الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1
-
السُّلْطَان الْغَازِي
عُثْمَان خَان الاول بعد ان بلغت الدولة العباسية اوج التَّقَدُّم والتمدن فِي خلَافَة هرون الرشيد وَابْنه المامون الَّذِي ترجمت فِي ايامه اغلب كتب اليونان وَتَقَدَّمت الْعُلُوم تَحت وارف ظلها تقدما لم تبلغه الدوله الاسامية قبل عصره اخذت الدولة فِي التقهقر
شَيْئا فَشَيْئًا تبعا لناموس الْحَيَاة الطبيعية القَاضِي بالهرم بعد الشبيبة سنة الله فِي خلقه وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا وَاسْتمرّ الانحلال ينخر عظامها حَتَّى انها سَقَطت بِسُقُوط دَار السَّلَام فِي قَبْضَة قبائل التتار فِي 20 محرم سنة 656 هجرية 1258 م وقتلهم الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه اخر العباسيين بِبَغْدَاد بعد ان لَبِثت دولتهم زِيَادَة عَن خَمْسَة قُرُون دعامة التمدن الاسلامي
وَمن ثمَّ لم يكن للاسلام بعْدهَا دولة عَظِيمَة تَحْمِي بيضته وتضم اشتاته بل ضَاعَت وحدته الملكية واستقل كل حَاكم بِمَا وكل اليه امْرَهْ من العمالات الاقاليم وَاسْتمرّ الْحَال على هَذَا المنوال إِلَى ان قيض الله للاسلام تاسيس الدولة الْعلية العثمانية فَجمعت تَحت رايتها اغلب الْبِلَاد الاسلامية وَفتحت كثيرا من الاقاليم الَّتِي لم يسْبق تحليها بحلية الدّين الحنيف واعادت للاسلام قوته واعلت بَين الانام كَلمته
ومؤسس هَذِه الدولة هُوَ ارطغرل بن سُلَيْمَان شاه التركماني قَائِد احدى قبائل التّرْك النازحين من سهول اسيا الغربية إِلَى بِلَاد اسيا الصُّغْرَى وَذَلِكَ انه كَانَ رَاجعا إِلَى بِلَاد الْعَجم بعد موت ابيه غرقا عِنْد اجتيازه اُحْدُ الانهر اذ شَاهد جيشين مشتبكين فَوقف على مُرْتَفع من الارض ليمتع نظره بِهَذَا المنظر المالوف لَدَى الرحل من الْقَبَائِل الحربية وَلما انس الضعْف اُحْدُ الجيشين وَتحقّق انكساره وخذلانه ان لم يمد اليه يَد المساعدة دبت فِيهِ النخوة الحربية وَنزل هُوَ وفرسانه مُسْرِعين لنجدة اضعف الجيشين وهاجم الْجَيْش الثَّانِي بِقُوَّة وشجاعة عظيمتين حَتَّى وَقع الرعب فِي قُلُوب الَّذين كَادُوا يفوزون بالنصر لَوْلَا هَذَا المدد الفجائي واعمل فيهم السَّيْف وَالرمْح ضربا ووخزا حَتَّى هَزَمَهُمْ شَرّ هزيمَة وَكَانَ ذَلِك فِي اواخر الْقرن السَّابِع لِلْهِجْرَةِ
وَبعد تَمام النَّصْر علم ارطغرل بَان الله قد قيضه لنجدة الامير عَلَاء الدّين سُلْطَان قونية احدى الامارات السلجوقية الَّتِي تاسست عقب انحلال دولة آل سلجوق بِمَوْت السُّلْطَان ملك شاه فِي 15 شَوَّال سنة 485 18 نوفمبر سنة 1092 م فكافأه عَلَاء الدّين على مساعدته لَهُ باقطاعه عدَّة اقاليم ومدن وَصَارَ لَا يعْتَمد فِي حروبه مَعَ مجاوريه الا عَلَيْهِ وعَلى رِجَاله وَكَانَ عقب كل انتصار يقطعهُ اراضي جَدِيدَة ويمنحه اموالا جزيلة ثمَّ لقب قبيلته بمقدمة السُّلْطَان لوجودها دَائِما فِي مُقَدّمَة الجيوش وَتَمام النَّصْر على يَدَيْهِ وَفِي غُضُون ذَلِك تزوج عُثْمَان اكبر اولاد ارطغرل ببنت رجل صَالح كَانَ رَآهَا مصادفة عِنْد والدها وعلق بهَا وَلَكِن ابى والدها ان يُزَوّجهَا لَهُ فَحزن عُثْمَان لذَلِك واظهر الصَّبْر وَالْجَلد وَلم يرغب الاقتران بغَيْرهَا حَتَّى قبل ابوها بعد ان قصّ عَلَيْهِ عُثْمَان مناما رَآهُ ذَات لَيْلَة فِي بَيت هَذَا
الصَّالح وَهُوَ انه رأى الْقَمَر صعد من صدر هَذَا الشَّيْخ وَبعد ان صَار بَدْرًا نزل فِي صَدره أَي فِي صدر عُثْمَان ثمَّ خرجت من صلبه شَجَرَة نمت فِي الْحَال حَتَّى غطت الاكوان بظلها وَنظر اكبر الْجبَال تحتهَا وَخرج النّيل والدجلة والغرات والطونة من جذعها وَرَأى ورق هَذِه الشَّجَرَة كالسيوف يحولها الرّيح نَحْو مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة
فتفاءل الشَّيْخ من هَذَا الْمَنَام وزوجه ابْنَته وَمَعَ اعتقادنا ان هَذَا الْمَنَام لَا بُد ان يكون مَوْضُوعا كَمَا يضع المؤرخون مثل هَذِه الاحلام لتعليل ظُهُور وَتقدم كل دولة سَوَاء كَانَ فِي ممالك الشرق اَوْ الغرب فقد ذَكرْنَاهُ تتميما للفائدة وَقبل ان يَبْنِي بهَا كَانَ طلبَهَا امير اسكي شهر فرفض والدها طلبه فحنق على عُثْمَان لما تزَوجهَا واراد ان يفتك بِهِ فهاجمه فِي قصر اُحْدُ مجاوريه وَطلب من صَاحب الْقصر ان يُسلمهُ اليه فَأبى ثمَّ خرج عَلَيْهِ عُثْمَان وَمن مَعَه ورده على عقبه واسر كوسه ميخائيل اُحْدُ من كَانَ مَعَه من الامراء ولكثرة اعجاب هَذَا الامير بشجاعة عُثْمَان تعلق بِهِ وَصَارَ من اخصائه ثمَّ اسْلَمْ وَبقيت دريته مَشْهُورَة فِي تَارِيخ الدولة باسم عائلة ميخائيل اوغلى
وَلما توفّي ارطغرل سنة 687 هـ الْمُوَافقَة سنة 1288 م عين الْملك عَلَاء الدّين اكبر اولاده مَكَانَهُ وَهُوَ عُثْمَان مؤسس دولتنا الْعلية العثمانية وَفِي هَذِه السّنة
ولدت زَوجته مَال خاتون ولدا ذكرا وَهُوَ اورخان وَلم يلبث عُثْمَان ان تحصل على امتيازات جَدِيدَة عقب فَتحه قلعة قره حِصَار سنة 688 هجرية الْمُوَافقَة سنة 1289 ميلادية فمنحه الْملك فِي السّنة الْمَذْكُورَة لقب بك واقطعه كَافَّة الاراضي والقلاع الَّتِي فتحهَا واجاز لَهُ ضرب العملة وان يذكر اسْمه فِي خطْبَة الْجُمُعَة وَبِذَلِك صَار عُثْمَان بك ملكا بِالْفِعْلِ لَا ينقصهُ الا اللقب
وَفِي سنة 1300 م تَقْرِيبًا الْمُوَافقَة سنة 699 هـ أَي السّنة المتممة للقرن السَّابِع من التَّارِيخ الهجري اغارت جموع التتار على بِلَاد آسيا الصُّغْرَى وفيهَا كَانَت وَفَاة عَلَاء الدّين آخر السلجوقيين بقونية قيل قَتله التتر وَقيل قَتله وَلَده غياث الدّين طَمَعا فِي الْملك وَلما قتل التتار غياث الدّين ايضا انْفَتح المجال لعُثْمَان فاستأثر بِجَمِيعِ الاراضي الْمُقطعَة لَهُ ولقب نَفسه باد يشاه آل عُثْمَان وَجعل مقرّ ملكه مَدِينَة يكى شهر واخذ فِي تحصينها وتحسينها ثمَّ اخذ فِي توسيع دَائِرَة املاكه ازميد ثمَّ ازنيك وَلما لم يتَمَكَّن من فتحهَا عَاد إِلَى عاصمته واشتغل فِي تنظيم
الْبِلَاد حَتَّى إِذا امن اضطرابها وتجهز لِلْقِتَالِ ارسل إِلَى جَمِيع امراء الرّوم بِبِلَاد آسيا الصُّغْرَى يخيرهم بَين ثَلَاثَة امور الاسلام اَوْ الْجِزْيَة اَوْ الْحَرْب فَاسْلَمْ بَعضهم وانضم اليه وَقبل الْبَعْض دفع الْخراج واستعان الْبَاقُونَ على السُّلْطَان عُثْمَان بالتتار واستدعوهم لنجدتهم لَكِن لم يعبأ بهم السُّلْطَان عُثْمَان بل هيأ لمحاربتهم جَيْشًا جرارا تَحت امرة ابْنه اورخان فَسَار اليهم هَذَا الشبل وَمَعَهُ عدد لَيْسَ بِقَلِيل من امراء الرّوم وَمن ضمنهم كوسه ميخائيل صديق عُثْمَان الَّذِي اخْتَار الاسلام دينا وَبعد محاربة عنيفة شتت شَمل التتار وَعَاد مسرعا لمحاصرة مَدِينَة بورصة فحاصرها سنة 717 هـ الْمُوَافقَة سنة 1317 م وللتمكن من فتحهَا بسهولة هاجم
حصن اردنوس الْكَائِن على قمة جبل اولمب فدخله عنْوَة ثمَّ دخل مَدِينَة بورصة بعد ان فتح كَافَّة مَا حولهَا من القلاع والحصون وحاصرها نَحْو عشر سنوات من غيرما حَرْب وَلَا قتال اذ ارسل ملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة اوامره لعامله على هَذِه الْمَدِينَة بالانسحاب فاخلاها ودخلها اورخان وعساكره وَلم يتَعَرَّض لاهلها بِسوء مُقَابل دفع ثَلَاثِينَ الف من عملتهم الذهبية واسلم حاكمها افرينوس واعطى لَهُ لقب بك وَصَارَ من مشاهير قواد العثمانين