الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضًا: فالمنقول عن عمر بن الخطاب في ذلك أنه مَسَح على سيور النعل التي على ظاهر القَدَم مع الجورب
(1)
، فأما أسفله وعَقِبه فلا.
وفيه وجه آخر: أنه يمسح على الجورب وأسفل النعل وعقبه. والوجهان لأصحاب أحمد
(2)
.
وأيضًا: فإن تجليد أسافل الجوربين لا يخرجهما عن كونهما جورَبين ولا يؤثِّر اشتراط ذلك في المسح، وأيُّ فرقٍ بين أن يكونا مجلَّدين أو غير مجلَّدين؟
وقول مسلم رحمه الله: "لا يُترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهُزيل" جوابه من وجهين:
أحدهما: أن ظاهر القرآن لا ينفي المسحَ على الجوربين إلا كما ينفي المسحَ على الخُفّين، وما كان الجواب عن موارد الإجماع فهو الجواب في مسألة النزاع.
الثاني: أن الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويلَه مسحوا على الجَورَبين، وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه. والله أعلم.
13 -
باب كيف المسح
؟
22/ 157 - عن المغيرة بن شعبة قال: "وضّأتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فمسح أعلى الخفِّ وأسفَلَه".
(1)
لم أقف عليه.
(2)
ينظر "الإنصاف": (1/ 179 - 181)، و"المبدع":(1/ 109).
وأخرجه الترمذي وابن ماجه
(1)
.
وضعَّف الإمام الشافعي رضي الله عنه حديثَ المغيرة هذا.
وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثورٌ هذا الحديث من رجاء. وقال الترمذي: وهذا حديث معلول. وقال: سألت أبا زرعة ومحمدًا عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح.
قال ابن القيم
(2)
رحمه الله: حديث المغيرة هذا قد ذُكِر له أربع علل:
أحدها
(3)
: أن ثور بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حَيْوة، بل قال: حُدِّثت عن رجاء.
قال عبد الله بن أحمد في كتاب "العلل"
(4)
: نا أبي قال: وقال عبد الرحمن ابن مهدي، عن عبد الله بن المبارك، عن ثور بن يزيد قال: حُدِّثت عن رجاء بن حَيْوة، عن كاتب المغيرة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخُفّين وأسفلهما".
العلة الثانية: أنه مرسل، قال الترمذي
(5)
: سألت أبا زرعة ومحمدًا عن
(1)
أخرجه أبو داود (165)، والترمذي (97)، وابن ماجه (550).
(2)
رسمه في الأصل: "إبراهيم"، وكذا أثبت في الطبعتين. وأصلحه في هامش (ش) إلى "ابن القيم"، وهو الصواب.
(3)
كذا في الأصل، والوجه:"إحداها".
(4)
لم أجده في المطبوع منه، ونقله عنه أبو داود في "السنن" (132). وذكر مثله ابن أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل":(ص 37)، والعقيلي في "الضعفاء":(4/ 14) عن علي ابن المديني عن سفيان.
(5)
"الجامع"(97). وباقي كلامه: "لم يذكر فيه المغيرة". وذكره في "العلل الكبير"(70) عنهما وزاد أنهما ضعّفاه.
هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح، لأن ابن المبارك روى هذا عن ثورٍ عن رجاء، قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة، مرسل عن
(1)
النبي صلى الله عليه وسلم.
العلة الثالثة: أنَّ الوليد بن مسلم لم يصرِّح فيه بالسماع من ثور بن يزيد، بل قال فيه:"عن ثور"؛ والوليد مدلِّس، فلا يُحْتجّ بعنعنته ما لم يصرِّح بالسماع.
العلة الرابعة: أن كاتب المغيرة لم يسمَّ فيه، فهو مجهول. ذكر أبو محمد بن حزم
(2)
هذه العلة.
وفي هذه العلل نظر:
أما العلة
(3)
الأولى وهي: أن ثورًا لم يسمعه من رجاء، فقد قال الدارقطني في "سننه"
(4)
: نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا داود بن رُشَيد، نا الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد قال: نا رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة، فذكره. فقد صرَّح في هذه الرواية بالتحديث وبالاتصال، فانتفى الإرسال عنه.
وأما العلة الثالثة: وهي تدليس الوليد، وأنه لم يصرِّح بسماعه، فقد رواه
(1)
قوله "كاتب المغيرة مرسل عن" سقط من ط. الفقي.
(2)
في "المحلى": (2/ 114).
(3)
قوله: "العلة" كتبت فوق السطر وعليها علامة التصحيح. وغيّر النص في (ط. الفقي) إلى: "أما العلتان الأولى والثانية: وهما أن
…
وأنه مرسل". وهو تصرّف بلا تنبيه، ولا حاجة إليه.
(4)
(752).
أبو داود
(1)
عن محمود بن خالد الدمشقي، ثنا الوليد، أنا ثور بن يزيد. فقد أُمِنَ تدليس الوليد في هذا.
وأما العلة الرابعة: وهي جهالة كاتب المغيرة، فقد رواه ابن ماجه في "سننه"
(2)
وقال: "عن رجاء بن حَيْوة، عن ورَّاد كاتب المغيرة، عن المغيرة".
وقال شيخنا أبو الحجاج المِزّي
(3)
: رواه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عبد الملك بن عُمير، عن وَرَّاد، عن المغيرة. تم كلامه.
وأيضًا: فالمعروف بكتابة المغيرة هو مولاه ورَّاد، وقد خُرِّج له في "الصحيحين"
(4)
، وإنما تُرك ذِكْر اسمه في هذه الرواية لشهرته وعدم التباسه بغيره. ومن له خبرة بالحديث ورواته لا يتمارى في أنه وَرَّاد كاتبه.
وبعد، فهذا حديث قد ضَعَّفه [ق 26] الأئمة الكبار: البخاري، وأبو زرعة، والترمذي، وأبو داود، والشافعي، ومن المتأخرين: أبو محمد بن حزم. وهو الصواب، لأن الأحاديث الصحيحة كلها تخالفه.
وهذه العلل وإن كان بعضها غير مؤثِّر، فمنها ما هو مؤثِّرٌ مانعٌ من صحة الحديث. وقد تفرَّد الوليد بن مسلم بإسناده ووَصْلِه، وخالفه من هو أحفظ منه وأجلّ، وهو الإمام الثبت عبد الله بن المبارك، فرواه عن ثور، عن رجاء
(1)
(165).
(2)
(550).
(3)
في "تحفة الأشراف": (8/ 497).
(4)
خرج له البخاري أحاديث منها برقم (844، 2408، 5975)، ومسلم برقم (593، 1499).