المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة قنال السويس - تاريخ الدولة العلية العثمانية

[محمد فريد بك]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فِيمَن ولي الْخلَافَة الاسلامية قبل مُلُوك الدولة الْعلية العثمانية

- ‌الْخُلَفَاء الامويون

- ‌دولة بني امية

- ‌ظُهُور دولة العباسيين

- ‌بَنو طولون بِمصْر

- ‌ظُهُور الدولة الفاطمية بتونس

- ‌دولة بني بويه

- ‌الاخشيديون بِمصْر

- ‌الفاطميون بِمصْر

- ‌السلجوقيون

- ‌الحروب الصليبية

- ‌دولة المماليك البحرية بِمصْر

- ‌دولة المماليك الجراكسة

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي بَغْدَاد

- ‌الْخُلَفَاء العباسيون فِي مصر

- ‌دولة المماليك

- ‌ المماليك البرجية

- ‌ المماليك الشراكسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌ السلكان الْغَازِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وواقعة قوص اوه

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌وَاقعَة نيكوبلي فَلَمَّا علم سجسمون ملك المجر خبر مَا حل بِبِلَاد البلغار خشِي عَليّ مَمْلَكَته اذ صَار متاخما فِي عدَّة نقط للدولة الْعلية فاستنجد باوروبا وساعده البابا واعلن

- ‌اغارة تيمورلنك على آسيا الصُّغْرَى

- ‌الفوضى بعد موت السُّلْطَان بايزيد

- ‌ انْفِرَاد السُّلْطَان

- ‌ السُّلْطَان مرادخان الثَّانِي الْغَازِي

- ‌تنازل السُّلْطَان عَن الْملك وعودته اليه

- ‌فتْنَة اسكندر بك

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي

- ‌فتح جزائر اليونان ومدينة اوترانت

- ‌حِصَار مَدِينَة رودس

- ‌ترتيباته الداخلية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي بايزيد خَان الثَّانِي واخوه الامير جم

- ‌ابْتِدَاء العلاقات مَعَ دوَل اوروبا

- ‌عصيان اولاد السُّلْطَان عَلَيْهِ وتنازله عَن الْملك لِابْنِهِ سليم

- ‌ السُّلْطَان سليم الاول الْغَازِي الملقب ب ياوز أَي الْقَاطِع

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز

- ‌فتح مصر ودخولها ضمن الممالك المحروسة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الاول القانوني

- ‌فتح مَدِينَة بلغراد

- ‌فتح جَزِيرَة رودس

- ‌تدَاخل الدولة الْعلية فِي بِلَاد القرم والفلاخ وفتنة الانكشارية

- ‌ابْتِدَاء المخابرات والمراسلات بَين الدولة الْعلية وَملك فرانسا

- ‌فتح بِلَاد المجر وعاصمتها

- ‌اغارة ملك النمسا على المجر وفتحه مَدِينَة بود وانتصار العثمانيين عَلَيْهِ واسترجاع المجر

- ‌ابْتِدَاء الحروب مَعَ النمسا وحصار ويانه عاصمتها اول دفْعَة

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَانِي دفْعَة

- ‌فتح مَدِينَة بَغْدَاد

- ‌الامتيازات القنصلية

- ‌خير الدّين باشا البحري وَفتح اقليمي الجزائر وتونس

- ‌اتِّحَاد فرنسا والدولة الْعلية على محاربة النمسا وَبَعض وقائع اخرى

- ‌موت زابولي ملك المجر وسفر السُّلْطَان إِلَى بود لمحاربة النمساويين

- ‌سفر الدونانمة العثمانية إِلَى فرانسا وَفتح مَدِينَة نيس

- ‌ابرام الصُّلْح مَعَ النمسا

- ‌فتح عدن

- ‌دُخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز ثَالِث دفْعَة

- ‌حِصَار جَزِيرَة مالطه

- ‌فتح مَدِينَة سكدوار

- ‌موت السُّلْطَان سُلَيْمَان

- ‌اسباب الانحطاط

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّانِي

- ‌فتح جَزِيرَة قبرص

- ‌وَاقعَة ليبانت البحرية

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مرادخان الثَّالِث

- ‌محاربة الْعَجم وَدخُول العثمانيين مَدِينَة تبريز رَابِع دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الثَّالِث

- ‌السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الاول وانتصار الشاه عَبَّاس

- ‌ السُّلْطَان مصطفى خَان الاول

- ‌ السُّلْطَان عُثْمَان خَان الثَّانِي وخلعه ثمَّ قَتله وارجاع السُّلْطَان مصطفى ثمَّ عَزله

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُرَاد خَان الرَّابِع

- ‌محاربة الْعَجم واستيلائهم على بَغْدَاد

- ‌ثورة الانكشارية وقتلهم الصَّدْر الاعظم حَافظ باشا وثورة فَخر الدّين الدرزي

- ‌فتح اريوان واسترجاع بَغْدَاد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي ابراهيم خَان الاول وَفتح جَزِيرَة كريد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان الرَّابِع

- ‌فتح قلعة نوهزل

- ‌حِصَار مَدِينَة ويانه اخر دفْعَة

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سُلَيْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد خَان الثَّالِث

- ‌معاهدة بسار وفتس

- ‌تَقْسِيم مملكة الْعَجم بَين العثمانيين والروس وعزل السُّلْطَان الْغَازِي احْمَد الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الاول وَظُهُور نادرشاه

- ‌معاهدة بلغراد

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عُثْمَان خَان الثَّانِي

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الثَّالِث

- ‌ وَصِيَّة بطرس الاكبر

- ‌عصيان عَليّ بك بِمصْر

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الاول

- ‌اسْتِيلَاء الروسيا على بِلَاد القرم

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي سليم خَان الثَّالِث

- ‌معاهدتي زشتوي وياش

- ‌بعض اصلاحات داخلية

- ‌عصيان بازوند اوغلي

- ‌دُخُول الفرنساويين مصر

- ‌خُرُوج الفرنساويين من مصر

- ‌الْفِتَن الداخلية واسبابها

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَالِي مصر

- ‌عزل السُّلْطَان سليم الثَّالِث

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مصطفى خَان الرَّابِع

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان الثَّانِي

- ‌معاهدة بخارست مَعَ الروسيا

- ‌الوهابيون ومذهبهم

- ‌محاربة مُحَمَّد عَليّ باشا للوهابيين

- ‌ابادة المماليك

- ‌عصيان عَليّ باشا وَالِي يانيه

- ‌ثورة اليونان وطلبها الِاسْتِقْلَال

- ‌سفر الْجنُود العثمانية إِلَى اليونان

- ‌تدَاخل الدول

- ‌ اتِّفَاق آق كرمان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْمُخْتَص بالافلاق والبغدان

- ‌العقد الْمُنْفَصِل الْخَاص بالصرب

- ‌وَاقعَة ناورين

- ‌خُرُوج العساكر المصرية من موره

- ‌الغاء طَائِفَة الانكشارية

- ‌الْحَرْب مَعَ الروسيا ومعاهدة ادرنه

- ‌احتلال فرنسا لجزائر الغرب

- ‌مُحَمَّد عَليّ باشا وَحرب الشَّام الاولى

- ‌معاهدة كوتاهيه

- ‌معاهدة خونكار اسكله سي

- ‌حَرْب الشَّام الثَّانِيَة

- ‌وَاقعَة نَصِيبين

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْمجِيد خَان

- ‌اخلاء المصريين لبلاد الشَّام

- ‌مَسْأَلَة لبنان ونقتلة المارونية

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌فرمان الكلخانة

- ‌الاصلاحات الْخَيْرِيَّة

- ‌اتِّفَاق بلطه ليمان

- ‌اسباب حَرْب القرم

- ‌وَاقعَة سينوب البحرية

- ‌النمسا وَحرب القرم

- ‌اطلاق الانكليز المدافع على مَدِينَة جدة

- ‌حَادِثَة الشَّام واحتلال فرنسا لَهَا

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الْعَزِيز خَان

- ‌فؤاد باشا الصَّدْر الاعظم واصلاحاته

- ‌ ثورة كريد

- ‌سفر السُّلْطَان عبد الْعَزِيز لمصر

- ‌سفر السُّلْطَان لباريس

- ‌وضع مجلة الاحكام العدلية

- ‌الفرمان الشَّامِل لجَمِيع امتيازات الخديوية المصرية

- ‌علاقات تونس مَعَ الدولة الْعلية

- ‌مَسْأَلَة قنال السويس

- ‌الاحتفال بِفَتْح قنال السويس

- ‌عزل السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌الْفَتْوَى بعزله

- ‌ السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌وَفَاة السُّلْطَان عبد الْعَزِيز

- ‌قتل حسن بك لكل من حُسَيْن عوني باشا وَمُحَمّد رَاشد باشا

- ‌عزل السُّلْطَان مُرَاد

- ‌صُورَة استفتاء الوزراء فِي وجوب خلع السُّلْطَان مُرَاد خَان الْخَامِس

- ‌ السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان الثَّانِي

- ‌البرلمان العثماني الاول

- ‌حَرْب الروسيا وَبَيَان اسباب لائحة الكونت اندراسي

- ‌حَادِثَة سلانيك ولائحة برلين

- ‌ثورة البلغار وَجَوَاب اللورد دربي

- ‌حَرْب الصرب والجبل الاسود

- ‌مؤتمر الاستانة

- ‌اخلاص المجر للدولة الْعلية

- ‌لائحة لوندرة

- ‌اعلان الْحَرْب

- ‌وَاقعَة بلفنه

- ‌الاعمال الحربية فِي الاناطول

- ‌سُقُوط قارص

- ‌المخابرات الابتدائية والهدنة

- ‌حل مجْلِس النواب

- ‌احتلال انكلترا لجزيرة قبرص

- ‌الدستور العثماني

- ‌القانون الاساسي وَالسُّلْطَان عبد الحميد

- ‌اجْتِمَاع مجْلِس المبعوثين الاول

- ‌الْحَادِثَة الارتجاعية وخلع عبد الحميد

- ‌ خَليفَة الْمُسلمين وسلطان العثمانيين مُحَمَّد رشاد خَان الْخَامِس

- ‌الاصلاحات الداخلية

- ‌الاصلاحات الْمَالِيَّة

- ‌الاصلاحات الحربية

الفصل: ‌مسألة قنال السويس

وعقب التوقيع على اتِّفَاق 13 مارس السالف الذّكر توفّي الْقَائِد الشهير عمر باشا فِي 18 ابريل ثمَّ الصَّدْر الاعظم مُحَمَّد امين عَليّ باشا وَبعد مَوته وَجه هَذَا المنصب الخطير إِلَى مَحْمُود باشا فِي 22 جُمَادَى الثَّانِيَة سنة 1288 8 سبتمبر سنة 1871 ولبث فِي الوزارة إِلَى 23 مارس سنة 1873 ثمَّ عقبه احْمَد مدحت باشا ثمَّ مُحَمَّد رشدي باشا فاحمد اِسْعَدْ باشا فحسين عوني باشا

واخيرا عَادَتْ الصدارة إِلَى مَحْمُود باشا فِي 25 رَجَب سنة 1292 27 اغسطس سنة 1875

وَمن اعماله الْمضرَّة عدم ضبط الْمَالِيَّة حَتَّى عجزت عَن سداد الكوبونات فِي اوقاتها واضطر إِلَى الاعلان رسميا بتوقيف دفع الْفَوَائِد فِي 6 اغسطس سنة 1875 وَهُوَ مَا سيمونه فِي عرف الْمَالِيَّة اشهار الافلاس كَمَا فعلت مملكة البرتغال فِي سنة 1892 ولسوء ادارته تَأَلُّبُ الْعلمَاء والطلبة وطلبوا عَزله فعزل فِي 17 ربيع الثَّانِي سنة 1293 12 مايو سنة 1876 وَاسْنِدِ منصب الصدارة إِلَى مُحَمَّد رشدي باشا وَهُوَ الملقب بالمترجم الَّذِي سبق تَعْيِينه فِي هَذَا المنصب عدَّة مَرَّات وَعين مَعَه بفرمان وَاحِد حسن خير الله افندي شَيخا للاسلام وَبِمَا ان عزل السُّلْطَان عبد الْعَزِيز كَانَ بدسيسة هذَيْن الشخصين وَغَيرهم فسنرجئ الْكَلَام على كَيْفيَّة عَزله وَمَوته إِلَى بعد ذكر مَسْأَلَة برزخ السويس الَّذِي تمّ فَتحه فِي سنة 1869

‌مَسْأَلَة قنال السويس

ان اهمية ايصال الْبَحْر الاحمر بالبحر الابيض الْمُتَوَسّط لم تخف على اُحْدُ بل الْكل مُسلم بهَا وَلذَلِك فطن لَهَا قدماء المصريين واوجدوا اتِّصَالًا بَين الْبَحْرين لَكِن على غير الصُّورَة الَّتِي عَلَيْهَا قنال السويس الْآن فقد قَالَ هيرودوت المؤرخ اليوناني الشهير حِين زار وَادي النّيل ان طول الخليج الْموصل بَين الْبَحْرين مسيرَة

ص: 567

اربعة ايام وَعرضه كَاف لمرور سفينتين من اكبر السفن فِي آن وَاحِد بِكُل سهولة وَهُوَ يتَفَرَّع عَن فرع النّيل الَّذِي يصب عِنْد مَدِينَة بيلوزة الْقَائِمَة مَدِينَة بورسعيد بِالْقربِ من اطلالها ويبتدئ عِنْد مَدِينَة بوباستيس الْمَوْجُودَة اطلالها بِالْقربِ من الزقازيق وَيُطلق عَلَيْهَا اسْم تل بَسطه وَيتَّجه شرقا حَتَّى يصل إِلَى الْبَحْر الاحمر اه

فَيظْهر من هَذَا الشَّرْح ان المراكب كَانَت تاتي من الْبَحْر الابيض فتصعد فرع النّيل الشَّرْقِي إِلَى قرب الزقازيق ثمَّ تدخل فِي الخليج حَتَّى تصل إِلَى الْبَحْر الاحمر وظل هَذَا الِاتِّصَال بَاقِيا حَتَّى انهالت رمال الصَّحرَاء الشرقية على الخليج فردمته وَيُقَال ان ابا جَعْفَر الْمَنْصُور العباسي امْر بابطاله عِنْدَمَا خرج عَلَيْهِ الْحجَّاج وتحصن فِي الْمَدِينَة المنورة حَتَّى لَا تَأتي اليه الْمُؤَن بسهولة عَن طَرِيق هَذَا الخليج

ثمَّ خطر ببال السُّلْطَان مصطفى الثَّالِث العثماني ان يُعِيد الِاتِّصَال كَمَا كَانَ وكلف البارون دي توت بدرس هَذَا الْمَشْرُوع وَلم يتم بِسَبَب موت السُّلْطَان وَترك من خَلفه لَهُ وَلما اتى بونابرت الفرنساوي إِلَى مصر ارسل لجنة علمية للتحقق من امكان ايصال الْبَحْرين بخليج يصل بَينهمَا بِدُونِ ان تمر المراكب فِي وسط الْبِلَاد المصرية فاجابته اللجنة بالايجاب ولداعي خُرُوجه من مصر سَرِيعا كَمَا سبق شَرحه لم يُمكنهُ تَنْفِيذ مشروعه

وَكَانَ يظنّ قبلا ان حفر خليج يصل بَين الْبَحْرين مُبَاشرَة امْر مُسْتَحِيل بِسَبَب ادِّعَاء بعض الْعلمَاء ان سطح مياه الْبَحْر الاحمر اعلى بِنَحْوِ عشرَة امتار عَن سطح مياه الْبَحْر الابيض كَمَا قَرّرته بعثة علمية فرنساوية فِي سنة 1779 وَلم يُخَالِفهَا فِي هَذَا الرَّأْي الا الرياضي الشهير لابلاس لَكِن اسقط هَذَا القَوْل الْبَحْث الَّذِي

ص: 568

اجرى فِي اواسط هَذَا الْقرن بِمَعْرِِفَة بعض ضباط من الانكليز فِي سنة 1840 ولجنة من عدَّة مهندسين فرنساويين فِي سنة 1847 واخيرا بِمَعْرِِفَة لبنان باشا فِي سنة 1853

وَلما تحقق لَدَى الْعُمُوم باجماع الْعلمَاء ان مسطح الْبَحْرين متساو سعى المسيو فردينان دي ليسبس قنصل فرنسا فِي مصر لَدَى المرحوم سعيد باشا وَالِي مصر اذ ذَاك للحصول على فرمان يخوله امتياز تشكيل شركَة عمومية لاتمام هَذَا الْعَمَل

وَبعد مساع لَا مزِيد عَلَيْهَا تحصل على هَذَا الفرمان مؤرخا 30 نوفمبر سنة 1854 وَمِمَّا جَاءَ فِيهِ ان يكون الخليج المزمع انشاؤه ملكا للشَّرِكَة مُدَّة 99 سنة تبتدئ من يَوْم فَتحه للملاحة وان يجوز لَهَا انشاء خليج آخر يصل بَين النّيل والخليج المالح وان تتنازل لَهَا الْحُكُومَة عَن الاراضي الاميرية الْغَيْر صَالِحَة للزِّرَاعَة الَّتِي تمر الترعة الحلوة فِيهَا بِشَرْط ان تزرعها الشّركَة على مصاريفها واخيرا ان لَا يعْمل بِهَذَا الفرمان وَلَا يبتدأ فِي الْعَمَل الا بعد تَصْدِيق الْبَاب العالي عَلَيْهِ

وَفِي 20 يوليو سنة 1856 تعهدت الْحُكُومَة للشَّرِكَة باحضار من يلْزم لَهَا من العملة من المصريين قهرا بالطريقة الَّتِي كَانَت متبعة فِي الاعمال العمومية وان تدفع لَهُم الشّركَة الاجر من طرفها لمن عمره اقل من اثْنَتَيْ عشرَة سنة قرشا صاغا يوميا وَمن زَاد سنه عَن ذَلِك تكون اجرته من قرشين أَو نصف إِلَى ثَلَاثَة قروش وَذَلِكَ خلاف الجراية الَّتِي تُعْطِي لكل وَاحِد مِنْهُم وَقيمتهَا قِرْش صاغ وَاشْترط على الشّركَة انشاء اسبتاليات مشافي وترتيب اطباء لمعالجة المرضى على طرفها وَلَوْلَا هَذِه الشُّرُوط لما امكن الشّركَة اتمام هَذَا الْمَشْرُوع وَعدم وجود شَرط مثله كَانَ سَببا فِي عدم نجاح مَشْرُوع فتح برزخ بناما لَان الشّركَة لم تَجِد عمالا بِهَذِهِ الصّفة يكونُونَ موجودين

ص: 569

دَائِما فِي الْعَمَل باجرة تافهة كهذه وَلما صدرت سِهَام الشّركَة لم يقبل الْجُمْهُور على شِرَائهَا لمعارضة الجرائد الانكليزية لهَذَا الْمَشْرُوع فَبَقيَ فِي ايديها مائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ الف وسِتمِائَة وَاثْنَانِ واربعون سَهْما قيمَة كل مِنْهَا خَمْسمِائَة فرنك أَي ان ثمنهَا عبارَة عَن ثَلَاثَة ملايين وَخَمْسمِائة وَخمسين الف جنيه مصري وَزِيَادَة فَحسن المسيو دي ليسبس للمرحوم سعيد باشا ان يَشْتَرِيهَا للحكومة المصرية فاشتراها

وَلما طلب مِنْهُ عشري ثمنهَا عِنْد الِابْتِدَاء فِي الْعَمَل اقترضه لَهُ وَرُبمَا كَانَ هَذَا اول دُيُون مصر الَّتِي تربو الْآن على مائَة مليون وَسِتَّة ملايين من الجنيهات المصرية وَلم ينْتَظر المسيو دي ليسبس تَصْدِيق الدولة بل ابْتَدَأَ فِي الْعَمَل

وَلما لاحظت الدولة الْعلية على ان ذَلِك مُخَالف لنَصّ الفرمان الْمُعْطى للشَّرِكَة من سعيد باشا اجابها ان هَذِه اعمال ابتدائية ضَرُورِيَّة لتخطيط الْمَشْرُوع وَلَا تعْتَبر بَدَأَ فِي الْعَمَل واخيرا بعد ان دارت المخابرات عدَّة سنوات بَين الشّركَة وَالْبَاب العالي والحكومة الفرنساوية الَّتِي تدخلت لحماية هَذَا الْمَشْرُوع الفرنساوي ارسل الْبَاب العالي إِلَى المسيو دي ليسبس بلاغا فِي 6 ابريل سنة 1863 مفاده ان الدولة ترى ان امتلاك الشّركَة للاراضي الْوَاقِعَة على ضفتي الترعة الحلوة وزراعتها بمعرفتها مِمَّا يضر بِحُقُوق السلطنة فِي مصر اذ يَجْعَل لدولة اجنبية حقوقا فِي مصر خُصُوصا إِذا انشئت بهَا مستعمرات زراعية يُؤْتى لَهَا بالزراع من الْخَارِج وَلذَلِك لَا تصدق على هَذَا الْمَشْرُوع الا إِذا ضمنت جَمِيع الدول حريَّة القنال المُرَاد انشاؤه كَمَا ضمنت بوغازي الاستانة وان تتْرك الشّركَة حُقُوقهَا فِي الترعة العذبة وَمَا على ضفافها من الاراضي وان لَا يسْتَعْمل المصريون قهرا فِي اشغال الشّركَة اذ كَانَ يستغل بهَا فِي هَذِه الاثناء نَحْو سِتِّينَ الف مصري بطرِيق السخرة وامهلت الدولة الشّركَة سِتَّة اشهر لاعطاء الْجَواب والا يسْقط حَقّهَا فِي جَمِيع الاراضي الممنوحة لَهَا

وَلما انْقَضى هَذَا الاجل وَلم تجب الشّركَة بِشَيْء اعلنتها الْحُكُومَة المصرية بِسُقُوط حَقّهَا فِي 12 اكتوبر سنة 1863 فارعد المسيو دي ليسبس وازبد وتدخلت فرنسا وَكَاد الامر يُفْضِي إِلَى ارتباكات سياسية فَقبلت الْحُكُومَة المصرية بِحكم

ص: 570

نابوليون الثَّالِث امبراطور فرنسا ظنا مِنْهَا انه ينصفها ضد الشّركَة وَغَابَ عَنْهَا انه لَا بُد ان يمِيل إِلَى الشّركَة بعاملي الجنسية والسياسية وَلَو لم يكن الْحق من جَانبهَا وَحَقِيقَة انه اتخذ هَذِه الفرصة وَسِيلَة للْحكم للشَّرِكَة بمبالغ وافرة كَانَت سَببا فِي اتمام الْمَشْرُوع فاصدر حكمه فِي 6 يوليو بعد ان اسْتَشَارَ لجنة من اهل الدِّرَايَة بالاحكام القانونية حضرها نوبار باشا بِصفة مَنْدُوب عَن خديو مصر وَلَا حَاجَة لذكر الحكم باسبابه بل يكْتَفى بالْقَوْل انه حكم بِمَا ياتي

اولا ان تدفع الْحُكُومَة المصرية للشَّرِكَة مبلغ ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ مليون فرنكا فِي مُقَابلَة ابطال الشَّرْط القَاضِي عَلَيْهَا باحضار الْعمَّال

ثَانِيًا ثَلَاثِينَ مليون فرنكا نَظِير ترك الاراضي الَّتِي رخص للشَّرِكَة باحيائها وزراعتها

ثَالِثا سِتَّة عشر مليون فِي مُقَابلَة تخلي الشّركَة عَن الترعة الحلوة وفوائدها وتلتزم الْحُكُومَة زِيَادَة على ذَلِك بحفرها من الْقَاهِرَة إِلَى الْوَادي ويجعلها صَالِحَة للملاحة فِي جَمِيع اوقات السّنة وعَلى الشّركَة تطهيرها سنويا بمعرفتها فِي مُقَابلَة ثلثمِائة الف فرنك تاخذها من الْحُكُومَة وَيكون للشَّرِكَة الْحق فِي اخذ سبعين الف متر مكعب من الْمِيَاه فِي كل ارْبَعْ وَعشْرين سَاعَة فَيكون مَجْمُوع هَذِه المبالغ اربعة وَثَمَانِينَ مليون فرنكا عبارَة عَن ثَلَاثَة ملايين جنيه واربعمائة وَثَلَاثَة وَسِتِّينَ الف جنيه يدْفع على جملَة اقساط بالكيفية الْآتِيَة من ابْتِدَاء سنة 1864 لغاية سنة 1867 يدْفع مبلغ سِتَّة ملايين وَنصف من الفرنكات سنويا وَفِي كل من سنتي 1868 و 1869 مِائَتَان واربعون الف جنيه وَمن سنة 1870 لغاية سنة 1879 ثَلَاثَة ملايين وسِتمِائَة الف فرنك سنويا عبارَة عَن مائَة واربعين الف جنيه سنويا

وَلما تمّ الحكم على الْوَجْه الْمَذْكُور الظَّاهِر اجحافه بِحُقُوق مصر حررت الشُّرُوط النهائية بَين الحضرة الخديوية الاسماعيلية والمسيو دي ليسبس رَئِيس الشّركَة والنائب عَنْهَا فِي 22 فبراير سنة 1866 وَتَقَدَّمت للباب العالي فصدر عَلَيْهَا الفرمان السلطاني مؤرخا 19 مارس سنة 1866 2 ذِي الْقعدَة 1282 هـ

وَبعد ذَلِك عدلت مواعيد الدّفع بكيفية ارجح للشَّرِكَة وَزِيَادَة على ذَلِك جَمِيعه تنازلت الشّركَة للحكومة عَن ارْض الْوَادي الَّتِي قدر مساحتها ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ

ص: 571