الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
1 -
باب في زكاة السائمة
82/ 1509 - عن حماد ــ وهو ابن سلمة ــ قال: «أخذتُ من ثُمامة بن عبد الله بن أنس كتابًا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس، وعليه خاتَم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بعثه مُصَدِّقًا وكتبه له، فإذا فيه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي أمر الله بها نبيه عليه الصلاة والسلام، فمن سُئِلها من المسلمين على وجهها فليُعْطها، ومن سُئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبلِ، الغَنَمُ، في كل خمسٍ ذَوْدٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنتُ مخاض، إلى أن تبلغ خمسًا وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاض، فابنُ لَبُون ذَكَر، فإذا بلغت ستًا وثلاثين ففيها بنت لَبون، إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستًّا وأربعين ففيها حِقَّة طَرُوقة الفَحْل، إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جَذَعة، إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستًّا وسبعين ففيها ابنتا لَبُون، إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حِقَّتان طَروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقَّة. فإذا تبايَن أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جَذَعة، وعنده حِقة فإنها تُقبل منه وأن يجعل معها شاتين إن اسْتَيسرتا له، أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حِقّة، وعنده جَذَعة فإنها تُقبل منه، ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين،
ومن بلغت عنده صدقة الحِقّة وليست عنده حِقّة، وعنده ابنة لبون فإنها تُقبل منه ــ قال أبو داود: من ههنا لم أَضبِطْه عن موسى كما أحبُّ ــ ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهمًا. ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حِقَّة فإنها تُقبل منه ــ قال أبو داود: إلى ههنا، ثُمَّ أتقنتُه ــ ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين.
ومن بلغت عنده صدقة ابنة لَبون، وليس عنده إلا ابنة مَخاض، فإنها تُقبل منه وشاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة ابنةِ مخاض، وليس عنده إلا ابنُ لبون ذَكَر، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء، إلا أن يشاء رَبُّها، وفي سائمة الغنم: إذا كانت أربعين ففيها شاة، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففيها شاتان، إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شِياه، إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ، ولا يؤخذ في الصدقة هَرِمَة، ولا ذات عَوارٍ
(1)
من الغنمِ، ولا تَيْس الغنم، إلا أن يشاء المصَّدِّق، ولا يُجمع بين متفرِّق، ولا يفرَّق بين مُجتمع، خشيةَ الصدقة، وما كان من خَليطين، فإنهما يتراجعان بالسَّوِيَّة، فإن لم تبلغ سائمةُ الرجل أربعين، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربُّها، وفي الرِّقَةَ ربع العُشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربُّها».
وأخرجه النسائي
(2)
. وأخرجه البخاري وابن ماجه
(3)
من حديث عبد الله بن المثنى الأنصاري عن عمه ثمامة.
قال ابن القيم رحمه الله: وأخرجه الدارقطني
(4)
من حديث النضر بن شُمَيل، عن حماد بن سلمة قال: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس، يحدثه عن أنس بن مالك [ق 52] عن رسول صلى الله عليه وسلم. وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات. وقال الإمام الشافعي: حديث أنس حديث ثابت من
(1)
. العَوار بالفتح: العيب، وقد يضمّ. «النهاية»:(3/ 318).
(2)
. أخرجه أبو داود (1567)، والنسائي في «الكبرى» (2247)، وأحمد (72).
(3)
. البخاري (1448، 1453)، وابن ماجه (1800).
(4)
. (1985).
جهة حماد بن سلمة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه نأخذ
(1)
.
83/ 1513 - وعن عاصم بن ضَمْرة وعن الحارث الأعور، عن عليّ ــ قال زهير، وهو ابن معاوية: ــ أحسبه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هاتوا ربع العشور، من كلّ أربعين درهمًا درهم، وليس عليكم شيء حتى تَتِمَّ مئتي درهم، فإذا كانت مئتي درهم ففيها خمس دراهم، فإذا زاد فعلى حساب ذلك، وفي الغنم: في كلِّ أربعين شاةً شاةٌ، فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء. وساقَ صدقةَ الغنم مثل الزهري، قال: وفي البقر: في كل ثلاثين تَبيعٌ، وفي الأربعين مُسِنَّة، وليس على العوامل شيء، وفي الإبل ــ فذكر صدقتها كما ذكر الزهري ــ قال: وفي خمس وعشرين: خمس من الغنم، فإن زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذَكَر، إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لَبون، إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حِقَّة طَروقة الجمل، إلى ستين. ثم ساق مثل حديث الزهري، قال: فإذا زادت واحدة، يعني واحدة وتسعين، ففيها حِقَّتان طروقتا الجمل، إلى عشرين ومائة، فإذا كانت الإبل أكثر من ذلك، ففي كلِّ خمسين حِقّة، ولا يفرَّق بين مجتَمِع، ولا يُجْمَع بين متفرِّق، خشية الصدقة، ولا يؤخذ في الصدقة هَرِمة ولا ذات عَوَار ولا تَيْس، إلا أن يشاء المصَّدِّق.
وفي النبات: ما سقته الأنهارُ أو سقتِ السماءُ العُشْرَ. وما سُقِي بالغَرْب، ففيه نصف العشر. وفي حديث عاصم والحارث: الصدقة في كل عام قال زهير: أحسبه قال: مرة، وفي حديث عاصم: إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان».
وفي رواية: «فإذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحَوْلُ ففيها خمسة
(1)
. هذا التعليق برمته هو نصّ كلام المنذري في «مختصره» : (2/ 182) في التعليق على الحديث، نَسَبه المجرّد لابن القيم، فلعله اشتبه عليه فظنَّه من كلام المؤلف.
دراهم، وليس عليك شيء، يعني في اللهب، حتى يكون لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، قال: فلا أدري، أعليٌّ يقول، فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا أن جَريرًا قال ابن وهب: يزيدُ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول.
وذكر أن شعبة وسفيان وغيرهما لم يرفعوه. وأخرج ابن ماجه
(1)
طَرَفًا منه، والحارث وعاصم ليسا بحجة.
قال ابن القيم رحمه الله: قال ابن حزم: «حديثُ عليٍّ هذا رواه ابنُ وهب، عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة والحارث الأعور، قَرَن فيه أبو إسحاق بين عاصم والحارث، والحارثُ كذّابٌ، وكثيرٌ من الشيوخ يجوز عليه مثل هذا، وهو أنَّ الحارثَ أسْنَده وعاصم لم يسنده، فجمعهما جريرٌ، وأدخل حديثَ أحدِهما في الآخر. وقد رواه شعبةُ وسفيانُ ومعمر عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن عليٍّ موقوفًا عليه. وكذلك كلُّ ثقةٍ رواه عن عاصم إنما وقَفَه على عليٍّ، فلو أنّ جريرًا أسنده عن عاصم وبيَّن ذلك أخذنا به.
هذه حكايةُ عبد الحق الإشبيليّ
(2)
عن ابن حزم، وقد رجع عن هذا في
(1)
. أخرجه أبو داود (1572)، وابن ماجه (1790)، والنسائي في «الكبرى» (2268) وأحمد (711 و 913) مختصرًا من طريق أبي إسحاق السبيعي عن عاصم والحارث (غير مقرونين) به.
(2)
. في «الأحكام الوسطى» : (2/ 167)، وكلام ابن حزم في «المحلى»:(6/ 70).
كتابه «المحلى»
(1)
، فقال في آخر المسألة: «ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح، لا يجوز خلافه، وأن الاعتلالَ فيه بأن
(2)
أبا إسحاق أو جريرًا خَلَط إسنادَ الحديث بإرسال عاصم هو الظنُّ الباطل الذي لا يجوز، وما علينا في مشاركة الحارث لعاصم، [ولا]
(3)
لإرسال من أرسله، ولا لشكِّ زهيرٍ فيه، وجريرٌ ثقةٌ. فالأخْذُ بما أسند لازم» تمّ كلامُه.
وقال غيره
(4)
: هذا التعليل لا يقدح في الحديث، فإن جريرًا ثقة، وقد أسندَه عنهما، وقد أسنده أيضًا أبو عَوانة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة، عن عليّ، ولم يذكر الحول. ذَكَر حديثَه الترمذيُّ
(5)
، وأبو عَوانة ثقة.
وقد رُوي حديث: «ليس في مالٍ زكاة حتى يحولَ عليه الحولُ» من
(1)
. (6/ 74). وعدّ ابنُ الملقّن في «البدر المنير» : (5/ 560) هذا تناقضًا من ابن حزم، ولعل هذا من ولعه بتخطئة ابن حزم، وإلا فقد بيّن ابن حزم أنه استدرك على نفسه، ولذلك علق الشيخ أحمد شاكر على هذا الموضع من «المحلى» بقوله:«لله درّ أبي محمد بن حزم، رأى خطأه فسارع إلى تداركه، وحكم بأنه الظن الباطل الذي لا يجوز، وهذا شأن المنصفين من أتباع السنة الكريمة، وأنصار الحق، وقليل ما هم» .
(2)
. في «المحلى» زيادة «عاصم بن ضمرة» .
(3)
. سقطت من الأصل و (ش)، والاستدراك من «المحلى» .
(4)
. حكاه عنه عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» : (2/ 167)، وأشار إليه في «بيان الوهم والإيهام»:(5/ 449 - 450).
(5)
. (620) وهو الحديث الآتي، وقال الترمذي عقبه: روى هذا الحديث الأعمش وأبو عوانة وغيرهما عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، وروى سفيان الثوري وابن عيينة وغير واحد عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي. وسألت محمدًا عن هذا الحديث. فقال:«كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون رُوي عنهما جميعًا» .
حديث عائشة بإسناد صحيح
(1)
. قال محمد بن عبيد الله بن المنادي: حدثنا أبو زيد شجاع بن الوليد، حدثنا حارثة بن محمد، عن عَمرة، عن عائشة قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا زكاةَ في مالٍ حتى يحولَ عليه الحولُ» رواه أبو الحسين بن بشران، عن عثمان بن السمَّاك، عن ابن المنادي.
84/ 1515 - وعن عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عَفَوتُ عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرِّقَة: مِن كلّ أربعين درهمًا درهمًا، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم» .
وأخرجه الترمذي وابن ماجه
(2)
. وحكى الترمذي عن البخاري أنه يحتمل أن يكون ــ يعني أبا إسحاق السَّبيعي ــ رواه عن عاصم بن ضَمْرة وعن الحارث.
قال ابن القيم رحمه الله: إنما أسقط الصدقةَ من الخيل والرقيق إذا كانت للرُّكوب والخدمة، فأما ما كان منها للتجارة ففيه الزكاة في قيمتها.
(1)
. أخرجه ابن أبي شيبة (10322)، وابن ماجه (1792)، والدارقطني (1893)، والبزار (305)، والبيهقي:(4/ 95) من طريق ابن بشران التي ذكرها المؤلف من طرقٍ عن شجاع بن الوليد به.
قال الزيلعي في «نصب الراية» : (2/ 330): «حارثة هذا ضعيف» وذكر كلام ابن حبان في تضعيفه، وضعّفه ابن الملقن في «البدر»:(5/ 455) وابن حجر في «التلخيص» : (2/ 165) وغيرهم.
(2)
. أخرجه أبو داود (1574)، والترمذي (620)، وابن ماجه (1790). وانظر الحديث السالف.
ونقل الترمذي كلام البخاري الذي أورد المنذري طرفًا منه، وسقناه في التعليق على الحديث السابق، ووافقه الدارقطني في «العلل»:(3/ 156 - 159) فقال بعد أن ذكره من الطريقين: «ويُشبه أن يكون القولان صحيحين» .
85/ 1516 - وعن بَهزْ بن حكيم، عن أبيه، عن جَدِّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في كلِّ سائمةِ إبلٍ، في أربعين بنت لبون، لا يُفَرَّق إبل عن حسابها، من أعطاها مُؤتجرًا ــ قال ابنُ العلاء: مُؤْتَجرًا بها ــ فله أجرها، ومَن منعها فإنَّا آخذوها وشَطْرَ مالِه، عَزْمةٌ من عزمات ربنا عز وجل، ليس لآلِ محمدٍ منها شيء» .
وأخرجه النسائي
(1)
. وجَدُّ بَهْز بن حَكيم هو معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، وله صحبة. وبهز بن حكيم وثَّقه بعضُهم، وتكلَّم فيه بعضُهم.
قال ابن القيم رحمه الله: قوله: «فإنَّا آخِذُوها وشَطْرَ ماله» أكثرُ العلماء على أن الغُلولَ في الصدقة والغنيمة لا يوجبُ غرامةً في المال، وقالوا: كان هذا في أول الإسلام ثم نُسِخ. واستدلّ الشافعيُّ على نسخه بحديث البراء بن عازب
(2)
فيما أفسدت ناقته، فلم يُنقل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أضعف الغرم، بل
(1)
. أخرجه أبو داود (1575)، والنسائي في «المجتبى» (2444) وفي «الكبرى» (2236)، وأحمد (20016)، وابن خزيمة (2266)، والحاكم:(1/ 397) وغيرهم من طرق عن بهز بن حكيم به.
قال أحمد: صالح الإسناد، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه ابن عبد الهادي في «التنقيح»:(3/ 141) وفي «المحرر» : (1/ 339)، وقال ابن الملقن في «البدر المنير»:(5/ 481): «إسناد هذا الحديث صحيح إلى بهز، واختلف الحفاظ في الاحتجاج بحديث بهز
…
» وذكر من وثقه ومن تكلم فيه، ومن ضعّف الحديث من أجله كالشافعي وابن حبان وابن حزم.
وانظر «التلخيص الحبير» : (2/ 170).
(2)
. أخرجه أبو داود (3569)، وعبد الرزاق (18437)، وأحمد ــ من طريقه ــ (23697)، وابن حبان (6008)، والبيهقي:(8/ 342) وغيرهم.
وذكر الحفّاظ أن عبد الرزاق تفرّد بوصل هذا الحديث، فلم يتابَع على قوله «عن أبيه» ، وأن وهيب بن خالد وأبا مسعود الزجاج روياه عن معمر فلم يقولا:«عن أبيه» .
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» : (11/ 81 - 82) بعد أن ذكر هذه العلة: «هذا الحديث وإن كان مرسلًا، فهو حديث مشهور، أرسله الأئمة وحدّث به الثقات واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة به العمل» .
وفي الحديث خلاف طويل يراجع «بيان الوهم والإيهام» : (5/ 565 - 567)، و «البدر المنير»:(9/ 19 - 22).
نُقِل فيها حكمه بالضمان فقط.
وقال بعضهم: يُشبه أن يكون هذا على سبيل التوعُّد، لينتهي فاعل ذلك. وقال بعضهم: إن الحقَّ يُستوفَى منه غير متروك عليه وإن تلف شطرُ ماله، كرجل كان له ألف شاة، فتلفت حتى لم يبق له إلا عشرون، فإنه يُؤخَذ منه عشر شياه لصدقة الألف، وهو شطر ماله الباقي أو نصفه، وهو بعيد لأنه لم يقل: إنَّا آخذوا شطرَ ماله. وقال إبراهيم الحربي
(1)
: «إنما هو «وشُطِرَ مالُه» أي يُجْعَل ماله شَطْرين، ويتخيَّر عليه المصدّق فيأخذ الصدقةَ من خير النصفين عقوبةً لمنعه الزكاة». فأما ما لا يلزمه فلا. قال الخطابي
(2)
: ولا أعرف هذا الوجه. هذا آخر كلامه.
وقال بظاهر الحديث الأوزاعيُّ والإمامُ أحمد وإسحاقُ بن راهويه على ما فُصِّل عنهم. وقال الشافعيُّ في القديم: مَن مَنَع زكاةَ ماله أُخِذَت منه وأُخِذ شطرُ ماله عقوبةً على منعه، واستدلَّ بهذا الحديث. وقال في الجديد: لا
(1)
. نقله عنه البيهقي في «معرفة السنن» : (3/ 242)، والبغوي في «شرح السنة»:(6/ 80)، وابن الجوزي في «غريب الحديث»:(2/ 540)، وابن الأثير في «جامع الأصول»:(4/ 573).
(2)
. حكاه عنه ابن الأثير في «النهاية» : (2/ 473)، وليس في «معالم السنن - بهامش السنن»:(2/ 234) ولا في «غريب الحديث» للخطابي.
يُؤخَذ منه إلا الزكاة لا غير، وجَعَل هذا الحديث منسوخًا، وقال: كان ذلك حين كانت العقوبات في المال ثم نُسِخت. هذا آخر كلامه.
ومَن قال: إن بَهْز بن حكيم ثقة احتاج إلى الاعتذار عن هذا الحديث بما تقدم. فأما من قال: لا يُحتجُّ بحديثه فلا يحتاج إلى شيء من ذلك. وقد قال الشافعي
(1)
في بهز: ليس بحجة، فيحتمل أن يكون ظهر له ذلك منه بعد اعتذاره عن الحديث، أو أجاب عنه على تقدير الصحة. وقال أبو حاتم الرازي
(2)
في بهز بن حكيم: هو شيخ يُكْتَب حديثه ولا يحتجُّ به. وقال البستي
(3)
: «كان يخطئ كثيرًا، فأما الإمام أحمد وإسحاق فهما يحتجَّان به ويرويان عنه، وترَكَه جماعةٌ من أئمتنا، ولولا حديثه: «إنَّا آخذوها وشطر إبله عَزْمة من عَزَمات ربنا» لأدخلناه في «الثقات» ، وهو ممن أستخير الله [ق 53] فيه». فجَعَل روايتَه لهذا الحديث مانعةً من إدخاله في «الثقات» تم كلامه. وقد قال علي ابن المديني: حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده صحيح. وقال الإمام أحمد: بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده صحيح.
وليس لمن ردَّ هذا الحدث حجة، ودعوى نسخه دعوى باطلة، إذ هي دعوى ما لا دليل عليه، وفي ثبوت شرعية العقوبات المالية عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،لم يثبت نسخُها بحجَّةٍ، وعمل بها الخلفاءُ بعدَه
(4)
.
(1)
. ينظر «تهذيب التهذيب» : (1/ 498).
(2)
. «الجرح والتعديل» : (2/ 431).
(3)
. يعني ابن حبان في «المجروحين» : (1/ 194).
(4)
. عقد المؤلف فصلًا في التعزير بالعقوبات المالية في كتابه «الطرق الحكمية» : (2/ 688 - 698). وانظر «زاد المعاد» : (3/ 99 و 5/ 50).
وأما معارضته بحديث البراء في قصة ناقته، ففي غاية الضعف، فإن العقوبة إنما تسوغ إذا كان المعاقَب متعديًّا بمَنْع واجب أو ارتكاب محظور، وأما ما تولَّد من غير جنايته وقصده، فلا يسوِّغ أحدٌ عقوبته عليه، وقول من حَمَل ذلك على سبيل التوعّد دون الحقيقة في غاية الفساد، يُنَزَّه عن مثله كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول مَن حَمَله على أخذ الشطر الباقي بعد التلَف باطل؛ لشدة منافرته وبُعْده عن مفهوم الكلام، ولقوله:«فإنَّا آخذوها وشطرَ ماله» .
وقول الحربي: إنه «وشُطِرَ» بوزن شُغِل، في غاية الفساد، ولا يعرفه أحدٌ من أهل الحديث، بل هو من التصحيف.
وقول ابن حبان: لولا حديثه هذا لأدخلناه في «الثقات» ، كلام ساقط جدًّا، فإنه إذا لم يكن لضعفه سببٌ إلا رواية هذا الحديث وهذا الحديث إنما ردَّه لضعفه، كان هذا دورًا باطلًا، وليس في روايته لهذا ما يوجب ضعفَه، فإنه لم يخالف فيه الثقات. وهذا نظير ردّ مَن ردّ حديث عبد الملك بن أبي سليمان، حديث جابر في شُفْعة الجوار
(1)
، وضعَّفه بكونه روى هذا
(1)
. وهو حديث: «الجارُ أحقّ بشُفْعَة جاره
…
» أخرجه أبو داود (3518)، والترمذي (1421)، والنسائي في «الكبرى» (7264)، وابن ماجه (2494)، وأحمد (14253) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر به. وقد تكلّم شعبةُ في عبد الملك بسبب هذا الحديث، وكذا الشافعي وأحمد ويحيى. وقال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: لا أعلم أحدًا رواه عن عطاء غير عبد الملك، تفرّد به، ويروى عن جابر خلاف هذا. وانظر كلام المؤلف في الجواب عن تعليله في كتابنا هذا (2/ 537)، وينظر أيضًا:«نصب الراية» : (4/ 173 - 174)، و «تنقيح التحقيق»:(4/ 175 - 176).