الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَة لبنان ونقتلة المارونية
بِمُجَرَّد اخلاء الجيوش المصرية لبلاد الشَّام وجبال لبنان وَعدم شُعُور سكانها بسطوة ابراهيم باشا وبطشه تحركت فيهم الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة الْقَدِيمَة الكامنة فِي نُفُوسهم خوفًا من شدَّة بَأْس ابراهيم باشا وَعدم رأفته فِي معاقبتهم وزادت الدسائس الاجنبية لاضرام نَار الشقاق وبذر الْفِتَن الداخلية توصلا لغاياتهم الشخصية وَكَانَت فرنسا مساعدة للمارونية الكاتوليك وانكلترا معضدة للدروز ضدهم لتلجئهم على ترك الْمَذْهَب الكاتوليكي واعتناق الْمَذْهَب البروتستانتي فيدخلوا بذل تَحت حمايتها الفعلية وَلم يعد لفرنسا حجَّة لحمايتهم لسَبَب مذهبي وَظن كل فريق من هَؤُلَاءِ التعساء ان الدولة الَّتِي تغرره تود صَلَاح حَاله وترقيه فِي المدنية وَلم تفقه لدخائل هَذِه السياسة الخبيثة الَّتِي لَا يتَأَخَّر اصحابها امام اهراق دِمَاء الابرياء توصلا لمآربهم
وبهذه الدسائس سَاد الْهياج فِي جَمِيع انحاء لبنان وَظهر مَا تكنه صُدُور سكانه من الاحقاد الجنسية والدينية حَتَّى تعدى الدروز على المارونية فِي سنة 1257 هجرية سنة 1841 وجخلوا دير الْقَمَر وارتكبوا فِيهِ مَا تقشعر مِنْهُ الابدان من النهب وَالسَّلب وَقتل النِّسَاء والولدان وَسبي الْحَرَائِر وَلَوْلَا تدخل الجيوش بِشدَّة لامتدت الثورة
لَكِن لم يرق ذَلِك فِي اعين ارباب الغايات بل مَا انفكوا يوالون دسائسهم
ويلقون بذور الْفساد ويتعهدونها بالمداومة والمثابرة حَتَّى قَامَ الدروز ثَانِيَة فِي سنة 1261 هجرية سنة 1845 وَقتلُوا المسيحيين وتعدوا على قسس الكاثوليك الفرنساويين وَقتلُوا رَئِيس اُحْدُ الاديرة واسْمه شارل دي لوريت واثنين من رُهْبَان الدَّيْر وحرقوا حثثهم ثمَّ اضرموا النَّار فِي الدَّيْر حَتَّى صَار قاعا صفصفا بعد ان نهبوا كل مَا بِهِ من المنقولات والامتعة بِدُونِ ان يحصل اقل اذى للمرسلين البروتستانت الامريكانيين والانكليز الامر الَّذِي يدل دلَالَة وَاضِحَة على ان هَذِه المذابح لَا تَخْلُو من تأثيرهم حَتَّى يثبتوا للمارونية الكاثوليك انهم لَو اعتنقوا الْمَذْهَب البروتستانتي لَا يلحقهم ضَرَر ويصيرون فِي مأمن من تعدِي الدروز فيستميلونهم للتمذهب بمذهبهم وَلَا يبْقى لفرنسا وَجه لحمايتهم وبسبب هَذِه الاضطرابات المتعاقبة لم ير الْبَاب العالي بدا من التدخل فِي ادارة الْجَبَل لمنع هَذِه الْفِتَن فعزل الامير بشير الشهابي بعد خُرُوج العساكر المصرية من الشَّام كَمَا مر وَعين مَكَانَهُ واليا عثمانيا وابطل بذلك جَمِيع امتيازات سكان الْجَبَل الممنوحة لَهُم قَدِيما بِمُقْتَضى عدَّة معاهدات وَمَا منح لَهُم اخيرا بِاتِّفَاق الدول عقب جلاء العساكر المصرية عَنهُ لتحققه ان وجود الشعوب الْمُخْتَلفَة القاطنة بِهِ تَحت حكم وَال وَاحِد اقْطَعْ للمفاسد وامنع لظُهُور الضغائن الدِّينِيَّة بَين الموارنة والدروز فَلم تقبل الدول ذَلِك بل اضْطر الْبَاب العالي بِنَاء على مساعيها ان يُعِيد للجبل بعض امتيازاته وَاتفقَ مَعَ سفراء الدول على ان يكون للوالي العثماني قَائِم مقَام احدهما ماروني وَالْآخر درزي يتَوَلَّى كل مِنْهُمَا النّظر فِي شؤون ابناء جنسه وَذَلِكَ فِي سنة 1258 هجرية سنة 1842
لَكِن لم تنجح هَذِه الطَّرِيقَة ايضا لاختلاط سكان بعض الْقرى من موارنة ودروز فسلخ الْبَاب العالي اقليم الجبائل الآهل بالموارنة من حُكُومَة الْجَبَل وضمه إِلَى ولَايَة طرابلس بِلَا امتيازات كباقي اقاليم الْجَبَل فعارض بطرِيق الموارنة فِي ذَلِك وارسل إِلَى جَمِيع القناصل يحْتَج ضد هَذَا الْعَمَل الْمنَافِي للاتفاق الاخير
مُدعيًا ان الدولة لم ترد بذلك الا اضعاف العنصر الماروني وتقوية العنصر الدرزي فبناء على هَذِه الشكوى ارسل الْبَاب العالي بِصفة وَال على الشَّام رجلا اتّصف بالاستقامة واصالة الرَّأْي يدعى اِسْعَدْ باشا للنَّظَر فِي تَسْوِيَة هَذِه الْمَسْأَلَة فارتأى ضَرُورَة اعادة الامير بشير الشهابي إِلَى امارة الْجَبَل كَمَا كَانَ فَلم يقبل الْبَاب العالي هَذَا الْحل وانتدب آخر يدعى خَلِيل باشا لتحقيق تشكيات الطَّرفَيْنِ وَتَقْدِيم تَقْرِير عَمَّا يرَاهُ حاسما للنزاع فَاخْتلف مَعَ اِسْعَدْ باشا فِي الرَّأْي وَقَالَ بافضلية اعْتِبَار جبل لبنان كباقي الولايات العثمانية بِدُونِ ادنى امتياز
وَلعدم قبُول القناصل بِهَذَا الرَّأْي اتَّفقُوا اخيرا فِي غُضُون سنة 1259 هجرية سنة 1843 على ان يعين فِي الْقرى المختلطة وكيلان احدهما درزي وَالْآخر ماروني وَيكون كل مِنْهُمَا تَابعا للقائم مقَام الَّذِي على مذْهبه فَلم يقبل الدروز الا ان يكون لَهُم السِّيَادَة على المارونية فِي الْجِهَات المختلطة وَهَؤُلَاء آثروا التتبع لاحدى الولايات العثمانية الْمَحْضَة على ان يَكُونُوا تَحت سيادة الدروز
وَاسْتحْسن الْبَاب العالي هَذَا الرَّأْي الاخير لَكِن لم يرق ذَلِك فِي اعين الدروز وَلَا فِي اعين المغرين لَهُم فهاجوا ثَانِيًا وَقَامُوا على المارونية وحصلت مذبحَة جُمَادَى الاولى سنة 1261 هجرية سنة 1845 السَّابِق ذكرهَا فارسلت الدولة جيوشها واحتلت الْبِلَاد سهلا وجبلا بِصفة عسكرية واجرت فِيهَا الاحكام الْعُرْفِيَّة ثمَّ دارت المخابرات بَين الدول الْعُظْمَى وَالْبَاب العالي لتقرير مَا يضمن السَّلَام فِي الْحَال والاستقبال فاجتمعت آراؤهم اخيرا بعد مداولات طَوِيلَة واخذ ورد على ان يبْقى فِي الْقرى الْمُخْتَلفَة وكيلان درزي وماروني ويعين لكل من القائمي مقَام مجْلِس يُشَارِكهُ فِي الادارة مَعَ بَقَائِهِ تَحت رئاسته وَيشكل كل من هذَيْن المجلسين من عشرَة اعضاء خَمْسَة قُضَاة وَخَمْسَة مستشارين اثْنَان مِنْهُمَا من الدروز وَاثْنَانِ من المارونية وَاثْنَانِ من الْمُسلمين وَاثْنَانِ من الْمَدَنِيين وَاثْنَانِ من المتمذهبين بِمذهب الاروام الارثوذكس وَيكون من اختصاصها توزيع الضرائب بالسواء بِدُونِ نظر إِلَى اخْتِلَاف دين اَوْ مَذْهَب اما تَحْصِيلهَا فَيكون بِمَعْرِِفَة القائمي مقَام ووكلائهما فِي الْقرى والضياع
وَمن اختصاصهما ايضا النّظر فِي القضايا الحقوقية والجنائية وان امْتنع مَنْدُوب