المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ السلطان الغازي عبد المجيد خان - تاريخ الدولة العلية العثمانية

[محمد فريد بك]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فِيمَن ولي الْخلَافَة الاسلامية قبل مُلُوك الدولة الْعلية العثمانية

- ‌الْخُلَفَاء الامويون

- ‌دولة بني امية

- ‌ظُهُور دولة العباسيين

- ‌بَنو طولون بِمصْر

- ‌ظُهُور الدولة الفاطمية بتونس

- ‌دولة بني بويه

- ‌الاخشيديون بِمصْر

- ‌الفاطميون بِمصْر

- ‌السلجوقيون

- ‌الحروب الصليبية

- ‌دولة المماليك البحرية بِمصْر

- ‌دولة المماليك الجراكسة

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي بَغْدَاد

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي مصر

- ‌دولة المماليك

- ‌ المماليك البرجية

- ‌ المماليك الشراكسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌ السلكان الْغَازِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وواقعة قوص اوه

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وَاقعَة نيكوبلي فَلَمَّا علم سجسمون ملك المجر خبر مَا حل بِبِلَاد البلغار خشِي عَليّ مَمْلَكَته اذ صَار متاخما فِي عدَّة نقط للدولة الْعلية فاستنجد باوروبا وساعده البابا واعلن

- ‌اغارة تيمورلنك على آسيا الصُّغْرَى

- ‌الفوضى بعد موت السُّلْطَان بايزيد

- ‌ انْفِرَاد السُّلْطَان

- ‌ السُّلْطَان مرادخان الثَّانِي الْغَازِي

- ‌تنازل السُّلْطَان عَن الْملك وعودته اليه

- ‌فتْنَة اسكندر بك

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌فتح جزائر اليونان ومدينة اوترانت

- ‌حِصَار مَدِينَة رودس

- ‌ترتيباته الداخلية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي بايزيد خَان الثَّانِي واخوه الامير جم

- ‌ابْتِدَاء العلاقات مَعَ دوَل اوروبا

- ‌عصيان اولاد السُّلْطَان عَلَيْهِ وتنازله عَن الْملك لِابْنِهِ سليم

- ‌ السُّلْطَان سليم الاول الْغَازِي الملقب ب ياوز أَي الْقَاطِع

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز

- ‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الاول القانوني

- ‌فتح مَدِينَة بلغراد

- ‌فتح جَزِيرَة رودس

- ‌تدَاخل الدولة الْعلية فِي بِلَاد القرم والفلاخ وفتنة الانكشارية

- ‌ابْتِدَاء المخابرات والمراسلات بَين الدولة الْعلية وَملك فرانسا

- ‌فتح بِلَاد المجر وعاصمتها

- ‌اغارة ملك النمسا على المجر وفتحه مَدِينَة بود وانتصار العثمانيين عَلَيْهِ واسترجاع المجر

- ‌ابْتِدَاء الحروب مَعَ النمسا وحصار ويانه عاصمتها اول دفْعَة

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَانِي دفْعَة

- ‌فتح مَدِينَة بَغْدَاد

- ‌الامتيازات القنصلية

- ‌خير الدّين باشا البحري وَفتح اقليمي الجزائر وتونس

- ‌اتِّحَاد فرنسا والدولة الْعلية على محاربة النمسا وَبَعض وقائع اخرى

- ‌موت زابولي ملك المجر وسفر السُّلْطَان إِلَى بود لمحاربة النمساويين

- ‌سفر الدونانمة العثمانية إِلَى فرانسا وَفتح مَدِينَة نيس

- ‌ابرام الصُّلْح مَعَ النمسا

- ‌فتح عدن

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَالِث دفْعَة

- ‌حِصَار جَزِيرَة مالطه

- ‌فتح مَدِينَة سكدوار

- ‌موت السُّلْطَان سُلَيْمَان

- ‌اسباب الانحطاط

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّانِي

- ‌فتح جَزِيرَة قبرص

- ‌وَاقعَة ليبانت البحرية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مرادخان الثَّالِث

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز رَابِع دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الثَّالِث

- ‌السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الاول وانتصار الشاه عَبَّاس

- ‌ السُّلْطَان مصطفى خَان الاول

- ‌ السُّلْطَان عُثْمَان خَان الثَّانِي وخلعه ثمَّ قَتله وارجاع السُّلْطَان مصطفى ثمَّ عَزله

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُرَاد خَان الرَّابِع

- ‌محاربة الْعَجم واستيلائهم على بَغْدَاد

- ‌ثورة الانكشارية وقتلهم الصَّدْر الاعظم حَافظ باشا وثورة فَخر الدّين الدرزي

- ‌فتح اريوان واسترجاع بَغْدَاد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي ابراهيم خَان الاول وَفتح جَزِيرَة كريد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الرَّابِع

- ‌فتح قلعة نوهزل

- ‌حِصَار مَدِينَة ويانه اخر دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الثَّالِث

- ‌معاهدة بسار وفتس

- ‌تَقْسِيم مملكة الْعَجم بَين العثمانيين والروس وعزل السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الاول وَظُهُور نادرشاه

- ‌معاهدة بلغراد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عُثْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّالِث

- ‌ وَصِيَّة بطرس الاكبر

- ‌عصيان عَليّ بك بِمصْر

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الاول

- ‌اسْتِيلَاء الروسيا على بِلَاد القرم

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّالِث

- ‌معاهدتي زشتوي وياش

- ‌بعض اصلاحات داخلية

- ‌عصيان بازوند اوغلي

- ‌دُخُول الفرنساويين مصر

- ‌خُرُوج الفرنساويين من مصر

- ‌الْفِتَن الداخلية واسبابها

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَالِي مصر

- ‌عزل السُّلْطَان سليم الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الرَّابِع

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الثَّانِي

- ‌معاهدة بخارست مَعَ الروسيا

- ‌الوهابيون ومذهبهم

- ‌محاربة مُحَمَّد عَليّ باشا للوهابيين

- ‌ابادة المماليك

- ‌عصيان عَليّ باشا وَالِي يانيه

- ‌ثورة اليونان وطلبها الِاسْتِقْلَال

- ‌سفر الْجنُود العثمانية إِلَى اليونان

- ‌تدَاخل الدول

- ‌ اتِّفَاق آق كرمان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْمُخْتَص بالافلاق والبغدان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْخَاص بالصرب

- ‌وَاقعَة ناورين

- ‌خُرُوج العساكر المصرية من موره

- ‌الغاء طَائِفَة الانكشارية

- ‌الْحَرْب مَعَ الروسيا ومعاهدة ادرنه

- ‌احتلال فرنسا لجزائر الغرب

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَحرب الشَّام الاولى

- ‌معاهدة كوتاهيه

- ‌معاهدة خونكار اسكله سي

- ‌حَرْب الشَّام الثَّانِيَة

- ‌وَاقعَة نَصِيبين

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْمجِيد خَان

- ‌اخلاء المصريين لبلاد الشَّام

- ‌مَسْأَلَة لبنان ونقتلة المارونية

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌فرمان الكلخانة

- ‌الاصلاحات الْخَيْرِيَّة

- ‌اتِّفَاق بلطه ليمان

- ‌اسباب حَرْب القرم

- ‌وَاقعَة سينوب البحرية

- ‌النمسا وَحرب القرم

- ‌اطلاق الانكليز المدافع على مَدِينَة جدة

- ‌حَادِثَة الشَّام واحتلال فرنسا لَهَا

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْعَزِيز خَان

- ‌فؤاد باشا الصَّدْر الاعظم واصلاحاته

- ‌ ثورة كريد

- ‌سفر السُّلْطَان عبد الْعَزِيز لمصر

- ‌سفر السُّلْطَان لباريس

- ‌وضع مجلة الاحكام العدلية

- ‌الفرمان الشَّامِل لجَمِيع امتيازات الخديوية المصرية

- ‌علاقات تونس مَعَ الدولة الْعلية

- ‌مَسْأَلَة قنال السويس

- ‌الاحتفال بِفَتْح قنال السويس

- ‌عزل السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌الْفَتْوَى بعزله

- ‌ السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌قتل حسن بك لكل من حُسَيْن عوني باشا وَمُحَمّد رَاشد باشا

- ‌عزل السُّلْطَان مُرَاد

- ‌صُورَة استفتاء الوزراء فِي وجوب خلع السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الثَّانِي

- ‌البرلمان العثماني الاول

- ‌حَرْب الروسيا وَبَيَان اسباب لائحة الكونت اندراسي

- ‌حَادِثَة سلانيك ولائحة برلين

- ‌ثورة البلغار وَجَوَاب اللورد دربي

- ‌حَرْب الصرب والجبل الاسود

- ‌مؤتمر الاستانة

- ‌اخلاص المجر للدولة الْعلية

- ‌لائحة لوندرة

- ‌اعلان الْحَرْب

- ‌وَاقعَة بلفنه

- ‌الاعمال الحربية فِي الاناطول

- ‌سُقُوط قارص

- ‌المخابرات الابتدائية والهدنة

- ‌حل مجْلِس النواب

- ‌احتلال انكلترا لجزيرة قبرص

- ‌الدستور العثماني

- ‌القانون الاساسي وَالسُّلْطَان عبد الحميد

- ‌اجْتِمَاع مجْلِس المبعوثين الاول

- ‌الْحَادِثَة الارتجاعية وخلع عبد الحميد

- ‌ خَليفَة الْمُسلمين وسلطان العثمانيين مُحَمَّد رشاد خَان الْخَامِس

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌الاصلاحات الْمَالِيَّة

- ‌الاصلاحات الحربية

الفصل: ‌ السلطان الغازي عبد المجيد خان

31

-‌

‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْمجِيد خَان

وَكَانَت مُدَّة خلَافَة السُّلْطَان مَحْمُود احدى وَثَلَاثِينَ سنة وَعشرَة شهور وَمَات عَن ارْبَعْ وَخمسين سنة تَقْرِيبًا وَكَانَت ولادَة السُّلْطَان عبد الْمجِيد فِي 14 شعْبَان سنة 1237 6 مايو سنة 1822 وَكَانَ اذ ذَاك سنه 17 فَتَوَلّى الْخلَافَة وَلم يبلغ الثَّامِنَة عشرَة من عمره وَكَانَت الْحُكُومَة فِي غَايَة الِاضْطِرَاب بِسَبَب انتصار جيوش مُحَمَّد عَليّ باشا بنصيبين كَمَا مر واحتلال جيوشه لمدائن عين تَابَ وقيصرية وملطية

وَمِمَّا زَاد احوال الدولة ارتباكا وشغل الخواطر باوروبا ان احْمَد باشا القبودان الْعَام للدونانمة التركية خرج بِجَمِيعِ مراكبه الحربية واتى بهَا إِلَى ثغر الاسكندرية وَسلمهَا إِلَى مُحَمَّد عَليّ باشا فِي 2 جماد اول سنة 1255 14 يوليو سنة 1839 وَكَانَ فعل احْمَد باشا القبودان مسببا عَن تَوْجِيه منصب الصدارة الْعُظْمَى إِلَى خسرو باشا الَّذِي كَانَ قد سبق تَعْيِينه واليا على مصر وَخرج مِنْهَا بِنَاء على رَغْبَة الاهالي فِي تعْيين مُحَمَّد عَليّ باشا واليا عَلَيْهَا وخوفه من الايقاع بِهِ بِسَبَب مَا كَانَ بَينه وَبَين مُحَمَّد عَليّ باشا من علائق الارتباط والمحبة

لما علم قناصل الدول بالاستانة بِتَسْلِيم الدونامة التركية إِلَى مُحَمَّد عَليّ باشا خَشوا رحف ابراهيم باشا على الْقُسْطَنْطِينِيَّة فترسل الروسيا جيوشها لمحاربته بِنَاء على معاهدة خونكار اسكله سي لَا سِيمَا وَقد فقدت الدولة جَمِيع جيوشها الْبَريَّة وسفنها الحربية فأرسلوا إِلَى الْبَاب العالي لائحة اشتراكية بتاريخ 16 جماد اول سنة 1255 28 يوليو سنة 1839 ممضاة من سفراء فرنسا وانكلترا والروسيا والنمسا والبروسيا يطْلبُونَ مِنْهُ ان لَا يقر شَيْئا فِي امْر الْمَسْأَلَة المصرية الا باطلاعهم

ص: 455

واتحادهم وانهم مستعدون للتوسط بَينه وَبَين مُحَمَّد عَليّ باشا لحل هَذِه الْمَسْأَلَة المهمة فَقبل الْبَاب العالي هَذِه اللائحة وَاجْتمعَ السفراء عِنْد الصَّدْر الاعظم فِي 18 جماد اول 30 من الشَّهْر الْمَذْكُور وتداولوا فِيمَا يجب اعطاؤه لمُحَمد عَليّ باشا فأبدى سفيرا انكلترا والنمسا ضَرُورَة ارجاع الشَّام للدولة الْعلية وعارضهم فِي هَذَا الرَّأْي سفيرا فرنسا والروسيا وطلبا ان يمنح مُحَمَّد عَليّ باشا ملك مصر وولايات الشَّام الاربع لَكِن انحاز سفير البروسيا إِلَى الرَّأْي الاول فتقرر بالاغلبية ثمَّ طلب المسيو دي مترنيخ اكبر وزراء النمسا ان يعْقد مؤتمر دولي فِي مَدِينَة فيينا اَوْ لوندره لاتمام المداولات بشأن الْمَسْأَلَة المصرية فَلم يقبل مِنْهُ ذَلِك عِنْد الْكل سِيمَا فرنسا وانكلترا فَلم يقبلا ذَلِك وَلم يميلا لهَذَا الطّلب لعدم ثقتهم بالمسيو دي مترنيخ وَكَذَلِكَ الروسيا لم تقبل تخويل مؤتمر دولي حق تَحْدِيد علاقاتها مَعَ الْبَاب العالي بل اعلنت انها مصرة على التَّمَسُّك بنصوص معاهدة خونكار اسكله سى وَهِي حماية الدولة بعساكرها ومراكبها وبالتالي احتلال مُعظم املاكها بِدُونِ حَرْب لَو تعدى ابراهيم باشا حُدُود الشَّام فَعِنْدَ ذَلِك طلبت كل من فرنسا وانكلترا من الْبَاب العالي التَّصْرِيح لمراكبها بالمرور من بوغاز الدردنيل لحمايته عِنْد الضَّرُورَة من الروسيا وَمن العساكر المصرية وَجَاء الاميرال ستوبفورد بِنَفسِهِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة للحصول على هَذَا التَّصْرِيح وَلما علم بَاقِي السفراء بِهَذَا الطّلب اضْطَرَبُوا وخشوا حُصُول شقَاق بَين الدول المتوسطة واعلن سفير الروسيا بِأَنَّهُ إِذا دخلت المراكب الفرنساوية والانكليزية البوغاز يقطع علاقاته السياسية مَعَ الْبَاب العالي ويسافر فِي الْحَال وَكَانَت حكومته ارسلت لَهُ مركبا حَرْبِيّا ليسافر عَلَيْهِ إِذا اقْتضى الْحَال

ص: 457

ذَلِك وكتبت النمسا إِلَى وزارتي لوندره وباريس بِأَن طلبهما هَذَا مخل بسلم اوروبا وانهما لَو اصرا عَلَيْهِ تخرج من التَّحَالُف وَتحفظ لنَفسهَا حريَّة الْعَمَل فَلَمَّا علم الْبَاب العالي بذلك خَافَ من تفاقم الْخطب ورفض طلب حكومتي فرنسا وانكلترا وَطلب مِنْهُمَا ابعاد مراكبهما عَن مدْخل البوغاز فلهذه الاسباب وَعدم الِاتِّفَاق بَين وزراء الدول توقفت المخابرات إِلَى اوائل شهر رَجَب سنة 1255 سبتمبر سنة 1839 حَتَّى عرض اللورد بونسونبي سفير انكلترا على الْبَاب العالي ان دولته مستعدة لاكراه مُحَمَّد عَليّ باشا على رد الدونانمة التركية بِشَرْط ان يكون لَهَا حق ادخال مراكبها فِي خليج اسلامبول لصد الروسيا عِنْد الضَّرُورَة فَلَمَّا علمت بذلك حُكُومَة فرنسا ارسلت إِلَى الاميرال لالاند قَائِد اسطولها فِي مياه تركيا امرا بتاريخ 18 دسمبر سنة 1839 أَنه لَا يشْتَرك مَعَ مراكب انكلترا فِي أَي حَرَكَة عدوانية ضد حُكُومَة مُحَمَّد عَليّ باشا فَعلم الْكل أَنه لَا بُد من حُصُول خلاف بَين فرنسا وانكلترا بِخُصُوص الْمَسْأَلَة المصرية واخذت الدول حذرها مِمَّا عساه يحصل من الامور الَّتِي تنشأ بِسَبَب هَذَا الْخلاف فأعلنت النمسا بِأَنَّهَا لَا ترغب التَّدَاخُل لعدم نجاح طلبَهَا الْمُخْتَص بانعقاد مؤتمر دولي فِي فيينا اَوْ برلين واعلنت بروسيا والروسيا بِأَنَّهُمَا يقبلان كل مَا تقرره الدول فِي هَذَا الشَّأْن بِشَرْط ان يكون مُوَافقا لرغبة الْبَاب العالي وان يكون قبُوله لهَذَا الْقَرار صادرا عَن كَمَال الْحُرِّيَّة فَكَأَن الدول قبلت مَا اتّفقت عَلَيْهِ فرنسا وانكلترا بالاتحاد مَعَ الْبَاب العالي وَلَكِن لم يتم الِاتِّفَاق بَين هَاتين الدولتين لسعي انكلترا فِي ارجاع المصريين إِلَى حدودهم الاصلية وَعدم قبُول فرنسا ذَلِك ورغبتها فِي مساعدة مُحَمَّد عَليّ باشا وَذَلِكَ ان فرنسا كَانَت تود ان تكون ولايتا مصر وَالشَّام لَهُ ولذريته واقليما اطنه وطرسوس لَهُ مُدَّة حَيَاته واما انكلترا فَكَانَت لَا تُرِيدُ ان يعْطى الا ولَايَة مصر لَكِن رَغْبَة فِي ارضاء فرنسا قبلت ان يعْطى مُدَّة حَيَاته نصف بِلَاد الشَّام الجنوبي بِشَرْط ان لَا تكون مَدِينَة عكا من هَذَا النّصْف فرفضت فرنسا هَذَا الاقتراح وَقَالَت كَيفَ نحرمه من كل فتوحاته خُصُوصا بعد ان قهر الجيوش العثمانية فِي وَاقعَة نَصِيبين واننا لَو جردناه مِنْهَا لتركنا لَهُ بَابا للحرب مرّة اخرى وَهُوَ امْر لَا تكون عاقبته حَسَنَة لِأَنَّهُ يُوجب تدَاخل حُكُومَة الروسيا فِي امْر الدولة الْعلية بِمُقْتَضى

ص: 458

العهود وَلَا تكون نتيجة ذَلِك الا حَربًا عَامَّة فالاولى منعا لسفك دِمَاء الْعباد ان تُعْطى لمُحَمد عَليّ باشا الْبِلَاد الَّتِي فتحهَا لِأَنَّهُ اقوم بادارتها واحق بهَا لما تكبده فِي فتحهَا من المشاق الصعبة والمصاريف الزَّائِدَة وبذل الارواح وَلما علمت الدول بِوُقُوع الْخلاف بَين فرنسا وانكلترا اعلنت النمسا وبروسيا رسميا انهما ينحازان إِلَى احدى الدولتين الَّتِي لَا تحرم الدولة من املاكها وَبِعِبَارَة اخرى إِلَى انكلترا

واما الروسيا فارادت ان تنتهز فرْصَة عدم اتِّحَاد الدولتين لتقرير نفوذها فِي الشرق وَحقّ حمايتها على الدولة الْعلية دون غَيرهَا وارسلت إِلَى لوندره البارون دي برونو بِصفة سفير فَوق الْعَادة فوصلها فِي اواخر سبتمبر سنة 1839 وَعرض على حكومتها بالنيابة عَن قيصره ان الروسيا مستعدة لَان تتْرك لانكلترا حريَّة الْعَمَل فِي مصر وتساعدها على اذلال مُحَمَّد عَليّ باشا بِشَرْط ان تسمح لَهَا بانزال جَيش بِالْقربِ من اسلامبول فِي مَدِينَة سينوب الْوَاقِعَة على شاطئ الْبَحْر الاسود ببر الاناضول لكَي يَتَيَسَّر لَهَا اسعاف الْبَاب العالي لَو اراد ابرهيم باشا الزَّحْف على الْقُسْطَنْطِينِيَّة فصغى اللورد بالمرستون إِلَى كَلَام سفير الروسيا وَمَال إِلَى هَذَا الرَّأْي ميلًا شَدِيدا وَلَوْلَا استقباح الرَّأْي الْعَام لَهُ لقبله كل الْقبُول وَسلم بِهِ كل التَّسْلِيم لكنه لما رأى عدم مُوَافقَة الرَّأْي الْعَام لهَذَا الْمَشْرُوع اقترح على الروسيا ان تعلن اولا بتنازلها عَمَّا تخوله لَهَا معاهدة خونكاراسكله سي من حق حماية الدولة الْعلية فرفضت الروسيا ذَلِك واجلت المخابرات بشأن تَسْوِيَة المسالة المصرية إِلَى شهر يوليو سنة 1840 لعدم اتِّفَاق الدولة على حَالَة ى مرضية للْكُلّ وافية بغرض الْجَمِيع لتباينهم فِي الغايات والمقاصد وَفِي خلال هَذِه الْمدَّة ارسلت الروسيا المسيو

ص: 459

برونو ثَانِيَة إِلَى لوندره ليطلب تَعْدِيل الْمَشْرُوع الاول بَان يخول لكل من انكلترا وفرنسا الْحق فِي ارسال ثَلَاث سفن حربية فِي بَحر مرمره للاشتراك مَعَ الْجَيْش الروسي فِي حماية اسلامبول لَو هاجمها ابراهيم باشا فَلم تفز الروسيا بمرامها فِي هَذِه الْمرة ايضا

هَذَا وَلما علم مُحَمَّد عَليّ باشا بِهَذِهِ المخابرات وَتحقّق ان الدول الاوروباوية عُمُوما وانكلترا خُصُوصا ساعية فِي ارجاع جيوشه إِلَى مصر وجبره على رد كل مَا فَتحه من الْبِلَاد وان فرنسا لَا يُمكنهَا مساعدته فضلا عَن تعصب بَاقِي اوروبا ومضادتها باجمعها لَهُ اخذ فِي الاستعداد لصد الْقُوَّة بِالْقُوَّةِ بِحَيْثُ لَا يسلم شبْرًا من الارض الَّتِي صرف مَاله وَرِجَاله فِي فتحهَا الا مُضْطَرّا وكلف سُلَيْمَان باشا بتفقد سواحل الشَّام وتحصينها بِقدر الامكان لَا سِيمَا مدينتي عكا وبيروت وامر بتعليم كَافَّة الاهالي جَمِيع الحركات العسكرية وَحمل السِّلَاح لكَي يسهل لَهُ حفظ الارض الداخلي بواسطتهم وَصد المهاجمين بِوَاسِطَة الْجَيْش المتدرب على الْحَرْب ولزيادة جَيْشه استدعى من الاقطار الحجازية والنجدية الجيوش المصرية المحتلة لَهَا واخذ ايضا فِي توفير الاموال من بعض وُجُوه مصاريفها واطلق سراح مُحَمَّد ابْن عون شرِيف مَكَّة الَّذِي كَانَ قد الزمه الاقامة بِمصْر من مُدَّة وَبِالْجُمْلَةِ تخلى عَن بِلَاد الْعَرَب وَتركهَا هملا كَمَا كَانَت لاحتياجه إِلَى المَال وَالرِّجَال لانها كَانَت تكلفه سنويا مبلغا قدره سَبْعمِائة الف جنيه مصري تَقْرِيبًا بِلَا فَائِدَة ثمَّ ارسل إِلَى وَلَده ابراهيم باشا الاوامر الْمُشَدّدَة بَان يجْتَهد فِي اطفاء كل ثورة جزئية يبديها سكان الْجَبَل من أَي طَائِفَة خوفًا من اشتداد الْخطب فِي الدَّاخِل حِين الِاحْتِيَاج للانتباه لما ياتي من الْخَارِج

ثمَّ فِي اوائل سنة 1840 عاودت النمسا الكرة وَطلبت من الدولة اجْتِمَاع مؤتمر فِي مَدِينَة فيينا لتسوية هَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي اقلقت بَال الْجَمِيع فَقبلت الدول عقده فِي مَدِينَة لوندره لَا فيينا وَطلبت فرنسا ان يكون للباب العالي مَنْدُوب خصوصي فِي هَذَا المؤتمر مُرَاعَاة لَهُ لمَاله من السِّيَادَة الْعُظْمَى على الْبِلَاد الْمُتَنَازع بخصوصها

فَلَمَّا اجْتمع هَذَا المؤتمر طلبت فرنسا ابقاء الشَّام كلهَا تَحت يَد مُحَمَّد عَليّ باشا فعارضتها الْحُكُومَة الانكليزية فِي ذَلِك واصرت على مَا طلبته اولا وَهُوَ انه

ص: 460

لَا يعْطى لَهُ الا النّصْف الجنوبي مِنْهَا لَكِنَّهَا قبلت اخيرا بِنَاء على الحاح فرنسا ادخال عكا ضمن هَذَا الْقسم بِشَرْط ان يكون لَهُ مُدَّة حَيَاته فَقَط وَلَا ينْتَقل إِلَى ورثته بل يعود إِلَى الدولة الْعلية وَقبلت الروسيا والنمسا والبروسيا ذَلِك لَكِن لم تقبله فرنسا بِحجَّة ان حرمَان وَرَثَة مُحَمَّد عَليّ باشا من بِلَاد صرف السنين الطوَال فِي فتحهَا ليتركها لَهُم بعد مَوته مِمَّا يزِيد فِي حنقه على دوَل اوروبا وَرُبمَا لم يقبل هَذَا الْقَرار المجحف فتلتزم الدول باكراهه وَسَفك دِمَاء الْعباد ظلما الامر الَّذِي لم تجر هَذِه المخابرات الا لمَنعه فشددت انكلترا وخصوصا اللورد بالمرستون وزيرها الاول وابت الا رُجُوع مَا يعْطى لمُحَمد عَليّ باشا من الْبِلَاد الشامية إِلَى الدولة الْعلية بعد مَوته فَمن عدم الِاتِّفَاق وتشتت الآراء وَبعد الْوِفَاق لم ينجح هَذَا المؤتمر وَبقيت الْحَالة على ماهي عَلَيْهِ ثمَّ لما تولى المسيو تيرس رئاسة الوزارة الفرنساوية

ص: 461

فِي اول مارس سنة 1840 لم يتبع خطة اسلافه فِي انهاء الْمَسْأَلَة المصرية بالاتحاد مَعَ انكلترا بل اراد ان يضع لَهَا حدا باتفاقه راسا مَعَ الْبَاب العالي وَمُحَمّد عَليّ باشا بَان يلْزم الْبَاب العالي ان يتْرك لمُحَمد عَليّ باشا ولايات مصر وَالشَّام لَهُ ولذريته ويهدده بمساعدة فرنسا لوالي مصر ان لم يذعن الْبَاب العالي لهَذِهِ المطالب

فَأرْسل لمُحَمد عَليّ باشا يُخبرهُ بِأَن لَا يقبل مطَالب انكلترا بل يُقَوي مركزه فِي الشَّام ويتأهب للكفاح وان فرنسا مستعدة لنجدته لَو عارضته انكلترا

معاهدة 15 يوليو سنة 1840

فَلَمَّا علم اللورد بالمرستون بِهَذِهِ المخابرات حنق على الْحُكُومَة الفرنساوية وبذل جهده فِي الِاتِّفَاق مَعَ الروسيا وبروسيا والنمسا لارجاع مُحَمَّد عي باشا إِلَى حُدُود مصر والزامه بِالْقُوَّةِ ان لم يطع وَلَقَد نجح بالمرستون فِي مسعاه وامضى بتاريخ 15 يوليو سنة 1840 مَعَ من ذكر من الدول معاهدة صدق عَلَيْهَا مَنْدُوب الدولة الْعلية مقتضاها

اولا ان يلْزم مُحَمَّد عَليّ باشا بارجاع مَا فَتحه للدولة الْعلية ويحفظ لنَفسِهِ الْجُزْء الجنوبي من الشَّام مَعَ عدم دُخُول مَدِينَة عكا فِي هَذَا الْقسم

ثَانِيًا ان يكون لانكلترا الْحق بالِاتِّفَاقِ مَعَ النمسا فِي محاصرة فرض الشَّام ومساعدة كل من اراد من سكان بِلَاد الشَّام خلع طَاعَة المصريين وَالرُّجُوع إِلَى الدولة الْعلية وَبِعِبَارَة اخرى تحريضهم على الْعِصْيَان لانشغال الجيوش المصرية فِي الدَّاخِل كي لَا تقوى على مقاومة المراكب النمساوية والانكليزية

ص: 462

ثَالِثا ان يكون لمراكب الروسيا والنمسا وانكلترا مَعًا حق الدُّخُول فِي البوسفور لوقاية الْقُسْطَنْطِينِيَّة لَو تقدّمت الجيوش المصرية نَحْوهَا

رَابِعا ان لَا يكون لَاحَدَّ الْحق فِي الدُّخُول فِي مياه البوسفور مَا دَامَت الْقُسْطَنْطِينِيَّة غير مهددة

خَامِسًا يجب على الدول الْموقع مندوبوها على هَذَا الِاتِّفَاق ان تصدق عَلَيْهِ فِي مُدَّة لَا تزيد عَن شَهْرَيْن بِحَيْثُ يكون التَّصْدِيق فِي مَدِينَة لوندره

وشفعت هَذِه المعاهدة بملحق مُصدق عَلَيْهِ من مَنْدُوب الدولة الْعلية مُبين فِيهِ الْحُقُوق والامتيازات الَّتِي يُمكن منحها لمُحَمد عَليّ باشا وَقبل امضاء هَذِه المعاهدة ابتدأت انكلترا فِي تحريض سكان لبنان من دروز ومارونية ونصيرية على شقّ عَصا الطَّاعَة وارسل اللورد بونسوبني سفيرها لَدَى الْبَاب العالي ترجمانه المستر وود إِلَى الشَّام لهَذِهِ الْغَايَة وَاعْلَم بذلك اللورد بالمرستون برسالة تاريخها 29 ربيع الثَّانِي سنة 1256 30 يونيو سنة 1840 مَحْفُوظَة فِي سجلات المملكة وبمجرد وُصُول المستر وود إِلَى مَحل مأموريته اخذ فِي نشر ذَلِك بَين الاهالي وَلَقَد نجح فِي مأموريته واشهر الجبليون الْعِصْيَان وتجمعوا متسلحين وامتنعوا عَن تأدية الْخراج والمؤن العسكرية لَكِن لم تتسع هَذِه الثورة الابتدائية لتداركها فِي اولها فَأرْسل المدد من مصر واهتم كل من ابراهيم باشا وَسليمَان باشا الفرنساوي وعباس باشا الاول فِي اخمادها فاطفئت قبل ان يتعاظم امرها وعادت السكينَة فِي كَافَّة الانحاء

وَمن ثمَّ اخذ سُلَيْمَان باشا الفرنساوي فِي تحصين مَدِينَة بيروت لعلمه انها اول ميناء معرضة لمراكب الانكليز وَكَذَلِكَ بنى القلاع لحماية كل الثغور وَوضع بهَا المدافع الضخمة وَلَكِن لسوء الْحَظ لم تَجِد هَذِه الاستحكامات نفعا امام مراكب

ص: 463

الانكليز والنمسا كَمَا سَيَجِيءُ وَلما علمت الْحُكُومَة الانكليزية ان المرحوم مُحَمَّد عَليّ باشا مهتم فِي ارسال العساكر والذخائر من طَرِيق الْبَحْر إِلَى الشَّام ارادت ان تعارضه وتعاكسه اما باخذ دونانمته اَوْ تشتيتها وتفريقها ليتعذر ارسال المدد برا لوُجُود الصَّحرَاء الرملية الفاصلة بَين مصر وَالشَّام من طَرِيق الْعَريش فَأرْسلت اوامرها فِي اوائل شهر يوليو سنة 1840 إِلَى الكومودور نابير بِأَن يتَوَجَّه بمراكبه إِلَى مياه الشَّام ومصر لاستخلاص الدونانمة التركية لَو خرجت من ميناء الاسكندرية واسر اَوْ احراق الدونانمة المصرية لَو قابلها فَلَمَّا علمت فرنسا بِهَذَا الْخَبَر أرْسلت إِحْدَى بوارجها البخارية إِلَى بيروت لتبليغ قَائِد الجيوش المصرية هَذَا الْخَبَر المشؤوم فَرَجَعت فِي الْحَال المراكب المصرية إِلَى الاسكندرية حَتَّى إِذا وصل الكومودور نابير لم يجدهَا فاغتاظ لذَلِك وَيُقَال انه قبل ان يبارح مياه بيروت ارسل إِلَى سُلَيْمَان باشا كتابا بتاريخ 24 يوليو يظْهر لَهُ فِيهِ تكدره من اجراءآت القواد المصريين فِي الشَّام ومعاملتهم الثائرين بالقسوة وانهم ان لم يكفوا عَن اعمالهم البربرية على زَعمه اضْطر للتدخل وانزال عساكره إِلَى بيروت فاجابه سُلَيْمَان باشا بانه لَا يقبل ملحوظاته ويعلمه بانه لَا يخاطبه من الْآن فَصَاعِدا وَإِذا كَانَ عِنْده ملحوظات مثل هَذِه فليبدها لمُحَمد عَليّ باشا

وَلم يَبْتَدِئ شهر اغسطس سنة 1840 الا وَقد ورد خبر معاهدة 15 يوليو إِلَى مصر وَالشَّام ووردت الاوامر إِلَى الدونانمة الانكليزية بمحاصرة سواحل الشَّام واسر المراكب المصرية حربية كَانَت اَوْ تجارية فَعَاد نابير إِلَى بيروت بعد ان اخذ فِي طَرِيقه كل مَا قابله من المراكب وَوَصلهَا فِي 15 جُمَادَى الثَّانِيَة 1256 14 اغسطس 1840 واعلن العساكر المصرية باخلاء بيروت وعكا فِي اقْربْ وَقت وَنشر فِي انحاء الشَّام منشورات لاعلام الاهالي بِمَا قَرّرته الدول من بَقَاء الشَّام لمصر مَا عدا عكا وتحريضهم على الْعِصْيَان على الْحُكُومَة المصرية واظهار ولائهم للدولة الْعلية العثمانية

وَفِي الْيَوْم الْمَذْكُور 15 جماد الثَّانِي بلغت هَذِه المعاهدة رسميا إِلَى مُحَمَّد عَليّ باشا واتت اليه بعد ذَلِك قناصل الدول الاربع المتحدة وعرضوا عَلَيْهِ باسم دولهم ان تكون ولَايَة مصر لَهُ ولورثته وَولَايَة عكا لَهُ مُدَّة حَيَاته وامهلوه عشرَة

ص: 464

ايام لاعطاء جَوَابه فَطلب مِنْهُم كِتَابَة بذلك فلبوا طلبه ثمَّ فِي الْيَوْم التَّالِي افهموه ان فرنسا لَا يُمكنهَا مساعدته قطّ وان الدول مصممة على تَنْفِيذ مَا اتّفقت عَلَيْهِ وَلَو ادى ذَلِك إِلَى حَرْب اوروبية لكنه اصر على عدم الْقبُول والدفاع عَن حَقه إِلَى آخر رَمق من حَيَاته وَفِي يَوْم 25 جماد الثَّانِي 1256 24 اغيطس 1840 الَّذِي هُوَ غَايَة الميعاد الْمُعْطى لَهُ حضر اليه القناصل وَمَعَهُمْ مَنْدُوب الدولة واخبروه بانه لَا حق لَهُ الْآن فِي ولَايَة عكا وان الدول لَا تسمح لَهُ إِلَّا بِولَايَة مصر فَقَط لَهُ ولذريته فاحتدم عَلَيْهِم غَضبا وطردهم من عِنْده قَائِلا لَهُم كَيفَ يجوز أَن أسمح لكم بالْمقَام فِي بلادي وَأَنْتُم وكلاء أعدائي فِي هَذِه الديار فانصرفوا وَأَعْطوهُ عشرَة أَيَّام أخر لابداء جَوَابه بِحَيْثُ إِن لم يُجَاوب تكون الدول غير مسؤولة عَمَّا يحصل لَهُ من الضَّرَر وَبعد انْقِضَاء هَذِه الْمدَّة بِدُونِ ان يُبْدِي لَهُم جَوَابه كتب القناصل بذلك إِلَى سفراء الدول باستانبول فَاجْتمعُوا مَعَ الصَّدْر الاعظم وقرروا باتحادهم اخذ مصر وَالشَّام من مُحَمَّد عَليّ باشا

وَفِي اثناء هَذِه الْمدَّة كَانَت فرنسا اتبَاعا لرأي المسيو تيرس تستعد لِلْقِتَالِ مساعدة لمُحَمد عَليّ باشا وَلَكِن لسوء حَظّ الامة المصرية كَانَت هَذِه الاستعدادات غير كَافِيَة وَلَا تتمّ الا بعد سِتَّة اشهر لعدم وجود السِّلَاح والذخائر الكافية للحرب لَا سِيمَا وان فرنسا تكون فِي هَذِه الْحَالة مقاومة لاكبر دوَل اوروبا

وَلما تحقق اهالي فرنسا ان حكومتهم لَا تقوى على مساعدة مُحَمَّد عَليّ باشا فعلا بعد ان جرأته على المقاومة ووعدته بالمساعدة هاج الرَّأْي الْعَام على المسيو تيرس المعضد لهَذِهِ السياسة الَّتِي عَادَتْ على مصر بِالضَّرَرِ الْعَظِيم حَتَّى الْتزم للاستعفاء فِي يَوْم 3 رَمَضَان سنة 1256 29 اكتوبر سنة 1840 لَكِن لم يجد استعفاؤه لمصر نفعا لوقوفها بمفردها امام ارْبَعْ دوَل من اعظم الدول شَأْنًا واعلاها مكانة واكثرها قُوَّة اذ ارسلت فرنسا اوامرها لدونانمتها اولا بالانسحاب إِلَى مياه اليونان ثمَّ بالعودة إِلَى فرنسا وَترك مصر وَالشَّام لمراكب انكلترا تحرق موانئها بمقذوفاتها الجهنمية

وَكَانَ رُجُوع الدونانمة الفرنساوية فِي 9 اكتوبر سنة 1840 أَي قبل استعفاء المسيو تيرس بِعشْرين يَوْمًا

ص: 465

هَذَا وَلم تشترك الدول الاربع فِي محاربة مُحَمَّد عَليّ باشا بل قَامَت انكلترا وَحدهَا بِهَذَا الْعَمَل وساعدتها النمسا والدولة بِبَعْض مراكبها وعساكرها الْبَريَّة للنزول إِلَى الْبر إِذا اقْتضى الْحَال ذَلِك

واما دولة البروسيا فَلم يكن لَهَا مراكب اذ ذَاك والروسيا لم ترد الابتعاد عَن الْقُسْطَنْطِينِيَّة

وَلما وصل إِلَى سُلَيْمَان باشا بَلَاغ الكومودور نابير وَعلم بمنشوراته للاهالي اعلن فِي الْحَال بِجعْل الْبِلَاد تَحت الاحكام العسكرية وَذَلِكَ خوفًا من قيام الجبليين اتبَاعا لمشورة الانكليز وادخل فِي مَدِينَة بيروت الْعدَد الْكَافِي من الْجند وارسل لابراهيم باشا ان يحضر اليه بجيشه الَّذِي كَانَ معسكرا بِقرب مَدِينَة بعلبك ليشتركا فِي المدافعة عَن موانئ الشَّام فوصل ابراهيم باشا إِلَى بيروت وعسكر فِي ضواحيها وَفِي 12 رَجَب سنة 1256 9 سبتمبر سنة 1840 وصل الاميرال ستو بفورد الَّذِي كَانَ يجول بمراكبه امام الاسكندرية إِلَى مياه بيروت ليشترك مَعَ الكومودور نابير فِي اطلاق المدافع على موانئ الشَّام وَفِي الْيَوْم التَّالِي وصلهما العساكر الْبَريَّة وَكَانَت مؤلفة من الف وَخَمْسمِائة من المشاة الانكليزية وَثَمَانِية آلَاف بَين اتراك وارنؤود

وَفِي يَوْم 14 رَجَب 11 سبتمبر انزلت هَذِه العساكر إِلَى الْبر فِي نقطة تبعد نَحْو سِتَّة اميال فِي شمال بيروت وَلم يتَمَكَّن ابراهيم باشا من مَنعهم لوُجُود هَذِه النقطة تَحت حماية المدافع الانكليزية

وَفِي ظهر ذَلِك الْيَوْم بعد نزُول هَذِه العساكر إِلَى الْبر ارسل إِلَى سُلَيْمَان باشا بَلَاغ من الاميرالين الانكليزي والنمساوي بَان يخلي مَدِينَة بيروت حَالا فَطلب مِنْهُم مَسَافَة ارْبَعْ وَعشْرين سَاعَة كي يتداول مَعَ ابراهيم باشا فِي هَذَا الامر الجلل فَلم يقبل طلبه وابتدأ فِي اطلاق المدافع على الْمَدِينَة وَاسْتمرّ اطلاقها حَتَّى الْمسَاء وابتدئ ايضا فِي الْيَوْم التَّالِي قبل الْفجْر وَلم تقطع الا بعد هدم اَوْ حرق اغلب الْمَدِينَة واحرقت كَذَلِك كل الثغور الشامية قصد استخلاصها من مُحَمَّد عَليّ باشا وارجاعها إِلَى الدولة الْعلية كَمَا كَانَت مَعَ ان مُحَمَّد عَليّ باشا لم يَأْتِ بامر يدل على رغبته فِي الْخُرُوج من تَحت ظلّ الرَّايَة العثمانية بل لم يزل مؤكدا اخلاصه

ص: 466

وولاءه للدولة وَلم يطْلب الا بَقَاء هَذِه الولايات لَهُ ولذريته مَعَ تبعيتهم للباب العالي ودفعهم الْخراج لَهُ اعترافا بِبَقَاء تِلْكَ التّبعِيَّة وَلَوْلَا تقلب الاحوال بَينه وَبَين السُّلْطَان لتم بَينهمَا الِاتِّفَاق على احسن وفَاق وحقنت دِمَاء الْعباد وَيدل على رَغْبَة الطَّرفَيْنِ فِي ذَلِك ارسال الْبَاب العالي ساريم بيك اولا وعاكف افندي ثَانِيًا إِلَى مُحَمَّد عَليّ باشا لحل هَذِه الْمَسْأَلَة

وَلَا يخفى ان مُحَمَّد عَليّ باشا هُوَ الَّذِي خلص مصر من فِئَة المماليك الباغية وَنشر بِجَمِيعِ جوانبها لِوَاء الامن وتسبب فِي ازدياد الزِّرَاعَة ونمو التِّجَارَة حَتَّى توفرت لمصر اسباب التمدن وتيسر بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة لقوافل التِّجَارَة الاوروباوية الْمُرُور بَين الاسكندرية والسويس بِدُونِ خوف من تعدِي اُحْدُ عَلَيْهَا وَله الْفضل ايضا فِي استئصال شافة الوهابيين من بِلَاد الْعَرَب واعادة الامن إِلَى طَرِيق الْحجَّاج واستخلاص مدينتي مَكَّة وَالْمَدينَة مِنْهُم بعد ان اسْتَحَالَ اذلالهم على ايدي العساكر الشاهانية فضلا عَن انه هُوَ الَّذِي فتح بِلَاد الرّوم وَلَوْلَا مَا حصل لاعادها إِلَى الدولة الْعلية بَعْدَمَا يئست من رُجُوعهَا اليها وَهُوَ الَّذِي اعاد الامن إِلَى ربوع الشَّام بعد احتلاله لَهَا وَمنع تعدِي البدو على الْحَضَر كَمَا انه ابطل الْقِتَال المستمر الَّذِي كَانَ لَا يَنْقَطِع دَائِما بَين الدروز والمارونية الامر الَّذِي لم يحصل مثله قبل احتلاله وَلَا بعده وَقد انحرف الامير الْكَبِير بشير عَن مُوَافقَة ابراهيم باشا بعد ان حَافظ على ولائه مُدَّة رَغْبَة فِي ان يُعْطي لَهُ من لدن الْبَاب العالي اسْم امير الْجَبَل وينادى لَهُ بذلك على رُؤُوس الاشهاد فانعكس عَلَيْهِ امْرَهْ وَعَاد عَلَيْهِ شُؤْم خيانته فعزل عَن امارة الْجَبَل والزم بمفارقة الشَّام فانتبه من غفلته وَنَدم على مَا كَانَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم ثمَّ اوصلته احدى السفن الانكليزية إِلَى بيروت فقابله هُنَاكَ

ص: 467