الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصّعْب بن جَثَّامة يدلّ على منعه منه، وحديث جابر صريح في التفريق. فحيثُ أكَلَ عُلِم أنه لم يُصَد لأجله، وحيثُ امتنَع عُلِم أنه صيدَ لأجله، فهذا فعله وقوله في حديث جابر يدلُّ على الأمرين، فلا تعارض بين أحاديثه صلى الله عليه وسلم بحال.
وكذلك امتناع عليٍّ مِن أكلِه لعله ظنَّ أنه صِيْد لأجله، وإباحة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حمارَ البهزيِّ، ومنعهم من التعرُّض للظبي
(1)
، لأن الحمار كان عقيرًا في حدِّ الموت، وأما الظبي فكان سالمًا لم يسقط إلى الأرض، فلم يتعرَّض له لأنه حيوانٌ حيٌّ. والله أعلم.
12 -
بابُ الإحْصَارِ
118/ 1784 - وعن أبي حاضِرٍ الحِمْيري ــ وهو عثمان بن حاضر ــ قال: «خرجت مُعْتَمِرًا، عام حاصَر أهلُ الشام ابنَ الزُّبير بمكّةَ، وبعثَ معي رجالٌ من قومي بهَدْي، فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخلَ الحرمَ، فنحرتُ الهَدْيَ مكاني، ثم أحللتُ، ثم رجعتُ، فلما كان من العام المقبل خرجتُ لأقضيَ عُمرتي، فأتيتُ ابنَ عباس، فسألته؟ فقال: أبْدِلَ الهديَ، فإنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرَ أصحابَه أن يُبْدِلوا الهديَ الذي نحروا عامَ الحديبية في عمرةِ القضاء»
(2)
.
في إسناده محمد بن إسحاق، وقد تقدَّم الكلامُ عليه. وقال البيهقي: ولعله إن
(1)
في الطبعتين زيادة: «الحاقف» ولا وجود لها في الأصل و (ش، هـ).
(2)
أخرجه أبو داود (1864)، والحاكم:(1/ 485 - 486) وقال: صحيح الإسناد. والضياء في «المختارة» : (11/ 186) من طريق محمد بن إسحاق عن عَمرو بن ميمون عن أبي حاضر به. ومحمد بن إسحاق متكلم فيه، وهو مدلس وقد عنعن، فالإسناد ضعيف.
صحّ الحديثُ استحبّ الإبدال وإن لم يكن واجبًا، كما استحبّ الإتيان بالعمرة وإن لم يكن قضاء ما أحصر عنه واجبًا بالتحلُّل. والله أعلم.
وإن صحَّ حديثُ الحجَّاج بن عَمرو فقد حَمَله بعضُ أهل العلم أنه يحلّ بعد فواته بما يحلّ به من يفوته الحجُّ بغير مَرَض، فقد رُوِّينا عن ابن عباس ثابتًا عنه أنه قال:«لا حَصْر إلا حَصْر عدوٍّ» . تم كلامه.
وقال غيره: معنى حديث الحجاج بن عَمرو أن تحلله بالكَسْر والعَرَج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام، على معنى حديث ضُباعة. قالوا: ولو كان الكسرُ مبيحًا للحلِّ، لم يكن للاشتراط معنى. قالوا: وأيضًا فلا يقول أحدٌ بظاهر هذا الحديث، فإنه لا يحلِّ بمجرَّد الكَسْر والعَرَج، فلا بد من تأويله، فيحمله على ما ذكرناه. قالوا: وأيضًا فإنه لا يستفيد بالحلّ زوال عذره، ولا الانتقال من حاله، بخلاف المحصر بالعدو. وقوله:«وعليه الحجُّ مِن قابل» هذا إذا لم يكن حجَّ الفرضَ، فأما إن كان متطوِّعًا، فلا شيء عليه غير هَدْي الإحصار. قال البيهقي
(1)
: وحديث الحجَّاج بن عَمرو قد اختلف في إسناده، والثابت عن ابن عباس خلافه، وأنه لا حصر إلا حصر العدوّ. تم كلامه
(2)
.
قال ابن القيم رحمه الله: اختلف العلماء من الصحابة فمَن بعدَهم فيمن مُنِعَ من الوصول إلى البيت بمرض أو كَسْر أو عَرَج هل حكمه حكم المحْصَر
(1)
في «السنن الكبرى» : (5/ 220).
(2)
هذا التعليق بطوله من قوله: «وإن صح حديث الحجاج» إلى هنا للمنذري مع تصرُّف لابن القيم فيه، وهو في (خ- المختصر)(ق 58 ب) في طرتها، وسقط من طبعة «المختصر» ، وقد ساق منه المجرِّد إلى آخر كلام البيهقي، وظنه الفقي في طبعته للمؤلف فنسبه إليه.
وكلام البيهقي في «الكبرى» : (5/ 220)، وفي «المعرفة»:(4/ 245 - 246).
بالعدوّ
(1)
في جواز التحلُّل؟ فرُوي عن ابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم: أنه لا يُحِلّه إلا الطواف بالبيت، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في المشهور من مذهبه
(2)
.
ورُوي عن ابن مسعود أنه كالمحصر بالعدوِّ، وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة وأصحابه، وإبراهيم النخعي وأبي ثور وأحمد في الرواية الأخرى عنه
(3)
.
ومن حُجّة هؤلاء: حديث الحجَّاج وأبي هريرة وابن عباس. قالوا: وهو حديث حسن يحتجُّ بمثله.
قالوا: وأيضًا ظاهرُ القرآن بل صريحُه يدلُّ على أن الحصر يكون بالمرض، فإن لفظ الإحصار إنما هو للمرض، يقال: أحْصَره المرضُ وحَصَره العدوُّ، فيكون لفظ الآية صريحًا في المريض، وحصر العدوّ ملحقٌ به، فكيف يثبت الحكم في الفرع دون الأصل؟
قال الخليلُ
(4)
وغيره: حصرتُ الرجلَ حصرًا منعتُه وحبستُه، وأُحْصِر عن بلوغ المناسك بمرضٍ أو نحوه.
قالوا: وعلى هذا خُرِّج قولُ ابن عباس: «لا حصر إلا حصر العدوّ»
(5)
،
(1)
سقطت من ط. الفقي.
(2)
ينظر «التمهيد» : (15/ 207 - 210)، و «نهاية المطلب»:(4/ 428 - 429)، و «المغني»:(5/ 203)، و «مسائل الكوسج»:(5/ 2326).
(3)
ينظر «التمهيد» : (15/ 205، 206)، و «المغني»:(5/ 203).
(4)
ذكره في «التمهيد» : (15/ 194)، وينظر «الصحاح»:(2/ 632).
(5)
أخرجه البيهقي في «الكبرى» : (5/ 219)، وفي «المعرفة»:(4/ 242).
ولم يقل: لا إحصار إلا إحصار العدوّ. فليس بين رأيه وروايته تعارض، ولو قُدِّر تعارضهما فالأخذ بروايته دون رأيه، لأن روايته حجة ورأيه ليس بحجة.
قالوا: وقولكم: لو كان يحلّ بالحصر لم يكن للاشتراط معنى. جوابه من وجهين:
أحدهما: أنكم لا تقولون بالاشتراط ولا يفيد الشرط عندكم شيئًا. فلا يحل عندكم بشرط ولا بدونه، فالحديثان معًا حجة عليكم، وأما نحن فعندنا أنه يستفيد بالشرط فائدتين:
إحداهما: جواز الإحلال، والثانية: سقوط الدم، فإذا لم يكن شرط استفاد
(1)
بالعذر الإحلال وحده، وثبت وجوب الدم عليه، فتأثير الاشتراط في سقوط الدم.
وأما قولكم: إن معناه أنه يحلّ بعد فواته بما يحلّ به مَن يَفُوته الحجّ لغير مرض، ففي غاية الضعف، فإنه لا تأثير للكَسْر ولا للعَرَج في ذلك، فإن المفوت يحل صحيحًا كان أو مريضًا.
وأيضًا: فإن هذا يتضمّن تعليقَ الحكم بوصف لم يعتبره النص، وإلغاء الوصف الذي اعتبره، وهذا غير جائز.
وأما قولكم: «إنه يُحْمَل على الحلّ بالشرط» ، فالشرط إما أن يكون له تأثر في الحلّ عندكم، أو لا تأثير له، فإن كان مؤثرًا في الحِلّ لم يكن الكَسْر والعَرَج هو السبب الذي عُلِّق الحكمُ به، وهو خلاف النص، وإن لم يكن له تأثير في الحلّ بطَلَ حَمْل الحديث عليه.
(1)
غير محررة في الأصل، ولعلها ما أثبت.