الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 -
بابٌ إلى متى تُرَدّ عليه امرأتُه إذا أسلم
(1)
184/ 2148 - عن ابن عباس قال: رَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنَتَهُ زينبَ على أبي العاص بالنكاح الأول، لم يُحدِث شيئًا ــ قال محمد بن عمرو في حديثه: بعد ستّ سنين، وقال الحسن بن علي: بعد سنتين.
وأخرجه الترمذي وابن ماجه
(2)
. وفي حديث الترمذي: «بعد ست سنين» . وفي حديث ابن ماجه: «بعد سنتين» . وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس، ولكن لا يُعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء هذا من قِبَل داود بن الحصين، مِن قِبَل حفظه. وحكي عن يزيد بن هارون أنه ذكر حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:«أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد» ، وقال
(3)
: حديث ابن عباس أجود إسنادًا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب. وقال الخطابي: وهذا إن صح فإنه يحتمل أن يكون عدتها قد تطاولت، لاعتراض سبب، حتى بلغت المدة المذكورة في الحديث، إما الطولى منها وإما القصرى، إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعف أمره عليُّ بن المديني وغيره من علماء الحديث.
وقال بعضهم: معناه ردَّها عليه على النكاح الأول، أي على مثل النكاح الأول في الصداق والحباء. لم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره. وقال البخاري: حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب. وقال الدارقطني في حديث عمرو بن شعيب هذا: لا يثبت، والصواب حديث ابن عباس.
(1)
في «المختصر» و «السنن» زيادة: «بعدها» .
(2)
أخرجه أبو داود (2240)، والترمذي (1143)، وابن ماجه (2008)، وأحمد (2972).
(3)
يعني يزيد بن هارون.
وقال الخطابي
(1)
: وإنما ضعَّفوا حديث عمرو بن شعيب من قبل الحجاج بن أرطاة، لأنه معروف بالتدليس، وحُكي عن محمد بن عقيل أن يحيى بن سعيد قال: لم يسمعه حجاجٌ من عَمرو.
قال ابن القيم رحمه الله: وقال الإمام أحمد
(2)
: حديث ابن عباس في هذا أصحّ، قيل له: أليس يروى «أنه ردَّها بنكاحٍ مستأنف
(3)
»؟ قال: ليس لذلك أصل.
وقال ابن عبد البر
(4)
: قصة أبي العاص مع امرأته لا تخلو مِن أن تكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار، فتكون منسوخةً بما جاء بعدها، أو تكون حاملًا واستمرّ حملُها حتى أسلم زوجها، أو مريضةً لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم، أو تكون رُدّت إليه بنكاح جديد ــ ثم ذكر حديث عمرو بن شعيب ــ تم كلامه.
وللناس في حديث ابن عباس عدة طرق:
أحدها: ردّه باستمرار العمل على خلافه، قال الترمذي
(5)
: سمعت
(1)
في «معالم السنن» : (2/ 676).
(2)
في «العلل» : (1/ 313) لأحمد ذكر هذا الحديث من رواية حجاج عن عمرو بن شعيب، ثم ذكر أنه قرأ في بعض الكتب: عن حجاج عن العرزمي عن عمرو بن شعيب، قال: والعرزمي تركه الناس.
(3)
رسمها في الأصل و (ش، هـ): «يستأنف» ولعل المثبت أصح، وينظر «المغني»:(10/ 10).
(4)
في «التمهيد» : (12/ 23 - 24).
(5)
«الجامع» : (3/ 441).
عَبْدَ بن حُميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يقول: حديث ابن عباس أجود إسنادًا، والعملُ على حديث عَمرو بن شعيب.
وقال ابن عبد البر
(1)
: لم يختلف العلماء أن بانقضاء العدة ينفسخ النكاح إلا شيء رُوي عن النخعي شَذَّ فيه عن جماعةِ العلماء، فلم يتبعه عليه أحد، زعم أنها تُرَدُّ إلى زوجها، وإن طالت المدة.
الثاني: معارضته بحديث عَمرو بن شعيب.
الثالث: تضعيف داود بن الحصين عن عكرمة.
الرابع: حمله على رَدِّها بنكاح مثل الأول، لم يحدث فيه شيئًا.
الخامس: حمله على تطاول زمن العِدّة.
السادس: القول بموجَبه، ويُروى عن علي بن أبي طالب، وإبراهيم النخعي وغيرهما
(2)
.
السابع: [ق 105] أن تحريم نكاح الكفار إنما كان في سورة الممتحنة: وهي قد نزلت بعد الحديبية، ولم يكن نكاحُ الكافرِ المسلمةَ قبل ذلك حرامًا، ولهذا في قصة الممتحنة لما نزلت:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] عَمَد عمر إلى امرأتين له فطلقهما. ذكره البخاري
(3)
. فدلّ على
(1)
في «التمهيد» : (12/ 23).
(2)
ينظر «التمهيد» : (12/ 23)، و «المغني»:(10/ 10).
(3)
(2733).
أن التحريم كان من يومئذ.
وإذا ثبت هذا فأبو العاص بن الربيع إنما أسلم في زمن الهدنة بعد ما أخذت سرية زيد بن حارثة ما معه، فأتى المدينةَ فأجارته زينب، فأنفذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جوارها، ودخل عليها فقال:«أي بنيَّة، أكرمي مثواه، ولا يخلُصُ إليك، فإنك لا تحلين له»
(1)
. وكان هذا بعد نزول آية التحريم في الممتحنة.
ثم إن أبا العاص رجع إلى مكة، فأدَّى ما كان عنده من بضائع أهل مكة، ثم أسلم، وخرج إلى المدينة، فلم يطل الزمان بين إسلامه ونزول آية التحريم، فردَّها عليه بالنكاح الأول.
الثامن: أن حديث ابن عباس في قصته منسوخ، وسلك ذلك الطحاوي
(2)
، وادَّعى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم[ردَّها إليه]
(3)
بعد رجوعه من بدر حين أسِر، وروى في ذلك عن الزهري:«أنه أُخِذ أسيرًا يوم بدر، فأُتيَ به النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ عليه ابنته» ، ثم إن الله سبحانه حرم نكاح الكفار في قصة الممتحنة.
التاسع: ما حكاه
(4)
عن بعض أصحابهم في الجمع بين الحديثين، بأن عبد الله بن عَمرو علمَ تحريم نكاح الكافر، فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد، فقال:«ردَّها عليه بنكاح جديد» ، ولم يعلم ابنُ عباس بالتحريم، فقال:«ردَّها بالنكاح الأول» ، لأنه لم يكن عنده بينهما فسخ نكاح.
(1)
أخرجه الحاكم: (3/ 236 - 237)، والطبراني في «الكبير»:(22/ 426).
(2)
في «شرح معاني الآثار» : (3/ 260).
(3)
زيادة يتم بها السياق.
(4)
يعني الطحاوي في كتابه السالف: (3/ 256)، وقد حكاه عن محمد بن الحسن الشيباني.
فهذه مجامع طرق الناس في هذا الحديث، أفْسَدُها هذان الأخيران، فإنهما غلط محض، و النبي صلى الله عليه وسلم لم يردَّها على أبي العاص يومَ بدرٍ قطّ، وإنما الحديث في قصة بدر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أطلقَه وشَرَط عليه أن يردّ عليه ابنته، لأنها كانت بمكة، فلما أُسِر أبو العاص أطلقه بشرط أن يرسلها إلى أبيها، ففعل، ثم أسلم بعد ذلك بزمان في الهدنة. هذا هو المعروف الذي لا يشكُّ فيه من له علم بالمغازي والسير، وما ذكره
(1)
عن الزهريِّ وقَتادة فمنقطع لا يثبت.
وأما المسلك التاسع، فمعاذ الله أن يُظَنّ بالصحابة أنهم يروون أخبارًا عن الشيء الواقع والأمر بخلافه، لظنهم واعتقادهم، وهذا لا يدخله إلا الصدق والكذب، فإنه إخبار عن أمر واقع مشاهَد، هذا يقول:«ردَّها بنكاحٍ جديد» ، فهل يسوغ أن يخبر بذلك بناءً على اعتقاده من غير أن يشهدَ القصةَ أو تُروى له؟ وكذا مَن قال:«ردَّها بالنكاح الأول» ؟
وكيف يُظنّ بعبد الله بن عَمرو أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عقدَ نكاحٍ لم يثبته ولم يشهده ولا حُكِي له؟! وكيف يُظنّ بابن عباس أن يقول: «ردّها بالنكاح الأول، ولم يُحْدِث شيئًا» ، وهو لا يحيط علمًا بذلك؟! ثم كيف يشتبه على مثله نزول آية الممتحنة، وما تضمَّنته من التحريم قبل ردّ زينب على أبي العاص، ولو قُدِّر اشتباهه عليه في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم لحداثة سنه، أفترى دام هذا الاشتباه عليه واستمرّ حتى يرويه كبيرًا، وهو شيخ الإسلام؟!
ومثل هذه الطرق لا يسلكها الأئمة، ولا يرضَى بها الحُذَّاق.
وأما تضعيف حديث داود بن الحُصين عن عكرمة، فمما لا يُلْتَفَتُ إليه.
(1)
أي الطحاوي.