المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في القران - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب كيف التكشُّف عند الحاجة

- ‌ باب الخاتم يكون فيه ذِكْر الله يدخل به الخلاء

- ‌ باب فَرْض الوضوء

- ‌الحكم الأول:

- ‌فصلالحكم الثاني:

- ‌فصلالحكم الثالث:

- ‌ باب ما يُنَجّس الماءَ

- ‌ باب الإسراف في الماء

- ‌ باب صفة وضوء النبي

- ‌ باب تخليل اللحية

- ‌ باب المسح على العمامة

- ‌ باب التوقيت في المسح

- ‌ باب المسح على الجورَبَين

- ‌ باب كيف المسح

- ‌ باب تفريق الوضوء

- ‌ باب في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌ باب في المَذْي

- ‌ باب الجُنُب يؤخِّر الغسل

- ‌ باب في الجُنُب يدخل المسجد

- ‌ باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌ باب إتيان الحائض

- ‌ بابٌ يصيب منها (أي: من الحائض) دون الجماع

- ‌ بابٌ المرأة تُسْتَحاض

- ‌ باب ما رُوي أن المستحاضة تغتسل لكلّ صلاة

- ‌ باب ما جاء في وقت النُّفَساء

- ‌ باب الجُنُب يتيمم

- ‌ باب المجدور(1)يتيمم

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ بابٌ في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌ باب المرأة تصلي بغير خِمار

- ‌ باب الرجل يصلي وحدَه خلفَ الصفّ

- ‌ باب الدُّنّوِ من السُّتْرة

- ‌ باب ما يُؤمَر المصلِّي أن يدرأ عن المَمَرِّ بين يديه

- ‌ باب ما يقطعُ الصلاةَ

- ‌تفريع استفتاح الصلاة

- ‌ باب رفع اليدين في الصلاة

- ‌ باب افتتاح الصلاة

- ‌ باب مَن لم يذكر الرفعَ عند الركوع

- ‌ باب ما يُستفتحُ به الصلاة من الدعاء

- ‌ باب(2)الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌ باب مَن ترك القراءةَ في صلاته

- ‌ باب مَن رأى القراءةَ إذا لم يجهر

- ‌ باب ما يُجزئ [الأميَّ](4)والأعجميَّ من القراءة

- ‌ باب صلاة مَن لا يقيم صُلْبَه في الركوع والسجود

- ‌ باب مقدار الركوع والسجود

- ‌ باب التأمين وراء الإمام

- ‌ باب مَن تجبُ عليه الجُمُعة

- ‌ باب ما يقرأ في الأضحى [والفطر]

- ‌ باب من قال: يصلي بكلِّ طائفةٍ ركعتين

- ‌ باب في صلاة الليل

- ‌ باب مَن لم يَرَ السجودَ في المُفَصَّل

- ‌ بابٌ في الوتر قبل النوم

- ‌ باب في الاستغفار

- ‌كتاب الزكاة

- ‌ باب في زكاة السائمة

- ‌ باب رضا المصدِّق

- ‌ باب مَن روى نصفَ صاعٍ مِن قَمْح

- ‌ بابٌ في تعجيل الزكاة

- ‌ بابٌ في الاستعفاف

- ‌كتابُ اللُّقَطَة

- ‌كتاب الحج

- ‌ باب في المواقيت

- ‌ باب في هدي البقرة

- ‌ باب تبديل الهدي

- ‌ باب في الهدي إذا عَطِب قبل أن يبلغ

- ‌ باب إفراد الحجِّ

- ‌ بابٌ في القِرَان

- ‌ بابُ الرجلِ يحُجُّ عن غيره

- ‌ اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:

- ‌ باب ما يلبسُ المُحْرِم

- ‌الحكم الأول:

- ‌الحكم الثاني:

- ‌الحكم الثالث:

- ‌الحكم الرابع:

- ‌ باب المحرم يَنْكِح

- ‌ باب لَحْم الصيد للمحْرِم

- ‌ بابُ الإحْصَارِ

- ‌ بابُ استلامِ الأركان

- ‌ باب الطواف بعد العصر

- ‌ بابُ طوافِ القارِن

- ‌ باب المُلْتَزَم

- ‌ باب الصلاة بِجَمْعٍ

- ‌ باب التعجيل مِن جَمْع

- ‌ باب يوم الحجِّ الأكبر

- ‌ بابُ مَنْ لم يُدْرِك عرفةَ

- ‌ باب الصلاة بمنى

- ‌ باب(3)رَمْي الجِمار

- ‌ باب العمرة

- ‌ باب الإفاضَةِ في الحجِّ

- ‌ بابُ تحريمِ مكة

- ‌ بابٌ في تحريم المدينة

- ‌كتاب النكاح

- ‌ باب فيمن(1)حَرَّم به ــ يعني رضاع الكبير

- ‌ باب ما يُكرَه الجمع(1)بينهنّ من النساء

- ‌ باب نكاح(1)المُتْعة

- ‌ باب [في](3)الشِّغار

- ‌ باب التحليل

- ‌ باب في(5)كراهية أن يَخْطِب الرجلُ على خِطْبَةِ أخيه

- ‌ باب الرجلِ ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها

- ‌ باب لا نكاح إلا بوليّ

- ‌ باب قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}

- ‌ باب في البِكْر يزوِّجها أبوها

- ‌ باب في الثيِّب

- ‌ باب في التزويج على العمل يُعْمَل

- ‌ باب فيمن تزوَّج ولم يسمِّ لها صَدَاقًا [حتى مات]

- ‌ باب في خُطْبة النكاح

- ‌ باب تزويج الصِّغار

- ‌ باب ما يُقال للمتزوِّج

- ‌ باب في الرجل يتزوّج المرأةَ فيجدها حُبْلَى

- ‌ باب في حقِّ الزوج على المرأة

- ‌ بابُ ما يُؤمَر به مِن غضّ البَصَر

- ‌ باب في جامع النِّكاح

- ‌ باب إتيان الحائض ومباشرتها

- ‌ باب كفَّارة مَن أتى حائضًا

- ‌ باب ما جاء في العَزْل

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ باب كراهية الطلاق

- ‌ باب في طلاق السنة

- ‌ بابٌ في نسخ المراجعة

- ‌ بابٌ في سُنّة طلاق العبد

- ‌ باب في الطلاق على غلط

- ‌ باب في الطلاق على الهَزْل

- ‌ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث

- ‌ باب في أمرك بِيَدِك

- ‌ باب في البتة

- ‌ باب الرجل يقول لامرأته: يا أُختي

- ‌ باب في عِدّة المختلعة

- ‌ بابٌ في الظِّهار

- ‌ باب في المملوكة تحت الحرّ أو العبد

- ‌ باب في المملوكين يُعْتَقان معًا

- ‌ بابٌ إلى متى تُرَدّ عليه امرأتُه إذا أسلم

- ‌ باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع

- ‌ باب في ادّعاء ولد الزنا

- ‌ باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد

- ‌ باب الولد للفراش

- ‌ باب من أنكر ذلك على فاطمة

- ‌ باب من رأى التحول

- ‌ باب في عدة الحامل

- ‌ باب في عدة أم الولد

الفصل: ‌ باب في القران

الملائكة» ، قالوا: سمعنا، قال: وسمعتُه ينهى عن المُتْعَة، قالوا: لم نسمع. فقال: بلى، وإلا فصُمّتا». فهذا أصحُّ من حديث أبي شيخ، وإنما فيه النهي عن المتعة، وهي ــ والله أعلم ــ متعة النساء، فظنَّ مَن ظنَّ أنها متعة الحجِّ، والقِران متعة، فرواه بالمعنى، فأخطأ خطأً فاحشًا.

وعلى كلِّ حال فليس أبو شيخ مما يُعارَض به كبار الصحابة الذين رووا القِران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخباره أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة، وأجمعت الأمةُ عليه. والله أعلم.

6 -

‌ بابٌ في القِرَان

(1)

قال ابن القيم رحمه الله: ومَنْ تأمل الأحاديثَ الواردةَ في هذا الباب حقَّ التأمُّل جَزَم جزمًا لا ريب فيه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أحرم في حجَّته قارنًا، ولا تحتمل الأحاديثُ غير ذلك بوجهٍ من الوجوه أصلًا. قال الإمام أحمد: لا أشكُّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنًا. تم كلامه

(2)

.

وقد روى عنه ذلك خمسة عشر

(3)

من أصحابه، وهم: عمر بن

(1)

ذكر المنذري أحدَ عشر حديثًا في باب القران (1721 - 1731) ولم يذكر المجرِّد أي حديث علق عليه المؤلف، وإنما قال:«وقال في باب القران» وساق كلامه.

(2)

نقله شيخ الإسلام كما في «الفتاوى» : (26/ 34)، و «الاختيارات» (ص 173).

(3)

كذا، والذين ذكرهم اثنا عشر، وكذا ذكر ابن حزم في «حجة الوداع» (ص 421) أنهم اثنا عشر، وقد ذكر غير واحدٍ أيضًا فيهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو. وذكر المؤلف في «زاد المعاد»:(2/ 102 - 111) أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنًا لبضعةٍ وعشرين حديثًا صحيحة صريحة في ذلك، وسرَدها

ثم قال: «وهؤلاء الذين رووا القِران بغاية البيان: عائشة أم المؤمنين

(وزاد ممن لم يذكره هنا): عثمان بن عفان بإقراره لعليّ، وأبو طلحة، وسعد بن أبي وقاص، والهرماس بن زيادِ، فهؤلاء سبعة عشر صحابيًّا».

ص: 311

الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وعائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وعِمْران بن حُصَين، والبراء بن عازب، وحفصة أم المؤمنين، وأنس بن مالك، وأبو قَتادة، وابن أبي أوفى. فهؤلاء صحَّت عنهم الرواية بغاية البيان والتصريح.

ورواه الهِرْماس بن زياد، وسُرَاقة بن مالك، وأبو طلحة، وأم سلمة. لكن رَوَت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ أهلَه بالقِران

(1)

.

وهؤلاء منهم مَن أخبر عن لفظه في إهلاله بنُسُكه أنه قال: «لبيك حجًّا وعمرة» كأنس

(2)

. وهو متفق على صحته، وكعليّ بن أبي طالب، فإنه قال:«سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يلبِّي بهما جميعًا» وهو في «الصحيحين» والنسائي و «سنن أبي داود»

(3)

، ولفظ أصحاب «الصحيح»: أن عليًّا أهلَّ بحجٍّ وعمرة، وقال:«ما كنتُ لأدعَ سنةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لقولِ أحدٍ» . فقد أخبر عليٌّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبَّى بهما جميعًا، وأهلَّ هو بهما جميعًا، وأخبر أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ووافقه عثمانُ على ذلك.

ومنهم مَن أخبر عن خبره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بأنه كان قارنًا، وهم البراء بن

(1)

أخرجه أحمد (26548)، والبيهقي:(4/ 355) وغيرهم، وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه البخاري (1551)، ومسلم (1232).

(3)

أخرجه البخاري (1569)، ومسلم (1223)، والنسائي (2722) ولم أجده عند أبي داود. وهو في «المسند» (733).

ص: 312

عازب، فإنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،لفظه أنه قال لعليّ:«إني سقتُ الهديَ وقَرَنت» وهو حديث صحيح رواه أهل «السنن»

(1)

.

ومنهم مَن أخبر عنه صلى الله عليه وسلم باللفظ الذي أُمِر به من ربِّه، وهو أن يقول:«عمرة في حجة» كعمر بن الخطاب

(2)

. وحَمْلُ ذلك على أنه أَمْرٌ بتعليمه، كلامٌ في غاية البطلان. ومَن تأمل سياقَ الحديث ولفظَه ومقصودَه، عَلِم بطلان هذا التأويل الفاسد.

وقولهم: إن الرواية الصحيحة: «قل: عمرة وحجة»

(3)

، وأنه فَصَل بينهما بالواو. وهو صريح في نفس القِران، فإنه جمع بينهما في إحرامه وامتثل صلى الله عليه وسلم أمرَ ربه، وهو أحقُّ مَن امتثله، فقال:«لبيكَ عمرةً وحجًّا»

(4)

بالواو.

وقولهم: يحتمل أن يريد به أنه يحرم بعمرة إذا فرغَ مِن حجَّته قبل أن يرجع إلى منزله، فعياذًا بالله مِن تقليدٍ يوقع في مثل هذه الخيالات الباطلة! فمن المعلوم بالضرورة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يعتمر بعد حجَّته قطّ، هذا ما لا يشكُّ فيه مَن له أدنى إلمام بالعلم، وهو صلى الله عليه وسلم أحقُّ الخلق بامتثال أمر ربِّه، فلو كان أُمِر أن يعتمر بعد الحجِّ كان أولى الخلق بالمبادرة إلى ذلك. ولا ريبَ أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مع حجَّته، فكانت عمرته مع الحجِّ لا بعده قطعًا. ونُصرة الأقوال

(1)

أخرجه أبو داود (1797)، والنسائي في «المجتبى» (2725) وفي «الكبرى» (3691).

(2)

أخرجه البخاري (1534).

(3)

أخرجها البخاري (7343).

(4)

سبق تخريجه من حديث أنسٍ رضي الله عنه.

ص: 313

إذا أفضت بالرجل إلى هذا الحدِّ ظهر قُبْحُها وفسادُها.

وقولهم: محمول على تحصيلهما معًا. قلنا: أجل، وقد حصَّلهما صلى الله عليه وسلم جميعًا بالقِران، على الوجه الذي أخبر به عن نفسه، وتبعه أصحابُه من إهلاله.

ومنهم مَن أخبر عن فعله، وهو عِمران بن حُصَين في «الصحيحين»

(1)

عنه قال: «جمعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين حَجّةٍ وعمرة» . وتأويلُ هذا بأنه أَمَر أو أذِنَ في غاية الفساد، ولهذا قال:«تمتع وتمتّعنا [ق 61] معه» فأخبر عن فِعْله وفعلهم. وسَمّى القِرانَ تمتُّعًا، وهو لغة الصحابة، كما سيأتي.

ومنهم مَن أخبر عن إهلاله بهما أحدهما بعد الآخر، وهم عبد الله بن عمر وعائشة ففي «الصحيحين» عنهما:«وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحجِّ»

(2)

وعن عائشة مثله

(3)

. وفي «الصحيحين» عن عائشة: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَر، الرابعة مع حجته»

(4)

. ومن المعلوم ضرورةً أنه

(1)

أخرجه البخاري (1571)، ومسلم (1226/ 169).

(2)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227/ 174).

(3)

أخرجه البخاري (1692)، ومسلم (1228/ 175).

(4)

الذي في حديث عائشة رضي الله عنها في البخاري (1776)، ومسلم (1255) إنما فيه قولها تعليقًا على قول ابن عمر رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمر إحداهن في رجب فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط».

وجاء التصريح بأن الرابعة في حجته في حديث عائشة وسيأتي، وفي حديث أنس عند البخاري (1778)، ومسلم (1253/ 217)، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود (1993)، والترمذي (828)، وابن ماجه (3003) رضي الله عنهم.

ص: 314

لم يعتمر بعد الحج، فكانت عمرته مع حجَّته قطعًا. وفي «الصحيحين» مثله عن أنس

(1)

.

واتفق ستة عشر نفسًا من الثقات عن أنس: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أهلَّ بهما جميعًا» ، وهم: الحسن البصري، وأبو قِلابة، وحُمَيد بن هلال، وحُمَيد بن عبد الرحمن الطويل

(2)

، وقَتادة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وثابت البُناني، وبكر بن عبد الله المزني، وعبد العزيز بن صُهيب، وسليمان التيمي، ويحيى بن أبي إسحاق، وزيد بن أسلم، ومصعب بن سليم، وأبو أسماء، وأبو قُدامة، وأبو قَزَعة الباهلي.

وروى البزار

(3)

من حديث ابن أبي أوفى قال: «إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحجِّ والعمرة لأنه علم أنه لا يحجّ بعد عامه ذلك» .

وروى أبو القاسم البغويُّ

(4)

من حديث سفيان بن عيينة، عن ابن أبي

(1)

سبقت الإشارة إليه في الحاشية السالفة.

(2)

كذا الأصل و (ش، هـ) والمطبوعات: «حميد بن عبد الرحمن الطويل» وهو مشهور «بحميد بن أبي حميد» واختلف في اسم أبي حميد على عشرة أقوال منها «عبد الرحمن» فلعلّ المؤلف اختاره، والمشهور باسم «حميد بن عبد الرحمن» هو ابن عوف الزهري. ينظر «تهذيب التهذيب»:(3/ 38 و 3/ 45).

(3)

(3344) من طريق يزيد بن عطاء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى به، قال البزار: «وهذا الحديث أخطأ فيه يزيد بن عطاء إذ رواه عن إسماعيل عن ابن أبي أوفى، وإنما الصحيح عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم

».

(4)

لم أجده في «معجم الصحابة» له، وأخرجه ابن حزم من طريقه في «حجة الوداع» (ص 499).

ص: 315

خالد: أنه سمع عبد الله بن أبي قتادة [عن أبيه]

(1)

يقول: «إنما جمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين الحجِّ والعمرة لأنه علم أنه لا يحجّ بعدها» .

وروى الإمام أحمد في «مسنده»

(2)

من حديث الهرماس بن زياد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالحجِّ والعمرة» .

وروى ابن أبي شيبة

(3)

: حدثنا شَبَابة، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي عمران قال: دخلتُ على أمِّ سَلَمة أم المؤمنين، فقالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أهِلّوا يا آل محمد بعمرةٍ وحجّ» . ولم يكن صلى الله عليه وسلم يختار لآله إلا أفضل الأنساك، وهو الذي اختاره لعليٍّ، وأخبر عن نفسه أنه فَعَله.

فهذه الأحاديثُ صحيحة صريحة، لا تحتمل مطعنًا في سندها، ولا تأويلًا يخالف مدلولَها، وكلُّها دالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا.

والذين عليهم مدار الإفراد أربعة: عائشة، وابن عمر، وجابر، وابن

(1)

ما بين المعقوفين مستدرك من كتاب ابن حزم، و «زاد المعاد»:(2/ 104).

(2)

(15971 - زوائد عبد الله)، وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1254) وفي إسناده عبد الله بن عمران الأصبهاني، له مناكير، وقد أنكره الإمام أحمد، فيما ذكره ابنُ أبي حاتم عن أبيه في «العلل» (872). وقال أبو حاتم:«أرى دخل لعبد الله بن عمران حديث في حديث، وسرقه الشاذكوني، لأنه حدث به بعدُ عن يحيى بن الضريس. وضعّفه الحافظ في «إطراف المُسنِد المعتلي» : (5/ 429) و «إتحاف المهرة» : (13/ 620).

(3)

«المصنف» (14500)، وأخرجه أحمد (26548)، والبيهقي:(4/ 355) من طريق الليث بن سعد به، وإسناده صحيح.

ص: 316

عباس، وكلهم قد روى القِران. أما ابن عمر وعائشة، ففي «الصحيحين» عن ابن عمر أنه قال:«بدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحجِّ»

(1)

، وفي «الصحيحين» عن عروة:«أن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتُّعِه بالحجِّ إلى العمرة، وتمتَّع الناسُ معه بمثل هذا»

(2)

.

وروى عبد الرزاق

(3)

، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر قَرَن بين الحج والعمرة، فطاف لهما بالبيت وبين الصفا والمروة طوافًا واحدًا، وقال:«هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

ورواه مسلم

(4)

عن قُتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر.

وقالت عائشة: «اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا سوى التي قرن بحجة الوداع» . ذكره أبو داود

(5)

، وسيأتي.

وروى الثوريُّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجّ ثلاثَ حِجَج: [حَجّتين] قبل أن يهاجر، وحجّة بعد ما هاجر، معها عمرة» الحديث

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227).

(2)

أخرجه البخاري (1692)، ومسلم (1228).

(3)

أخرجه من طريقه الدارقطني (2594)، وابن حزم في «حجة الوداع» (ص 406).

(4)

(1230/ 182).

(5)

(1992)، وهو في «مسند أحمد» (5383) وغيره. وصحّ عن عائشة خلافه كما في «الصحيحين» .

(6)

أخرجه الترمذي (815)، وابن خزيمة (3056)، والدارقطني (2696)، والبيهقي:(5/ 12). قال الترمذي: «هذا حديث غريب من حديث سفيان، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب، وسألتُ محمدًا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لم يعدّ هذا الحديثَ محفوظًا، وقال: إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلًا» اهـ. وما بين المعقوفين مستدرك من المصادر.

ص: 317

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عن ابن عباس: «أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعمرة وأهلَّ أصحابُه بحجّ، فلم يحلّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا مَن ساق الهديَ من أصحابه، وحلّ بقيتهم» .

وسيأتي في كتاب «السنن»

(2)

عن عكرمة عنه قال: «اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعَ عُمَر: عمرةَ الحديبية، والثانيةَ حين تواطؤوا على عُمرة قابلٍ، وثالثة

(3)

من الجِعْرَانة، والرابعة التي قَرَن مع حجته» فهذه العمرة التي قرنها مع حجَّته هي التي قال فيها:«أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعمرة» ردًّا على من قال: أهلَّ بحجٍّ مفرد. ولم يقل أحدٌ من هؤلاء ولا من غيرهم قطُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني أفردت الحج كما قال: «قَرَنت» ، ولا قال:«سمعته يقول: لبيك حجًّا» كما قال: «لبيك حجًّا وعمرة» ولا هو أخبر عن نفسه بذلك، ولا أحد من أصحابه

(4)

أخبر عن لفظِ إهْلالِه به.

وأما إخباره عن نفسه بالقِران، وإخبار أصحابه عنه بلفظه فصريحٌ لا معارضَ له. والذين رووا الإفراد قد تبين أنهم رووا القِران والتمتُّع، وهم

(1)

(1239/ 196).

(2)

(1993).

(3)

كذا في «المختصر» ، وفي «السنن»:«والثالثة» .

(4)

ط. الفقي: «الصحابة» .

ص: 318

لا يتناقضون في روايتهم، بل رواياتهم يصدِّقُ بعضُها بعضًا، وإنما وقع الإشكال حيث لم تقع الإحاطة بمعرفة مراد الصحابة ولغتهم، فإنهم كانوا يسمّون القِرانَ تمتعًا، كما في «الصحيحين» من حديث ابن عمر وقد تقدم، وحديث عليّ:«أن عثمان لما نهى عن المُتعة قال علي: لبيك بهما، وقال: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد»

(1)

.

ومن قال: أفرد الحج، لم يقل أفرد إهلال الحجِّ وإنما مرادُه أنه اقتصر على أعمال الحجِّ ودخلت عمرتُه في حجّه، فلم يُفرد كلَّ واحد من النُّسُكَين بعمل، ولهذا أخبر أيضًا أنه قَرَن، فعُلِم أن مراده بالإفراد ما ذكرنا.

ومَن قال: «تمتع» أراد به التمتُّع العام الذي يدخل فيه القِران بنصّ القرآن، في قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] والقارن داخل في هذا النص، فتمتَّع صلى الله عليه وسلم بِتَرَفُّهِه بسقوط أحدِ السَّفَرين، وقَرَن بجَمْعِه في إهلاله بين النُّسُكَيْن، وأفرد فلم يطُفْ طوافَين ولم يَسْعَ سَعْيين. ومن تأمل [ق 62] الأحاديث الصحيحة في هذا الباب جزم بهذا، وهذا فَصْل النزاع، والله أعلم.

107/ 1729 - وعن ابن عباس أن معاويةَ قال له: «أما علمتَ أني قَصَّرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِشْقَصِ أعرابيٍّ، على المروة لحجَّتِه؟» .

وأخرجه النسائي

(2)

، وليس فيه «لحجته». وقوله:«لحجته» يعني لعمرته.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

أخرجه أبو داود (1803)، والنسائي (2988)، وأحمد (16884) وإسناده صحيح.

ص: 319

وقد أخرجه النسائي

(1)

أيضًا، وفيه:«في عمرة على المروة» ، وتسمَّى العمرة حجًّا لأن معناها القَصْد

(2)

. وقد قالت حفصة رضي الله عنها: «ما بالُ الناس حَلُّوا ولم تحلل أنت من عُمرتك؟» قيل: إنما تعني من حَجَّتِك.

قال ابن القيم رحمه الله: واحتجَّ بهذا مَن قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتَّع في حجَّة الوداع تمتُّعًا حلَّ فيه كالقاضي أبي يعلى وغيره

(3)

. وهذا غلطٌ منهم، فإن المعلوم من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يحلّ بعمرة في حجَّته، وقد تواتر عنه ذلك، وقال:«لولا أن معيَ الهَدْيَ لأحللتُ»

(4)

. وهذا لا يستريبُ فيه مَن له علمٌ بالحديث، فهذا لم يقع في حجته بلا ريب، إنما وقع في بعض عُمَرِه، ويتعيَّن أن يكون في عمرة الجِعْرَانة، والله أعلم، لأن معاوية إنما أسلم يوم الفتح مع أبيه، فلم يقصِّر عنه في عمرة الحديبية، ولا عمرة القضية، و النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يكن محرِمًا في الفتح، ولم يحلّ من إحرامه في حجَّة الوداع بعمرة، فتعيَّن أن يكون ذلك في عمرة الجِعْرَانة، هذا إن كان المحفوظ أنه هو الذي قصَّر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن كان المحفوظ هو الرواية الأخرى، وهو قوله:«رأيته يُقَصَّر عنه على المروة»

(5)

فيجوز أن يكون في عُمرة القضية والجِعْرَانة حَسْبُ، ولا يجوز أن يكون في غيرهما لما تقدم. والله أعلم

(6)

.

(1)

(2987).

(2)

في مطبوعة «المختصر» : «المقصد» ، والمثبت من المخطوط.

(3)

ينظر «التعليقة الكبيرة» : (1/ 312). وانظر «شرح العمدة» : (4/ 203) لابن تيمية.

(4)

أخرجه البخاري (1557، 4352)، ومسلم (1216) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(5)

أخرجه مسلم (1246).

(6)

ينظر «شرح العمدة» : (5/ 205 - 206)، وقد قال في شرح ذلك: «ومن تأمل أحاديث حجة الوداع وأحوالها كان كالجازم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلَّ بشيء من الأشياء.

فأما حديث معاوية فحديث شاذٌّ، وقد طعن الناس فيه قديمًا وحديثًا كما أخبر قيس بن سعد، فإنهم أنكروا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصّر.

ويُشبِه ــ والله أعلم ــ أن يكون أصله أن معاوية قصَّر من رأس النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة، فإنه في عمرة القضية لم يكن أسلم بعدُ.

والرواية الصحيحة المتصلة إنما فيها أنه قصَّر من رأس النبي صلى الله عليه وسلم على المروة بمِشْقَصٍ، وكانت عمرة الجعرانة ليلًا، فانفرد معاوية بعلم هذا.

أما حجة الوداع فكان وقوفه على المروة ضُحًى، والناس كلهم حوله، ومثل هذا لا يجوز أن ينفرد بروايته الواحدُ، وكانت الجعرانة في ذي القعدة.

وأما الرواية التي فيها: «أنه قصَّر من رأسه في العشر» فرواية منقطعة؛ لأن عطاء لم يسمع من معاوية، ومراسيله ضعاف، ويُشبِه أن يكون الراوي لما سمع «عن معاوية أنه قصَّر من رأس النبي صلى الله عليه وسلم بمِشْقَصٍ» اعتقد أنه كان في حجته، وقد عُلِم أن دخوله مكةَ كان في العشر، فحملَ هذا على هذا.

ص: 320

108/ 1731 - وعن عبد الله بن عمر قال: «تمتَّعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، وساقَ معه الهديَ مِن ذي الحُليفة، وبدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحج، وتَمتَّع الناسُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان مِن الناس مَن أهدى فساقَ الهديَ، ومنهم من لم يُهْدِ، فلما قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكةَ قال للناس: مَن كان منكم أهدى، فإنه لا يَحِلّ له

(1)

من شيء حَرُمَ منه حتى يقضي حَجَّه، ومَن لم يكن منكم أهدى فَلْيَطُفْ بالبيت وبالصفا والمروة، وليُقَصِّر ولْيَحلِلْ، ثم ليهلَّ بالحج وليُهْدِ، فمن لم يجد هدْيًا فليصم ثلاثةَ أيام في الحجِّ وسبعةٍ إذا رجع إلى أهلِه، وطافَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكَةَ، فاستلم الرُّكْن أوَّلَ شيء، ثم خَبَّ ثلاثةَ أطواف من السبع، ومشى أربعةَ أطواف، ثم

(1)

سقطت من (خ- المختصر).

ص: 321

ركع حين قضى طوافَه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سَلَّم، فانصرف فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلِلْ مِن شيء حَرُم منه، حتى قضى حجَّه، ونحرَ هديَه يوم النَّحر، وأفاضَ، فطاف بالبيت، ثم حَلَّ مِن كلِّ شيء حَرُم منه، وفعَلَ الناسُ مثلَ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مَنْ أهدى وساق الهديَ مِن الناس».

أخرجه البخاري ومسلم والنسائي

(1)

.

قال ابن القيم رحمه الله: الذين قالوا: قَرَن النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حجَّته اختلفَتْ طرُقُهم في كيفية قِرانه:

فطائفة قالت: أحرمَ بالعمرة أوّلًا، ثم أدخل عليها الحجّ، وهذا ظاهر حديث ابن عمر وعائشة كما تقدم، وهي طريقة أبي حاتم بن حبان في «صحيحه»

(2)

. قال: هذه الأخبار التي ذكرناها في إفراد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقِرانه وتمتّعه بهما

(3)

مما تنازع الأئمة فيها من لَدُن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا، وشَنَّع بها المعطِّلةُ وأهلُ البدع على أئمتنا، وقال

(4)

: رويتم ثلاثةَ أحاديثَ متضادَّة في فعلٍ واحد ورَجُل واحد وحالة واحدة، وزعمتم أنها ثلاثتها صحاح من جهة النقلِ، والعقلُ يدفع ما قلتم، إذ مُحالٌ أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع كان مُفرِدًا قارِنًا متمتّعًا. إلى أن قال: ولو تمَلَّق

(5)

قائل هذا في الخَلْوة إلى الباري وسأله التوفيقَ لإصابة الحقّ والهدايةَ لطلب الرشد في الجمع

(1)

أخرجه أبو داود (1805)، والبخاري (1691)، ومسلم (1227)، والنسائي (2732).

(2)

(9/ 228 - 230).

(3)

«وقرانه وتمتّعه بهما» سقطت من ط. الفقي.

(4)

في ابن حبان: «وقالوا» وهو أوجه.

(5)

ط. الفقي: «توجّه» !

ص: 322

بين الأخبار، ونفي التضادّ عن الآثار، لَعَلِمَ بتوفيق الواحد القهَّار

(1)

أن أخبار المصطفى لا تتضادّ ولا تتهاتر

(2)

، ولا يكذِّب بعضُها بعضًا، إذا صحّت من جهة النقل.

قال: والفصل بين الجمع في هذه الأخبار: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالعمرة حيث أحرم، كذلك قاله مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة

(3)

. فخرج وهو مُهِلّ بالعمرة وحدها، حتى بلغ سَرِف أمرَ أصحابَه بما ذكرنا في خبر أفلح بن حُمَيد

(4)

(يعني بالفسخ إلى العمرة) ، فمنهم مَن أفرد، ومنهم مَن أقام على عمرته، وأما مَن ساقَ الهديَ منهم فأدخلَ الحجَّ على عمرته

(5)

، ولم يحلّ، فأهلَّ صلى الله عليه وسلم بهما معًا حينئذٍ إلى أن دخل مكة، وكذلك أصحابُه الذين ساقوا الهدي.

فكلُّ خبر رُوي في قِران النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذلك حيث رأوه يهلّ بهما بعد إدخاله الحجَّ على العمرة، إلى أن دخل مكة فطاف وسعى، وأمر ثانيًا مَن لم يكن ساق الهديَ وكان قد أهلَّ بعمرة أن يتمتع ويحلّ، وكان يتلهَّف على

(1)

عند ابن حبان: «الجبّار» .

(2)

أي: لا تتساقط فتبطل، فيُكذّب بعضُها بعضًا. «القاموس» (ص 495). ووقع في الطبعتين:«تهاتر» .

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

أخرجه البخاري (1560)، ومسلم (1211/ 123) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(5)

عبارة «وأما من ساق الهدي منهم فأدخل الحجّ على عمرته» ثابتة في نسخة «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان» لكن محققو الكتاب أسقطوها من المتن لأنهم لم يجدوها في «التقاسيم والأنواع» أصل كتاب ابن حبان، ووضعوها في الهامش! وهذا تصرف غير مرضيّ، ونقل المؤلف لها هنا دليل على ثبوتها وصحتها.

ص: 323

ما فاته من الإهلال حيث كان ساق الهدي، حتى إن بعض أصحابه ممن لم يكن ساق الهدي لم يحلّوا، حيث رأوه صلى الله عليه وسلم لم يحلّ، حتى كان مِن أمره ما وصفنا مِن دخوله صلى الله عليه وسلم على عائشة وهو مُغْضَب، فلما كان يوم التروية، وأحرم المتمتعون، خرج صلى الله عليه وسلم إلى منى وهو يُهلّ بالحج مفردًا، إذ العمرة التي قد أهلّ بها في أول الأمر قد انقضَتْ عند دخوله مكة بطوافه بالبيت، وسعيه بين الصفا والمروة. فحكى ابنُ عمر وعائشةُ أن النبي صلى الله عليه وسلم أفردَ الحجَّ، أرادا أنَّ

(1)

خروجه إلى منى من مكة من غير أن يكون بين هذه الأخبار تضادّ أو تهاتُر. وفقنا الله لما يحبُّه من الخضوع عند ورود السنن إذا صحّت والانقياد لقبولها، واتهام الأنفس وإلزاق العيب

(2)

بها إذا لم يوفَّق لإدراك حقيقة الصواب، دون القدح في السنن، والتعريج على الآراء المنكوسة والمقاييس المعكوسة، إنه خير مسؤول. تمّ كلامه

(3)

.

وطائفة قالت

(4)

: كان مفرِدًا أولًا، ثم أدخل العمرةَ على الحج، فصار قارنًا، فظنوا أن ذلك من خصائصه، وأنهم يجمعون بذلك بين الأحاديث. وهذا مع أن الأكثر لا يُجَوِّزونه، فلم تأتِ لفظةٌ واحدة تدلُّ عليه، بخلاف الأول، فإنه قد قاله طائفةٌ، وفيه أحاديث صحاح.

(1)

ط. الفقي: «أرادا» وأسقط «أن» ، وط. المعارف:«أرادان» ! وفي ابن حبان: «أراد من» .

(2)

ط. الفقي: «الخطأ» !

(3)

أي ابن حبان، وأول كلامه (ص 322).

(4)

واختاره القاضي عياض والنووي والعراقي وابن حجر وغيرهم، ينظر «طرح التثريب»:(5/ 18 - 22)، و «شرح مسلم»:(8/ 135 - 235)، و «فتح الباري»:(3/ 430).

ص: 324

وطائفة قالت

(1)

: قَرَن ابتداءً مِن حين أحرم، وهو أصح الأقوال، لحديث عُمر وأنس وغيرهما وقد تقدما.

والذين قالوا: أفرد، طائفتان:

طائفةٌ ظنت أنه أفرد إفرادًا اعتمر عقيبه من التنعيم، وهذا غلط بلا ريب، لم يُنقَل قطّ بإسناد صحيح ولا ضعيف، ولا قاله أحدٌ من الصحابة، [ق 63] وهو خلاف المتواتر المعلوم مِن فعله صلى الله عليه وسلم.

وطائفة قالت: أفرد إفرادًا اقتصر فيه على الحجِّ ولم يعتمر

(2)

. والأحاديثُ الثابتةُ التي اتفق أئمة الحديث على صحتها صريحة في أنه اعتمر مع حجته، وهذا يبطل الإفراد قطعًا، فإنه إن كان إفرادًا اعتمر

(3)

عقيبه، فهو باطل قطعًا، وإن كان إفرادًا مجرَّدًا عن العمرة، فالأحاديث الصحيحة تدلّ على خلافه.

والذين قالوا: تمتَّعَ طائفتان:

طائفة قالت: تمتَّعَ تمتُّعًا حلّ منه. وهذا باطل قطعًا كما تقدم

(4)

.

وطائفة قالت: تمتّعَ تمتُّعًا لم يحلّ منه لأجل الهدي

(5)

. وهذا وإن كان

(1)

وهو قول أحمد كما سبق، وابن تيمية، ينظر «مجموع الفتاوى»:(26/ 62). واختيار ابن حزم، ينظر «حجة الوداع» (ص 403 وما بعدها).

(2)

وهو قول مالك وقوّاه ابن عبد البر، ينظر «الاستذكار»:(13/ 88 - 89)، و «التمهيد»:(8/ 214).

(3)

«مع حجته

اعتمر» سقط من ط. الفقي.

(4)

وهو قول القاضي أبي يعلى في «التعليقة» كما سبقت الإشارة إليه.

(5)

وهو قول ابن قدامة في «المغني» : (5/ 85 - 88).

ص: 325

أقلّ خطأً مِن الذي قبله، فالأحاديث الصحيحة تدلُّ على أنه قَرَن، إلا أن يريدوا بالتمتُّع القِران فهذا حقّ.

وطائفة قالت: أحْرَم إحرامًا مطلقًا، ثم عيَّنه بالإفراد، وهذا أيضًا يكفي في ردِّه الأحاديثُ الثابتةُ الصريحة.

وطائفةٌ قالت: قَرَن وطاف طوافين، وسعى سعيين. والأحاديث الثابتة التي لا مَطْعَن فيها تبطل ذلك، والله أعلم

(1)

.

109/ 1732 - وعن حَفصةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسولَ الله، ما شأنُ الناسِ حَلُّوا ولم تَحْلِل أنتَ مِن عُمْرتك؟ فقال: إني لَبَّدْتُ رأسي، وقَلّدْتُ هديي، فلا أحِلّ حتى أنحر».

وأخرجه البخاريّ ومسلم والنسائي وابن ماجه

(2)

.

وقد تقدم أن المراد بالعمرة ههنا الحج. وقد رُوِي: «حَلّوا فلم تحْلِل من حَجِّك» .

واختُلِف في قولها هذا، فقيل: قالتَ ذلك لأنها ظنّت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فسخ حجّه بعمرة كما أمر بذلك مَن لا هديَ معه، فذكر صلى الله عليه وسلم لها العلّةَ، وهي سوقُه الهدي. وقيل: معناه ما شأن الناس حلّوا مِن إحرامهم ولم تحلّ أنتَ من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنيّةٍ واحدة، بدليل قوله:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سُقتُ الهدي ولجعلتها عمرة» فعُلِم بهذا أنه لم يحرم بعمرة. وقيل: معناه: لِمَ لَمْ

(1)

ذكر هذه الأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» : (26/ 74 - 75) وردّها.

(2)

أخرجه أبو داود (1806)، والبخاري (1566)، ومسلم (1229)، والنسائي (2682)، وابن ماجه (3046).

ص: 326

تحلِل من حجّك بعمرة كما أمرتَ أصحابك؟ وقد تأتي «من» بمعنى «الباء» كما قال تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] أي: بأمر الله، يريد ولم تحلّ أنت بعمرة من إحرامك الذي جئت به مفردًا في حجتك

(1)

.

قال ابن القيم رحمه الله: وقالت طائفة: هذه اللفظة غير محفوظة، فإن عبيد الله بن عمر لم يذكرها في حديثه. حكاهما ابن حزم

(2)

. وقالت طائفة: هي مروية بالمعنى، والحديث:«ولم تحِلّ أنتَ مِن حَجِّك» ، فأبدل لفظ الحجِّ بالعمرة. وقالت طائفة: الحديث إنما فيه إقراره لها على أنه في عمرة، وليس فيه أنها عمرة مفردة لا حجَّةَ معها. وقد أخبر عن نفسه بأنه قَرَن، فهو إذن في حجٍّ وعمرة ومَن كان في حج وعمرة فهو في عُمرة قطعًا.

وهذه الوجوه بعضها واهٍ وبعضها مُقارِب. فقول من قال: المراد به من حجتك بعيدٌ جدًّا، إذ لا يُعَبَّر بالعمرة عن الحجّ، وليس هذا عُرْف الشرع، ولا يطلق ذلك إلا إطلاقًا مقيَّدًا، فيقال: هي الحجّ الأصغر.

(1)

ذكر المجرِّد أن المؤلف علَّق على كلام المنذري ــ وساق طرفًا منه ــ وليس كلام المنذري في المطبوع من «مختصره» : (2/ 329) إلا إلى قوله: «فلم تحلل من حجك» ، وقد وجدنا نصه في (خ - المختصر)(ق 52 ب) معلّقًا في طرة النسخة، فسقناه كاملًا.

وفي ط. الفقي ساق كلام ابن القيم من قوله: «وقد تأتي «من» بمعنى «الباء»

» وفي ط. المعارف من قوله: «وقالت طائفة: معناه لم تحلل

» وذلك ناتج عن عدم وقوفهم على كلام المنذري. ويظهر لي أن المجرِّد لم يحرِّر مبدأ كلام المؤلف ومنتهى كلام المنذري، وربما كان ذلك عائدًا إلى تداخل كلام ابن القيم والمنذري. والله أعلم.

(2)

في «حجة الوداع» (ص 438).

ص: 327

وقول من قال: إنها ظنّت أنه صلى الله عليه وسلم كان فسخ العمرةَ، كما أمرَ أصحابَه، ولم يحل كما أحلوا، فبعيدٌ جدًّا، فإن هذا الظن إنما كان يظهر بإحلاله، فبه يكون معتمرًا، فكيف تظنّ أنه قد فسخَ بعُمَرة، وهي تراه لم يحلّ؟

وأما قول من قال: معناه لم تحلل بعمرة، و «مَن» بمعنى الباء

(1)

، فتعسُّفٌ ظاهر، وإضافة العمرة إليه تدل على أنها عمرة مختصة به هو فيها.

وأما قول من قال: معناه لم تحلل من العمرة التي أمرتَ الناسَ بها ففاسدٌ، فإنه كيف يحلّ مِن عمرةِ غيره؟ وحفصة أجلُّ مِن أن تسأل هذا السؤال

(2)

.

وأما قول مَن قال: إن هذه اللفظة غير محفوظة، ولم يذكرها عُبيد الله، فخطأ من وجهين، أحدهما: أن مالكًا قد ذكرها، ومالكٌ مالكٌ

(3)

. والثاني: أن عُبيدَ الله نفسَه قد ذكرها أيضًا، ذكره مسلم في «الصحيح»

(4)

عن محمد بن المثنّى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، فذكر الحديثَ، وفيه:«ولم تحِلّ من عمرتك» .

وقول مَن قال: مروية بالمعنى بعيدٌ أيضًا.

فالوجه الأخير أقربها إلى الصواب؛ وهو أنه ليس فيه إلا الإخبار عن

(1)

ينظر «الاستذكار» : (13/ 89)، و «شرح البخاري»:(4/ 248 - 249) لابن بطّال، و «فتح الباري» (3/ 427).

(2)

ينظر «فتح الباري» : (3/ 427).

(3)

ينظر «حجة الوداع» (ص 438)، و «التمهيد»:(15/ 298).

(4)

(1229).

ص: 328

كونه في عمرة، وهذا لا ينفي أن يكون في حجة.

وأجود منه أن يقال: المراد بالعمرة المُتْعة، وقد تقدم أن التمتُّع يُراد به القِران، والعمرة تُطلَق على التمتُّع، فيكون المراد لم تحلّ مِن قِرانك، وسَمّتْه عمرةً، كما يسمّى تمتُّعًا، وهذه لغة الصحابة كما تقدم، والله أعلم.

110/ 1733 -

(1)

عن سُلَيم بن الأسود: أن أبا ذرٍّ كان يقول، فيمن حجَّ ثمَّ فسَخَها بعمرة: لم يكن ذلك إلا للرَّكب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أخرجه مسلم في «صحيحه»

(2)

من حديث يزيد بن شَريك التيمي، عن أبي ذر قال:«كانت المتعةُ في الحجِّ لأصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاصة» وأخرجه النسائي وابن ماجه

(3)

.

قال ابن القيم رحمه الله: وهذا الحديث قد تضمَّن أمرين:

أحدهما: فِعْل الصحابة لها، وهو بلا ريب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا رواية.

والثاني: اختصاصهم بها دون غيرهم، وهذا رأي. فروايتُه حُجّة ورأيه غير حجة. وقد خالفه فيه عبد الله بن عباس، وأبو موسى الأشعري.

(1)

كذا في «المختصر» وبعض نسخ «السنن» بدون باب قبل الحديث، وفي نسخ أخرى من «السنن» قبل هذا الحديث:«باب الرجل يهلّ بالحج ثم يجعلها عمرة» ، وقد أضافه في ط. الفقي إلى متن «المختصر» ، والأولى تركه رعاية للنُسَخ.

(2)

أخرجه أبو داود (1807)، ومسلم (1224).

(3)

أخرجه النسائي (3777)، وابن ماجه (2985). وقوله «ابن ماجه» ليست في (خ- المختصر) وهي في المطبوع.

ص: 329

وقد حَمَله طائفةٌ على أن الذين

(1)

اختصوا به هو وجوب الفسخ عليهم حتمًا، وأما غيرهم فيستحبّ له ذلك، هذا إن كان مراده مُتعة الفسخ، وإن كان المراد مطلق المتعة، فهو خلاف الإجماع والسُّنة المتواترة. والله أعلم.

111/ 1734 - وعن بلال بن الحارث، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، فَسْخُ الحجِّ لنا خاصَّة، أو لِمَن بعدَنا؟ قال:«لكم خاصة» .

وأخرجه النسائي وابن ماجه

(2)

. قال الدارقطني: تفرَّد به ربيعة بن عبد الرحمن، عن الحارث، عن أبيه، وتفرَّد به عبدُ العزيز الدراوردي عنه. هذا آخر كلامه. والحارث هو ابن بلال بن الحارث، وهو شبيه المجهول. وقد قال الإمام أحمد في حديث بلال هذا: إنه لا يثبت. هذا آخر كلامه.

قال ابن القيم رحمه الله: وقد قال عبد الله بن أحمد

(3)

: سألت أبي عن حديث بلال بن الحارث المزني في فسخ الحج؟ فقال: لا أقول به، وليس إسناده بالمعروف، ولم يروه إلا الدراورديُّ وحدَه.

وقال عبد الحق

(4)

: الصحيح في هذا قول أبي ذرٍّ غير المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن القطان

(5)

: فيه الحارث بن بلال، عن أبيه بلال بن

(1)

كذا في الأصل و (ش، هـ)، والوجه:«الذي» .

(2)

أخرجه أبو داود (1808)، والنسائي (2808)، وابن ماجه (2984)، وأحمد (15853)، وفي إسناده ضعف.

(3)

في «المسائل» : (2/ 693 - 694)، وانظر «مسائل ابن هانئ»:(1/ 148)، و «مسائل أبي داود» (ص 408).

(4)

في «الأحكام الوسطى» : (4/ 179).

(5)

في «بيان الوهم والإيهام» : (3/ 468).

ص: 330