المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} [الأنعام: 19]، وهذا يقتضي جوابًا: - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب كيف التكشُّف عند الحاجة

- ‌ باب الخاتم يكون فيه ذِكْر الله يدخل به الخلاء

- ‌ باب فَرْض الوضوء

- ‌الحكم الأول:

- ‌فصلالحكم الثاني:

- ‌فصلالحكم الثالث:

- ‌ باب ما يُنَجّس الماءَ

- ‌ باب الإسراف في الماء

- ‌ باب صفة وضوء النبي

- ‌ باب تخليل اللحية

- ‌ باب المسح على العمامة

- ‌ باب التوقيت في المسح

- ‌ باب المسح على الجورَبَين

- ‌ باب كيف المسح

- ‌ باب تفريق الوضوء

- ‌ باب في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌ باب في المَذْي

- ‌ باب الجُنُب يؤخِّر الغسل

- ‌ باب في الجُنُب يدخل المسجد

- ‌ باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌ باب إتيان الحائض

- ‌ بابٌ يصيب منها (أي: من الحائض) دون الجماع

- ‌ بابٌ المرأة تُسْتَحاض

- ‌ باب ما رُوي أن المستحاضة تغتسل لكلّ صلاة

- ‌ باب ما جاء في وقت النُّفَساء

- ‌ باب الجُنُب يتيمم

- ‌ باب المجدور(1)يتيمم

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ بابٌ في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌ باب المرأة تصلي بغير خِمار

- ‌ باب الرجل يصلي وحدَه خلفَ الصفّ

- ‌ باب الدُّنّوِ من السُّتْرة

- ‌ باب ما يُؤمَر المصلِّي أن يدرأ عن المَمَرِّ بين يديه

- ‌ باب ما يقطعُ الصلاةَ

- ‌تفريع استفتاح الصلاة

- ‌ باب رفع اليدين في الصلاة

- ‌ باب افتتاح الصلاة

- ‌ باب مَن لم يذكر الرفعَ عند الركوع

- ‌ باب ما يُستفتحُ به الصلاة من الدعاء

- ‌ باب(2)الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌ باب مَن ترك القراءةَ في صلاته

- ‌ باب مَن رأى القراءةَ إذا لم يجهر

- ‌ باب ما يُجزئ [الأميَّ](4)والأعجميَّ من القراءة

- ‌ باب صلاة مَن لا يقيم صُلْبَه في الركوع والسجود

- ‌ باب مقدار الركوع والسجود

- ‌ باب التأمين وراء الإمام

- ‌ باب مَن تجبُ عليه الجُمُعة

- ‌ باب ما يقرأ في الأضحى [والفطر]

- ‌ باب من قال: يصلي بكلِّ طائفةٍ ركعتين

- ‌ باب في صلاة الليل

- ‌ باب مَن لم يَرَ السجودَ في المُفَصَّل

- ‌ بابٌ في الوتر قبل النوم

- ‌ باب في الاستغفار

- ‌كتاب الزكاة

- ‌ باب في زكاة السائمة

- ‌ باب رضا المصدِّق

- ‌ باب مَن روى نصفَ صاعٍ مِن قَمْح

- ‌ بابٌ في تعجيل الزكاة

- ‌ بابٌ في الاستعفاف

- ‌كتابُ اللُّقَطَة

- ‌كتاب الحج

- ‌ باب في المواقيت

- ‌ باب في هدي البقرة

- ‌ باب تبديل الهدي

- ‌ باب في الهدي إذا عَطِب قبل أن يبلغ

- ‌ باب إفراد الحجِّ

- ‌ بابٌ في القِرَان

- ‌ بابُ الرجلِ يحُجُّ عن غيره

- ‌ اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:

- ‌ باب ما يلبسُ المُحْرِم

- ‌الحكم الأول:

- ‌الحكم الثاني:

- ‌الحكم الثالث:

- ‌الحكم الرابع:

- ‌ باب المحرم يَنْكِح

- ‌ باب لَحْم الصيد للمحْرِم

- ‌ بابُ الإحْصَارِ

- ‌ بابُ استلامِ الأركان

- ‌ باب الطواف بعد العصر

- ‌ بابُ طوافِ القارِن

- ‌ باب المُلْتَزَم

- ‌ باب الصلاة بِجَمْعٍ

- ‌ باب التعجيل مِن جَمْع

- ‌ باب يوم الحجِّ الأكبر

- ‌ بابُ مَنْ لم يُدْرِك عرفةَ

- ‌ باب الصلاة بمنى

- ‌ باب(3)رَمْي الجِمار

- ‌ باب العمرة

- ‌ باب الإفاضَةِ في الحجِّ

- ‌ بابُ تحريمِ مكة

- ‌ بابٌ في تحريم المدينة

- ‌كتاب النكاح

- ‌ باب فيمن(1)حَرَّم به ــ يعني رضاع الكبير

- ‌ باب ما يُكرَه الجمع(1)بينهنّ من النساء

- ‌ باب نكاح(1)المُتْعة

- ‌ باب [في](3)الشِّغار

- ‌ باب التحليل

- ‌ باب في(5)كراهية أن يَخْطِب الرجلُ على خِطْبَةِ أخيه

- ‌ باب الرجلِ ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها

- ‌ باب لا نكاح إلا بوليّ

- ‌ باب قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}

- ‌ باب في البِكْر يزوِّجها أبوها

- ‌ باب في الثيِّب

- ‌ باب في التزويج على العمل يُعْمَل

- ‌ باب فيمن تزوَّج ولم يسمِّ لها صَدَاقًا [حتى مات]

- ‌ باب في خُطْبة النكاح

- ‌ باب تزويج الصِّغار

- ‌ باب ما يُقال للمتزوِّج

- ‌ باب في الرجل يتزوّج المرأةَ فيجدها حُبْلَى

- ‌ باب في حقِّ الزوج على المرأة

- ‌ بابُ ما يُؤمَر به مِن غضّ البَصَر

- ‌ باب في جامع النِّكاح

- ‌ باب إتيان الحائض ومباشرتها

- ‌ باب كفَّارة مَن أتى حائضًا

- ‌ باب ما جاء في العَزْل

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ باب كراهية الطلاق

- ‌ باب في طلاق السنة

- ‌ بابٌ في نسخ المراجعة

- ‌ بابٌ في سُنّة طلاق العبد

- ‌ باب في الطلاق على غلط

- ‌ باب في الطلاق على الهَزْل

- ‌ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث

- ‌ باب في أمرك بِيَدِك

- ‌ باب في البتة

- ‌ باب الرجل يقول لامرأته: يا أُختي

- ‌ باب في عِدّة المختلعة

- ‌ بابٌ في الظِّهار

- ‌ باب في المملوكة تحت الحرّ أو العبد

- ‌ باب في المملوكين يُعْتَقان معًا

- ‌ بابٌ إلى متى تُرَدّ عليه امرأتُه إذا أسلم

- ‌ باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع

- ‌ باب في ادّعاء ولد الزنا

- ‌ باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد

- ‌ باب الولد للفراش

- ‌ باب من أنكر ذلك على فاطمة

- ‌ باب من رأى التحول

- ‌ باب في عدة الحامل

- ‌ باب في عدة أم الولد

الفصل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} [الأنعام: 19]، وهذا يقتضي جوابًا:

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} [الأنعام: 19]، وهذا يقتضي جوابًا: لا شيء أكبر شهادةً من الله، فالله أكبر شهادةً مِن كلّ شيء. كما أن قوله لعَديّ:"هل تعلم شيئًا أكبر من الله؟ " يقتضي جوابَ

(1)

: لا شيء أكبر من الله، فالله أكبر من كلِّ شيء.

وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ ــ المقصود منه: استحضار هذا المعنى، وتصورّه ــ سرٌّ عظيم يعرفه أهل الحضور، المصلّون بقلوبهم وأبدانهم. فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل، وقد علم أنه لا شيءَ أكبر منه، وتحقَّق قلبُه ذلك، وأُشْرِبه سرّه= استحيى من الله، ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يَشغَل قلبه بغيره. وما لم يستحضر هذا المعنى، فهو واقف بين يديه بجسمه، وقلبُه يهيم في أودية الوساوس والخَطَرات، وبالله المستعان

(2)

.

فلو كان الله أكبر من كل شيء في قلبِ هذا لما اشتغل عنه وصَرَف كُلّيةَ قلبِه إلى غيره، كما أن الواقف بين يدي المَلِك المخلوق لمَّا لم يكن في قلبه أعظم منه لم يَشغَل قلبَه بغيره ولم يصرفه عنه

(3)

.

‌فصل

الحكم الثالث:

قوله "وتحليلها التسليم". والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله.

والكلام

(4)

[في هذا اللفظ ودلالته] على شيئين: أحدهما: أنه لا ينصرف

(1)

كذا في الأصل، وهو مضاف والجملة بعده مضاف إليه، وفي المطبوع:"جوابًا".

(2)

ينظر في الكلام على الخشوع "كتاب الصلاة"(ص 339)، و"مسألة السماع"(ص 86)، و"شفاء العليل":(3/ 1155) جميعها للمؤلف.

(3)

ط. الفقي زيادة "صارف" والمعنى ظاهر بدونها.

(4)

بعده بياض بمقدار أربع كلمات وقدرناها بما بين المعكوفين، وقوله:"شيئين" مهمل فيحتمل "سببين". وأثبتها في ط. الفقي: "والكلام في التسليم على قسمين".

ص: 29

من الصلاة إلا بالتسليم. وهذا قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يتعيَّن التسليم، بل يخرج منها بالمنافي لها مِن حَدَثٍ أو عملٍ مُبطل ونحوه.

(1)

رواه أحمد وأبو داود

(2)

. وبأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعَلِّمه المسيء في صلاته، ولو كان فرضًا لعلّمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها ويُخرَج به منها، ولهذا لو أتى به في أثنائها أبطلها. وإذا لم يكن منها، عُلِم أنه شُرِع منافيًا لها، والمنافي لا يتعين

(3)

. هذا غاية ما يُحتجّ له به.

والجمهور أجابوا عن هذه الحجج:

أما حديث ابن مسعود، فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي

(4)

وأكثر الحفاظ: الصحيح أن قوله: "إذا قلتَ هذا فقد قضيتَ صلاتَك" من كلام ابن مسعود، فَصَلَه شَبَابةُ عن زهير، وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه

(1)

ترك المجرِّد بياضًا بمقدار سطرين، فأكمل مكانها من وقف على النسخة بخط مغاير:"واستدل له بما". وأثبتها في ط. الفقي: "واستدل له بحديث ابن مسعود الذي

".

ويمكن تقدير هذا البياض بقولنا: "واحتجوا على ذلك بحجج، منها حديث ابن مسعود لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال له: فإذا فعلت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد".

(2)

أخرجه أحمد (4006)، وأبو داود (970). وأخرجه أيضًا ابن حبان (1961)، والدارقطني:(1334)، والبيهقي:(2/ 174). وسيأتي كلام المؤلف عليه.

(3)

بعده في الأصل بياض بمقدار أربع كلمات.

(4)

كلام الدارقطني والبيهقي في سننهما، والخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل":(1/ 105 - 109). وانظر "العلل"(766) للدارقطني، و"معرفة علوم الحديث"(ص 199) للحاكم.

ص: 30

بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق مَن روى تشهّد ابنِ مسعود على حذفه

(1)

.

وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلِّمه المسيءَ في صلاته، فما أكثرَ ما يُحتجّ بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة، ولا تدل، لأن المسيء لم يسئ في كلِّ جزء من الصلاة، فلعله لم يسئ في السلام، بل هذا هو الظاهر، فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام.

وأيضًا فلو قُدِّر أنه أساء فيه لكان غاية ما يدلّ عليه تركُه التعليمَ = استصحابَ براءةِ الذّمة من الوجوب، فكيف يقدَّم على الأدلة الناقلة لحكم [ق 8] الاستصحاب؟

وأيضًا فأنتم لم توجبوا في الصلاة كلَّ ما أَمَر به المسيءَ، فكيف تحتجّون بترك أَمْره على عدم الوجوب؟ ودلالة الأمر على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب، فإنه قال:"إذا قمتَ إلى الصلاة فكبِّر" ولم توجبوا التكبيرَ، وقال:"ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا"، وقلتم: لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئًا.

وأما قولكم: إنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها ويخرج منها به.

فجوابه: أن السلام مِن تمامها، وهو نهايتها، ونهاية الشيء منه ليس خارجًا عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء، بخلاف مفتاحها، فإن إضافته إضافة مُغاير، بخلاف تحليلها فإنه يقتضي أنه لا يتحلَّل منها إلا به.

وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها؛ فلأنه قَطْع لها قبل إتمامها، وإتيانُ نهايتِها قبل فراغها، فلذلك أبطلها، فالتسليم آخرها وخاتمها، كما في

(1)

تشهّد ابن مسعود أخرجه البخاري (6265)، ومسلم (402).

ص: 31

حديث أبي حُميد "ويختمُ صلاتَه بالتسليم"

(1)

فنِسْبةُ التسليم إلى آخرها كنِسْبة تكبيرة الإحرام إلى أولها. فقول: "الله أكبر" أول أجزائها، وقول:"السلام عليكم" آخر أجزائها.

ثم لو سُلِّم أنه ليس جزءًا منها، فإنه تحليلٌ لها لا يخرَج منها إلا به، وذلك لا ينفي وجوبه، كتحلّلات الحجّ، فكونه تحليلًا لا يمنع الإيجاب.

فإن قيل: ولا يقتضيه

(2)

. قيل: إذا ثبت انحصار التحليل في التسليم

(3)

تعيّن الإتيانُ به. وقد تقدَّم بيانُ الحصر من وجهين.

فصل

وقد دلَّ هذا الحديث على أن كلّ ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم فمفتاحه الطهور، فيدخل في هذا الوتر بركعة، خلافًا لبعضهم

(4)

. واحتجَّ بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاةُ الليل والنهار مَثْنى مَثْنى"

(5)

.

(1)

سيأتي تخريجه.

(2)

أي كما أن كونه تحليلًا لا يمنع الإيجاب، فإنه لا يقتضي الإيجاب أيضًا.

(3)

في المطبوعتين: "السلام" خلاف الأصل.

(4)

في هامش الأصل تعليق: أن المقصود هو ابن حزم. وانظر كلامه في "المحلى": (1/ 80)، (5/ 111).

(5)

أخرجه أحمد (4791)، وأبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي (1666)، وابن ماجه (1322). وغيرهم من حديث ابن عمر.

قال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ. وقال الترمذي: "اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر، فرفعه بعضهم وأوقفه بعضهم، وروي عن عبد الله العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، والصحيح ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى". وروى الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه صلاة النهار" اهـ.

ص: 32

وجوابه: أن كثيرًا من الحفَّاظ طعن في هذه الزيادة، ورأوها غير محفوظة.

وأيضًا فإن الوتر تحريمه التكبير وتحليله التسليم، فيجب أن يكون مفتاحه الطهور. وأيضًا فالمغرب وتر، لا مثنى، والطهارة شرط فيها. وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم سمَّى الوترَ صلاة بقوله:"فإذا خِفْتَ الصبحَ فصلّ ركعةً تُوتر لك ما قد صلَّيتَ"

(1)

. وأيضًا فإجماع الأمة مِن الصحابة ومَن بعدهم على إطلاق اسم الصلاة على الوتر. فهذا القول في غاية الفساد.

ويدخل في الحديث أيضًا صلاة الجنازة؛ لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. وهذا قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُعرف عنهم فيه خلاف، وقولُ الأئمة الأربعة وجمهور الأمة، خلافًا لبعض التابعين

(2)

. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها صلاةً، وكذلك الصحابة. وحَمَلَة الشرع كلّهم يسمّونها صلاة.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" هو فَصْل الخطاب في هذه المسائل وغيرها، طردًا وعكسًا، فكلُّ ما كان تحريمه التكبير، وتحليله التسليم فلا بدَّ من افتتاحه بالطهارة.

فإن قيل: فما تقولون في الطواف بالبيت، فإنه يُفْتَتح بالطهارة، ولا

(1)

أخرجه البخاري (472، 473)، ومسلم (749، 751) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

جاء ذلك عن الشعبي بإسناد صحيح أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(11598، 11599).

ص: 33

تحريم فيه ولا تحليل؟

قيل: شرط النقض أن يكون ثابتًا بنصٍّ أو إجماع. وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين:

أحدهما: أنها شرط، كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد

(1)

.

والثاني: ليست بشرط، نصَّ عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره، بل نصُّه في رواية عبد الله تدلّ على أنها ليست بواجبة، فإنه قال: أَحبّ إليَّ أن يتوضأ

(2)

. وهذا مذهب أبي حنيفة

(3)

.

قال شيخ الإسلام

(4)

: وهذا قول أكثر السلف، قال: وهو الصحيح، فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين بالطهارة، لا في عُمَرِه ولا في حجته، مع كثرة مَن حجّ معه واعتمر، ويمتنع أن يكون ذلك واجبًا ولا يُبينه للأمة، وتأخير البيان عن وقته ممتنع.

فإن قيل: فقد طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم متوضّئًا، وقال:"خذوا عَنِّي مناسككم"

(5)

؟

(1)

انظر لمذاهبهم "الوسيط": (2/ 642) للغزالي، و"روضة الطالبين":(3/ 79). و"تهذيب المدونة": (1/ 525 - 527)، و"الذخيرة":(3/ 238). و"المغني": (5/ 223).

(2)

"مسائل عبد الله": (2/ 721).

(3)

انظر: "الهداية": (1/ 409 - 410).

(4)

هو ابن تيمية، انظر "مجموع الفتاوى":(26/ 216)، و (26/ 123، 199).

(5)

أخرجه مسلم في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1297).

ص: 34

قيل: الفعل لا يدلّ على الوجوب. والأخذ عنه هو أن يفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا كان قد فعل فعلًا على وجه الاستحباب فأوجبناه، لم نكن قد أخذنا عنه وتأسّينا به، مع أنه صلى الله عليه وسلم فعَلَ في حَجَّته أشياءَ كثيرة جدًّا لم يوجبها أحدٌ من الفقهاء.

فإن قيل: فما تقولون في حديث ابن عباس: "الطوافُ بالبيتِ صلاةٌ"

(1)

؟

قيل: هذا قد اختلف في رفعه ووقفه، فقال النسائي والدارقطني وغيرهما: الصواب أنه موقوف. وعلى تقدير رفعه، فالمراد تشبيهه بالصلاة، كما يُشبَّه انتظارُ الصلاة بالصلاة، وكما قال أبو الدرداء:"ما دمتَ تذكر الله فأنتَ في صلاة، وإن كنتَ في السوق"

(2)

. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أحدَكم في

(1)

أخرجه الترمذي (960)، والدارمي (1889)، وابن خزيمة (2739) وغيرهم مرفوعًا. والنسائي في "الكبرى"(3931) موقوفًا.

قال الترمذي: "وقد روي هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره، عن طاووس، عن ابن عباس، موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السائب" وقد أعلّه أكثر النقّاد بالوقف كالنسائيِّ والبيهقي وابن الصلاح والمنذري والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية.

وانظر "البدر المنير": (2/ 487 - 498)، و"نصب الراية":(3/ 57)، و"التلخيص الحبير":(1/ 138 - 139).

(2)

لم أجده عن أبي الدرداء، ونسَبَه شيخُ الإسلام إليه في "الفتاوى":(32/ 232)، ونسبه في موضع آخر منها (14/ 215)، وفي "شرح العمدة":(2/ 6) و"جامع المسائل ــ السادسة": (6/ 315) إلى ابن مسعود. وأخرجه عن ابن مسعود أبو نعيم في "الحلية": (4/ 204) بلفظ: "ما دام قلب الرجل يذكر الله فهو في صلاة وإن كان في السوق، فإن يحرك به شفتيه فهو أعظم". ورُوي عن غيره.

ص: 35

صلاة ما دام يَعْمِدُ إلى الصلاة"

(1)

.

فالطواف وإن سُمِّي صلاةً، فهو صلاةٌ بالاسم العام، ليس بصلاة [ق 9] خاصّةٍ، والوضوء إنما يشترط للصلاة الخاصّة ذاتِ التحريم والتحليل.

فإن قيل: فما تقولون في سجود التلاوة والشكر؟

قيل: فيه قولان مشهوران:

أحدهما: يُشترط له الطهارة. وهذا هو المشهور عند الفقهاء، ولا يَعرف كثيرٌ منهم فيه خلافًا، وربما ظنَّه بعضُهم إجماعًا

(2)

.

والثاني: لا يشترط له الطهارة، وهذا قول كثير من السلف، حكاه عنهم ابن بطَّال في "شرح البخاري"

(3)

. وهو قول عبد الله بن عمر، ذكره البخاري عنه في "صحيحه"

(4)

فقال: "وكان ابن عمر يسجد للتلاوة على غير وضوء". وترجمة البخاري واستدلاله يدل على اختياره إياه، فإنه قال: "باب

(1)

قطعة من حديث أخرجه مسلم (602/ 152) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

حكى الإجماع أو الاتفاق غير واحد، قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار":(2/ 509): "وأما قوله (يعني مالك): لا يسجد الرجل والمرأة إلا وهما طاهران، فإجماع من الفقهاء أنه لا يسجد أحد سجدة تلاوة إلا على طهارة" اهـ. وذكر ابن قدامة في "المغني": (2/ 358) أنه لا يعلم خلافًا فيه.

(3)

(3/ 56 - 57). وقد حكاه ابن بطال عن ابن عمر والشعبي والبخاري. ثم قال: وذهب فقهاء الأمصار إلى أنه لا يجوز سجود التلاوة إلا على وضوء. وينظر "مصنف بن أبي شيبة"(4354 - 4358)، و"الأوسط":(5/ 284).

(4)

قبل حديث رقم (1071).

ص: 36

من قال: يسجد على غير وضوء" هذا لفظه

(1)

.

واحتجَّ الموجبون للوضوء له بأنه صلاة، قالوا: فإنه له تحريم وتحليل، كما قاله بعض أصحاب أحمد والشافعي

(2)

. وفيه وجه أنه يتشهَّد له

(3)

، وهذا حقيقة الصلاة.

والمشهور من مذهب أحمد عند المتأخرين أنه يسلّم له

(4)

.

وقال عطاء وابن سيرين: إذا رفع رأسه يسلم

(5)

.

وبه قال إسحاق بن راهويه

(6)

، واحْتَجّ

(7)

لهم بقوله: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

قالوا: ولأنه يُفعل تبعًا

(8)

للإمام، ويعتبر أن يكون القارئ يصلح إمامًا

(1)

كذا قال المصنف، والذي في "الصحيح" في كتاب سجود القرآن:"باب سجود المسلمين مع المشركين. والمشرك نَجَسٌ ليس له وضوء. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسجد على غير وضوء".

(2)

انظر "المجموع": (4/ 63 - 64)، و"المغني":(2/ 358).

(3)

ينظر "الإنصاف": (2/ 198).

(4)

انظر "المغني": (2/ 362 - 363)، و"الإنصاف":(2/ 198).

(5)

حكاه عنهما ابن المنذر في "الأوسط": (5/ 279)، والخطابي في "المعالم":(2/ 120 - بهامش مختصر المنذري)، والبغوي في "شرح السنة":(3/ 315). وأخرجه ابن أبي شيبة (4201)، وعبد الرزاق:(3/ 349) عن ابن سيرين وأبي قلابة. لكن روى ابن أبي شيبة (4205) عن عطاء أنه لم يكن يسلم فيها.

(6)

كما في "مسائل الكوسج لأحمد وإسحاق": (2/ 750 - 751).

(7)

ينظر الحاشية (5) في الصفحة الآتية.

(8)

الأصل: "تبع".

ص: 37

للمستمع، وهذا حقيقة الصلاة.

قال الآخرون: ليس معكم باشتراط الطهارة له كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح. وأما استدلالكم بقوله: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، فهو من أقوى ما يحتجُّ به عليكم. فإنَّ أئمة الحديث والفقه ليس فيهم أحدٌ قطّ نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه أنه سلَّم منه، وقد أنكر أحمدُ السلامَ منه، قال الخطَّابي: وكان أحمد لا يعرف التسليم في هذا

(1)

. وقال الحسن البصري: [ليس في السجود تسليم]

(2)

. ويُذكر نحوه عن إبراهيم النخعي

(3)

، وكذلك المنصوص عن الشافعي أنه لا يسلِّم فيه

(4)

.

والذي يدلُّ على ذلك: أن الذين قالوا: يسلَّم منه، إنّما احتجّوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وتحليلها التسليم"، وبذلك احتجَّ لهم إسحاق

(5)

، وهذا

(1)

في "معالم السنن": (2/ 120 - بهامش المختصر). وذكره قبله الكوسج في "مسائله"(2/ 751) قال: "أما التسليم لا أدري ما هو"، وابن المنذر في "الأوسط":(5/ 279).

(2)

ما بين المعكوفين بياض بالأصل، والمثبت من "مصنف عبد الرزاق":(3/ 350)، وأخرجه ابن أبي شيبة (4206) بنحوه.

(3)

رواه عبد الرزاق: (3/ 350)، وابن أبي شيبة (4204).

(4)

نص عليه الشافعي في "البويطي"(ص 298 - 299)، وذكره الماوردي في "الحاوي":(2/ 204) وغيره.

(5)

في "مسائل الكوسج"(2/ 751) لم يذكر احتجاجَ إسحاق بالحديث. فلعل المؤلف فهم ذلك من سياق كلام الخطابي في "المعالم": (2/ 120) حيث قال: "وبه قال إسحاق بن راهويه. واحتجّ لهم بقوله: تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" على أن الضمير في قوله: "واحتج" عائد إلى إسحاق، ولكن لو جعلنا "احْتُجّ" مبنيًّا للمجهول لكان كلامًا مستأنفًا. وهو الظاهر والله أعلم.

ص: 38

استدلال ضعيف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوها، ولم يُنْقل عنهم سلامٌ منها، ولهذا أنكره أحمد وغيره. وتجويز كونه سلَّم منه ولم يُنقل، كتجويز كونه سلَّم من الطواف.

قالوا: والسجود هو من جنس ذِكْر الله وقراءة القرآن والدعاء، ولهذا يُشرع في الصلاة وخارجها، فكما لا يُشترط الوضوء لهذه الأمور وإن كانت من أجزاء الصلاة، فكذلك لا يشترط للسجود. وكونه جزءًا من أجزائها لا يوجب أن لا يُفْعَل إلا بوضوء.

واحتجَّ البخاريُّ بحديث ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجنُّ والإنسُ"

(1)

. ومعلوم أن الكافر لا وضوء له.

قالوا: وأيضًا فالمسلمون الذين سجدوا معه صلى الله عليه وسلم لم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالطهارة، ولا سألهم هل كنتم متطهِّرين أم لا؟ ولو كانت الطهارة شرطًا فيه للزم أحد الأمرين: إما أن يتقدم أمرُه لهم بالطهارة، وإما أن يسألهم بعد السُّجود ليبين لهم الاشتراط، ولم يَنْقل مسلمٌ واحدًا منهما.

فإن قيل: فلعلَّ الوضوءَ تأخرت مشروعيته عن ذلك، وهذا جواب بعض الموجِبين.

قيل: الطهارة شُرِعت للصلاة من حين المَبْعَث، ولم يصلِّ قطّ إلا

(1)

أخرجه البخاري (1071).

ص: 39

بطهارة، أتاه جبريل فعلَّمه الطهارةَ والصلاةَ

(1)

.

وفي حديث إسلام عمر أنه لم يُمكَّن من مسِّ القرآن إلا بعد تطهُّره

(2)

، فكيف نظنّ أنهم كانوا يصلّون بلا وضوء؟

قالوا: وأيضًا فيبعد جدًّا أن يكون المسلمون كلهم إذ ذاك على وضوء.

قالوا: وأيضًا ففي "الصحيحين"

(3)

عن عبد الله بن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، فيقرأ السورةَ فيها السجدة، فيسجد ونسجد معه، حتى ما يجدُ بعضُنا موضعًا لمكان جبهته".

قالوا: وقد كان يقرأ القرآن عليهم في المجامع كلّها، ومن البعيد جدًّا أن يكون كلّهم إذ ذاك على وضوء، وكانوا يسجدون حتى لا يجد بعضُهم مكانًا لجبهته، ومعلوم أن مجامع الناس تجمع المتوضّئ وغيرَه.

قالوا: وأيضًا فقد أخبر الله تعالى في غير موضع من القرآن أن السَّحَرَة سجدوا لله سجدة فقبلها الله منهم ومدحهم عليها، ولم يكونوا متطهِّرين

(1)

أحاديث تعليم جبريل مواقيت الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ذكر للطهارة. انظر البخاري (521)، ومسلم (610)، و"سنن أبي داود"(393، 394، 395)، والترمذي (149، 150)، والنسائي (294، 502، 513)، وأحمد (11249، 17089)، وغيرها.

(2)

أخرجه الدارقطني: (1/ 123)، والحاكم:(4/ 59 - 60)، والبيهقي:(1/ 88) وغيرهم من حديث أنس بن مالك. وسنده منقطع. قاله الذهبي في "تلخيصه". وله طرق أخرى لكنها ضعيفة أيضًا. انظر "دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب": (1/ 133 - 138).

(3)

البخاري (1075)، ومسلم (575).

ص: 40

قطعًا. ومنازعونا يقولون: مثل هذا السجود حرام، فكيف يمدحهم ويُثني عليهم بما لا يجوز؟!

فإن قيل: شرعُ مَن قبلنا ليس بشرع لنا.

قيل: قد احتجَّ الأئمةُ الأربعةُ بشرع مَن قبلنا، وذلك منصوص عنهم أنفُسِهم في غير موضع.

قالوا: سلمنا، لكن ما لم يَرِد شرعُنا بخلافه.

قال المُجوِّزون: فأين ورد في شرعنا خلافُه؟

قالوا: وأيضًا فأفضل أجزاء الصلاة وأقوالها هو القراءة، وتُفْعَل بلا وضوء، [ق 10] فالسجود أولى.

قالوا: وأيضًا فالله سبحانه وتعالى أثنى على كُلِّ مَن سَجَد عند التلاوة، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107]، وهذا يدلّ على أنهم سجدوا عَقِب تلاوته بلا فصل، وسواءٌ كانوا بوضوء أو بغيره؛ لأنه أثنى عليهم بمجرَّد السجود عقب التلاوة، ولم يشترط وضوءًا. وكذلك قوله تعالى:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58].

قالوا: وكذلك سجود الشكر مستحبٌّ عند تجدّد النّعَم المُنتظرة. وقد تظاهرت السنةُ عن النبي صلى الله عليه وسلم بفعله في مواضع متعدّدة

(1)

، وكذلك

(1)

منها حديث البراء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرّ ساجدًا حين جاءه كتاب علي رضي الله عنه من اليمن بإسلام هَمْدان. رواه البيهقي في "السنن": (2/ 369) وقال: "هذا إسناد صحيح، قد أخرج البخاري صدره فلم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه".

ص: 41

أصحابه

(1)

، مع ورود الخبرِ السارِّ عليهم بغتةً، وكانوا يسجدون عَقِبه، ولم يُؤمروا بوضوء، ولم يُخبِروا أنه لا يُفْعَل إلا بوضوء. ومعلوم أنَّ هذه الأمور تَدْهَم العبد وهو على غير طهارة، فلو تركها لفاتت مصلحتها.

قالوا: ومن الممتنع أن يكون الله تعالى قد أذن في هذا السجود وأثنى على فاعله وأطلق ذلك، وتكون الطهارةُ شرطًا فيه، ولا سَنَّها ولا يأمر بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولا رُويَ عنه في ذلك حرفٌ واحد.

وقياسه على الصلاة ممتنع لوجهين:

أحدهما: أن الفارق بينه وبين الصلاة أظهر وأكثر من الجامع، إذ لا قراءة فيه ولا ركوع، ولا فرضًا

(2)

، ولا سنة ثابتة بالتسليم، ويجوز أن يكون القارئ خلف الإمام فيه، ولا مصافّة فيه. وليس إلحاق محلّ النزاع بصور الاتفاق أولى من إلحاقه بصور الافتراق.

الثاني: أن هذا القياس إنما ينفع

(3)

ــ لو كان صحيحًا ــ إذا لم يكن الشيء المقيس قد فُعِل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تقع الحادثة، فيحتاج المجتهد أن يُلْحقها بما وقع على عهده صلى الله عليه وسلم من الحوادث أو شَمِلها نصُّه،

(1)

كما في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه في حديث توبته، أنه لما بلغته البشارة خرَّ ساجدًا. أخرجه البخاري (4418)، ومسلم (769).

(2)

كذا في الأصل، وفوق الكلمة إشارة من الناسخ استشكالًا لها، ولعلها:"ولا رفعًا".

(3)

ط. الفقي: "يمتنع"، وهي غير محررة في الأصل، وهي أقرب إلى ما أثبتنا رسمًا ومعنى.

ص: 42

وأما مع سجوده وسجود أصحابه وإطلاق الإذن في ذلك من غير تقييد بوضوء، فيمتنع التقييدُ به.

فإن قيل: فقد روى البيهقي من حديث الليث، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال:"لا يسجدُ الرَّجل إلا وهو طاهر"

(1)

. وهذا يخالف ما رويتموه عن ابن عمر، مع أن في بعض الروايات:"وكان ابن عمر يسجد على وضوء"، وهذا هو اللائق به لأجل رواية الليث.

قيل: أما أثر الليث

(2)

.

وأما رواية من روى: "يسجد

(3)

على وضوء" فغلط؛ لأن تبويب البخاري واستدلاله وقوله: "والمشرك ليس له وضوء" يدلّ على أن الرواية بلفظ "غير" وعليها أكثر الرواة

(4)

. ولعل الناسخ استشكل ذلك، فظن أن

(1)

أخرجه البيهقي: (1/ 90، 2/ 325) وصحح إسناده الحافظ في "الفتح": (2/ 554). وأخرجه مالك في "الموطأ ــ رواية محمد بن الحسن"(297). وقد جمع الحافظ بينهما بقوله: "فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله (طاهر) الطهارة الكبرى، أو الثاني على حالة الاختيار والأول على الضرورة". وزاد في "مرعاة المفاتيح": (3/ 430): "أو الثاني على الأولوية والأول على الجواز والإباحة".

(2)

بعده في الأصل بياض بمقدار سطر وزيادة، وعلق في الهامش:"بياض في الأصل". وأثبت مكانه في ط. الفقي: "فضعيف" بدون إشارة إلى الإضافة. ولا شك أن المؤلف ضعَّف أثر الليث كما سيأتي، لكن هل تكلم عن موجب التضعيف؟

(3)

في ط. الفقي: "كان يسجد" ولا موجب للتصرف!

(4)

قال الحافظ في "الفتح": (2/ 553) تعليقًا على قوله: "على غير وضوء": "كذا للأكثر وفي رواية الأصيلي بحذف "غير" والأول أولى، فقد روى ابن أبي شيبة (4354) من طريق عبيد بن الحسن عن رجل زعم أنه كنفسه عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء، ثم يركب فيقرأ السجدة، فيسجد وما يتوضأ". ورجحه ابن بطال: (3/ 56)، والعيني:(7/ 99).

ص: 43