الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجزائر وَصَارَت مراكش ميدان مسابقة لدسائس الاجانب تسْعَى كل دولة فِي ازدياد نفوذها بهَا وَبِعِبَارَة اخرى لابتلاعها فَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه
وَفِي هَذِه السّنة ابتدأت المخابرات بَين الدولة واسبانيا للوصول إِلَى الصُّلْح وَبعد ان استمرت نَحْو خمس سِنِين تمّ الصُّلْح بَينهمَا لَكِن لم يمْنَع ذَلِك القراصنة من الطَّرفَيْنِ على نهب السفن التجارية وَسبي واسترقاق من بهَا من النِّسَاء وَالرِّجَال حَتَّى كَانَ يستعد للسَّفر فِي الْبَحْر الابيض الْمُتَوَسّط كَمَا يستعد لرحلة حربية لعدم الامن وَكَثْرَة القراصنة بِمَا لم يسْبق لَهُ مثيل لَان كلا من الطَّرفَيْنِ كَانَ يعْتَبر غَزْو سفن الطّرف الآخر من الْوَاجِبَات الدِّينِيَّة والقربات الْمَشْرُوعَة
محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز رَابِع دفْعَة
هَذَا واهم مَا حصل فِي ايام السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث محاربة بِلَاد الْعَجم بِنَاء على ايعاز الصَّدْر الاعظم مُحَمَّد باشا صقللي وانتهاز فرْصَة الاضطرابات الداخلية بهَا وَذَلِكَ انه لما توفّي الشاه طهماسب سنة 984 هـ سنة 1576 م تولى بعده ابْنه حيدر وَقتل بعد بضع سَاعَات قبل دفن ابيه ودفنا مَعًا ثمَّ تولى بعده اسماعيل ابْن طهماسب وَتُوفِّي مسموما سنة 985 وَخَلفه اخوه محمدد خدابنده وَكَانَت الْبِلَاد منقسمة عَلَيْهِ فارسلت الجيوش السُّلْطَانِيَّة لمحاربته وَفتح مَا تيَسّر من بِلَاده وَجعل لاله مصطفى باشا قائدا لَهَا فَسَار بجيوشه قَاصِدا اقليم الكرج من بِلَاد الجركس فِي اواخر سنة 1577 م وَكَانَت تَابِعَة إِلَى مملكة الْعَجم وَفتحهَا واحتل مَدِينَة تفليس عَاصِمَة الكرج بعد ان انتصر على جنود الشاه وتغلب على قائدهم
الْمُسَمّى دقماق بِالْقربِ من حصن جلدر فِي 8 اغسطس سنة 1578 وَعين امراء الكرج حكاما سناجق من قبل الدولة وَبعد ان قهر ثَانِيًا جيوش الْعَجم فِي 8 سبتمبر من السّنة الْمَذْكُورَة عَاد مصطفى باشا وجيوشه إِلَى مَدِينَة طرابرون لتمضية فصل الشتَاء الَّذِي لَا يُمكن اسْتِمْرَار الْقِتَال فِي غضونه لشدَّة الْبرد وتراكم الثلوج فِي هَذِه الاصقاع وَقسمت بِلَاد الكرج إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام وَهِي شيروان وتفليس وَتَكون القسمان الباقيان من بِلَاد الكرج الاصلية وحصنت مَدِينَة قارص بكيفية جَعلتهَا امْنَعْ معاقل الدولة على الْحُدُود وَمَا فتئت كَذَلِك حَتَّى احتلها الروس سنة 1877 وَعين لكل مِنْهَا حَاكم عَام بكلر بك وَفِي اواسط الشتَاء اتت اربعة جيوش جرارة تَحت امرة الامير حَمْزَة ميرزا وهاجمت بِلَاد شيروان من كل فج حَتَّى اضْطر حاكمها عُثْمَان باشا إِلَى اخلاء مَدِينَة شيروان والاحتماء بِمَدِينَة دربند وَكَذَلِكَ حاصر الاعجام مَدِينَة تفليس نَفسهَا وَلم يقووا على استرجاعها لثبات حاميتها العثمانية حَتَّى اتى اليها المدد وَرفع عَنْهَا الْحصار عنْوَة سنة 1579 وَفِي غُضُون ذَلِك قتل الصَّدْر الاعظم مُحَمَّد باشا صقللي الَّذِي حَافظ على نُفُوذ الدولة بعد موت السُّلْطَان سُلَيْمَان وَتمكن بسياسته ودهائه من ابرام الصُّلْح مَعَ دوَل اوروبا المعادية لَهَا وانشأ عمَارَة بحريّة بعد وَاقعَة ليبنته وَفتحت جَزِيرَة قبرص بتعليماته وارشاداته وكوفئ على خدماته الجليلة بِالْقَتْلِ لَا لذنب جناه اَوْ جِنَايَة ارتكبها بل هِيَ دسائس حَاشِيَة السُّلْطَان قَضَت عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ غدرا تبعا لدسائس الاجانب الَّذين لَا يروق فِي اعينهم وجود مثل هَذَا الْوَزير يُدِير دولاب الاعمال على محور الاسْتقَامَة فدسوا اليه من قَتله تخلصا من صَادِق خدمته للدولة فَكَانَ مَوته ضَرْبَة شَدِيدَة ومحنة عَظِيمَة لَا سِيمَا وَقد كثر بعده تنصيب وعزل
الصُّدُور فعين اولا من يدعى احْمَد باشا ثمَّ عزل فِي اغسطس سنة 1580 وَعين بعده سِنَان باشا اُحْدُ القواد الْمَشْهُورين وَاحِد رُؤَسَاء الْجَيْش الْمُحَارب فِي بِلَاد الكرج وَتَوَلَّى قيادة هَذَا الْجَيْش بعد موت قائده الْعَام مصطفى الَّذِي قيل انه انتحر مسموما لعدم حُصُوله على منصب الصدارة وَلكنه عزل من منصبه بعد قَلِيل وَنفي إِلَى خَارج الْبِلَاد وَتَوَلَّى مَكَانَهُ سياوس باشا المجري الاصل فِي الصدارة الْعُظْمَى وفرهاد اَوْ فرحات باشا اُحْدُ القواد الْعِظَام قائدا عَاما للجيش الْمُحَارب فِي الكرج وَلم يات هَذَا الْقَائِد باعمال تذكر لعدم انقياد الانكشارية وامتثالهم لاوامر رُؤَسَائِهِمْ
اما عُثْمَان باشا حَاكم اقليم شيروان فَسَار إِلَى فتح بِلَاد طاغستان على شاطئ بَحر الخزر وَبعد ان اتم فتحهَا عقب موقعة عَظِيمَة انتصر فِيهَا على الاعجام نصرا مُبينًا فِي 9 مايو سنة 1583 سَار بطرِيق الْبر إِلَى بِلَاد القرم مخترقا جبال قَاف اَوْ القوقاز وسهول روسيا الجنوبية لعزل خانها عقَابا لَهُ على امْتِنَاعه عَن ارسال المدد إِلَى الدولة الْعلية لمحاربة الْعَجم فوصل اليها بعد ان عانى من المشقات اقصاها وَمن الصعوبات مُنْتَهَاهَا لوعورة الطَّرِيق ومناوشة الروس لَهُ إِلَى مَدِينَة كافا عَاصِمَة الخان مُحَمَّد كراي فَجمع الخان جَيْشًا عَظِيما من الفرسان القوزاق الْمَشْهُود لَهُم بالبسالة والاقدام وحاصر عُثْمَان باشا وجيوشه الَّتِي اضناها التَّعَب وانهكها السّير وَلَوْلَا عصيان اخيه اسلام كراي عَلَيْهِ لوعده بالامارة من قبل الدولة الْعلية وتفرق جيوشه من حوله وَقَتله غدرا بدسيسة اخيه لانتصر على العثمانيين لَكِن خانه اخوه ودس اليه من قَتله طَمَعا فِي الامارة سنة 1584 وَبعد ذَلِك رَجَعَ عُثْمَان باشا إِلَى الاستانة برا وقوبل بِكُل تكريم واعظام وَبعد ايام
قَلَائِل عين صَدرا اعظم بدل سياوس باشا المجري وسر عَسْكَر الْجَيْش الكرج وَكَانَ تَعْيِينه فِي سنة 992 هـ 1584 م
فَسَار فِي جَيش عَرَمْرَم مؤلف من مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ الف مقَاتل قَاصِدا بِلَاد اذربيجان فاخترقها بِدُونِ كثير مقاومة ثمَّ قصد مَدِينَة تبريز عَاصِمَة الْعَجم فَدَخلَهَا بعد ان انتصر على حَمْزَة ميرزا وَترك فِيهَا حامية قَوِيَّة وَبعد ان استمرت الْحَرْب سجالا بَين الدولتين نَحْو سِتّ سنوات توفّي فِي خلالها الصَّدْر الاعظم عُثْمَان باشا سر عَسْكَر الْجَيْش تمّ الصُّلْح وامضي بَينهمَا فِي 21 مارس سنة 1585 على ان تتنازل الْعَجم للدولة العثمانية عَن اقليم الكرج وشيروان ولورستان وجزء من اذربيجان ومدينة تبريز وَتَوَلَّى بعده خَادِم مسيح باشا صَدرا اعظم سنة 993 وَفِي السّنة التالية اعيد سياوس باشا إِلَى هَذَا المنصب الخطير وَبِذَلِك هدأت الاحوال وانقطعت الحروب على سَائِر حُدُود المملكة تَقْرِيبًا
الا ان هَذِه السكينَة لم تكن لترضي الانكشارية الَّذين كَانُوا يفضلون اسْتِمْرَار الحروب للنهب وَالسَّلب وارتكاب مَالا خير فِيهِ فَكَانَت إِذا انْقَطَعت الحروب تمردوا وارتكبوا هَذِه القبائح فِي بِلَاد الدولة المعسكرين بهَا بل وَفِي نفس الاستانة فَلَمَّا بَلغهُمْ ان المخابرات سائرة بَين الدولة والعجم للوصول إِلَى الصُّلْح ثَارُوا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وطلبوا تَسْلِيم الدفترادار نَاظر الْمَالِيَّة وَمُحَمّد باشا بكلر بك الرومللي لقتلهما بِدَعْوَى انهما ارادا ان يصرفا اليهم نقودا نَاقِصَة الْعيار وحاصروهما فِي منزلهما إِلَى ان قتلوهما شَرّ قتلة وَلم يقو السُّلْطَان على مَنعهم وتمردوا مرّة اخرى سنة 1593 فِي الاستانة واخرى فِي مَدِينَة بود وَقتلُوا واليها وَفِي الْقَاهِرَة وَفِي تبريز مِمَّا يطول شَرحه ووصلت بهم القحة إِلَى آخرهَا وَلذَلِك اشار سِنَان باشا الَّذِي اعيد إِلَى منصة الوزارة فِي سنة 997 باشغالهم بمحاربة بِلَاد المجر واوعز إِلَى حسن باشا وَالِي بِلَاد البشناق بوسنه ان يجتاز حُدُود بِلَاد المجر اعلانا للحرب لَكِن هَل يُرْجَى نجاح اَوْ فلاح حَقِيقِيّ من جيوش بلغ عِنْدهَا عدم النظام الدرجَة القصوى
حَتَّى استطالت لقتل الْوُلَاة وعزل الْحُكَّام كلا وَلَو كَانَ قائدها الاسكندر المقدوني اَوْ ابراهيم باشا الْمصْرِيّ اَوْ نابليون الفرنساوي وَرب معترض يعْتَرض علينا فِي تَسْمِيَة ابراهيم باشا بالمصري مَعَ انه لم يُولد بهَا فنجاوبه ان ابراهيم باشا نشر الرَّايَة المصرية فِي بِلَاد الْعَرَب وَالشَّام وجنوب الاناطول والسودان وانتصر بالمصريين لَا بغيرهم وَلم يكن ذَلِك مِنْهُ الا لاعلاء شَأْن الوطن الْمصْرِيّ واستقلاله فِي الدَّاخِل وَنشر نُفُوذه فِي الْخَارِج وَلذَلِك حق لنا ان نُسَمِّيه الْمصْرِيّ بل الْمصْرِيّ الوحيد بعد وَالِده مُحَمَّد عَليّ باشا الْكَبِير ولنرجع إِلَى ذكر حروب الدولة مَعَ المجر فَنَقُول ان الْحَرْب كَانَت تَارَة لَاحَدَّ الْفَرِيقَيْنِ وطورا للْآخر فَقتل حسن باشا وَالِي الهرسك وَانْهَزَمَ وَالِي بود وَفتحت جيوش النمسا الَّتِي انْحَازَتْ إِلَى المجر عدَّة قلاع عثمانية ثمَّ استردها سِنَان باشا الصَّدْر الاعظم سنة 1595 وَفِي هَذَا الْموقع يجب علينا وعَلى كل عثماني التأسف والتحسر على عدم خُرُوج السُّلْطَان بِنَفسِهِ إِلَى الْحَرْب وتحجبه عَن اعين جيوشه وَعدم قيادتهم بِذَاتِهِ الشَّرِيفَة إِلَى ساحات النَّصْر فلولا ذَلِك لكَانَتْ الْغَلَبَة دَائِما لَهُم باذنه تَعَالَى فقد عودهم عز وجل النَّصْر على الاعداء فِي زمن اجداده سُلَيْمَان وسليم الاول وَمن قبلهم لَان وجود الْخَلِيفَة الاعظم فِي رَأس جيوشه يبث فيهم روحا جَدِيدَة فيتحدون مَعَه قلبا وقالبا ويسيرون مَعَه إِلَى النَّصْر الْمُبين والفوز الْعَظِيم وَكم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة باذن الله وَمِمَّا زَاد احوال المملكة ارتباكا اشهار الفلاخ والبغدان وترنسلفانيا الْعِصْيَان بالاتحاد وتحالفهم مَعَ رودلف الثَّانِي ملك النمسا وامبراطور المانيا على محاربة الدولة والحصول على الِاسْتِقْلَال فَسَار اليهم الصَّدْر الاعظم سِنَان باشا فِي سنة 1595 وَدخل مَدِينَة بوخارست عَاصِمَة الفلاخ عنْوَة ثمَّ انتصر عَلَيْهِ مخائيل امير الفلاخ الملقب فِي كتب الافرنج بالشجاع وَدخل مَدِينَة ترجوفتس وَقتل حاميتها ورئيسها فاخذ العثمانيون فِي الانسحاب والتقهقر خلف نهر الدانوب تَبِعَهُمْ مخائيل الفلاخي وانتصر عَلَيْهِم مرّة ثَانِيَة بِالْقربِ من مَدِينَة جورجيوا
عِنْد عبورهم النَّهر وَفتح الْمَدِينَة وعدة مَدَائِن اخرى اهمها مَدِينَة نيكوبلي
وَفِي هَذِه الاثناء ولي فرهاد باشا منصب الصدارة فِي سنة 999 ثمَّ اعيد سياوس باشا ثَالِثا اليها سنة 1000 ثمَّ اصيب السُّلْطَان بداء عياء وَتُوفِّي مسَاء 8 جُمَادَى الاولى سنة 1003 19 يناير سنة 1595 وَله من الْعُمر خَمْسُونَ سنة وَكَانَت مُدَّة ملكه احدى وَعشْرين سنة تَقْرِيبًا وَكَانَ شَاعِرًا مجيدا فطنا لبيبا الا انه كَانَ كثير الْميل لاقتناء الْجَوَارِي الحسان عَاملا بمشورتهن وَكَانَ من ضمن حظياته جَارِيَة بندقية الاصل من عائلة شهيرة بهَا اسْمهَا بافو سباها قراصين الْبَحْر وبيعت فِي السراي السُّلْطَانِيَّة وَسميت صَفِيَّة اصطفاها السُّلْطَان لنَفسِهِ وتدخلت كثيرا فِي السياسة الخارجية ساعدت بلادها الاصلية كثيرا وَهِي وَالِدَة السُّلْطَان مُحَمَّد الثَّالِث