الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثورة البلغار وَجَوَاب اللورد دربي
لَا يخفى ان كثيرا من اعيان الروس واعضاء العائلة الملوكية بهَا شكلوا عدَّة جمعيات لنشر النّفُوذ الروسي بَين الطوائف الَّتِي تنْسب حَقِيقَة اوقولا إِلَى العنصر الصقالبي السلافي وَمن اكبر رؤسائها الجنرال اغناتيف الشهير وَقد بذلت هَذِه الجمعيات المعضدة من نفس الامبراطور والحكومة مساعيها لاثارة البوسنة والهرسك فنجحت كَمَا رَأَيْت وسترى وَكَانَ لَهَا عدَّة فروع فِي بِلَاد البلغار لتوزيع المَال وَالسِّلَاح سرا على المسيحيين من سكانها وتحريضهم على عصيان الدولة وَطلب الِاسْتِقْلَال وَلها ايضا مَرْكَز مُهِمّ فِي مَدِينَة ويانة عَاصِمَة النمسا كَانَت ترسل مِنْهَا الأسلحة وَغَيرهَا عَن طَرِيق رومانيا مِمَّا يثبت أَن للنمسا ضلعا فِي هَذِه الحركات العصيانية وبهذه المساعي الخبيثة الشيطانية كفر البلغاريون نعْمَة الدولة عَلَيْهِم الَّتِي لم تتصد لَهُم فِي بادئ الامر بتغيير دينهم اَوْ اماتة لغتهم بل ساعدتهم بِعَدَمِ تعرضها لَهُم على حفظ جنسيتهم قوميتهم وَقَامُوا يطالبون بالاستقلال بِنَاء على ايعاز ارباب الدسائس من الاجانب وَحَيْثُ كَانَت الدولة انزلت بِبِلَاد البلغار بعض عائلات الجركس الْمُهَاجِرين هربا من حُكُومَة الروسيا والاحتماء تَحت ظلّ جلالة الْخَلِيفَة الاعظم فقد افهم المهيجون البلغاريين ان الدولة تبغي اقطاع اراضيهم لهَؤُلَاء الجراكسة واسبتعاد المسيحيين لَهُم فحصلت عدَّة حركات عصيانية فِي سبتمبر واكتوبر سنة 1875 اطفئت بِسُرْعَة وارسلت الدولة عدَّة الايات من الباشبوزوق منعا لعودة الثائرين للعصيان وَفِي اوائل شهر ابريل سنة 1876 اتى إِلَى البلغار عدد عَظِيم من دعاة الثورة وَالْفساد وعقدوا اجتماعا فِي احدى مدنها حَضَره مندبون من اللجان المركزية فِي ويانة وبخارست عَاصِمَة رومانيا الَّتِي كَانَت لم تزل تَحت
سيادة الدولة الْعلية وقرروا جَمِيعًا فِي هَذَا النادي وجوب الْمُبَادرَة إِلَى اثارة الْعِصْيَان مغررين البلغاريين بَان الروسيا مستعدة لمدهم بالجيوش لَو تغلبت عَلَيْهِم جيوش الدولة وتدفع لَهُم ايضا قيمَة مَا يتْلف من مساكنهم ومزروعاتهم وان يكون ابْتِدَاء الثورة قتل الْمُسلمين وايقاد النَّار فِي مَدِينَة ادرنة فِي مائَة مَوضِع وَفِي مَدِينَة فيليبه فِي سِتِّينَ موضعا ثمَّ يهجم ثَلَاثَة آلَاف نفر على مَدِينَة بازار جق
وَفِي اول مايو سنة 1876 نفذ اغلب هَذَا الْقَرار وحصلت عدَّة مذابح فِي كثير من الْقرى قتل فِيهَا كثير من الْمُسلمين لتجردهم عَن السِّلَاح وَعدم امكانهم رد الْقُوَّة بِمِثْلِهَا وَلما وصل هَذَا الْخَبَر إِلَى الْوَالِي ارسل إِلَى الاستانة يطْلب الجيوش لاتساع نطاق الثورة شَيْئا فَشَيْئًا وَعدم كِفَايَة العساكر الْمَوْجُودَة تَحت امْرَهْ ثمَّ وزع كثيرا من الاسلحة على الْمُسلمين ونظمهم بهيئة رَدِيف وَلما اتى اليه المدد أمكنه قمع الثورة بِوَاسِطَة الالايات المنتظمة والباشبوزوق والرديف وَاسْتِعْمَال الشدَّة مَعَ من يضْبط من الثائرين وَلما كَادَت تخيب مساعي دعاة الْفساد اشاعوا باوروبا ان العساكر العثمانية ارتكبت مَالا يرتكبه المتبربرون واسدلوا عَطاء الْغَرَض على مَا اقترفه البلغاريون من قتل الْمُسلمين فِي بادئ الامر وهولوا فِي الْمَسْأَلَة وَجعلُوا الْحبَّة قبَّة ليستميلوا الرَّأْي الاوروبي اليهم وَفتح الْمَسْأَلَة الشرقية وَتكلم بعض وزراء الدول بِمَا يمس كَرَامَة الدولة الْعلية فِي مجَالِس نوابهم وشددوا عَلَيْهَا النكير خُصُوصا المستر غلادستون زعيم حزب الاحرار بِبِلَاد الانكليز فانه القى الْخطب الرنانة والف الرسائل المطولة طَعنا على الدولة ناسبا اليها مَا لم يسمع بِمثلِهِ فِي التَّارِيخ نَاسِيا مَا فعلته حُكُومَة بِلَادهمْ مَعَ الايرلانديين واهالي اوستراليا الاصليين الَّذين اعدمتهم عساكرها والمهاجرون من سكانها رميا بالرصاص وبهذه المساعي الخبيثة هاج الرَّأْي الْعَام خُصُوصا فِي انكلترا ضد الدولة الْعلية حَتَّى ارسل اللورد دربي نَاظر خارجية انكلترا رقيما إِلَى السّير هنري لُيُوث سفيرها بالاستانة بتاريخ 18 سبتمبر سنة 1876 ضمنه خُلَاصَة تَقْرِير كَانَ ارسله المستر بارنج سكرتير سفارة انكلترا بالاستانة الَّذِي كلف بتحقيق مَا نسب للْمُسلمين
وامره فِي آخر هَذَا الرقيم بعد لوم الدولة على مَا ينْسبهُ الاجانب اليها من التَّقْصِير ان يطْلب مُوَاجهَة السُّلْطَان عبد الحميد الَّذِي جلس مُنْذُ قريب على تخت السلطنة العثمانية وَيطْلب مِنْهُ باسم ملكة دولة انكلترا التعويض على الثائرين وَبِنَاء مَا هدم من الْكَنَائِس والبيوت على مصاريف الدولة ومساعدة الاهالي الَّذين اشْتَدَّ بهم الْفقر على اعادة الاعمال ومجازاة المامورين الَّذين امروا باجراء هَذِه الفظائع واناطة ادارة هَذِه الْبِلَاد لوال عَادل ذِي همة ونشاط بِشَرْط ان يكون مسيحيا وان كَانَ مُسلما فَيكون لَهُ مستاشرون من المسيحيين يُمكن النَّصَارَى من السكان الِاعْتِمَاد عَلَيْهِم والثقة بهم إِلَى آخر مَا جَاءَ بِهَذَا الرقيم المسطر فِي الْكتاب الازرق واليك نَصه نقلا عَن مَجْمُوعَة الجوائب
قد وصل إِلَى دولة سَعَادَة الملكة محرراتكم عدد 964 فِي خَامِس هَذَا الشَّهْر جُمْلَتهَا نُسْخَة من تَقْرِير مستر بارنغ الْمُشْتَمل على اسْتِقْصَائِهِ عَن الْمُنكر الَّذِي جرى مُنْذُ قريب على النَّصَارَى سكان البلغار وَكَانَت الدولة مترقبة من سباق تَقْرِير المومأ اليه الَّذِي بعثتم بِهِ ان تسمع بِأَن الجرائر الَّتِي اقترفها الباشبوزوق والجراكسة فِي تِلْكَ الْبِلَاد كَانَت فظيعة فيسؤها الْآن ان تعلم من هَذَا التَّقْرِير التَّام ان مَا كَانَت تترقبه كَانَ فِي مَحَله ثمَّ ان بعض الاخبار الَّتِي شاعت بِخُصُوص هَذِه الجرائم وان كَانَ غير صَحِيح الا انه لم يبْق ريب فِي ان تصرف وَالِي ادرنه بِكَوْنِهِ امْر جَمِيع الْمُسلمين بَان يتقلدوا السِّلَاح هُوَ الَّذِي سَبَب حشد قوم من الفتاك واللصوص فارتكبوا الجرائم بِدَعْوَى انهم يحاولون اطفاء الْفِتْنَة وَهَذِه الجرائم وصفهَا المستر بارنغ بانها افظع شَيْء شان تواريخ هَذَا الْقرن وَقد تبين ايضا ان اكثر اصحاب الامر وَالنَّهْي فِي الْولَايَة قد اجازوا هذاالمنكر اَوْ غضوا النّظر عَنهُ فَلم يبالوا باصلاح الْحَال اَوْ انهم اصلحوا مَالا يعبأ بِهِ وَمَعَ انه قبض على 1956 نفس من البلغاريين لاشتراكهم فِي الْعِصْيَان الَّذِي لم يقارنه خطر فَلم تجر عُقُوبَة على قَتله الرِّجَال الَّذين لم يُوجد مَعَهم سلَاح وعَلى قتلة النِّسَاء والاولاد الا عشْرين نفسا مِنْهُم فَالظَّاهِر ان اصحاب الامر وَالنَّهْي فِي الاستانة لم يطع لَهُم امْر وانهم لم يطلعوا على حَقِيقَة الْحَال وَمَا كَانَ لدولة الملكة ان تظن انه من الْمُمكن ان الْبَاب العالي يرقي اولئك
المامورين الَّذين افعالهم معرة وضرر على المملكة العثمانية اَوْ انه يمنحهم نياشين وَقد رُوِيَ ان الْقَتْل الَّذِي جرى فِي باتاق كَانَ فِي 9 مايو الْمَاضِي وَبَقِي إِلَى 21 من جولاي تموز مكتوما عَن الْبَاب العالي اَوْ غير مبال بِهِ فَلم يعرف هَذَا الامر الا من تَقْرِير مستر بارنغ الْمَذْكُور حَيْثُ علم مِنْهُ ان ثَمَانِينَ نفسا من النِّسَاء وَالْبَنَات اخذن إِلَى قرى الْمُسلمين وَذكر اسماءها وَلم يزلن فِيهَا وان جثث المقتولين بقيت غير مدفونة وَمَا اُحْدُ بذل الْجهد فِي الِاطِّلَاع على مرتكب هَذِه الشرور وَلَا حَاجَة لي هُنَا إِلَى ايراد مَا فَصله مستر بارنغ فِي تَقْرِيره مِمَّا يدل على ان اهل هَذِه الْولَايَة المنحوسة كَانُوا هدفا للاعمال الصادرة عَن غلو وَنهب وسلب وَمَا بدا حَتَّى الْآن سعي بليغ فِي تعويض هَؤُلَاءِ المضيمين عَن الضَّرَر الَّذِي لحق بهم وَلَا فِي تامينهم فِي الْمُسْتَقْبل اذ لم يرجع اليهم مَا فقدوه من الْمَاشِيَة والامتعة وَلم تزل كنائسهم وَبُيُوتهمْ خرابا وهم يتضورون جوعا وَقد هلك عَنْهُم رزقهم من الْحَرْث والاعمال وَمَا بَقِي من قراهم سالما يامن من ان يَأْتِي عَلَيْهِ مَا اتى على الْقرى الخربة وَلم يزل الْعدوان فاشيا كَمَا اعْترف بِهِ مدير عورت الْآن وَالْبَاب العالي عَاجز اَوْ متقاعس وَقد اخبرت جنابكم بِمَا احدثه شيوع هَذِه الشنائع من اهل بريطانيا من الغيظ المحنق وَعِنْدِي من الْيَقِين ان مثل هَذَا الاحساس سرى ايضا إِلَى جَمِيع سكان اوروبا فَالْآن اقول ان الْبَاب العالي لَيْسَ فِي وَسعه ان يغالب الافكار العمومية فِي غير ممالكه وَلَا ان يظنّ ان دولة بريطانيا اَوْ غَيرهَا من الدول الَّتِي وَقعت على معاهدة باريس تظهر عدم المبالاة بِمَا اصاب فلاحي البلغار من الرزء والجور النَّاشِئ عَن الانتقام وَمهما يكن من الملاحظات السياسية فَلَا يُمكن اباحة هَذِه الافعال فَلَا بُد من التعويض على من اصيبوا بِهَذَا الرزء وكفالة تامينهم وسلامتهم فِي الْمُسْتَقْبل وَهَذَا اُحْدُ الشُّرُوط الَّتِي يَنْبَغِي عَلَيْهَا حل الْمسَائِل المعترضة الْآن فَمن اجل ابلاغ رَأْي دولتنا بِنَوْع مُؤثر إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان الَّذِي جلس مُنْذُ قريب على
تخت سلطنة العثمانية يَنْبَغِي ان تَطْلُبُوا مواجهته وتبلغوه على وفْق مُرَاد الدولة خُلَاصَة تَقْرِير مستر بارنغ وتذكروا لَهُ اسماء شوكت باشا وحافظ باشا وطوسون بك وَاحْمَدْ اغا وَغَيرهم من المامورين الَّذين صرح باعمالهم الْمُنكرَة واطلبوا باسم الملكة ودولتها التعويض وَالْعَدَالَة والحوا ببناءما هدم من الْكَنَائِس والبيوت وباسداء المساعدة اللَّازِمَة لاعادة الاعمال والاشغال ولاغاثة الَّذين حاق بهم الْفقر واذْكُرُوا على الْخُصُوص انه لَا بُد من الْبَحْث عَن الثَّمَانِينَ امْرَأَة واعادتهن إِلَى اهلهن وَكَذَلِكَ الحوا باجراء عِبْرَة على الَّذين اشْتَركُوا فِي تِلْكَ الافعال الشنيعة اَوْ تساهلوا فِيهَا وَيَنْبَغِي ان يمْتَحن اولئك الَّذين اعطوا نياشين ورتبا لاوهام بَاطِلَة فِي حَقِيقَة سلوكهم وتصرفهم ويجردوا عَن مَنْزِلَتهمْ ان كَانَ ذَلِك لم يَقع فعلا ويبذل السَّعْي البليغ فِي اعادة الثِّقَة والامن ولهذه الْغَايَة يظْهر من الصَّوَاب ان تِلْكَ الْجِهَات الَّتِي جرى فِيهَا الْهَرج والمرج تجْعَل تَحت مامور ذِي همة واقدام يعين لهَذَا الْخُصُوص فاذا لم يكن من النَّصَارَى يلْزم ان يكون مَعَه مشيرون مِنْهُم بِحَيْثُ تركن اليهم النَّصَارَى وتثق بهم وَهَذَا الامر يكون مؤقتا من دون ان يكون مَانِعا لما تتفق عَلَيْهِ الدول فِي الْمُسْتَقْبل واذْكُرُوا ايضا بِكَلَام اكيد بليغ تهامل المامورين فِي تِلْكَ الْجِهَات وَعدم الْكِفَايَة من استقصاء اديب افندي وَمن تَقْرِيره الَّذِي ابلغ إِلَى الدول ابلاغا رسميا اذ لَا يعْتَمد عَلَيْهِ وَمن اجل ان يكون طَلَبكُمْ مفهوما اتْرُكُوا مَعَ الصَّدْر الاعظم عِنْد انْتِهَاء محاورتكم مَعَه تذكره هَذِه الملاحظات الَّتِي فوضت اليكم بامر الملكة لتعرضوها على مسامع السُّلْطَان الامضاء دربي
فَلْيتَأَمَّل الْقَارئ إِلَى نِسْبَة التوحش للدولة الَّتِي لم تأت غير مَا تَأتيه غَيرهَا من الدول لَو حصلت بهَا ثورة داخلية مَعَ ان الروسيا ارتكبت وَمَا زَالَت إِلَى الْآن ترتكب مَعَ يهود بلادها مَا لم يسمع بِهِ ايام تيمورلنك من الطَّرْد والنهب والمصادرة وَكَذَلِكَ مَعَ اهالي بولونيا وليتذكر الْمطَالع مَا فعلته فرنسا فِي الجزائر والنمسا والروسيا مَعًا فِي بِلَاد المجر سنة 1848 وَمَا فعلته انكلترا نَفسهَا فِي ايرلاندا وَيحكم بعد ذَلِك بَان دَعْوَى دوَل اوروبا بنشر الْحُرِّيَّة والمدافعة عَنْهَا حَقِيقَة بِالِاعْتِبَارِ اَوْ انها مُجَرّد شباك لَا تقصد بهَا الا التدخل فِي الشرق والتهامه قِطْعَة بعد اخرى