الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَجم ثمَّ قصد سواحل الجوزرات وَفتح اغلب الْحُصُون الَّتِي اقامها البرتغاليون هُنَاكَ لَكِن اخفق امام ثغر ديو بعد ان حاصره مُدَّة ثمَّ قفل رَاجعا بالغنائم وَفتح فِي ايامه بَاقِي اقليم الْيمن وَجعل ولَايَة عثمانية
وَفِي سنة 1547 قبل اتمام الصُّلْح مَعَ النمسا اتى إِلَى الْبَاب العالي اخ لشاه الْعَجم يدعى القاصب مرزا وَطلب من السُّلْطَان انجاده ضد اخيه الَّذِي اهتضم لَهُ حقوقا فانتهز السُّلْطَان هَذِه الفرصة لتجديد الاغارة على بِلَاد الْعَجم وانتظر ريثما يتم الصُّلْح باوروبا ويهدأ باله من جِهَتهَا
دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَالِث دفْعَة
وَفِي اوائل سنة 1548 سَار بجيوشه قَاصِدا مَدِينَة تبريز فَدَخلَهَا ثَالِث دفْعَة وَفتح فِي طَرِيقه الْجُزْء التَّابِع للعجم من بِلَاد الكرد وقلعة وان الشهيرة وَعَاد يحف بِهِ النَّصْر وَالظفر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي دسمبر سنة 1549 اما القاصب مرزا فاخذ اسيرا فِي احدى الوقائع الحربية بعد ان سَار مَعَ جَيش من الاكراد إِلَى قرب مَدِينَة اصفهان
وَلم تدم السكينَة فِي ربوع بِلَاد المجر والنمسا بدسيسة رَاهِب يدعى مارتنيوزي كَانَت قربته اليها الملكة ايزابلا بِنَاء على وَصِيَّة زَوجهَا لَهَا قبل مَوته فانه سعى فِي التَّوْفِيق بَين الملكة وفردينان ملك النمسا حَتَّى انه تحصل بِقُوَّة دهائه وسلطته الدِّينِيَّة على ان تنازلت الملكة إِلَى فردينان عَن اقليم ترانسلفانيا ومدينة تمسفار خلافًا لشروط الْهُدْنَة وسير فردينان جَيْشًا نمساويا لاحتلالهما وَفِي اثناء هَذِه المخابرات كَانَ الراهب يُكَاتب السُّلْطَان سُلَيْمَان وَيظْهر لَهُ الاخلاص وَصدق الْوَلَاء لَكِن لم تخف حَقِيقَة الامر على السُّلْطَان بل علم بِهَذَا التنازل الْمُخَالف للعهود وارسل على الْفَوْر جيوشه المظفرة للمحافظة على نَفاذ شُرُوط الْهُدْنَة وارجاع النمساويين إِلَى حدودهم فارسل جَيْشًا مؤلفا من ثَمَانِينَ الف جندي إِلَى بِلَاد المجر فِي شهر سبتمبر سنة 1551 وَلم يُقَابل هَذَا الْجَيْش فِي طَرِيقه مقاومة تذكر بل فتح بِكُل
سهولة القلاع والحصون المحتلة لَهَا جيوش النمسا لاخلاء النمساويين لَهَا عِنْد اقتراب الْجنُود العثمانية اليها ودنوها مِنْهَا وَلما راى الراهب مارتينوزي افول نجمه وَعدم نجاحه فِي الْحُصُول على مرغوبه اراد السَّعْي لَدَى السُّلْطَان سُلَيْمَان مظْهرا لَهُ ميله لمساعدته فِي اخضاع اقليم ترنسلفانيا الَّذِي قاوم الجيوش العثمانية مقاومة شَدِيدَة طَمَعا فِي ان يعين هُوَ واليا عَلَيْهَا فاحس فردينان بخيانته ودس عَلَيْهِ من قَتله فِي دسمبر سنة 1551
وَفِي سنة 1552 انتصر العثمانيون على النمساويين فِي عدَّة وقائع وَفتح الْوَزير الثَّانِي احْمَد باشا مَدِينَة تمسفار وحاصرت الجيوش بعد ذَلِك مَدِينَة ارلو بِبِلَاد النمسا الحصينة مُدَّة من الزَّمن ثمَّ رفع عَنْهَا الْحصار عَلَيْهَا واجبارها على التَّسْلِيم بِمَنْع المؤونة عَنْهَا لاقتراب فصل الشتَاء وشدته فِي هَذِه الاقاليم
وَفِي اثناء ذَلِك كَانَ القبودان طرغول الَّذِي خلف القبودان الشهير خير الدّين باشا فِي غَزْو مراكب الافرنج وشواطئ بِلَادهمْ قد حَاز شهرة عَظِيمَة فِي الحروب البحرية وخافت باسه جَمِيع دوَل الافرنج المعادية للدولة الْعلية وَحفظ اسْم البحرية العثمانية من السُّقُوط بِمَوْت رئيسها بل ومؤسسها الاكبر خير الدّين باشا
معاهدة سنة 1553 بَين الدولة الْعلية وفرنسا
وَبعد موت السُّلْطَان فرانسوا الاول ملك فرنسا حذا وَلَده هنري الثَّانِي حذوه ونسج على منواله فِي مُوالَاة الدولة الْعلية والمحافظة على محبتها وتوثيق عرى
الالفة والاتحاد مَعهَا للاستعانة ببحريتها عِنْد الْحَاجة فابقى المسيو جِبْرِيل درامون سفيرا لَهُ بدار السَّعَادَة وامره بمرافقة السُّلْطَان فِي حَملته الاخيرة على بِلَاد الْعَجم فرافقه وَفِي عودته زار بَيت الْمُقَدّس فقابله الرهبان والقسوس بِكُل احتفال لتاييد المعاهدات السَّابِقَة القاضية بِجعْل جَمِيع الكاثوليك المستوطنين باراضي الدولة الْعلية تَحت حماية فرنسا ثمَّ عَاد إِلَى فرنسا فَوجدَ نيران الْحَرْب قد اشتعلت ثَانِيًا بَينهَا وَبَين النمسا فَعَاد إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَاتفقَ مَعَ الْبَاب العالي على ان تتحد الدونانمة التركية مَعَ الْعِمَارَة الفرنساوية لفتح جَزِيرَة كورسيكا مجازاة لاهالي جنوه المحتلين لَهَا على مساعدتهم لشارلكان ولتكون مركزا لاعمال الدونانمتين فِي غَزْو سواحل اسبانيا وايطاليا وابرمت بذلك معاهدة بتاريخ 16 صفر سنة 960 اول فبراير سنة 1553 وَهَذَا نَصهَا مترجمة عَن مَجْمُوعَة البارون دي تستا السَّابِق ذكرهَا
ان جلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان وهنري دي فالوا الثَّانِي ملك الفرانك قد ابرما اتحادا مُشْتَمِلًا على الْعبارَة الْآتِيَة بِخُصُوص الْحَرْب البحري جعله الله حميد الْعَاقِبَة الَّذِي سيشرعان فِيهِ ضد الامبراطور شارلكان
البند 1 بِمَا ان جلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان سُلْطَان التّرْك بارساله عمَارَة بحريّة فِي بَحر التوسكان ضد الامبراطور شارل الْخَامِس قد اعان بذلك هنري دي فالوا مُدَّة سنتَيْن بِنَاء على طلبه المتكرر فِي باديء الامر وبالخصوص بِنَاء على ترجياته الْبَالِغَة اقصى دَرَجَات الحض فقد اتّفق بَان الْملك هنري يدْفع ثَلَاثمِائَة الف قِطْعَة
من الدهب بِصفة متاخر مُرَتّب الدونانمة وَذَلِكَ حِين مَا تصير الملاحة مامونة لنقل النُّقُود بالعمارة وان السفن الحربية التابعة للْملك هنري لَا تتباعد عَن الْعِمَارَة الْمَذْكُورَة وَتعْتَبر كانها مَرْهُونَة نَظِير الْمبلغ الْمَذْكُور حَتَّى يدْفع لاميرال عمَارَة السُّلْطَان سُلَيْمَان
البند 2 مَتى توفر هَذَا الشَّرْط بِوَجْه الْعَدَالَة فان جلالة السُّلْطَان التّرْك سُلَيْمَان يقوم بتجهيز سِتِّينَ مركبا حَرْبِيّا ذَات ثَلَاثَة صُفُوف و 25 قرصانا بحريا ويرسلها للْملك هنري فِي مُدَّة اربعة شهور مُتَوَالِيَة من ابْتِدَاء اول مايو الْقَابِل
البند 3 اما فِي حَالَة مَا إِذا اراد هنري دي فالوا ان يسْتَعْمل الْعِمَارَة الْمَذْكُورَة فِي اثناء هَذِه الْمدَّة للاستعانة بهَا على الْجِهَات الغربية أَي الْجِهَات الْوَاقِعَة من ابْتِدَاء كروتون لغاية جائت فانه يقوم بِدفع مائَة وَخمسين الف قِطْعَة من الدهب إِلَى جلالة سُلْطَان التّرْك سُلَيْمَان بغاية من الضَّبْط
البند 4 كل سفينة تَابِعَة للامبراطور اَوْ للمتحالفين مَعَه سَوَاء اكانت معدة للنَّقْل اَوْ كَانَت من المراكب الْخَفِيفَة وَسَوَاء اكانت سفنا حربية صَغِيرَة اَوْ كَبِيرَة فبمجرد وُقُوعهَا اسيرة لَدَى الْعِمَارَة العثمانية تصير من تِلْكَ اللحظة ملكا للسُّلْطَان سُلَيْمَان ملك التّرْك
البند 5 المدن والقصبات والقرى والكفور الَّتِي تتغلب عَلَيْهَا هَذِه الْعِمَارَة تكون مُبَاحَة غنيمَة للترك وَجَمِيع سكانها راشدين اَوْ قاصرين رجَالًا كَانُوا اَوْ نسَاء وَلَو انهم معتنقون الدّيانَة المسيحية وَيَكُونُونَ قد سلمُوا انفسهم باختيارهم فانه لَا بُد من تَركهم اسراء وعبيدا للترك بِمُقْتَضى وَاجِبَات الِاتِّفَاق الصَّرِيحَة بِهَذَا الصدد الَّتِي قر عَلَيْهَا الامر بَين السُّلْطَان سُلَيْمَان وَبَين فرانسوا ابي هنري من مُنْذُ سبع عشرَة سنة الا ان امتلاك هَذِه المدن والقصبات والقرى والكفور والمؤن والذخائر وَكَذَلِكَ مدافع البرونز صَغِيرَة كَانَت اَوْ كَبِيرَة مَعَ جَمِيع متعلقاتها من حيوانات وَغَيرهَا الَّتِي تُوجد فِيهَا فانها تتْرك للْملك هنري بِمُوجب هَذِه المعاهدة
البند 6 إِذا اصدر الْملك هنري امْرَهْ إِلَى عمَارَة جلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان بَان تحارب شارل ملك النمسا غير متجهة نَحْو الغرب بل نَحْو الشرق والجنوب ويقصد بذلك مسيرها فِي الشواطيء من عِنْد مصب نهر ترونتو لغاية كروتون بِحَيْثُ ان هَذِه الْعِمَارَة تقوم باعباء اوامر هنري بِدُونِ مُقَابل فقد اتّفق على ان الْموَاد الحربية ومؤنات المدن والقصبات الَّتِي تقع تَحت يَد التّرْك يتنازل عَنْهَا للْملك هنري وَلَكِن المدن والقصبات والقرى والكفور فانها تتْرك غنيمَة للترك كَمَا تقرر ذَلِك بالبند السَّابِق واما الوطنيون والمزارعون والقاطنون البالغون والقاصرون الرِّجَال مِنْهُم وَالنِّسَاء فانهم يسلمُونَ للاسر بِدُونِ مُعَارضَة حَتَّى وَلَو كَانُوا مِمَّن يعتنقون الدّيانَة المسيحية بل وَلَو كَانُوا مِمَّن اسْلَمْ نَفسه بمحض ارادته
البند 7 يُمكن لاميرال جلالة الْملك سُلَيْمَان ان يستولي وياسر باسم مليكه الافخم كل مَكَان تقدم عَلَيْهِ الْعِمَارَة التركية المظفرة مَتى راى ثمَّة من فَائِدَة وَذَلِكَ من ابْتِدَاء حُدُود نهر ترونتو لغاية أوترانت وكرتون وَمن ثمَّ لغاية صقلية ونابولي وعموما جَمِيع الاقاليم الْمَمْلُوكَة للامبراطور شارل الْخَامِس ملك النمسا سَوَاء اكان ذَلِك الْمَكَان دَاخل الاراضي اَوْ سَوَاء اكان مَدِينَة اَوْ قَصَبَة اَوْ قَرْيَة اَوْ كفرا اَوْ ميناء اَوْ خليجا وَله الْحق فِي الِاسْتِيلَاء على أَي سفينة يصادفها وَله ان يَغْزُو بل وان ينهب وياسر الرِّجَال وَالنِّسَاء الْبَالِغين اَوْ القاصرين حَتَّى انه يُمكنهُ مَتى شَاءَ ان يحافظ ويتملك جَمِيع مَا يغتنمه سَوَاء اكان من بني الانسان اَوْ المدن اَوْ الْبيُوت الخلوية وان يعدها ويستعملها لاحتياجاته وَلَو ضد رَغْبَة الفرنك وبالرغم عَن مضادتهم الشَّدِيدَة فِي ذَلِك
البند 8 إِذا تحصل جلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان على تملك احدى الاربع مدن
حصنها فِي اقليم البوي بِوَاسِطَة مساعي فردينان سنسيفرن برنس دي سالرنيتين بِمُقْتَضى تعهد هَذَا الامير فجلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان يُعِيد إِلَى هنري مبلغ الثلاثمائة الف قِطْعَة من الذَّهَب الَّتِي ضمن لَهُ كَمَا تقدم دَفعهَا وَذَلِكَ فِي حَالَة مَا إِذا كَانَت دفعت اليه
البند 9 جلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان يسلم عدا عَن ذَلِك الثَّلَاثِينَ سفينة حربية وبحارتها بِدُونِ ادنى فديَة وَكَذَا المدافع والمؤن وَجَمِيع الْموَاد وَيسْتَثْنى من ذَلِك رجال بحريَّته الخصوصيون وعساكره كَمَا وانه يدْفع فِي اقْربْ وَقت لبرنس سالرن الَّذِي بذل نَفسه وكل مَا فِي وَسعه للحصول عَلَيْهَا وَكَانَ نصِيبه ان حرم من منصبه وطرد من وَطنه وبيته مبلغ الثَّلَاثِينَ الف قِطْعَة من الذَّهَب الَّتِي صرفهَا بِكُل ارتياح وكرم
فَهَذِهِ البنود بالحالة الَّتِي هِيَ مَكْتُوبَة بهَا اعلاه قد وضحت بِحَسب مَا جرت بِهِ الْعَادة بِكَلَام مضبوط لايقبل التَّأْوِيل بِوَاسِطَة ارامونت سفير هنري لَدَى جلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان الَّذِي اضاف اليها قسما صَرِيحًا بِحُضُور برنس سالرنيتين بِصفة كَونه نَائِبا امينا وَمن جِهَة اخرى فقد تصدق عَلَيْهَا من رستم باشا بِمُوجب السلطة الممنوحة لَهُ من لدن جلالة السُّلْطَان سُلَيْمَان
وَقد ابرم جَمِيع ذَلِك وَاتفقَ عَلَيْهِ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فِي اول فبراير سنة 1553
فسارت مراكب الدولتين وَفتحت جَزِيرَة كورسيكا بعد شن الْغَارة على بِلَاد كلابريا وجزيرة صقلية من اعمال ايطاليا لَكِن لوُقُوع النفرة بَين القائدين لم يسْتَمر احتلالها بل افْتَرَقت العمارتان وَرجع القبودان العثماني إِلَى الاستانة
وَكَانَت هَذِه آخر دفْعَة حَارب فِيهَا العثمانيون والفرنساويون كَتفًا لكتف لتغير الظروف والاحوال حَتَّى اتت حَرْب القرم الاخيرة الَّتِي حصلت فِي اواسط هَذَا الْقرن وحاربت فِيهَا فرنسا وانكلتره مَعَ الدولة الْعلية دولة الروس لَا دفاعا عَن الدولة العثمانية بل لاضعاف الروسيا حَتَّى لَا تتمكن من الِاسْتِيلَاء على بوغاز البوسفور كَمَا سَيَأْتِي مفصلا
ولنذكر هُنَا حَادِثَة شنيعة وَهِي قتل السُّلْطَان لوَلَده الاكبر مصطفى بِنَاء على دسيسة احدى زَوْجَاته الْمُسَمَّاة فِي كتب الافرنج روكسلان اما فِي كتب التّرْك فاسمها خورم أَي الباسمة ذَلِك حَتَّى يتَوَلَّى بعده ابْنهَا سليم ولمالها من الثِّقَة بالصدر الاعظم رستم باشا اذ كَانَ تَعْيِينه بمساعيها لَدَى السُّلْطَان بعد موت اياس باشا وَمَا زَالَت تساعده حَتَّى زوجه السُّلْطَان ابْنَته مِنْهَا فكاشفته بمرغوبها وَهُوَ تمهيد الطَّرِيق لتولي ابْنهَا سليم فانتهز هَذَا الْوَزير فرْصَة انتشاب الْحَرْب بَين الدولة ومملكة الْعَجم فِي سنة 1553 وَوُجُود مصطفى ضمن قواد الْجَيْش وَكتب إِلَى بيه بَان وَلَده يحرض الانكشارية على عَزله وتنصيبه كَمَا فعل السُّلْطَان سليم الاول مَعَ ابيه السُّلْطَان بايزيد الثَّانِي فَلَمَّا وصل هَذَا الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان وَكَانَت وَالِدَة سليم قد تمكنت من تَغْيِير افكاره نَحوه قَامَ فِي الْحَال قَاصِدا بِلَاد الْعَجم متظاهرا بانه يُرِيد ان يتَوَلَّى قيادة الْجَيْش وَلما وصل إِلَى المعسكر استدعى وَلَده الْمِسْكِين إِلَى سرادقه فِي يَوْم 12 شَوَّال سنة 960 هـ 21 سبتمبر سنة 1553 وبمجرد وُصُوله إِلَى الدَّاخِل خنقه بعض الْحجاب المنوطين بتنفيذ مثل هَذِه الاوامر فَقتل رحمه الله شَهِيد دسائس زَوْجَة وَالِده وَعدم تثبت ابيه مِمَّا نسب اليه وَكَانَت هَذِه الفعلة الشنعاء نقطة سَوْدَاء فِي تَارِيخ السُّلْطَان سُلَيْمَان الَّذِي اتسعت دَائِرَة السلطنة فِي ايامه وَلَوْلَا دسيسة هَذِه الْمَرْأَة الاجنبية الَّتِي رُبمَا كَانَت مؤجرة لهَذِهِ الْغَايَة لبقي اسْمه لَا تشوبه شَائِبَة ثمَّ نقلت جثة هَذَا الشَّهِيد إِلَى مَدِينَة بورصه ودفنت مَعَ جثث اجداده وَلم تكتف هَذِه الْمَرْأَة البربرية الطباع بقتل مصطفى سُلْطَان بل ارسلت إِلَى مَدِينَة بورصة
من قتل ابْنه الرَّضِيع وَقَالَ فِي ذَلِك بعض الشُّعَرَاء
…
يادهر وَيحك مَا ابقيت لي جلدا
وانت وَالِد سوء تاكل الولدا
…
وَكَانَ رحمه الله محبوبا لَدَى الانكشارية لشجاعته ولدى الْعلمَاء وَالشعرَاء لاشتغاله بالادب وميله إِلَى الشّعْر فرثاه كثير من الشُّعَرَاء بقصائد رنانة وَلم يخشوا سطوة ابيه
اما الانكشارية فثاروا وطلبوا من السُّلْطَان قتل الْوَزير رستم باشا الْمُدبر لهَذِهِ المكيدة حبا فِي حفظ منصبه فَعَزله السُّلْطَان تسكينا لخاطرهم وَولى مَكَانَهُ الْوَزير احْمَد باشا لَكِن لم يهدأ بَال زَوْجَة السُّلْطَان حَتَّى اغرت زَوجهَا على قتل هَذَا الْوَزير وارجاع رستم باشا مُكَافَأَة لَهُ على تَنْفِيذ سيء اغراضها
وَبعد قتل هَذَا البريء تَوَجَّهت الجيوش إِلَى بِلَاد الْعَجم وَلم يحصل فِي هَذِه الْمرة وقائع مهمة بل بعد ان غزت الجيوش العثمانية بِلَاد شيروان بِدُونِ فَائِدَة تذكر مَال الْفَرِيقَانِ للصلح فتم بَينهمَا فِي 8 رَجَب سنة 962 29 مايو سنة 1555 على ان يُبَاح للاعاجم الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام ويزاولوا مَذْهَبهم بِدُونِ تعرض وَكَانَ للسُّلْطَان سُلَيْمَان ابْن آخر اسْمه جهانكير حزن حزنا شَدِيدا على قتل اخيه مصطفى حَتَّى توفّي شَهِيد الْمحبَّة الاخوية بعد موت اخيه بِقَلِيل وَاخْتلف فِي مَوته انه قتل نَفسه امام وَالِده بعد ان بكته على قتل اخيه وَقيل غير ذَلِك
وَبعد ذَلِك يقليل توفيت هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي سودت بدسائسها آخر سني حكم السُّلْطَان سُلَيْمَان الَّذِي اشْتهر قبل ذَلِك بِكُل الكمالات
وَلم تكن هَذِه الْحَادِثَة خَاتِمَة الفظائع بل اعقبها بقتل ابْنه الثَّانِي بايزيد واولاده الْخَمْسَة وَذَلِكَ ان مربي بايزيد الْمَدْعُو لَا لَهُ مصطفى عين نَاظر خَاصَّة سليم سُلْطَان وَلكَون هَذَا الامير كَانَ يخْشَى مزاحمة اخيه بايزيد لَهُ فِي الْملك بعد موت ابيهما كاشف لَا لَهُ مصطفى بانه يُرِيد ايغار صدر ابيه على بايزيد ليَقْتُلهُ وَيكون هُوَ سليم الْوَارِث الوحيد لملك آل عُثْمَان فاخذ مصطفى يبْحَث عَن الطَّرِيقَة الموصلة
لهَذِهِ الْغَايَة المشؤمة حَتَّى هداه شَيْطَان عقله وابليس سَرِيرَته إِلَى ان يكْتب لبايزيد يَقُول لَهُ ان سليما منهمك فِي الشَّهَوَات وَلَا يَلِيق ان يخلف وَالِده وَمَعَ ذَلِك فوالده مصمم على استخلافه مَعَ عدم اهليته للْملك وَعدم استعداده للخلافة فتبادلت بَينهمَا المكاتبات بشان ذَلِك واخيرا كتب بايزيد إِلَى اخيه سليم خطابا بِهِ بعض عِبَارَات تمس كَرَامَة والدهما فارسل سليم الْخطاب لابيه وَلما اطلع السُّلْطَان سُلَيْمَان على هَذَا الْخطاب غضب غَضبا شَدِيدا وَكتب لبايزيد يوبخه على مَا اتاه ويامره بالانتقال من قونيه الَّتِي كَانَ معينا واليا عَلَيْهَا إِلَى مَدِينَة اماسيا فخشي بايزيد ان يكون قصد ابيه الْغدر بِهِ وَامْتنع عَن التَّوَجُّه إِلَى اماسيا وَجمع جَيْشًا يبلغ عدده عشْرين الف نسمَة واظهر التمرد فارسل اليه ابوه الْوَزير مُحَمَّد باشا الملقب بصقللي لمحاربته فتقابل الجيشان بِقرب قونيه وَاسْتمرّ الْقِتَال يومي 30 و 31 مايو سنة 1561 واخيرا هزم بايزيد وتقهقر إِلَى اماسيا وَمِنْهَا إِلَى بِلَاد الْعَجم حَيْثُ التجأ هُوَ واولاده إِلَى الشاه طهماسب فقابله واظهر لَهُ الاخلاص والاستعداد لحمايته لكنه كَاتب السُّلْطَان سُلَيْمَان وَابْنه سليما سرا على تَسْلِيم بايزيد واولاده اليهما مَعَ انهم احتموا بحماه وَلم يرع ذمتهم بل خَانَهُمْ وسلمهم إِلَى رسل السُّلْطَان فَقَتَلُوهُمْ جَمِيعًا وهم بايزيد واولاده الاربعة اورخان ومحمود وَعبد الله وَعُثْمَان فِي مَدِينَة قزوين بِبِلَاد الْعَجم فِي 15 محرم سنة 969 25 سبتمبر سنة 1561 ونقلت جثتهم إِلَى مَدِينَة سيواس حَيْثُ واروها الثرى وَكَانَ لبايزيد ابْن صَغِير فِي مَدِينَة بورصه فخنق ايضا وَدفن فِي جَانب وَالِده واخوته
هَذَا اما من جِهَة المجر فَلم تَنْقَطِع الحروب بَينهَا وَبَين الدولة الْعلية وَكَذَلِكَ المخابرات كَانَت غير مُنْقَطِعَة للوصول إِلَى الصُّلْح وَلَا حَاجَة لنا فِي تَفْصِيل الوقائع الَّتِي حصلت بَين الجيشين لعدم وجود فَائِدَة فِي ذَلِك سوى ملال الْمطَالع بل نكتفي