الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَزاة الفتح ولم يعتمر فيها.
24 -
باب الإفاضَةِ في الحجِّ
133/ 1915 - عن ابن عمر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفاضَ يومَ النحرِ، ثم صلى الظهرَ بمنًى، يعني راجعًا.
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه، ولفظ البخاري مختصر
(1)
.
قال ابن القيم رحمه الله: هكذا قال ابن عمر، وقال جابر في حديثه الطويل:«ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكّةَ الظهر» رواه مسلم
(2)
. وقالت عائشة: «أفاضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها»
(3)
الحديث، وسيأتي.
فاختلف الناس في ذلك، فرجَّحت طائفةٌ ــ منهم [ق 77] ابنُ حزم وغيرُه ــ حديثَ جابر وأنه صلى الظهر بمكة. قالوا: وقد وافقته عائشةُ، واختصاصها به وقربها منه، واختصاص جابر وحرصه على الاقتداء به، أمرٌ لا يُرْتابُ فيه. قالوا: ولأنه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة وحلَقَ رأسَه، وخَطَب الناسَ، ونحرَ مائة بدَنَة هو وعليٌّ، وانتظر حتى سُلِخَت، وأخذ مِن كلِّ بَدَنة بضعة، فطُبِخَت وأكلا مِن لحمها.
(1)
أخرجه أبو داود (1998)، والبخاري (1732)، ومسلم (1308)، والنسائي (4154).
(2)
(1218).
(3)
أخرجه أبو داود (1973)، وأحمد (24592)، وابن خزيمة (2956)، وابن حبان (3868)، والحاكم:(1/ 477) وصححه على شرط مسلم.
قال ابن حزم
(1)
: وكانت حجَّته في آذار، ولا يتسع النهارُ لِفِعْل هذا جميعه، مع الإفاضة إلى البيت والطواف وصلاة الركعتين، ثم يرجع إلى منى، ووقت الظهر باق.
وقالت طائفة، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية
(2)
وغيره: الذي يترجَّح أنه إنما صلى الظهرَ بمنى لوجوه:
أحدها: أنه لو صلى الظهرَ بمكة لنَابَه
(3)
عنه في إمامة الناس بمنى إمامٌ يصلي بهم الظهرَ، ولم يُنْقَل ذلك قطّ
(4)
. ومُحالٌ أن يصلي بالمسلمين الظهرَ بمِنَى نائبٌ له، ولا ينقلُه أحدٌ، فقد نقلَ الناسُ نيابةَ عبد الرحمن بن عوف لما صلى بهم الفجرَ في السفر، ونيابةَ الصديق لما خرج صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عَمرو بن عوف، ونيابته في مرضه. ولا يحتاج إلى ذِكْر مَن صلى بهم بمكة، لأن إمامهم الراتب الذي كان مستمرًّا على الصلاة قبل ذلك وبعده، هو الذي كان يصلي بهم.
الثاني: أنه لو صلى بهم بمكة لكان أهل مكة مقيمين، فكان يتعيَّن عليهم الإتمام، ولم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«أتمُّوا صلاتَكم فإنا قوم سَفْر» كما قاله في
(1)
في «حجة الوداع» (ص 295).
(2)
لم أجد بحث شيخ الإسلام صراحةً في هذه المسألة، لكن في «مجموع الفتاوى»:(24/ 125 و 157 - 159 و 26/ 130، 170) ما يشير إلى اختياره في المسألة.
(3)
ط. الفقي: «لأناب عنه» .
(4)
ط. الفقي: «أحد» بدلًا من «قط» وهو تصرف في النص، وفي ط. المعارف:«ذلك أحدٌ قط» فأضاف كلمة «أحد» ولا وجود لها في الأصل، ولعل سبب التباس الجملة أنهم قرأوا الفعل «ينقل» مبنيًّا للمعلوم، وبقراءته مبنيًّا للمجهول ينحل الإشكال.
غزاة الفتح
(1)
.
الثالث: أنه يمكن اشتباه الظهر المقصورة بركعتي الطواف، ولا سيما والناس يصلونهما معه، ويقتدون به فيهما فظنَّهما الرائي الظهرَ. وأما صلاته بمنى والناس خلفه فهذه لا يمكن اشتباهها بغيرها أصلًا، لا سيما وهو صلى الله عليه وسلم كان إمام الحجِّ الذي لا يصلي لهم سواه، فكيف يدعهم بلا إمام يصلون أفرادًا ولا يقيم لهم من يصلي بهم؟ هذا في غاية البعد.
وأما حديث عائشة فقد فَهِم منه جماعةٌ ــ منهم المحبّ الطبري
(2)
وغيره ــ أنه صلى الظهر بمنى، ثم أفاض إلى البيت بعد ما صلى الظهر، لأنها قالت:«أفاضَ مِن آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى»
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود (1229)، وأحمد (19865) من حديث عمران بن حصين، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان فيه ضعف.
(2)
المحبّ الطبري هو: أحمد بن عبد الله أبو العباس المكي الشافعي (ت 694). ينظر «تاريخ الإسلام» : (15/ 784)، و «طبقات الشافعية»:(8/ 18 - 20). وكلامه في «الأحكام الكبرى» : (5/ 265).
(3)
وسبقه إلى هذا الإمام ابن خزيمة فقال في «الصحيح» عقب حديث (2956): «وأحسب أن معنى هذه اللفظة (التي في خبر عائشة) لا تضادّ خبر ابن عمر، لعل عائشة أرادت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر بعد رجوعه إلى منى، فإذا حُمِل خبر عائشة على هذا المعنى لم يكن مخالفًا لخبر ابن عمر، وخبر ابن عمر أثبت إسنادًا من هذا الخبر، وخبر عائشة ما تأولتُ من الجنس الذي نقول: إن الكلامَ مقدّم ومؤخر
…
فمعنى قول عائشة على هذا التأويل: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه ثم رجع حين صلى الظهر، فقدَّم «حين صلى الظهر» قبل قوله:«ثم رجع»
…
».
قالوا: ولعله صلى الظهر بأصحابه، ثم جاء إلى مكة فصلى الظهر بمَن لم يصل، كما قال جابر، ثم رجع إلى منى، فرأى قومًا لم يصلوا فصلى بهم ثالثة، كما قال ابن عمر.
وهذه خرفشةٌ
(1)
في العلم، وطريقة يسلكها القاصرون فيه، وأما فحول أهل العلم فيقطعون ببطلان ذلك، ويحيلون الاختلافَ على الوهم والنسيان، الذي هو عُرضة البشر. ومَن له إلمام بالسنة ومعرفة حجّه
(2)
صلى الله عليه وسلم، يقطعُ بأنه لم يصلِّ الظهرَ في ذلك اليوم ثلاثَ مرّات بثلاث جماعات، بل ولا مرتين. وإنما صلاها على عادته المستمرَّة قبل ذلك اليوم وبعده صلى الله عليه وسلم.
وفَهِم منه آخرون ــ منهم ابن حزم وغيره ــ أنه أفاض حين صلاها بمكة
(3)
.
وفي نسخة من نسخ «السنن» : «أفاض حتى صلى الظهر ثم رجع»
(4)
. وهذه الرواية ظاهرة في أنه صلاها بمكة، كما قال جابر، ورواية «حين» محتملة للأمرين، والله أعلم.
134/ 1916 - وعن أم سلمة قالت: كانت ليلتي التي يصير إليَّ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مساءَ يومِ النحر، فصار إليَّ، فدخل عليَّ وَهْب بن زَمْعَة، ومعه رجلٌ من آل أبي أُمية مُتَقَمِّصَيْنِ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب:«هل أفَضْتَ أبا عبد الله؟» ، قال:
(1)
الخرفشة والخربشة والخرمشة: الفساد والتشويش. ينظر «اللسان» : (6/ 295).
(2)
كذا في الأصل و (ش)، وط. الفقي:«بحجته» .
(3)
ينظر «حجة الوداع» (ص 209).
(4)
نقل هذا اللفظ ابنُ حزم في «حجة الوداع» (ص 209 - 298) بإسناده إلى «سنن أبي داود» برواية ابن الأعرابي وابن داسة. وهو لفظ الدارقطني في «سننه» (2680).
لا والله يا رسول الله، قال:«انْزِعْ عنك القَمِيصَ» ، قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحِبُه قميصَه مِن رأسه، ثم قال: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: «إنَّ هذا يومٌ رُخِّصَ لكم إذا أنتم رَمَيْتُم الجمرة أن تَحلّوا، يعني مِن كلّ ما حُرِمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيتَ صِرْتُم حُرُمًا كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، حتى تطوفوا به»
(1)
.
في إسناده محمد بن إسحاق، وقد تقدم الكلامُ عليه.
قال ابن القيم رحمه الله: هذا الحديث يرويه ابن إسحاق، عن أبي عُبيدة بن عبد الله بن زَمْعة، عن أبيه وعن أمه زينب بنت أبي سلمة، يحدثانه عن أم سلمة، وقال أبو عبيدة: وحدثتني أم قيس بنت مِحْصَن، وكانت جارة لهم، قالت: «خرج من عندي عُكَّاشة بن مِحْصَن في نفرٍ من بني أسد متقمِّصًا، عشيةَ يوم النحر، ثم رجعوا إليَّ عشاءً، وقُمُصُهم على أيديهم يحملونها، فقلت: أي عُكَّاشة، ما لكم خرجتم متقمِّصين ثم رجعتم وقُمُصكم على أيديكم تحملونها؟ فقال: خيرٌ يا
(2)
أمَّ قيس، كان هذا يومًا رخَّص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا إذا نحن رمينا الجمرةَ حَلَلْنا مِن كلِّ ما حُرِمْنا منه إلا ما كان من النساء حتى نطوف بالبيت، فإذا أمسينا ولم نطف [به صِرْنا حُرُمًا كهيئتنا قبل
(1)
أخرجه أبو داود (1999)، وأحمد (26530)، وابن خزيمة (2958) ــ ومن طريقه الحاكم:«1/ 489 - 490) ــ من طريق ابن إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وأمه (زينب بنت أبي سلمة) عن أم سلمة به. وأبو عبيدة بن زمعة مستور، وقال فيه الحافظ «مقبول» يعني حيث يتابَع، وقد اضطرب في هذا الحديث على عدة أنحاء، ينظر حاشية «المسند»:(44/ 153).
(2)
تحرفت في ط. الفقي وط. «المسند» القديمة وبعض نسخه إلى: «أخبرتنا» !
أن نرمي الجمرة حتى نطوف به، فأمسينا ولم نطف فـ]
(1)
جعلنا قُمُصَنا على أيدينا»
(2)
.
وهذا يدلّ على أن الحديثَ محفوظٌ، فإن أبا عُبيدة رواه عن أبيه وعن أمه وعن أم قيس. وقد استشكله الناس، قال البيهقي
(3)
: وهذا حكمٌ لا أعلمُ أحدًا من الفقهاء يقول به. تم كلامه.
وقد روى أبو داود
(4)
عَقِبَه عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عباس:«أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخَّر طوافَ يومِ النحر إلى الليل» . وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه
(5)
، وقال الترمذي: حديث حسن، وأخرجه البخاري
(6)
تعليقًا.
وكأنّ روايةَ أبي داود له عَقِب حديثِ أم سلمة استدلال
(7)
منه على أنه أولى من حديث أمِّ سلمة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلّ قبل طوافه بالبيت، ثم أخَّره إلى الليل. لكن هذا الحديث وهم، فإنّ المعلومَ مِن فِعْله صلى الله عليه وسلم أنه إنما طاف طوافَ الإفاضة نهارًا بعد الزوال، كما قاله جابر وعبد الله بن عمر
(1)
ما بين المعكوفين مستدرك من «المسند» .
(2)
هذا لفظ أحمد في «المسند» (26531) وهو حديث الباب وقد سبق تخريجه.
(3)
(5/ 136).
(4)
(2000). وتحرف النص في ط. الفقي إلى: «عن عقبة» !
(5)
أخرجه الترمذي (920)، والنسائي في «الكبرى» (4155) وابن ماجه (3059). وفي إسناده ضعف.
(6)
(2/ 174).
(7)
الأصل و (ش، هـ) والمطبوعات: «استدلالًا» ، والوجه ما أثبتّ خبر كأنّ.