الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا قياس فاسد، فإن المُكْرَه غيرُ قاصدٍ للقول، ولا لموجَبه، وإنما حُمِل عليه وأُكْرِه على التكلُّم به، ولم يُكرَه على القصد.
وأما الهازل فإنه تكلّم باللفظ اختيارًا وقَصَد به غيرَ موجَبه، وهذا ليس إليه، بل إلى الشارع، فهو أراد اللفظ الذي إليه، وأراد أن لا يكون موجَبه، وليس إليه، فإنَّ مَن باشر سببَ الحكم باختياره لزمه مسبّبه ومقتضاه وإن لم يرده. وأما المكره فإنه لم يُرِد لا هذا ولا هذا، فقياسه على الهازل غير صحيح
(1)
.
7 -
باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث
(2)
175/ 2110 - وعن ابن عباس قال: «طَلَّقَ عبدُ يزيد ــ أبو ركانة وإخْوَتِهِ ــ أمَّ ركانة، ونكح امرأةً من مُزَيْنَةَ، فجاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: ما يُغْنِي عَنِّي إلا كما تغني هذه الشعرة، لشعرةٍ أخذتها من رأسها، ففَرِّق بيني وبينه، فأخذت النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَميَّةٌ، فدعا برُكَانَةَ وإخوته، ثم قال لجلسائه: أَتَرَوْنَ فلانًا يشبه منه كذا وكذا، من عبد يزيد، وفلانًا منه كذا وكذا؟ قالوا: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد: طلِّقها، ففعل، ثم قال: راجع امرأتك أمَّ ركانة وإخوته، فقال: إني طلقتها ثلاثًا يا رسول الله، قال: قَدْ عَلِمْتُ، رَاجِعْها» وتلا: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(3)
[الطلاق: 1].
(1)
ينظر «إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان» (ص 30، 38 - 39، 50 - 51) للمؤلف.
(2)
ينظر ما سبق التعليق عليه عند (باب نسخ المراجعة).
(3)
أخرجه أبو داود (2196)، وعبد الرزاق (6/ 390)، ومن طريقه أبو داود والبيهقي:(7/ 339)، من طريق ابن جُريج حدثني بعض بني رافع عن عكرمة عن ابن عباس به.
قال أبو داود: وحديث نافع بن عُجير، وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده:«أن ركانة طلق امرأتَه، فردّها إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم» أصحُّ، لأنهم ولدُ الرجل، وأهله أعلم
(1)
به، أن ركانة إنما طلَّق امرأتَه البتةَ، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة.
وقال الخطابي
(2)
: في إسناد هذا الحديث مقال، لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني أبي رافع، ولم يسمِّه، والمجهول لا تقومُ به الحجة. وحكى أيضًا أن الإمام أحمد بن حنبل كان يضعِّف طرقَ هذا الحديث كلها.
قال ابن القيم رحمه الله: والحديث الذي رجَّحه أبو داود هو حديث نافع بن عُجَير: «أنّ رُكانة بن عبد يزيد طلَّق امرأتَه سُهَيمة البتة، فأخبر بذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقال: والله ما أردتُ إلا واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما أردْتَ إلا واحدة؟» ، فقال ركانة: والله ما أردْتُ إلا واحدة، فردَّها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلَّقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان». قال [ق 101] أبو داود: وهذا أصحُّ مِن حديث ابن جُرَيج، يعني الحديث الذي قبل هذا. تم كلامه.
وهذا هو الحديث الذي ضعَّفه الإمامُ أحمد والناسُ، فإنه من رواية عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عُجير، عن رُكانة، ومن رواية الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده، وكلُّهم ضعيف، والزبير أضعفهم. وضعَّف البخاريُّ
(3)
أيضًا هذا الحديثَ، قال: عليُّ بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، لم يصح حديثه.
(1)
في «السنن» : «لأنّ ولد الرجل وأهله .. » .
(2)
في «معالم السنن» : (2/ 646).
(3)
في «التاريخ الكبير» : (6/ 301)، وقال في (1/ 250) عنه: مرسل.
وأما قول أبي داود: إنه أصحّ من حديث ابن جُرَيج، فلأنّ ابنَ جُريج رواه عن بعض بني رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس، ولأبي رافع بنون ليس فيهم من يحتجُّ به إلا عبيد الله بن رافع، ولا نعلم هل هو هذا أو غيره؟ فلهذا ــ والله أعلم ــ رجَّح أبو داود حديثَ نافع بن عُجَير عليه.
ولكن قد رواه الإمام أحمد في «مسنده»
(1)
من حديث ابن إسحاق، حدثني داود بن الحُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وهذا أصح من حديث نافع بن عُجَير، ومن حديث ابن جُريج. وقد صحح الإمام أحمد هذا السند في قصة ردِّ زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص بن الربيع
(2)
، وقال: الصحيح حديث ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّها على أبي العاص بالنكاح الأول» .
وهو بهذا الإسناد بعينه من رواية ابن إسحاق، عن داود بن الحُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وهكذا ذكر الترمذيُّ والدارقطني
(3)
أن رواية ابن
(4)
إسحاق هي الصواب. وحكموا له على رواية حجاج بن أرطاة، عن عَمرو بن شُعيب،
(1)
(2387).
(2)
أخرجه أبو داود (2240)، وأحمد (1876)، والترمذي (1143) وغيرهم لكن رواية داود بن حصين عن عكرمة مضطربة، قال ابن المديني: ما روي عن عكرمة فمنكر الحديث، وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير. ينظر «تهذيب الكمال» : (8/ 380 - 381).
(3)
أخرجه الترمذي (1143)، والدارقطني (3625، 3626).
(4)
تصحف في الأصل و (هـ، ش) هنا وفي الموضع قبله إلى «أبي» !
عن أبيه، عن جده:«أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّها عليه بنكاح جديد» . وحجاجُ بن أرطاة أعرف من نافع بن عُجَير ومَن معه. وبالجملة فأبو داود لم يتعرَّض لحديث محمد بن إسحاق ولا ذَكَره. والله أعلم.
176/ 2114 - وعن طاوس: «أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث تُجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وثلاثًا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: نعم» .
وأخرجه مسلم والنسائي
(1)
.
قال ابن القيم رحمه الله: قال البيهقي
(2)
: هذا الحديث أحد ما اختلف فيه البخاري ومسلم، فأخرجه مسلم وتركه البخاري، وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الروايات عن ابن عباس ــ وساق الروايات عنه ــ ثم قال: فهذه رواية سعيد بن جُبَير وعطاء بن أبي رَباح ومجاهد وعكرمة وعَمرو بن دينار ومالك بن الحارث ومحمد بن إياس بن البكير، ورُوِّيناه عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري، كلهم عن ابن عباس: أنه أجاز الثلاثَ وأمضاهنّ.
قال ابنُ المنذر: فغيرُ جائزٍ أن نظنّ بابن عباس أنه يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم يفتي بخلافه.
وقال الشافعي
(3)
: فإن كان معنى
(4)
قول ابن عباس: «إن الثلاث كانت
(1)
أخرجه أبو داود (2200)، ومسلم (1472/ 16)، والنسائي في «الكبرى» (5569)، وأحمد (2875).
(2)
في «الكبرى» : (7/ 337)، وينظر «معرفة السنن والآثار»:(5/ 463).
(3)
في «اختلاف الحديث ــ آخر الأم» : (10/ 257). ونقله البيهقي في كتابيه «السنن» و «المعرفة» .
(4)
في الأصل: «يعني» والمثبت من كتاب الشافعي وما نقله البيهقي.
تُحْتَسب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة» يعني أنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يشبه ــ والله أعلم ــ أن يكون ابن عباس قد علم أن كان شيء فنُسِخ.
قال البيهقي
(1)
: ورواية عكرمة، عن ابن عباس فيها تأكيد لصحَّة هذا التأويل. يريد البيهقيُّ الحديثَ الذي ذكره أبو داود في باب نسخ المراجعة وقد تقدم.
وقال أبو العباس بن سُرَيج
(2)
: يمكن أن يكون ذلك إنما جاء في نوعٍ خاصّ من الطلاق الثلاث، وهو أن يفرّق بين اللفظ كأنْ يقول: أنتِ طالق، أنت طالق، أنت طالق. وكان في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم،وعهد أبي بكر والناسُ على صِدْقهم وسلامتهم، لم يكن ظهر فيهم الخِبّ والخداع، فكانوا يُصَدَّقون أنهم أرادوا به التوكيد، ولا يريدون الثلاث. ولما رأى عمر رضي الله عنه في زمانه أمورًا ظهرت وأحوالًا تغيَّرت، منع مِن حَمْل اللفظ على التكرار، فألزمَهم الثلاثَ.
وقال بعضهم: إن ذلك إنما جاء في غير المدخول بها. وذهب إلى هذا جماعة من أصحاب ابن عباس، ورأوا أن الثلاث لا تقع على غير المدخول بها، لأنها بالواحدة تَبِيْن، فإذا قال: أنتِ طالق بانت، وقوله:«ثلاثًا» وقع بعد البينونة فلا يعتدّ به، وهذا مذهب إسحاق بن راهويه
(3)
.
(1)
«الكبرى» : (7/ 338).
(2)
ينظر لكلام ابن سُريج: «معالم السنن» : (2/ 650) للخطابي. وتصحف فيه إلى «ابن شريح» .
(3)
ينظر «مسائل الكوسج» : (4/ 1774 - 1775).
وقال بعضهم: قد ثبتَ عن فاطمة بنت قيس أن أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثًا، فأبانها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولم يجعل لها نفقةً ولا سُكْنى
(1)
. وفي حديث ابن عمر: أنه قال: يا رسول الله، أرأيتَ لو طلقتها ثلاثًا؟ قال:«إذن عصيتَ ربَّك وبانت منك امرأتُك» . رواه الدارقطني
(2)
. وعن عليٍّ قال: سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا طلَّق امرأتَه البتة، فغضب وقال:«يتخذون آيات الله هزوًا؟ مَن طلَّق البتة ألزمناه ثلاثًا لا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره» . رواه الدارقطني
(3)
أيضًا.
قالوا: وهذه الأحاديث أكثر وأشهر من حديث أبي الصهباء، وقد عمل بها الأئمة، فالأَخْذ بها أولى.
وقال بعضهم: المراد أنه كان المعتاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تطليقة واحدة، وقد اعتاد الناسُ الآن التطليق الثلاث، والمعنى: كان الطلاق المُوقَع الآن ثلاثًا يوقَع في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة.
وقال بعضهم: ليس في هذا الحديث أن ذلك كان يبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم،فيُقِرُّ عليه، والحجة إنما هي في إقراره بعد بلوغه. ولمَّا بلغه طلاقُ رُكَانة امرأتَه البتة استحلفه: ما أردْتَ بها إلا واحدةً؟
(4)
ولو كانت الثلاثُ واحدةً [ق 102] لم يكن لاستحلافه معنى، فإنها واحدة، سواء أراد بها الثلاث أو الواحدة.
(1)
أخرجه مسلم (1480)، وأبو داود (2288)، والترمذي (1215) وغيرهم من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
(2)
(3967). وضعَّفه البيهقي: (7/ 330).
(3)
(3945) وضعَّفه، وفيه زيادة «أو دين الله هزوًا ولعبًا» .
(4)
تقدم تخريجه.
وقال بعضهم: الإجماع منعقدٌ على خلاف هذا الحديث، والإجماعُ معصومٌ من الغلط والخطأ، دون خبر الواحد.
وقال بعضهم: إنما هذا في طلاق البتة. فإنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يراد بها الواحدة، كما أراد بها رُكَانة، ثم تتايع
(1)
الناسُ فيها، فأرادوا بها الثلاث، فألزمهم عُمر إيّاها.
فهذه عشرة مسالك للناس في ردِّ هذا الحديث
(2)
.
وقال أبو بكر بن عربي
(3)
المُعَافري في كتابه «الناسخ والمنسوخ»
(4)
: «(غائلة) قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229]: زلَّ قومٌ في آخر الزمان فقالوا: إن الطلاق الثلاث في كلمة لا يلزم، وجعلوه واحدة، ونسبوه إلى السلف الأول، فحكوه عن عليٍّ والزبير وعبدالرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس، وعزوه إلى الحجَّاج بن أرطاة الضعيف المنزلة، المغموز
(5)
المرتبة، ورووا في ذلك حديثًا ليس له أصل.
وغوى قومٌ مِن أهل المسائل، فتتبعوا الأهواءَ المبتدعةَ فيه، وقالوا: إن
(1)
الأصل والمطبوعات: «تتابع» والظاهر ما أثبت، وقد مضى التعليق على مثل هذه الكلمة فيما سلف فلا نعيده.
(2)
وانظر في نقد هذه المسالك «زاد المعاد» : (5/ 242 - 248) ووصفها بأنها مسالك وعرة لا يصح منها شيء.
(3)
كذا في الأصل و (ش)، وغيّرت في الطبعتين إلى «العربي» .
(4)
(2/ 77 - 91) والنص إلى آخر هذا المبحث منه.
(5)
في الأصل غير معجمة، وفي ط. المعارف:«المغمور» وما أثبته مناسب للسياق، والمعنى أنه متكلّم فيه من قبل حفظه، ومرتبته في الثقة مغموزة.
قوله: «أنت طالق ثلاثًا» كذب، لأنه لم يُطلّق ثلاثًا، كما لو قال:«طلقت ثلاثًا» ، ولم يطلِّق إلا واحدة، وكما لو قال:«أحلف ثلاثًا» ، كانت يمينًا واحدة.
(منبهة): لقد طوَّفتُ في الآفاق، ولقيتُ من علماء الإسلام وأرباب المذاهب كلَّ صفّاق
(1)
، فما سمعتُ لهذه المقالة بخبر، ولا حَسِسْتُ لها بأثر
(2)
، إلا الشيعة الذين يرون نكاح المتعة جائزًا ولا يرون الطلاق واقعًا. ولذلك قال فيهم ابن سُكّرة الهاشمي
(3)
:
يا مَن يرى المتعةَ في دينه
…
حلًّا
(4)
، وإن كانَتْ بلا مهر
ولا يرى سبعين تطليقة
…
تَبِينُ منه رَبَّةُ الخِدْر
من ها هنا طابت مواليدُكم
…
فاغتنموها يا بني النظر
(5)
وقد اتفق علماء الإسلام، وأرباب الحلِّ والعقد في الأحكام، على أن الطلاق الثلاث في كلمة ــ وإن كان حرامًا في قول بعضهم، وبدعةً في قول الآخرين ــ لازمٌ، وأين هؤلاء البؤساء من عالم الدين، وعَلَم الإسلام
(1)
ط. الفقي: «صادق» تصحيف، وفي «الناسخ»:«صفّاق آفاق» .
(2)
كذا قال ابن العربي، مع أنه حكى قبل قليل عددًا ممن قال بها، وقد جمع د. سليمان العمير من قال بها في جزء مفرد بعنوان «تسمية المفتين بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة» ، فبلغوا إلى عصر ابن العربي اثنين وعشرين عالمًا.
(3)
هو أبو الحسن محمد بن عبد الله بن سكّرة الهاشمي (ت 385)، ترجمته في «تاريخ بغداد»:(5/ 465 - 466) و «تاريخ الإسلام» : (16/ 583). وله ديوان شعر كبير.
(4)
في «الناسخ» : «حلالًا» .
(5)
كذا في الأصل و (ش)، وفي «الناسخ»:«صخر» .
محمد بن إسماعيل البخاري، وقد قال في «صحيحه»
(1)
: باب جواز الثلاث لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ، وذَكَر حديث اللعان:«فطلَّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(2)
. ولم يغيِّر عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا يُقَرُّ على الباطل، ولأنه جَمَع ما فُسِح له في تفريقه فألزمته الشريعةُ حكمَه.
وما نسبوه إلى الصحابة كذبٌ بحت لا أصل له في كتاب، ولا رواية له عن أحد.
وقد أدخل مالكٌ في «موطئه»
(3)
عن علي: «أن الحرام ثلاث لازمة في كلمة» فهذا في معناها، فكيف إذا صرَّح بها؟!
وأما حديث الحجاج بن أرطاة فغير مقبول في المِلّة، ولا عند أحدٍ من الأئمة.
فإن قيل: ففي «صحيح مسلم»
(4)
عن ابن عباس ــ وذكر حديث أبي الصهباء هذا.
قلنا: هذا لا متعلَّق فيه من خمسة أوجه:
الأول: أنه حديث مختلَفٌ في صحته، فكيف يقدَّم على إجماع الأمة؟ ولم يُعرَف في هذه المسألة خلافٌ إلا عن قوم انحطُّوا عن رتبة التابعين، وقد
(1)
(7/ 42) والباب فيه: «باب من أجاز طلاق الثلاث» .
(2)
(5259)، وأخرجه مسلم (1492).
(3)
(1586). وينظر «الاستذكار» (6/ 17).
(4)
(1472/ 16).
سبق العصران الكريمان والاتفاق
(1)
على لزوم الثلاث، فإن رووا ذلك عن أحدٍ منهم فلا تقبلوا منهم إلا ما يقبلون منكم، فِعْل
(2)
العَدْل عن العَدْل، ولا تجد هذه المسألة منسوبةً إلى أحدٍ من السلف أبدًا.
الثاني: أن هذا الحديث لم يُرْو إلا عن ابن عباس، ولم يُرو عنه إلا من طريق طاوس. فكيف يُقبل ما لم يروه من الصحابة إلا واحد، وما لم يروه عن ذلك الصحابي إلا واحد؟ وكيف خفي هذا عن جميع الصحابة وسكتوا عنه إلا ابن عباس؟ وكيف خفي على جميع أصحاب ابن عباس إلا طاوس؟!
الثالث: يحتمل أن يُرَاد به قبل الدخول. وكذلك تأوَّله النسائيُّ، فقال
(3)
: باب طلاق الثلاث المتفرِّقة قبل الدخول بالزوجة. وذَكَر هذا الحديث بنصِّه
(4)
.
الرابع: أنه يعارضه حديث محمود بن لَبِيد، قال: أُخْبِر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ طلَّق امرأتَه ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان، ثم قال:«أيُلْعَب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟» حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ رواه النسائي
(5)
.
فلم يردّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بل أمضاه، وكما في حديث عُوَيمر في اللعان حيث
(1)
في «الناسخ» : «والإصفاق» .
(2)
ط. الفقي: «نقل» ، وفي الأصل محررة كما أثبتنا.
(3)
(6/ 145).
(4)
(3406).
(5)
(3401).