِي بِلَاد الارنؤود لقِيَام عَليّ باشا وَالِي يانيه على الْبَاب العالي واستئثاره بالسلطة حول ولَايَته اما عَليّ باشا الْمَذْكُور فَهُوَ ابْن اُحْدُ بيكوات الاروام الَّذين اعتنقت عائلاتهم الاسلام فِي بَدْء الْفَتْح العثماني ثمَّ صَار رَئِيسا لاحدى العصابات الَّتِي تألفت بايعاز الروسيا ودسائسها لقطع السبل وايقاف حَرَكَة التِّجَارَة فِي جبال اليونان والارنؤود بِدَعْوَى الوطنية وَمَا ذَلِك فِي الْحَقِيقَة الا للسلب والنهب ثمَّ رأى ان مُوالَاة الدولة انفع لصالحه فَعدل عَن طَرِيقَته الاولى ونبذ وَسْوَسَة الاجانب ظهريا وَطلب من الْبَاب العالي تَعْيِينه حَاكما على الْجِهَة الَّتِي ولد لَهَا من بِلَاد ابيروس الْعليا باليونان فَقبل مِنْهُ الْبَاب العالي هَذَا الطّلب رَغْبَة مِنْهُ فِي اطفاء الْفِتَن الداخلية وكلفه بمحاربة وَالِي
اشقودره ووالي دلوينو اللَّذين عصيا الدولة طَمَعا فِي الِاسْتِقْلَال فحاربهما وتغلب عَلَيْهِمَا
ثمَّ بعد محاربة الروسيا عين فِي سنة 1787 دربندباشي أَي محافظا على السبل والطرق من تعدِي العصب المتسلحة الَّتِي تكْثر عَادَة فِي الْبِلَاد اثناء الحروب وَبعدهَا وَفِي سنة 1788 عين واليا على يانيه وَفِي سنة 1797 لما استولت فرنسا على كَافَّة السواحل والثغور التابعة لجمهورية البندقية راسلهم عَليّ باشا مؤكدا لَهُم حسن ولائه لبونابرت وحكومته وَلم يكن ذَلِك مِنْهُ الا لحفظ الْبِلَاد العثمانية من تعدِي الفرنساويين
وَلما اعلنت الدولة الْحَرْب على فرنسا بِسَبَب احتلال مصر احتل صَاحب التَّرْجَمَة ثغر بوترنتو وَسَار لفتح مَدِينَة بروازه فقابله عدد من الفرنساويين فحاربهم وفاز عَلَيْهِم بالنصر وَدخل الْمَدِينَة عنْوَة
ثمَّ فِي سنة 1802 كلفه الْبَاب العالي بمحاربة قَبيلَة السوليين الَّتِي عَصَتْ الدولة واعتصمت بالجبال المنيعة فَسَار اليها بجيشه الْمُؤلف من الارنؤود ومسلمي الاروام الناشئين بَين قلل الْجبَال ووهادها وحاصرهم من كل صوب حَتَّى إِذا لم يرَوا بدا من التَّسْلِيم أَو الْمَوْت طلبُوا الامان فِي غُضُون سنة 1803 بِشَرْط أَن يُؤذن لَهُم بالمهاجرة إِلَى جزائر اليونان المستقلة فَأذن لَهُم وَفِي اثناء انسحابهم انْقَضتْ عَلَيْهِم جيوشه الْغَيْر منتظمة وَقتلت مِنْهُم خلقا كثيرا وَبِذَلِك سَاد الامن فِي كَافَّة بِلَاد الارنؤود وابيروس وجبالها وَضربت السكينَة اطنابها فِي جَمِيع الْبِلَاد ومفاوزها وطرقاتها وكافأه السُّلْطَان على ايجاد الامن فِي هَذِه المسالك الوعرة بَان قَلّدهُ رُتْبَة
رومللي واليس أَي وَالِي الرومللي وَبِمَا أَن هَذِه الرُّتْبَة تخول للحائز عَلَيْهَا حق قيادة الجيوش حَال اشْتِغَال الصَّدْر الاعظم فِي مهام الدولة الاخرى سَار عَليّ باشا فِي ثَمَانِينَ الف مقَاتل لمحاربة اهالي مقدونيا الَّذين ثَارُوا طلبا للاستقلال بِنَاء على ايعاز الروسيا وتغلب عَلَيْهِم بعد محاربات عنيفة وادخلهم كرها فِي طَاعَة الدولة وَكَانَت هَذِه الْخدمَة الجليلة من مُوجبَات زِيَادَة نُفُوذه فداخله الْغرُور وأوجست مِنْهُ الدولة خيفة لما ظهر لَهَا من ميله إِلَى الِاسْتِقْلَال وَلما احس هُوَ بذلك خشِي ان يَنَالهُ اذى مِنْهَا فتحصن فِي بِلَاد ابيروس واخضع لسلطانه من بهَا من الامراء وَصَارَ كحاكم مُسْتَقل بهَا وَسَنذكر مَا حل بِهِ من الدمار جَزَاء نبذه طَاعَة الدولة فِي حِينه
وَلم تكن بِلَاد الرومللي خَالِيَة من الاضطرابات بل وصل اليها شَرّ العصابات المتسلحة وانتشرت فِيهَا ازيد من انتشارها فِي بَاقِي ولايات الدولة باوروبا حَتَّى لم يتَمَكَّن الانكشارية من كبح جماحهم بل فَازَ المفسدون عَلَيْهِم فِي عدَّة وقائع وَصَارَت الْبِلَاد فِي كرب عَظِيم وبلاء شَدِيد وهدد هَؤُلَاءِ الثائرون مَدِينَة ادرنه نَفسهَا مَعَ مناعتها
فاراد السُّلْطَان تجربة الجيوش المنتظمة فِي محاربتهم وارسل فِي سنة 1804 آلايا من الاستانة مَعَ فرقة من المدفعية واخرى من الخيالة وَثَلَاثَة الْآيَات من الَّتِي نظمها وَالِي بِلَاد القرمان فَقَامَتْ هَذِه الْجنُود بِمَا عهد اليها خير قيام وَلم تقو العصب على الْوُقُوف امامها كَمَا هُوَ مُحَقّق ومثبوت من ان العسكري المنتظم يُقَاوم عشرَة أَو اكثر من الْغَيْر منتظمين وَبعد قَلِيل طهرت بِلَاد الرومللي من ادران الْفساد وعادت السكينَة إِلَى ربوعها وَرجعت الْجنُود المنتظمة إِلَى الاستانة مكللة بالظفر فانشرح السُّلْطَان من نجاح مَشْرُوع هَذَا النظام الْجَدِيد واغدق عَلَيْهِم العطايا والهبات ثمَّ اصدر فِي شهر مارس سنة 1805 امرا ساميا خطّ شرِيف إِلَى جَمِيع الولايات بتركية واوروبا بِجمع جَمِيع الشبَّان من الانكشارية والاهالي الْبَالِغين سنّ الْخَمْسَة وَالْعِشْرين وادخالهم العسكرية وتربيتهم على الننظام الْجَدِيد فَلم يقبل الانكشارية هَذَا الامر واظهروا التمرد وَلذَا ارسل السُّلْطَان إِلَى عبد الرَّحْمَن باشا وَالِي بِلَاد القرمان الَّذِي كَانَ من اكبر المعضدين للاصلاح العسكري ان ياتي إِلَى الاستانة
بجيوشه المنتظمة ليوجهوا إِلَى الْبِلَاد الَّتِي امْتنع بهَا الانكشارية عَن تَنْفِيذ الامر السلطاني فاتى إِلَى القسطنطينة فِي اوائل سنة 1806 وَبعد أَن مكث نَحْو شهر استعرض السُّلْطَان فِي خلاله الْجنُود النظامية سَافر عبد الرَّحْمَن باشا وَجُنُوده قَاصِدا مَدِينَة ادرنه فِي اواسط يوليه من السّنة الْمَذْكُورَة وَلما وصل اليها وجد اللانكشارية ثائرين وابوابها مؤصدة امامه فَعَاد إِلَى الاستانة بعد حُصُول عدَّة وقائع حربية بَينه وَبَين الثائرين وَلما رأى السُّلْطَان امتداد الثورة واتحاد بعض الْعلمَاء والطلبة ضد النظام الْجَدِيد اذعن لمطلب الانكشارية وارجع العساكر النظامية إِلَى ولايات آسيا وعزل الوزراء وَعين اغاة الانكشارية صَدرا اعظم وَمَعَ ذَلِك فَلم تَنْتَهِ هَذِه الْمَسْأَلَة بِسَلام بل جرت بعد قَلِيل إِلَى عزل السطلان كَمَا سَيَجِيءُ
وَفِي غُضُون ذَلِك كَانَت بِلَاد الصرب قَائِمَة قَاعِدَة فِي طلب الِاسْتِقْلَال وحصلت بَين اهلها وَبَين العساكر الشاهانية عدَّة محاربات كَانَ النَّصْر فِيهَا تَارَة لفريق وطورا للفريق الآخر وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا المنوال إِلَى اواخر سنة 1806 فَعرض عَلَيْهِم وَالِي اشقودره أَن الْبَاب العالي يمنحهم ادارة مُسْتَقلَّة لَكِن بِمَا أَن اغلب اراضيهم معطاة إِلَى العساكر السباه فَيدْفَع الصربيون تعويضا قدره سِتّمائَة الف فلورين لتوزع على اصحاب الالتزامات بِصفة تعويض على تَركهم التزاماتهم للادارة الصربية فَقبل زعيمهم جورج بتروفتش بذلك لَكِن رفض الْبَاب العالي هَذَا الاقتراح وابى الا ادخالهم فِي طَاعَته كَمَا كَانُوا وَعند ذَلِك انتشب الْحَرْب بَين الدولة الْعلية والروسيا الَّتِي سَيَأْتِي بَيَان اسبابها
هَذَا ولنرجع إِلَى ذكر علاقات الْبَاب العالي وفرنسا والروسيا وانكلترا بعد خُرُوج الفرنساويين من مصر فَنَقُول إِن بونابرت ارسل إِلَى بِلَاد الشرق الجنرال سبستياني لتجديد ربط الِاتِّحَاد والوداد مَعَ الدولة الْعلية فسافر إِلَى الاستانة حَامِلا خطابا من بونابرت إِلَى السدة السُّلْطَانِيَّة وَفِي اثناء اقامته بالاستانة تمكن بمساعيه من عزل اميري الافلاق والبغدان المنحازين للروسيا فعزلا فِي 5 جُمَادَى الثَّانِي سنة 1221 20 اغسطس سنة 1806 وَعين بدلهما من المخلصين للدولة الْعلية فسَاء ذَلِك الروسيا وخشيت من امتداد نُفُوذ فرنسا فِي الشرق فَأرْسلت
جيوشها لاحتلال هَاتين الولايتين بِدُونِ اعلان حَرْب بِدَعْوَى أَن تَغْيِير اميريهما مُضر بِحُقُوق جوارها فانتشبت نيران الْقِتَال بَينهَا وَبَين الدولة واتحدت انكلترا مَعَ الروسيا فِي هَذِه الْحَرْب لتأييد طلباتها فَأرْسلت احدى دونانماتها تَحت قيادة اللورد دوق وَورث امام الدردنيل وارسل سفيرها السّير اربوثنوت بلاغا إِلَى الْبَاب العالي يطْلب مِنْهُ تحالف الدولة الْعلية وانكلترا وَتَسْلِيم الاساطيل العثمانية وقلاع الدردنيل إِلَى انكلترا والتنازل عَن ولايتي الافلاق والبغدان إِلَى الروسيا وطرد الجنرال سبستياني من الاستانة واعلان الْحَرْب على فرنسا والا تكن انكلترا مضطرة لاجتياز الدردنيل واطلاق مدافعها على الاستانة فَلم تقبل الدولة هَذِه المطالب بل اخذت فِي تحصين البوغاز واقامة القلاع على ضفتيه لَكِن لم يكن الْوَقْت كَافِيا لتحصينه بكيفية تجْعَل الْمُرُور مِنْهُ غير مُمكن وَفِي 12 ذِي الْحجَّة سنة 1221 20 فبراير سنة 1807 قرن الانكليز القَوْل بِالْفِعْلِ واجتاز الاميرال اللورد دوك وَورث بوغاز الدردنيل بِدُونِ أَن يحصل لمراكبه ضَرَر يذكر من مقذوفات القلاع وَوصل إِلَى فرضة جاليبولي وَدَمرَ كَافَّة السفن الحربية العثمانية الراسية بهَا وَمكث خَارج البوسفور ينْتَظر تَنْفِيذ لائحته الَّتِي سبق ذكرهَا
وبورود الْخَبَر إِلَى الدولة بذلك وَقع الرعب فِي قُلُوب سكان الاستانة خشيَة من وُصُول السفن الانكليزية إِلَى البوسفور وَهُنَاكَ تكون الطامة الْكُبْرَى لوُجُود اغلب السرايات الملوكية ودواوين الْحُكُومَة على ضفتيه وَوَقع الوزراء فِي حيص بيص فأقروا بعد مداولات طَوِيلَة أَن يذعنوا لطلب انكلترا وارسلوا إِلَى الجنرال سبستياني يَدعُونَهُ لِلْخُرُوجِ من الاستانة خوفًا من تفاقم الْخطب فقابل الفرنساوي الرَّسُول العثماني محاطا بِجَمِيعِ مستخدمي السفارة والضباط الفرنساويين المستخدمين بجيوش الدولة وبحريتها واجابه قَائِلا اني لَا اخْرُج من الاستانة الا مكْرها ثمَّ طلب أَن يُقَابل السُّلْطَان مُقَابلَة خُصُوصِيَّة فَأُجِيب طلبه وَلما قابله اظهر لَهُ استعداد فرنسا لمساعدة الدولة وَأَن الامبراطور نابليون قد اصدر اوامره إِلَى جيوشه المعسكرة بسواحل الادرياتيك للسَّفر إِلَى الاستانة لمساعدة الدولة على مقاومة انكلترا ورفض طلباتها فاقتنع جلالته بِعَدَمِ جَوَاز الانصياع لطلبات الانكليز
وانها لَو رَأَتْ من الدولة الْعلية مقاومة اذعنت هِيَ لسحب مطالبها خوفًا على تجارتها من الْبَوَار لَو صدرت الاوامر بِعَدَمِ قبُولهَا فِي الممالك المحروسة
فاخذ فِي تحصين العاصمة وَبِنَاء القلاع حولهَا وتسليحها بالمدافع الضخمة وشكل الفرنساويون النازلون بالاستانة فرقة من مِائَتي مقَاتل اغلبهم من المدفعية وَكَذَلِكَ الاسبانيون لمضادة سفيرهم المركيز دالمنييرا لسياسة انكلترا فِي الشرق واهتم كل من فِي الاستانة فِي هَذَا الْعَمَل الوطني حَتَّى الشُّيُوخ والاطفال وَالنِّسَاء وبذل الانكشارية من الاهتمام اكثر مِمَّا كَانَ يؤمل مِنْهُم وَكَانَ السُّلْطَان بِنَفسِهِ يناظر الاشغال ويحث المشتغلين بهَا على مُوَاصلَة اللَّيْل بِالنَّهَارِ لاتمام القلاع لصد هجمات الاعداء فَلم يمض بضعَة ايام حَتَّى صَارَت الْمَدِينَة فِي مأمن من كل طَارِئ ووقفت عدَّة سفن فِي مدْخل البوسفور لمنع كل مهاجم مَعَ اسْتِمْرَار الاشغال فِي بوغاز الدردنيل فَلَمَّا رأى الاميرال الانكليزي اسْتِحَالَة دُخُوله البوسفور وَقرب انْتِهَاء تحصينات الدردنيل خشِي من حصر مراكبه بَين البوغازين وقفل رَاجعا إِلَى الْبَحْر الابيض فِي 20 ذِي الْحجَّة سنة 1221 اول مارس سنة 1807 فنجا مِنْهُ بمراكبه بعد ان قتل من رِجَاله سِتّمائَة وغرق من سفنه اثْنَتَانِ من مقذوفات قلاع الدردنيل وَاجْتمعَ بمراكب الروسيا عِنْد مدْخل البوغاز
ثمَّ اراد الاميرال الانكليزي أَن يَأْتِي عملا يمحو مَا لحقه من الْعَار بِسَبَب فشله فِي هَذِه المأمورية فقصد ثغر الاسكندرية وَمَعَهُ خَمْسَة آلَاف جندي بري تَحت قيادة الجنرال فريذر فاحتلها فِي 10 محرم سنة 1222 20 مارس سنة 1807 ثمَّ سير فرقة إِلَى ثغر رشيد لاحتلاله فانهزمت وعادت بخفي حنين ثمَّ اعاد الكرة عَلَيْهَا فِي شهر ابريل وحاصر الْمَدِينَة فِي 8 صفر 17 ابريل لَكِن لم يقو على فتحهَا لارسال مُحَمَّد باشا المدد اليها واخيرا رحلوا عَن الديار المصرية ونزلوا فِي مراكبهم فِي 10 رَجَب سنة 1222 13 سبتمبر سنة 1807 لعدم امكانهم التفرغ لفتحها مَعَ اشتغالهم بالحروب فِي اوروبا ولوجود الْحُكُومَة المصرية فِي قَبْضَة ممدن مصر وباعثها من رمسها ومعيد مجدها من لَهُ عَلَيْهَا الايادي الْبيض طول الدَّهْر الامير الْجَلِيل المرحوم مُحَمَّد عَليّ باشا مؤسس العائلة