الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 -
يونيو وَبعد محاربة شَدِيدَة فَازَ الفرنساويون بالغلبة وَفِي 14 محرم سنة 1246 5 يوليو احتلوا القلعة الْمُسَمَّاة سلطانية قلعة سي الْوَاقِعَة امام مَدِينَة الجزائر وَفِي تلوه دخلت الجيوش مَدِينَة الجزائر نَفسهَا بعد خُرُوج حُسَيْن باي مِنْهَا واعلنت فرنسا امتلاكها لَهَا وَبعد ذَلِك اخذت ترسل الجيوش تباعا إِلَى الجزائر لفتحها وَمَا زَالَ الاهالي يقاومونها تَحت امرة الوطني الشهير السَّيِّد عبد الْقَادِر الجزائري الَّذِي دَافع عَن بِلَاده مُدَّة سبع عشرَة سنة وَسلم نَفسه فِي 24 رَجَب سنة 1263 8 يوليو سنة 1847 م وَلم تزل الاهالي غير راضية عَن الاحتلال الفرنساوي حَتَّى الْآن وَلم تدع فرْصَة للتخلص مِنْهُ الا اتخذتها لَكِن لم تقو حَتَّى الْيَوْم على التَّخَلُّص من ربقة الاجنبي
مُحَمَّد عَليّ باشا وَحرب الشَّام الاولى
لم يكن اهتمام وَالِي مصر ومؤسس العائلة الْكَرِيمَة الخديوية بشؤون بِلَاده وادخال النظامات الجديدة فِيهَا بِأَقَلّ من اهتمام السُّلْطَان مَحْمُود فِي اصلاح داخلية مَمْلَكَته الَّتِي مصر لَا تزَال وَلنْ تزَال ان شَاءَ الله جُزْءا مِنْهَا فَأَنْشَأَ عدَّة ترع عَظِيمَة لاصلاح الرّيّ اهمها ترعة المحمودية الْخَارِجَة من النّيل وواصلة إِلَى اسكندرية لتسهيل الملاحة وَشرب اهل الثغر واقام جسورا على النّيل لحفظ الْبِلَاد من الْغَرق ونظم واقام الْمدَارِس والورش الصناعية حَتَّى صَار لَا يَأْتِي بلوازم جيوشه من الْخَارِج بل يصنع جَمِيعه بالورش المصرية من المركوب والطربوش إِلَى البندقية والمدفع وَأَنْشَأَ عدَّة سفن حربية بدل الَّتِي دمرها التمدن الاوروبي فِي ناورين لَكِن لم تكن مَالِيَّته تَكْفِي لمصاريف هَذِه الاعمال فاستعان على اتمامها
بالضرائب الفادحة وَاسْتِعْمَال الانفار تسخيرا بِلَا عوض العونة ولجهل الاهالي بِأَن فَوَائِد اتعابهم ستعود عَلَيْهِم آجلا باضعاف مَا يدفعونه عَاجلا تمكن بعض ارباب الغايات من استمالتهم للمهاجرة إِلَى بِلَاد الشَّام فَهَاجَرَ مِنْهُم خلق كثير التجأوا إِلَى عبد الله باشا وَالِي عكا الْمَشْهُور بالجزار
وَلما طلب مِنْهُ مُحَمَّد عَليّ باشا ارجاعهم خوفًا من كَثْرَة عدد من يتبعهُم إِلَى الشَّام امْتنع من ذَلِك بِدَعْوَى ان الاقليمين تابعان لسلطان وَاحِد وَسَوَاء اقام بعض سكان احدهما فِي الآخر اَوْ بِالْعَكْسِ مَا دَامَ اُحْدُ الاقليمين لم يكن حائزا على امتيازات مَخْصُوصَة كحالة مصر الْآن
وَلذَلِك امْر مُحَمَّد عَليّ باشا فِي سنة 1247 سنة 1831 باعداد الجيوش وَالتَّأَهُّب للسَّفر إِلَى بِلَاد الشَّام عَن طَرِيق الْعَريش وَعَن طَرِيق الْبَحْر فِي آن وَاحِد لمحاصرة عكا من الْجِهَتَيْنِ قبل ان يَأْتِيهَا المدد وَعين وَلَده ابراهيم باشا قائدا عَاما للجيوش المزمع سفرها وَسليمَان بيك الفرنساوي قَائِم مقَام لَهُ فَسَار هَذَا الشبل بحرا فِي 26 جُمَادَى الاولى سنة 1247 2 نوفمبر سنة 1831 إِلَى مَدِينَة حيفا تحف بِهِ الدونانمة المصرية فِي اكمل نظام واتم هندام وَكَانَت الجيوش الْبَريَّة قد سبقته من طَرِيق الْعَريش وَفتحت فِي مسيرها مَدَائِن غَزَّة ويافا وَبَيت الْمُقَدّس ونابلس وَجعل ابراهيم باشا مَدِينَة حيفا مقرا لاعماله ومركزا لاركان حربه ومستودعا للمؤن والذخائر ثمَّ ارتحل عَنْهَا لمحاصرة مَدِينَة عكا فحاصرها برا وبحرا فِي 20 جُمَادَى آخر سنة 1247 26 نوفمبر سنة 1831 حَتَّى لَا يَأْتِيهَا المدد بحرا فَلَا يقوى على فتحهَا كَمَا حصل لبونابرت من قبل حِين حاصرها سنة 1799
فَلَمَّا علم الْبَاب العالي بِدُخُول الجيوش المصرية إِلَى بِلَاد الشَّام وحصارها لمدينة عكا اعْتبر ذَلِك عصيانا من مُحَمَّد عَليّ باشا واوعز إِلَى وَالِي حلب الْمَدْعُو عُثْمَان باشا بالسير لمحاربة المصريين وبالحري ابراهيم باشا ورده إِلَى حُدُود مصر فَجمع هَذَا الْوَالِي نَحْو عشْرين الف جندي وَقصد مَدِينَة عكا لَكِن لم يمهله ابراهيم باشا ريثما يَأْتِي اليها بل ترك حول عكا عددا قَلِيلا من الْجنُود لاستمرار الْحصار وَسَار هُوَ بمعظم الْجَيْش لملاقاة الْجَيْش العثماني فَالتقى الْجَمْعَانِ بِالْقربِ
من مَدِينَة حمص وانتصر المصريون على العثمانيين بِسَبَب استعدادهم وَكَمَال نظامهم
ثمَّ عَاد ابراهيم باشا إِلَى مَدِينَة عكا وشدد عَلَيْهَا الْحصار ودخلها عنْوَة فِي 27 الْحجَّة سنة 1247 28 مايو سنة 1832 واخذ عبد الله باشا الجزار سَبَب هَذِه الْحَرْب اسيرا وارسله إِلَى مصر
وبمجرد وُصُول خبر سُقُوط مَدِينَة عكا فِي ايدي المصريين امْر السُّلْطَان مَحْمُود بِجمع كل مَا يُمكن جمعه من الجيوش المنتظمة فَجمع فِي اقْربْ وَقت نَحْو سِتِّينَ الف مقَاتل وَعين حُسَيْن باشا الَّذِي امتاز فِي مكافحة الانكشارية قائدا لَهَا فَسَار إِلَى بِلَاد الشَّام بِكُل تأن وبطء حَتَّى امكن ابراهيم باشا الاستعداد لملاقاته فتغلب اولا على مقدمته وانتصر عَلَيْهَا فِي 10 صفر سنة 1248 29 يونيو سنة 1832 واقتفى اثرها حَتَّى دخل مَدِينَة حلب الشَّهْبَاء فِي 18 صفر 7 يوليو الْمَذْكُور
وَلما علم حُسَيْن باشا بانهزام الْمُقدمَة تقهقر بِمن مَعَه من الجيوش وتحصن فِي اهم مضايق جبال طوروس الفاصلة بَين الشَّام والاناطول وَيُسمى هَذَا الْمضيق بمضيق بيلان وَهُوَ مَشْهُور فِي التَّارِيخ لمرور الاسكندر المقدوني مِنْهُ حِين اتى لفتح بِلَاد الشَّام ومصر ومرور الافرنج حِين اتوا من طَرِيق الْقُسْطَنْطِينِيَّة لفتح بَيت الْمُقَدّس واستخلاصه من ايدي الْمُسلمين اثناء الحروب الصليبية فَلحقه ابراهيم باشا وفاز عَلَيْهِ فوزا عَظِيما وَفرق شَمل جيوشه فِي غرَّة ربيع اول سنة 1248 29 يوليو من السّنة الْمَذْكُورَة وَتبع من بَقِي مِنْهُم إِلَى ان نزلُوا بمراكبهم فِي ميناء اسكندرونة فَجمع السُّلْطَان جَيْشًا آخر وقلد رئاسته إِلَى رشيد باشا الَّذِي امتاز مَعَ ابراهيم باشا فِي حَرْب موره خُصُوصا فِي محاصرة وَفتح مَدِينَة ميسولونجي وارسله إِلَى بِلَاد الاناطول لصد هجمات ابراهيم باشا عَن الْقُسْطَنْطِينِيَّة نَفسهَا إِذْ كَانَ ابراهيم باشا قد اجتاز جبال طوروس واحتل اقليم اطنه وَمَا وَرَاءه إِلَى مَدِينَة قونية فِي وسط الاناطول والتقى بِالْقربِ من هَذِه الْمَدِينَة برشيد باشا وجيشه فانتصر عَلَيْهِ واخذه اسيرا فِي 27 رَجَب سنة 1248 20 دسمبر سنة 1832 وَعند ذَلِك سَاد القلق فِي الاستانة وَخيف تقدم ابراهيم باشا بجيوشه المصرية اليها اما هُوَ فسافر حَتَّى وصل إِلَى ضواحي مَدِينَة بورصة
وَلما تَوَاتَرَتْ اخبار انتصار المصريين على العثمانيين خشيت الدول ان يكون