الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعقب التوقيع على اتِّفَاق 13 مارس السالف الذّكر توفّي الْقَائِد الشهير عمر باشا فِي 18 ابريل ثمَّ الصَّدْر الاعظم مُحَمَّد امين عَليّ باشا وَبعد مَوته وَجه هَذَا المنصب الخطير إِلَى مَحْمُود باشا فِي 22 جُمَادَى الثَّانِيَة سنة 1288 8 سبتمبر سنة 1871 ولبث فِي الوزارة إِلَى 23 مارس سنة 1873 ثمَّ عقبه احْمَد مدحت باشا ثمَّ مُحَمَّد رشدي باشا فاحمد اِسْعَدْ باشا فحسين عوني باشا
واخيرا عَادَتْ الصدارة إِلَى مَحْمُود باشا فِي 25 رَجَب سنة 1292 27 اغسطس سنة 1875
وَمن اعماله الْمضرَّة عدم ضبط الْمَالِيَّة حَتَّى عجزت عَن سداد الكوبونات فِي اوقاتها واضطر إِلَى الاعلان رسميا بتوقيف دفع الْفَوَائِد فِي 6 اغسطس سنة 1875 وَهُوَ مَا سيمونه فِي عرف الْمَالِيَّة اشهار الافلاس كَمَا فعلت مملكة البرتغال فِي سنة 1892 ولسوء ادارته تَأَلُّبُ الْعلمَاء والطلبة وطلبوا عَزله فعزل فِي 17 ربيع الثَّانِي سنة 1293 12 مايو سنة 1876 وَاسْنِدِ منصب الصدارة إِلَى مُحَمَّد رشدي باشا وَهُوَ الملقب بالمترجم الَّذِي سبق تَعْيِينه فِي هَذَا المنصب عدَّة مَرَّات وَعين مَعَه بفرمان وَاحِد حسن خير الله افندي شَيخا للاسلام وَبِمَا ان عزل السُّلْطَان عبد الْعَزِيز كَانَ بدسيسة هذَيْن الشخصين وَغَيرهم فسنرجئ الْكَلَام على كَيْفيَّة عَزله وَمَوته إِلَى بعد ذكر مَسْأَلَة برزخ السويس الَّذِي تمّ فَتحه فِي سنة 1869
مَسْأَلَة قنال السويس
ان اهمية ايصال الْبَحْر الاحمر بالبحر الابيض الْمُتَوَسّط لم تخف على اُحْدُ بل الْكل مُسلم بهَا وَلذَلِك فطن لَهَا قدماء المصريين واوجدوا اتِّصَالًا بَين الْبَحْرين لَكِن على غير الصُّورَة الَّتِي عَلَيْهَا قنال السويس الْآن فقد قَالَ هيرودوت المؤرخ اليوناني الشهير حِين زار وَادي النّيل ان طول الخليج الْموصل بَين الْبَحْرين مسيرَة
اربعة ايام وَعرضه كَاف لمرور سفينتين من اكبر السفن فِي آن وَاحِد بِكُل سهولة وَهُوَ يتَفَرَّع عَن فرع النّيل الَّذِي يصب عِنْد مَدِينَة بيلوزة الْقَائِمَة مَدِينَة بورسعيد بِالْقربِ من اطلالها ويبتدئ عِنْد مَدِينَة بوباستيس الْمَوْجُودَة اطلالها بِالْقربِ من الزقازيق وَيُطلق عَلَيْهَا اسْم تل بَسطه وَيتَّجه شرقا حَتَّى يصل إِلَى الْبَحْر الاحمر اه
فَيظْهر من هَذَا الشَّرْح ان المراكب كَانَت تاتي من الْبَحْر الابيض فتصعد فرع النّيل الشَّرْقِي إِلَى قرب الزقازيق ثمَّ تدخل فِي الخليج حَتَّى تصل إِلَى الْبَحْر الاحمر وظل هَذَا الِاتِّصَال بَاقِيا حَتَّى انهالت رمال الصَّحرَاء الشرقية على الخليج فردمته وَيُقَال ان ابا جَعْفَر الْمَنْصُور العباسي امْر بابطاله عِنْدَمَا خرج عَلَيْهِ الْحجَّاج وتحصن فِي الْمَدِينَة المنورة حَتَّى لَا تَأتي اليه الْمُؤَن بسهولة عَن طَرِيق هَذَا الخليج
ثمَّ خطر ببال السُّلْطَان مصطفى الثَّالِث العثماني ان يُعِيد الِاتِّصَال كَمَا كَانَ وكلف البارون دي توت بدرس هَذَا الْمَشْرُوع وَلم يتم بِسَبَب موت السُّلْطَان وَترك من خَلفه لَهُ وَلما اتى بونابرت الفرنساوي إِلَى مصر ارسل لجنة علمية للتحقق من امكان ايصال الْبَحْرين بخليج يصل بَينهمَا بِدُونِ ان تمر المراكب فِي وسط الْبِلَاد المصرية فاجابته اللجنة بالايجاب ولداعي خُرُوجه من مصر سَرِيعا كَمَا سبق شَرحه لم يُمكنهُ تَنْفِيذ مشروعه
وَكَانَ يظنّ قبلا ان حفر خليج يصل بَين الْبَحْرين مُبَاشرَة امْر مُسْتَحِيل بِسَبَب ادِّعَاء بعض الْعلمَاء ان سطح مياه الْبَحْر الاحمر اعلى بِنَحْوِ عشرَة امتار عَن سطح مياه الْبَحْر الابيض كَمَا قَرّرته بعثة علمية فرنساوية فِي سنة 1779 وَلم يُخَالِفهَا فِي هَذَا الرَّأْي الا الرياضي الشهير لابلاس لَكِن اسقط هَذَا القَوْل الْبَحْث الَّذِي
اجرى فِي اواسط هَذَا الْقرن بِمَعْرِِفَة بعض ضباط من الانكليز فِي سنة 1840 ولجنة من عدَّة مهندسين فرنساويين فِي سنة 1847 واخيرا بِمَعْرِِفَة لبنان باشا فِي سنة 1853
وَلما تحقق لَدَى الْعُمُوم باجماع الْعلمَاء ان مسطح الْبَحْرين متساو سعى المسيو فردينان دي ليسبس قنصل فرنسا فِي مصر لَدَى المرحوم سعيد باشا وَالِي مصر اذ ذَاك للحصول على فرمان يخوله امتياز تشكيل شركَة عمومية لاتمام هَذَا الْعَمَل
وَبعد مساع لَا مزِيد عَلَيْهَا تحصل على هَذَا الفرمان مؤرخا 30 نوفمبر سنة 1854 وَمِمَّا جَاءَ فِيهِ ان يكون الخليج المزمع انشاؤه ملكا للشَّرِكَة مُدَّة 99 سنة تبتدئ من يَوْم فَتحه للملاحة وان يجوز لَهَا انشاء خليج آخر يصل بَين النّيل والخليج المالح وان تتنازل لَهَا الْحُكُومَة عَن الاراضي الاميرية الْغَيْر صَالِحَة للزِّرَاعَة الَّتِي تمر الترعة الحلوة فِيهَا بِشَرْط ان تزرعها الشّركَة على مصاريفها واخيرا ان لَا يعْمل بِهَذَا الفرمان وَلَا يبتدأ فِي الْعَمَل الا بعد تَصْدِيق الْبَاب العالي عَلَيْهِ
وَفِي 20 يوليو سنة 1856 تعهدت الْحُكُومَة للشَّرِكَة باحضار من يلْزم لَهَا من العملة من المصريين قهرا بالطريقة الَّتِي كَانَت متبعة فِي الاعمال العمومية وان تدفع لَهُم الشّركَة الاجر من طرفها لمن عمره اقل من اثْنَتَيْ عشرَة سنة قرشا صاغا يوميا وَمن زَاد سنه عَن ذَلِك تكون اجرته من قرشين أَو نصف إِلَى ثَلَاثَة قروش وَذَلِكَ خلاف الجراية الَّتِي تُعْطِي لكل وَاحِد مِنْهُم وَقيمتهَا قِرْش صاغ وَاشْترط على الشّركَة انشاء اسبتاليات مشافي وترتيب اطباء لمعالجة المرضى على طرفها وَلَوْلَا هَذِه الشُّرُوط لما امكن الشّركَة اتمام هَذَا الْمَشْرُوع وَعدم وجود شَرط مثله كَانَ سَببا فِي عدم نجاح مَشْرُوع فتح برزخ بناما لَان الشّركَة لم تَجِد عمالا بِهَذِهِ الصّفة يكونُونَ موجودين
دَائِما فِي الْعَمَل باجرة تافهة كهذه وَلما صدرت سِهَام الشّركَة لم يقبل الْجُمْهُور على شِرَائهَا لمعارضة الجرائد الانكليزية لهَذَا الْمَشْرُوع فَبَقيَ فِي ايديها مائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ الف وسِتمِائَة وَاثْنَانِ واربعون سَهْما قيمَة كل مِنْهَا خَمْسمِائَة فرنك أَي ان ثمنهَا عبارَة عَن ثَلَاثَة ملايين وَخَمْسمِائة وَخمسين الف جنيه مصري وَزِيَادَة فَحسن المسيو دي ليسبس للمرحوم سعيد باشا ان يَشْتَرِيهَا للحكومة المصرية فاشتراها
وَلما طلب مِنْهُ عشري ثمنهَا عِنْد الِابْتِدَاء فِي الْعَمَل اقترضه لَهُ وَرُبمَا كَانَ هَذَا اول دُيُون مصر الَّتِي تربو الْآن على مائَة مليون وَسِتَّة ملايين من الجنيهات المصرية وَلم ينْتَظر المسيو دي ليسبس تَصْدِيق الدولة بل ابْتَدَأَ فِي الْعَمَل
وَلما لاحظت الدولة الْعلية على ان ذَلِك مُخَالف لنَصّ الفرمان الْمُعْطى للشَّرِكَة من سعيد باشا اجابها ان هَذِه اعمال ابتدائية ضَرُورِيَّة لتخطيط الْمَشْرُوع وَلَا تعْتَبر بَدَأَ فِي الْعَمَل واخيرا بعد ان دارت المخابرات عدَّة سنوات بَين الشّركَة وَالْبَاب العالي والحكومة الفرنساوية الَّتِي تدخلت لحماية هَذَا الْمَشْرُوع الفرنساوي ارسل الْبَاب العالي إِلَى المسيو دي ليسبس بلاغا فِي 6 ابريل سنة 1863 مفاده ان الدولة ترى ان امتلاك الشّركَة للاراضي الْوَاقِعَة على ضفتي الترعة الحلوة وزراعتها بمعرفتها مِمَّا يضر بِحُقُوق السلطنة فِي مصر اذ يَجْعَل لدولة اجنبية حقوقا فِي مصر خُصُوصا إِذا انشئت بهَا مستعمرات زراعية يُؤْتى لَهَا بالزراع من الْخَارِج وَلذَلِك لَا تصدق على هَذَا الْمَشْرُوع الا إِذا ضمنت جَمِيع الدول حريَّة القنال المُرَاد انشاؤه كَمَا ضمنت بوغازي الاستانة وان تتْرك الشّركَة حُقُوقهَا فِي الترعة العذبة وَمَا على ضفافها من الاراضي وان لَا يسْتَعْمل المصريون قهرا فِي اشغال الشّركَة اذ كَانَ يستغل بهَا فِي هَذِه الاثناء نَحْو سِتِّينَ الف مصري بطرِيق السخرة وامهلت الدولة الشّركَة سِتَّة اشهر لاعطاء الْجَواب والا يسْقط حَقّهَا فِي جَمِيع الاراضي الممنوحة لَهَا
وَلما انْقَضى هَذَا الاجل وَلم تجب الشّركَة بِشَيْء اعلنتها الْحُكُومَة المصرية بِسُقُوط حَقّهَا فِي 12 اكتوبر سنة 1863 فارعد المسيو دي ليسبس وازبد وتدخلت فرنسا وَكَاد الامر يُفْضِي إِلَى ارتباكات سياسية فَقبلت الْحُكُومَة المصرية بِحكم
نابوليون الثَّالِث امبراطور فرنسا ظنا مِنْهَا انه ينصفها ضد الشّركَة وَغَابَ عَنْهَا انه لَا بُد ان يمِيل إِلَى الشّركَة بعاملي الجنسية والسياسية وَلَو لم يكن الْحق من جَانبهَا وَحَقِيقَة انه اتخذ هَذِه الفرصة وَسِيلَة للْحكم للشَّرِكَة بمبالغ وافرة كَانَت سَببا فِي اتمام الْمَشْرُوع فاصدر حكمه فِي 6 يوليو بعد ان اسْتَشَارَ لجنة من اهل الدِّرَايَة بالاحكام القانونية حضرها نوبار باشا بِصفة مَنْدُوب عَن خديو مصر وَلَا حَاجَة لذكر الحكم باسبابه بل يكْتَفى بالْقَوْل انه حكم بِمَا ياتي
اولا ان تدفع الْحُكُومَة المصرية للشَّرِكَة مبلغ ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ مليون فرنكا فِي مُقَابلَة ابطال الشَّرْط القَاضِي عَلَيْهَا باحضار الْعمَّال
ثَانِيًا ثَلَاثِينَ مليون فرنكا نَظِير ترك الاراضي الَّتِي رخص للشَّرِكَة باحيائها وزراعتها
ثَالِثا سِتَّة عشر مليون فِي مُقَابلَة تخلي الشّركَة عَن الترعة الحلوة وفوائدها وتلتزم الْحُكُومَة زِيَادَة على ذَلِك بحفرها من الْقَاهِرَة إِلَى الْوَادي ويجعلها صَالِحَة للملاحة فِي جَمِيع اوقات السّنة وعَلى الشّركَة تطهيرها سنويا بمعرفتها فِي مُقَابلَة ثلثمِائة الف فرنك تاخذها من الْحُكُومَة وَيكون للشَّرِكَة الْحق فِي اخذ سبعين الف متر مكعب من الْمِيَاه فِي كل ارْبَعْ وَعشْرين سَاعَة فَيكون مَجْمُوع هَذِه المبالغ اربعة وَثَمَانِينَ مليون فرنكا عبارَة عَن ثَلَاثَة ملايين جنيه واربعمائة وَثَلَاثَة وَسِتِّينَ الف جنيه يدْفع على جملَة اقساط بالكيفية الْآتِيَة من ابْتِدَاء سنة 1864 لغاية سنة 1867 يدْفع مبلغ سِتَّة ملايين وَنصف من الفرنكات سنويا وَفِي كل من سنتي 1868 و 1869 مِائَتَان واربعون الف جنيه وَمن سنة 1870 لغاية سنة 1879 ثَلَاثَة ملايين وسِتمِائَة الف فرنك سنويا عبارَة عَن مائَة واربعين الف جنيه سنويا
وَلما تمّ الحكم على الْوَجْه الْمَذْكُور الظَّاهِر اجحافه بِحُقُوق مصر حررت الشُّرُوط النهائية بَين الحضرة الخديوية الاسماعيلية والمسيو دي ليسبس رَئِيس الشّركَة والنائب عَنْهَا فِي 22 فبراير سنة 1866 وَتَقَدَّمت للباب العالي فصدر عَلَيْهَا الفرمان السلطاني مؤرخا 19 مارس سنة 1866 2 ذِي الْقعدَة 1282 هـ
وَبعد ذَلِك عدلت مواعيد الدّفع بكيفية ارجح للشَّرِكَة وَزِيَادَة على ذَلِك جَمِيعه تنازلت الشّركَة للحكومة عَن ارْض الْوَادي الَّتِي قدر مساحتها ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ