الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَن آخرهَا فانه لما وصل هَذَا الْمَنْدُوب اوقف ضرب النَّار وَنزل مَعَه العساكر العثمانية والانكليزية وامر بشنق الْمَحْكُوم عَلَيْهِم بالاعدام فشنقوا وانتهت هَذِه الْمَسْأَلَة وَرجعت العساكر الانجليزية إِلَى سفينتهما بِدُونِ ان يَجدوا عِلّة للبقاء وَمَا الْفضل فِي حسم كل هَذِه النَّوَازِل الا لفؤاد باشا صَاحب الرَّأْي الصائب
حَادِثَة الشَّام واحتلال فرنسا لَهَا
وَقد ظهر فَضله واعترف بِهِ الْعَدو قبل الصّديق وجاهر كل ذِي دمة بَان هَذَا الرجل من اهم سياسي عصره فِي مَسْأَلَة الشَّام الَّتِي حصلت فِي سنة 1276 الْمُوَافقَة سنة 1860 واوجبت تدخل الدول عُمُوما وفرنسا خُصُوصا بِحجَّة حماية المارونية وَبَيَان ذَلِك انه لما حسمت جَمِيع المشاكل واستتب الامن نوعا فِي ولايتي الافلاق والبغدان وولايات الصرب والجبل الاسود بتساهل الْبَاب العالي واعترافه بانتخاب كوزا واليا لولايتي الافلاق والبغدان مَعًا وبتولية ميشيل اميرا على الصرب بعد وَالِده ميلوش الَّذِي انتخبه نواب الاهالي فِي جمعيتهم العمومية الْمُسَمَّاة اسكو بشينا حَتَّى لَا تدع للدول سَبِيلا للتدخل وَجه ارباب الغايات مساعيهم إِلَى بِلَاد الشَّام لاستعدادها لقبُول بذور الْفساد اكثر من بَاقِي الولايات بِسَبَب تعدد الجنسيات وَاخْتِلَافهمْ فِي الدّين وَالْمشْرَب وَوُجُود الْعَدَاوَة بَينهم خُصُوصا بَين المارونية والدروز فَقَامَتْ بَينهم اسباب الشقاق ودواعي الْخلف إِلَى ان تعدى المارونية بِالْقَتْلِ على الدروز فِي اواخر سنة 1859 وَقَامَ الدروز للاخذ بالثأر ثمَّ امتدت الْفِتْنَة إِلَى جَمِيع انحاء الشَّام وَكثر الْقَتْل والنهب وحصلت عدَّة مذابح فِي طرابلس وصيدا واللاذقية وزحلة ودير الْقَمَر وَمِنْهَا إِلَى مَدِينَة دمشق الشَّام وامتاز الامير عبد الْقَادِر الجزائري
بحماية كثير من المسيحيين فكافأته فرنسا بمنحه وسام اللجيون دونور من دَرَجَة جران كوردون واتهم الاوروبيون عُثْمَان بك قائمقام حاصبيا بتسهيل المذبحة وَكَذَلِكَ اتهموا احْمَد باشا وَالِي دمشق بمساعدة الدروز وَقتل كل من التجأ إِلَى دَار الْحُكُومَة من المسيحيين واذاعوا هَذِه المفتريات على رجال الدولة فِي جَمِيع الارجاء تمويها وتغريرا ليَكُون لَهُم سَبَب مَقْبُول لَدَى الرَّأْي الْعَام فِي بِلَادهمْ إِذا تداخلوا فعليا وجر تداخلهم إِلَى حَرْب عَظِيمَة كحرب القرم
فعرضت فرنسا على الدول انها مستعدة لارسال جيوشها إِلَى بِلَاد الشَّام لقمع الْفِتْنَة ومجازاة مثيريها وحماية المارونية فَلم تقبل الدول هَذَا الاقتراح بادئ الرَّأْي خوفًا من عدم خُرُوج فرنسا من الشَّام لَو احتلتها عسكريا وضحت اموالها ورجالها وَلما حصلت مذبحَة دمشق الَّتِي قتل فِيهَا نَحْو سِتَّة آلَاف نسمَة على مَا يَقُولُونَ ارسلت
جَمِيع الدول إِلَى الْبَاب العالي تهدده بالتدخل ان لم لم يضع حدا لهَذِهِ الْفِتَن لَكِن بلاغاتهم لم تكن اشتراكية لعدم اتحادهم فَجمع فؤاد باشا جَمِيع الوزراء واظهر لَهُم ضَرُورَة تعزيز الْجَيْش العثماني بِهَذِهِ الْبِلَاد واخماد الثورة قبل ان تتفق الدول على التدخل عسكريا فتقرر رَأْيه بالاجماع وانتدب هُوَ لقيادة الجيوش بهَا ومجازاة كل من تظهر ادانته
فسافر هَذَا الشهم على جنَاح السرعة وَوصل إِلَى بيروت فِي 28 الْحجَّة سنة 1276 17 يوليو سنة 1860 وَمِنْهَا قصد مَدِينَة دمشق فِي خَمْسَة آلَاف جندي وشكل مَجْلِسا حَرْبِيّا وحاكم رُؤَسَاء الْفِتْنَة بِكُل صرامة وشنق كثيرا مِمَّن ظَهرت لَهُم يَد عاملة فِيهَا سَوَاء كَانَ من الدروز اَوْ المسيحيين اَوْ الْمُسلمين اَوْ من نفس كبار مستخدمي الْحُكُومَة وبذل همته فِي اعادة الامن إِلَى الْبِلَاد
وَفِي اثناء ذَلِك اتّفقت الدول على ان ترسل فرنسا إِلَى الشَّام سِتَّة آلَاف مقَاتل لمساعدة الْجَيْش العثماني على اعادة السكينَة لَو عجز عَن تأدية هَذِه المهمة وَفِي 22 محرم سنة 1277 10 اغسطس سنة 1860 نزلت الْجنُود الفرنساوية إِلَى بيروت تَحت قيادة الجنرال دوبول فَوجدت السكينَة ضاربة اطنابها فِي ربوع الشَّام وَلم تَجِد سَبِيلا لعمل أَي حَرَكَة عسكرية لاظهار شجاعتها ونظامها
وَمِمَّا يدل على تعنت الدول وتعمدهم مُشَاركَة الدولة فِي امورها الداخلية على أَي حَال اتفاقها فِي باريس بِمُقْتَضى اتِّفَاق تَارِيخه 15 محرم 1277 3 اغسطس 1860 على انه يجوز ابلاغ الْجَيْش المحتل إِلَى اثْنَي عشر الْفَا مَعَ بَقَاء هَذِه الجيوش إِلَى ان يستتب الامن ويجازى الساعون بِالْفَسَادِ على مَا جنت ايديهم كَأَن الدولة اهملت فِي مجازاتهم وَفِي ارجاع السكينَة إِلَى الْبِلَاد مَعَ انه لم يكن ثمَّة ضَرُورَة لارسال جَيش اوروبي إِلَى الشَّام مُطلقًا لقِيَام فؤاد باشا بمهمته احسن قيام وَمَعَ ذَلِك صمم الْقَائِد الفرنسا وي على ارسال فرقة من الف وَخَمْسمِائة جندي إِلَى جبل لبنان لاعادة المارونية إِلَى بِلَادهمْ وحمايتهم من تعدِي الدروز وَاسْتمرّ الاحتلال الفرنساوي إِلَى 27 الْقعدَة سنة 1277 6 يونيو سنة 1861 وَفِيه سحبت الجيوش الفرنساوية آتِيَة إِلَى بلادها بعد ان اوهمت مسيحيي الشَّام انها حمتهم من تعدِي الْمُسلمين المتعصبين المتوحشين على زعمهم ونسيت فرنسا مَا اتته جنودها فِي بِلَاد الجزائر من الاعمال الفظيعة الَّتِي
يَأْبَى الْقَلَم تسطيرها خُصُوصا مَا اتاه الجنر بيليسيه من اعدام قَبيلَة بنسائها واطفالها حرقا دَاخل الْغَار الَّذِي التجأوا اليه
وَلَكِن ابت سياسة اوروبا المسيحية الا التعامي عَن كل مَا ياتونه مَعَ الشرقيين وتجسيم اقل حَادث يحدث فِي الشرق وَلَو بايعازهم ترويجا لسياستهم ونسوا اقوال الْمَسِيح عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا افضل الصَّلَاة وازكى السَّلَام المسطرة فِي نسخ الانجيل المتداولة بَين ايدي جَمِيع الطوائف المسيحية القاضية بَان يُعَامل الانسان غَيره بِمَا يُرِيد ان يعامله الْغَيْر بِهِ
وَفِي اثناء ذَلِك انْعَقَدت بِمَدِينَة بيروت لجنة اوروبية مشكلة من مندوبين مُعينين من قبل الدول الموقعة على معاهدة باريس وَبعد مداولات طَوِيلَة اتَّفقُوا مَعَ فؤاد باشا على ان يُعْطوا للمسيحيين الَّذين حرقت دُورهمْ مبلغ خَمْسَة وَسبعين مليون قِرْش بِصفة تعويض وان يمنح اهالي الْجَبَل حُكُومَة مُسْتَقلَّة تَحت سيادة الدولة الْعلية يكون حاكمها مسيحي الْمَذْهَب وان يكون للباب العالي حامية من ثلثمِائة جندي تقيم فِي حصن على الطَّرِيق الْموصل من دمشق إِلَى بيروت
ثمَّ عين بالاجماع من يدعى دَاوُد افندي الارمني الْجِنْس اميرا للجبل لمُدَّة ثَلَاث سنوات لَا يُمكن عَزله الا بِاتِّفَاق الدول وَبِذَلِك انْتَهَت ايضا هَذِه الْمَسْأَلَة بِحسن مساعي فؤاد باشا كَمَا انْتَهَت بَاقِي الْمسَائِل الَّتِي سبقتها وَلَو يكيفية مجحفة بِحُقُوق الدولة الا انه بِهَذَا التساهل منع تدخل الدول بِصفة شَدِيدَة والزم فرنسا بسحب جيوشها من الشَّام
وَبعد خُرُوج الجيوش الفرنساوية من بيروت بِعشْرين يَوْمًا توفّي السُّلْطَان عبد الْمجِيد خَان وانتقل إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ فِي 17 ذِي الْحجَّة سنة 1277 هـ يونيو سنة 1861 وَدفن رحمه الله فِي قبر اعد لَهُ فِي حَيَاته بجوار جَامع السُّلْطَان سليم وعمره اربعون سنة وكسور وَمُدَّة حكمه 22 سنة وَنصف وَهُوَ الَّذِي انشأ النيشان المجيدي الْعلي الشَّأْن وَقدمه على نيشان الافتخار الَّذِي اسسه السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود الثَّانِي وَفِي يَوْم مَوته بُويِعَ بالخلافة لاخيه